أعادت موجة الاحتجاجات الأخيرة حول المسابقة التي نظمتها رسامة أمريكية للرسوم المسيئة للرسول صلّى اللّه عليه وسلّم إلى السطح تساؤلات عديدة حول المضامين التي يقع تداولها على الشبكات الاجتماعية، لاسيما فايس بوك، وتراوحت هذه الاحتجاجات بين منع الدخول إلى الموقع في باكستان وإيران والتحذير من تنامي مواقع الفتن والكراهية والتحريض على العنف فيما وصفه بعضهم بما يشبه الحروب الصليبية الإلكترونية. وذكر مختصون في الإنترنات من جهة وفي علم النفس والأسرة من جهة أخرى أنّ هذه الشبكات الجديدة بدأت تحيد شيئا فشيئا عن أهدافها مطالبين بضرورة التوعية من مخاطرها المحتملة خاصة تلك المتعلقة بنشر العناوين والفتن والتحريض على الكراهية. أجمع وزراء الخارجية بالدول الأعضاء بمنظمة المؤتمر الإسلامي في اجتماعهم الأخير في العاصمة الطاجيكية دوشنبيه على عدم ربط الإرهاب بأي دين أو عرق أو عقيدة أو قيم أو ثقافة أو مجتمع أو جماعة. وأكدوا مواصلة جهودهم في التعاون مع الغرب على إظهار صورة الإسلام الحقيقة عبر الحوار بين الحضارات، معربين عن إدانتهم في ذات الوقت لظاهرة الكراهية للإسلام والتمييز المنهجي ضد المسلمين، ومطالبة المجتمع الدولي بالحيلولة دون التحريض على الكراهية والتمييز ضد المسلمين. وجاءت هذه الدعوة على خلفية الرسوم المسيئة للرسول خاصة بعد أن طلبت الرسامة الأميركية مولي نوريس - التي دعت إلى مسابقة لرسم النبيّ محمد صلّى الله عليه وسلّم على موقع فايسبوك الاجتماعي، وقف المسابقة وقدمت اعتذارها للمسلمين. وأثارت المسابقة التي أطلقها مستخدم للإنترنت، جدلا في باكستان التي أدانت بشدة مثل هذه الرسوم في حين جرت تظاهرات الخميس في عدة مدن باكستانية. ومنعت باكستان الأربعاء مؤقتا بأمر من المحكمة الدخول إلى موقع فايسبوك للتواصل الاجتماعي وكذلك موقع يوتيوب بسبب هذه المسابقة وذلك بعد أن طالب محامون من المحكمة العليا بلاهور بذلك. وقال المتحدث باسم هيئة الاتصالات في بيان إنّ الهيئة أمرت كافة شركات تشغيل الإنترنت في باكستان بمنع الدخول إلى موقع فايسبوك حتى إشعار آخر (...) بموجب حكم صادر عن المحكمة العليا في لاهور. وقالت مولي نوريس على موقعها الإلكتروني لم اطلب أن يكون 20 ماي اليوم الذي يصور فيه الجميع محمدا مضيفة أنّ فكرتها قد حرفت. وأضافت لم أخلق أبدا صفحة فايسبوك ولم أنظم أي شيء كي يتمكن الناس من إرسال رسوم كما أنّي لم أتلقّ أيّ رسم. وأشارت الى ان هذه الحركة يغذيها اشخاص لا يفكرون الا بوضع رسوم مشينة وهي تشكل اهانة للمسلمين الذين لم يقوموا باي شيء يسيء الى حرية التعبير عندنا. كما منعت السلطات الايرانية بدورها الدخول الى موقع «فايس بوك».. وكانت قيادة مشاة البحرية الاميركية المارينز جددت هذا الاسبوع منع جنودها الذين يشكلون قوات النخبة في الجيش الاميركي، من استخدام بعض شبكات التواصل الاجتماعي من بينها «فايس بوك» و«تويتر» لاسباب تتعلق بالامن المعلوماتي. وقال الناطق باسم المارينز اللفتنانت كريغ توماس ان الجنود منعوا من قبل من استخدام شبكات التواصل الاجتماعي بشكل عام لكن قرار الثلاثاء يوضح الاستثناءات. وكتبت قوات المارينز على موقعها الرسمي ان هذه المواقع تمثل بشكل عام مكمنا لاشخاص ومضامين سيئة النية وتشكل خطرا كبيرا اذ تتيح لاعداء محتملين الوصول الى اية معلومات تعرض عليها بدون مبرر. وعلى جنود المارينز الذين تتطلب مهمتهم استخدام هذه الشبكات طلب موافقة، يمكن ان تمنح للذين يشاركون في تحقيقات جنائية او هم على اتصال بوسائل الاعلام او يهتمون بالتجنيد، حسبما اوضح اللفتنانت توماس. واكدت وزارة الدفاع انها تعيد النظر في سياستها لاستخدام الشبكات الاجتماعية.ورغم ايجابياتها العديدة، إلا أن تعاظم مخاطر المواقع الاجتماعية في العالم على عدة واجهات واستغلالها لغير الغايات المعدة لأجلها بدأ يثير نقاشا واسعا داخل المجتمعات في عدة دول، وهو أيضا موضوع يشغل اهتمام ليس فقط الحكومات والهياكل والمؤسسات الأمنية والاقتصادية والسياسية بل أيضا نشطاء المجتمع المدني وخبراء في علم الاجتماع وعلم النفس، والمربين وخبراء التكنولوجيات الحديثة للاتصال... ويقول السيد معز الصوابني الخبير في السلامة المعلوماتية في هذا الصدد أن المواقع الاجتماعية أدخلت منعرجا كبيرا في استخدام الانترنيت بعد أن حادت عن الأهداف النبيلة التي جعلت من أجلها. وبين في تصريح ل«الصباح» أن تلك المواقع جعلت للتواصل الاجتماعي والانساني في بدايتها واستغل القائمون عليها عنصر ثقة المستخدمين فيها بما دفعهم بالإدلاء بمعلومات شخصية عن هوياتهم بدقة وميولاتهم الفكرية والعقائدية والسياسية.. وأوضح أن انضمام الملايين لتلك المواقع، جعل منها بنوك بيانات غنية وقواعد معلومات لا تقدر بثمن يتم استغلالها لغايات غير معلنة ومبيتة مثل الدعاية التجارية القائمة على ميولات واتجاهات استهلاكية لمستخدمي تلك المواقع. وحذر من أن قدرة تحكم صانعي تلك المواقع عن بعد في مستخدمي المواقع الاجتماعية والسيطرة على كل حركة يقومون بها حتى لو انخرطوا تحت اسماء مستعارة وهو ما يدل على الوجه السلبي والبشع للمواقع من جهة، ويشكل خطرا على مستخدميها خاصة الشباب والأطفال منهم. وشكك الخبير في النوايا غير المعلنة لمؤسسي تلك المواقع التي أصبحت توظف لغايات مشبوهة، لأنها مساحة مكشوفة لتبادل المعلومات والبيانات يمكن رصدها بسهولة واستغلالها في عدة اتجاهات..مشيرا إلى أهمية دور المجتمع المدني في التنبيه من الاستخدامات الدنيئة للمعلومات الشخصية، لكنه حذر من الهروب من تلك المواقع بل التوعية من مخاطرها الحقيقية. واوضح فتحي التوزري «مختص في علم النفس والدراسات الاجتماعية ان «فايس بوك» و«تويتر» وغيرها من المواقع الاجتماعية، اضحت النموذج العصري لوسائل الاعلام سريعة الانتشار وتمس مئات الالاف من التونسيين. ميزتها انها سريعة الانتشار بحجم لا مثيل له، اضافة الى قدرتها على خلق حركات تعبئة في قضايا بيئية او ترفيهية او غيرها، ولكنها تفتقر للسيطرة عليها مثلما هو متوفر في وسائل الاعلام التقليدية وخطرها انها تمس الشريحة الشبابية الواسعة (بين سن 15 و20 عاما).. على ان القضايا التي تطرحها حقيقية، هو بثها للتعصب والكراهية والعنف والتفسخ الاخلاقي بما يجعلها تسبب الكثير من المشاكل وتخلق الفوضى وتزعزع القيم المجتمعية باعتبارها منفلتة من الرقابة ومادتها سهلة الانتاج. وكان المتدخلون في ندوة انعقدت امس بسوسة حول «ملامح الاسرة التونسية وتحديات الغد» حذروا من تبعات ادمان الشباب على الانترنات حيث طالب احد الاولياء بمزيد العناية بالمضامين الاعلامية التي يمر بها «فايس بوك» حيث اصبح الكثير منها منابر للفتاوى والتحريض على الفتنة والعنف.