أوربان.. انتخابات البرلمان الأوروبي نجحت في إبطاء القطار الذي يقود أوروبا إلى الحرب    توقيع اتفاقية شراكة بين الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة و"الصوناد"    حماس ترحّب بقرار مجلس الأمن بشأن وقف إطلاق النار في غزة    الثلاثاء.. درجات الحرارة تصل إلى 45 درجة    المنتخب الهولندي.. دي يونغ عن يورو 2024    صفاقس جلسة بمقر الولاية لمتابعة اضطراب تزود المواطنين بالماء    أوروبية تعلن إسلامها في تونس ...    أولا وأخيرا.. العام صابة    عاجل/ الحوثيون يعلنون إلقاء القبض على شبكة تجسس أمريكية صهيونية..    وزيرة التجهيز تتباحث مع البنك الإفريقي للتنمية برامج تمويل المشاريع الجديدة لسنة 2025    نابل: حريق يأتي على 21 هكتار من ضيعات القوارص بمنزل بوزلفة    الإبقاء على مهدي زقروبة تحت مفعول بطاقة الإيداع بالسجن    اثر زيارة رئيس الجمهورية.. انطلاق اشغال تهيئة شاطئ الياسمينة بالحمامات    فيلم Furiosa في قاعات السينما التونسية: إعادة تعريف للبطلات النسائيات في صناعة السينما"    الجبل الأحمر: ينزلون تلميذا عنوة من المترو.. يعنّفونه.. ويسلبونه هاتفه    انطلاقا من يوم العيد في القاعات: فيلم يروي تفاصيل "اخفاء صدام حسين"    دار الافتاء المصرية : رأس الأضحية لا تقسم ولا تباع    تطاوين: وفاة امرأة إثر تعرضها لصعقة كهربائية    إشادة بالمشاركة "القيّمة" لتونس في مختلف البعثات الأمميّة لحفظ السلام    مونديال الأندية : ريال مدريد ينفي و يوضح    نقابة الصحفيين تطالب بالإطلاق الفوري وغير المشروط لكل الصحفيين المودعين بالسجن    العاصمة: عرض للموسيقى الكلاسيكية بشارع الحبيب بورقيبة في هذا الموعد    عاجل/ إختفاء طائرة تُقل نائب رئيس هذه الدولة    نابل: تسجيل 27 حالة غش منذ إنطلاق امتحان الباكالوريا 2024    السن الواجب مراعاته في الأضحية    نصائح لمطبخ صحي ونظيف في عيد الإضحى    عاجل/ مجلس وزاري يتخذ هذه القرارات..    للحدّ من الهجرة غير النطامية.. توقيع اتفاقية بين تونس وإيطاليا    نحو تعيين مباراة الكاس الممتازة للموسم الرياضي 2021-2022 بين الترجي الرياضي و النادي الصفاقسي    عاجل/ حادث اصطدام سيارة بعربة مترو بهذه الجهة..وهذه حصيلة الجرحى..    الكشف عن مذبح عشوائي للدواجن في أريانة    الخطوط التونسية تستعدّ: خط مباشر بين تونس والصين ابتداء من 2025    وزير الفلاحة: التغيرات المناخية خطر وعلى الدول الصناعية الكبرى تحمّل مسوؤلياتها    مطار قرطاج : ضبط أكثر من 1.5 كغ من المعدن الأصفر لدى مسافرتين    عيد الاضحى : ما هي أضرار شواء اللحوم ؟    الداخلية تعلن عن الاستعدادات الخاصة بعودة التونسيين بالخارج    لقاح للقضاء على السرطان ماالقصة ؟    الحماية المدنية: 18 حالة وفاة في يوم واحد    قفصة: موظّف متورّط في ترويج أقراص المخدّرات    عاجل : رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو يستقيل    في حادثة صادمة: سيجارة إلكترونية تتسبب في انفجار رئة مراهقة..!!    تونس: إقبال كثيف على أضاحي العيد بالميزان    عاجل : ارسين فينغر في تونس و هذه التفاصيل    قطاع التامين: أقساط صافية ب 1148.2 مليون دينار في الربع الأول من العام    خبر غير سار لأحباء لاعبة التنس أنس جابر    إيطاليا تهزم البوسنة 1-صفر في المباراة الودية الأخيرة لها قبل بطولة أوروبا    حالة الطقس: الحرارة بين 25 و45 درجة مع ظهور الشهيلي بالجنوب    فرنسا تتعادل سلبيّا مع كندا في اختبارها الأخير لكأس أوروبا    بعد انسلاخ غانتس عن نتنياهو...حكومة الدم تنهار    دليل الأسبوع    فضيحة مدوية بعد انتحار 12 جنديا بسبب أهوال الحرب ..لعنة غزّة تفتك بجيش الاحتلال    معرض صفاقس الدولي الدورة 58 من 21 جوان الى 7 جويلية    الفلبين: تحظر واردات الدواجن من أستراليا لهذه الأسباب    مريم بن مامي: ''المهزلة الّي صارت في دبي اتكشفت''    موعد عيد الاضحى: 9 دول تخالف السعودية..!!    تطاوين : بدء الاستعدادات لتنظيم الدورة السابعة للمهرجان الدولي للمونودراما وإسبانيا ضيف شرف    هند صبري تلفت الأنظار في النسخة العربية لمسلسل عالمي    مُفتي الجمهورية : عيد الإضحى يوم الأحد 16 جوان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جذور الاستبداد في الوطن العربي
نشر في الحوار نت يوم 19 - 06 - 2010

من التجارب الفاشلة الى الديمقراطية المغشوشة جذور الاستبداد في الوطن العربي
المنطقة العربية من العالم الإسلامي لم تكن مقسمة، ولم تكن محكومة بنظام سياسي معين باستثناء نفوذ الخلافة العثمانية عليها، أما بعد التقسيم فقد نشأ النظام السياسي العربي مقسما على أساس رؤيتين:
1- نظام تقليدي وراثي رجعي على طريقة وطبيعة الملك العضوض الذي أنهى منذ وقت مبكر نظام الشورى الإسلامي، والذي يعتبر نفسه إسلاميا أو على الأقل ليس بعيدا عن النظام الإسلامي. فقد جاء هذا النظام وفيا لعلاقاته المختلفة وارتباطه الوثيق المتواصل مع المحتل الغربي، واستمر على وفائه وولائه له إعجابا أو استحبابا أو مصلحة. والذي زاده حرصا على المحافظة على تلك العلاقة والحرص على زيادة تمتينها التهديد السوفياتي والخطر الذي يمثله نظامه السياسي بالصفة والطبيعة العنيفة والإلحادية على المنزع التقليدي الإسلامي لتلك الأنظمة، وعلى النسيج الاجتماعي الهش. وهو النظام الذي كان يلتمس منذ البداية الحل للقضية الفلسطينية لدى أمريكا والمعسكر الغربي على قاعدة فيك الخصام وأنت الخصم والحكم. وهو نظام ليس إسلاميا شوريا ولا رأسماليا ليبراليا ديمقراطيا. فهو نظام لا طعم ولا لون ولا رائحة له. وهو نظام تبعا للنظام الغربي الاستعماري، وليس للنظام الغربي الديمقراطي.
2- نظام اشتراكي تقدمي: فإذا كان النظام التقليدي وراثيا منذ البداية، فإن النظام السياسي القومي العربي الاشتراكي كان نظاما عسكريا قهريا عنيفا منذ البداية كذلك بالنظر لطبيعته العسكرية، ليستمر وراثيا انقلابيا بعد ذلك. وكانت القضية الفلسطينية حاضرة في خطابه بقوة، ويزعم أنها تتصدر اهتماماته. والحقيقة أنه أشعل حروبا مع الكيان الصهيوني من أجل تحرير فلسطين التي كانت محور صراع واحتكاك بين نوعي النظام السياسي العربي في الوطن العربي، في إطار الصراع الدولي والحرب الباردة، التي ظلت قائمة بين المعسكرين حتى سنة 1989، حيث كان سقوط الحتمية التاريخية للنظرية العلمية الماركسية القائلة بأن العبور إلى مرحلة الشيوعية يقتضي حتما المرور بالمرحلة الرأسمالية التي يجب أن تترك مكانها للاشتراكية العلمية التي بها وحدها وبها وحدها تتوحد الشعوب وتسعد.
وبهذا الانقسام الدولي العالمي ازداد العرب انقساما وبعدا عن الوحدة العربية عوض أن يزدادوا انسجاما وقربا منها.
وكان من بين أوجه هذا الانقسام القومي العربي ظهور النظام العلماني العربي في مستويين:
1- المستوى القومي العربي الوحدوي التقدمي المنقسم على نفسه إلى أكثر من نسخة (كالنظام الناصري بالقاهرة ونظام البعث السوري بدمشق ونظام البعث العراقي ببغداد والنظام الاشتراكي اليمني بعدن).
2- المستوى الإقليمي الاشتراكي وهو الأقل حدة في النزعة القومية الوحدوية (كنظام بورقيبة الاشتراكي الدستوري بتونس والنظام الاشتراكي لهواري بومدين بالجزائر.)
هذه النسخ المختلفة للنظام القومي الاشتراكي الوحدوي والإقليمي، كان النظام القومي العربي التقليدي الرجعي فيها أقرب بعضه إلى بعض، وأقرب إلى الانسجام والوحدة منه إلى الانقسام والفرقة.
لم يفشل هذا النظام القومي العربي الاشتراكي والإقليمي الأقل إيمانا بالوحدة العربية في تحقيق الوحدة والحرية والاشتراكية فقط، ولكنه إضافة إلى تكريس مزيد من الإقليمية والانفصال والفرقة والانقسام للمكونات الجغرافية والشعبية للوطن العربي قد تعدى ذلك إلى إحلال مزيد التفكك والانقسام في النسيج الاجتماعي، على أساس سياسي وفكري وثقافي، إضافة إلى التقسيم التقليدي القديم على أساس العشيرة والعائلة والقبيلة والطائفة وغيرها...
الديمقراطية والحقوق الغائبة في الوطن العربي
في ظل هذه الطبيعة العسكرية والتقليدية للنظام القومي العربي في الوطن العربي، وفي هذا الإطار الدولي والعالمي، لم تجد أي من هذه النسخ طريقها لنظام ديمقراطي، حتى تلك التي كانت وفية للنظام الاستعماري الغربي، الذي كانت كلها على طريقته القمعية في الأطراف، ولم تكن أي منها على طريقته الديمقراطية في المركز، حتى انتهت الحرب الباردة إلى ما انتهت إليه، ولم يبق بد أمام أي من نسخ النظام القومي العربي الرجعية منها والتقدمية من القبول بالأمر الواقع الدولي، الذي لم يعد مقبولا فيه أي نظام آخر غير النظام الديمقراطي. وسرعان ما أصبحت القومية والوحدة والاشتراكية والحرية والتقدمية والرجعية من مفردات الماضي. وسرعان ما انقلبت كل الدكتاتوريات العربية على خطابها لتصبح الديمقراطية خيارها السياسي الذي يجب أن يحترم تدرجها فيه، والتي أصبحت قادرة على المزايدة على القوى الوطنية الداخلية المختلفة التي قدمت الشهداء وعاشت المعاناة الكثيرة عقودا من الزمن في مواجهة هذه الأنظمة نفسها من أجل الديمقراطية والهوية في الوطن العربي كله.
لقد كان بعض التماهي من بعض الأنظمة العربية مع الضغط الجماهيري ومع ضغط قوى المجتمع المدني، لإحداث بعض التنازلات مكرهة باتجاه القبول والسماح والاعتراف القانوني ببعض المكونات السياسية المعارضة، سواء كانت من جنسها وعلى مرجعيتها الثقافية ومن طبيعتها السياسية أو الفكرية أو القبلية أوالعشائرية أو غيرها، لإحداث توازنات داخلية تخفف عنها الضغط وتنزع به الصاعق الذي كان يمكن أن يفجر الوضع على نحو غير معلوم ولا مأمون النتائج، قبل اختلال التوازن الدولي بسقوط المعسكر الاشتراكي، ليس اقتناعا من قيادات هذه الأنظمة بالخيار الديمقراطي، ولم تكن يوما ديمقراطية ولا لها علاقة بالفكر الديمقراطي والثقافة الديمقراطية، وأن كل الذي كان لها به علاقة متطورة، ومن أكبر قناعاتها ومن طبيعة تفكيرها وأنظمتها، وما تعتبر أنه لا تحقق لمصالحها بدونه، هو الاستبداد والتسلط والقهر.
ولقد أصبحت الدكتاتوريات العربية أشد قسوة وأكثر انحرافا بعد أن تدثرت بعباءة التعددية الحزبية، وقد أصبح لا معنى للديمقراطية عندها.
ليس للديمقراطية في النظام العربي في الوطن العربي معنى سوى القبول القانوني للآخر المخالف سياسيا، ليس بشروط ولا بقوانين متفق عليها، ولكن بشروط وقوانين أحادية الجانب. فقد تحولت القيادات الدكتاتورية للنظام العربي إلى منظم للحياة السياسية بمعنى التعددية الحزبية بطرق وأساليب استبدادية أخرى كانت وحدها المشرفة على وضعها وتنظيمها.
وبحكم الطبيعة الاستبدادية وغير الديمقراطية لرموز النظام العربي وللنخبة الخادمة لهم، فقد كانت ذريعتهم في البداية في عدم القبول بوجود معارضة أصلا، وبعدم الاستجابة لمطالبها في حياة ديمقراطية ومنافسة سياسية وتداول سلمي على السلطة، وكانوا يرون أن الحل الوحيد أمامهم هو استئصالها، شأنهم في ذلك شأن كل الأنظمة الثورية التقدمية الرافضة للديمقراطية من منطلق مبدئي في العالم، وجود الكيان الصهيوني، وكذلك كان الأمر بالنسبة للأنظمة التقليدية الرجعية والعلمانية المزيفة، وكان الكل يعتقد أن بوجوده ذاك لا يمكن إيجاد حياة ديمقراطية، وهي غير جائزة وغير ممكنة ولا تستقيم في نظرهم بوجوده بالمنطقة العربية. وهو الذي يمثل معنى من معاني الديمقراطية على شاكلته وعلى طريقته ومن خلال طبيعته العنصرية شئنا أم أبينا. وهي إحدى مصادر قوته، إضافة إلى الدعم الغربي الأمريكي والضعف والاستبداد العربي.
لقد كان الوضع السياسي الذي ترك عليه الاحتلال الغربي الوطن العربي، وكل إن لم يكن جل أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين، مهيئا أكثر لحياة ديمقراطية. إلا أن النظام العربي البديل قد أجهز عن ذلك، وكانت مهمته منذ البداية التوجه صوب إنهاء أي مظهر وسبب ومكون من مظاهر وأسباب ومكونات الحياة الديمقراطية. فقد كان نظام قتل للديمقراطية بامتياز لاعتبارات ومبررات وذرائع وأسباب كثيرة زائفة وغير مبررة ومن منطلقات ثلاث:
1- لأنها حرام وكفر من منطلق ديني بالنسبة لبعض الأنظمة، التي تعتبر نفسها إسلامية، باسم الإسلام.
2- وهي كفر كذلك في نظر الأنظمة التقدمية العربية باعتبارها ثقافة بورجوازية وخدعة للجماهير وتمثيل عليها لا لها.
3- أما المنطلق الثالث فإن الشعوب، في نظر أنظمة أخرى، مازالت غير مهيأة لها، وكأنها غير مهيأة إلا لحكم الاستبداد، الذي يمكن له وحده أن يرتقي بها ذات يوم إلى المستوى الذي يمكن أن تكون جديرة فيه بحياة ديمقراطية... !
فكيف لأنظمة عسكرية وطبقية وفئوية وقبلية وعشائرية وطائفية وعائلية أن تكون أنظمة ديمقراطية، أو يمكن أن تقيم نظاما ديمقراطيا؟
أما العامل الآخر الذي كان من بين عوامل كثيرة من موانع القبول بإقامة أنظمة ديمقراطية في الوطن العربي، إضافة إلى ما سبق ذكره وإلى ما سنأتي على ذكره لاحقا، ما في الموروث الثقافي السياسي الإسلامي من أدب وتقاليد للاستبداد، كان قد أسس لها انقلاب الملك العضوض على نظام الشورى الإسلامي. وهو الذي بدأ به العد التنازلي لقوة المسلمين مهما بدا عليهم من مظاهر القوة وما ظلوا يملكونه من أسبابها.
فقد كان طبيعيا بمقتضى ذلك ولهذه الأسباب ولتلك المبررات، أن لا يكون الأصل في نظام الحكم في الوطن العربي إلا استبداديا، وأن تضيع فيه كل الحقوق، وأن تكون كل المنظومة المحققة لنهضة عربية إسلامية شاملة منهارة فيه.
أما الوجه الآخر للحقيقة، حتى لا تكون الأنظمة السياسية في الوطن العربي هي المسؤولة وحدها عن غياب الديمقراطية، فتمثله النخبة في المعارضات المختلفة التي ليست، من خلال بعض التجارب، أحسن حالا في الحقيقة من تلك الأنظمة نفسها. فهي إما حليفة لها أو قريبة منها، وحتى تلك المعارضة لها حقيقة والبعيدة منها، فقد أثبتت الأيام أنها كانت أكثر دموية وإرهابا واستبدادا منها. وقد كان ذلك منها خاصة مع وجود الحركة الإسلامية، التي تختلف اختلافا بينا مع الأنظمة والمعارضات العلمانية. وهي وحدها التي يمكن أن نقول بارتياح إنها كانت تمثل المعارضة الحقيقية الصحيحة. وهي التي جعلت، بحكم طبيعتها الإسلامية، من المعارضة العلمانية الليبرالية للأنظمة التقليدية نفسها محافظة دائما على صلة قرابة منها. وهي التي كان وجودها سببا في محافظة مكونات الحركة العلمانية القومية منها واليسارية الماركسية والليبرالية الديمقراطية على صلة قرابة بالأنظمة العلمانية.
فالليبراليون في الكويت اليوم مثلا، هم الأقرب إلى نظام الوراثة العائلي من الحركة الإسلامية، بالرغم من حصول الجميع على اعتراف قانوني بالمشاركة في الحياة السياسية. وكذلك الأمر في السعودية وغيرها من دول الخليج العربي. بل هناك من قبل من هذه الأنظمة بعلاقة باليسار الماركسي واعتراف قانوني به، مقابل عدم اعتراف بالحركة الإسلامية أو ببعض مكوناتها. وإذا كان لابد من ذلك فبشروطها كالنظام التقليدي الملكي في المغرب والنظام الأسري بتونس...
أما التجربتين الأسوأ في العلاقة بين مكونات الحركة العلمانية اليسارية منها والقومية بالنظام السياسي العلماني الاستبدادي، التي استوت فيها هذه المكونات، التي من المفروض أنها في المعارضة بالنظام، فكانت جلية وواضحة في سوريا وتونس، حيث لم تكن من المعارضة الديمقراطية في شيء، وحيث لا يمكن بذلك أن يقوم نظام ديمقراطي حقيقي في كلا البلدين. وذلك ما حصل وما هو حاصل فعلا عندما التحقت المعارضة العلمانية بالنظام الاستبدادي الطائفي في سوريا في إطار ما يعرف بتكوين الجبهة القومية التقدمية في مواجهة الحركة الإسلامية، التي لم يكن لها من مطلب سوى الاعتراف القانوني بها والمشاركة القانونية في الحياة السياسية وإدارة الصراع سلميا وديمقراطيا من أجل الوصول إلى السلطة. أما في تونس فقد كان الوضع مختلفا قليلا، حيث كان التحاق المعارضة العلمانية، ولنفس السبب، بالنظام في مستويين رئيسيين اثنين:
- فقد تمثل المستوى الأول في التحاق أعداد كبيرة من المناضلين القوميين واليساريين بالحزب الاشتراكي الدستوري، الذي أصبح التجمع الدستوري الديمقراطي، لتكوين إطار تنظيمي واحد مشترك يجتمع فيه الجميع تجاوزا لكل الخلافات والتناقضات التي كانت قائمة بينهم.
- أما المستوى الثاني، فقد تمثل في عازل حزبي علماني لائكي هش ضعيف، أقرب ما يكون من النظام ومكون من مكوناته، ليكون ممثلا لتعددية حزبية مغشوشة لا علاقة لها بالمعارضة الجادة التي تقتضيها الحياة الديمقراطية. وتلك هي مسؤولية النخبة التقليدية والليبرالية والقومية والماركسية اللائكية في الوطن العربي على صناعة الاستبداد وتأبيده، وعلى غياب الديمقراطية وحقوق المواطنة.
وإذا كانت الديمقراطية مقترنة بالحقوق الكاملة للمواطن، فإن التجارب الحاصلة في الوطن العربي وفي العالم الإسلامي، مع بعض الاختلاف، كانت مقترنة بالاستبداد والإلحاق الثقافي والسياسي والحضاري. فكان ينبغي بناء على ذلك أن تكون الديمقراطية في أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين غائبة، وكان ينبغي أن تكون الحقوق ضائعة.
فكان ينبغي أن تكون الديمقراطية غائبة وكان ينبغي أن لا يستطيع العقل العربي المسلم أن يحقق هذا النظام لغرابته عن البيئة والمناخ والوسط الطبيعي والاجتماعي، ولاستحالة استلهامه استلهاما كاملا للثقافة الغربية والبيئة والمناخ والوسط الطبيعي والاجتماعي الغربي، الذي ولدت ونشأت فيه الديمقراطية وتطورت، لأن المتاهة التي انصرف إليها، ليس العقل العربي الإسلامي وحده بل حتى الغربي نفسه، أن النظام الديمقراطي ليس رهين المكان والزمان، ولا يمكن أن يكون صالحا لكل زمان ومكان، إضافة إلى عزم غربي صهيوني على عدم إفساح المجال للنظام الديمقراطي أن يكون له مكان في أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين خاصة. لهذه الاعتبارات وغيرها، أرى أنه من الطبيعي ومن المنطقي ومن العقل أن يجد المشروع الغربي الثقافي والسياسي نجاحا أكبر في المساحات التي جعل منها الغزاة الغربيون أوطانا بعد أن لم تكن كذلك تاريخيا في أي مرحلة من مراحل التاريخ في إفريقيا وغيرها من المناطق التي لم تعرف في تاريخها ازدهارا ثقافيا وتقدما علميا وحضارة، وجعل من قبائلها البدائية غير ذات الثقافة ولا التاريخ ولا الحضارة شعوبا. وكان طبيعيا ومنطقيا أن تجد التجارب الديمقراطية طريقها في إفريقيا نجاحا أفضل مما لقيته في الوطن العربي وفي العالم الإسلامي، بالرغم من وجود بعض التجارب التي يمكن أن تحقق بعض النجاح وبعض التقدم والاستقرار والتنمية فيه وتؤسس لمفهوم المواطنة، ويمكن أن تضمن حقوق الناس من حرية وعدل ومساواة وعدالة وأمن وأمان واستقرار...ولكنها لا يمكن أن تستقر على ذلك ولا يسمح لها بما يمكن أن يتحقق لها من مكاسب من خلال ذلك.
ونحن نرى المعاناة التي تعاني منها التجربة الماليزية والتجربة الإندونيسية والضغوط التي تمارس على التجربة التركية من الداخل والخارج وغيرها من التجارب غير الغربية حتى في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، لما يمكن أن تمثله من تهديد على الشركات والمصالح الغربية والصهيونية.
وهي القوى الدولية التي تتمعش من الاستبداد، والتي لا مستقبل لها بدون وجوده. وهي الراعية للنظام الديمقراطي الغربي والممولة له. بل هي القوى المالية والعلمية والاقتصادية والفكرية والثقافية المؤسسة له.
فكيف يمكن أن لا تغيب الديمقراطية في أوطان لا تملك النخبة العلمانية اللائكية فيها الحد الأدنى من الثقافة الديمقراطية، ولا معنى للديمقراطية في أوساط جماهير الشعب فيها. بل الأكثر من ذلك، فإن اللفيف الأكبر الذي استهوته الثقافة الاشتراكية والشيوعية، بما حملته من شعارات الحرية والعدل والمساواة، ومناهضة الإمبريالية والصهيونية، ومناصرة قوى التحرر في العالم، من هذه النخبة، كان معاديا للقيم والمبادئ الديمقراطية الغربية. وقد كانت تونس، كما هو معلوم، من البلاد التي لم تعرف نخبة علمانية ليبرالية ديمقراطية محترمة، وكان الإسلاميون الجهة والمكون الأكبر والأفضل في فهمه للديمقراطية وللقبول بها وفق قراءة نقدية لها، لما كان فيها من حكم يستفاد منها في إطار العمل على تطوير المشروع الإسلامي، الذي يقبل بأحسن ما في النظام الليبرالي الديمقراطي، ويرفض ما فيه من علاقة بالدين وما فيه من استغلال ونهب وانحلال، وبأحسن ما في النظام الاشتراكي، ويرفض ما فيه من قيم ومبادئ مخالفة للنظام الإسلامي، وبأحسن ما في نظام ما يسمى بالاشتراكية العلمية مما جاءت داعية له من عدل ومساواة وعدم استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، وترفض الاعتداء على حق الملكية وعلى ازدراء الأديان ومعاداتها وعلى الإيمان بالعنف فيها... طبيعة التجارب الديمقراطية في الوطن العربي
فإذا كانت تلك طبيعة النخبة في الوطن العربي، فكيف يمكن أن يكون فيه نظام ديمقراطي؟
فالديمقراطية العربية في الوطن العربي هي الديمقراطيات الاستبدادية في الأطراف التي لا معنى فيها للمواطنة ولا لسيادة الشعب وحكم نفسه بنفسه، ولا للحريات العامة كحرية التعبير والإعلام والتنظم ولا للتداول السلمي على السلطة، ولا مساواة ولا عدل ولا عدالة، ولا مراقبة ولا شفافية ولا نزاهة فيها...هي ربيبة الديمقراطيات الإرهابية العنصرية ذات الطبيعة الاستعمارية التوسعية في المصدر الحليف الإستراتيجي للصهيونية العالمية المعادية للإنسان، وهي من إنتاجها والداعمة لها. فكيف يمكن أن يكون النظام ديمقراطيا إذا كان لا معنى فيه للإنسان ولا قيمة فيه لمعنى المواطنة؟
لم يكن التوجه الديمقراطي المعلن في الوطن العربي خيارا، ولكنه كان بناء على ضغوط شعبية داخلية جاءت متزامنة مع طلب خارجي، كانت الحاجة والمصلحة تقتضيه، إنقاذا للموقف أحيانا، واختيارا استباقيا أخرى، درءا لحدوث أي مفاجأة غير سارة، أو حدوث ما لم يكن في الحسبان كما حصل في إيران سنة 1979.
وإذا كان ليس هناك من حديث في الوطن العربي اليوم إلا عن الديمقراطية وعن القرارات الشجاعة والجريئة التي يأخذها الاستبداديون في إقامة الديمقراطية، فنحن نعيش عصر ديمقراطية القرارات الفوقية لا ديمقراطية الشعوب. ديمقراطية التعديدية الحزبية المغشوشة كتلك القائمة في تونس وسوريا ومصر، وبدرجة أقل في لبنان وفي الكويت وفي المغرب وفي السودان وفي الجزائر وفي الأردن، أما عن ليبيا فحدث عن البحر ولا حرج.. ديمقراطية مسقطة لحق الشعب في السيادة والقيادة.
ديمقراطية ليس لأي جهة فيها نفوذ وسطوة أكبر وأكثر من نفوذ وسطوة البوليس، والتي لا حق فيها للمواطن الذي لا إنسانية ولا مواطنة له.
فالديمقراطية العربية لا حق فيها للمواطن الفاقد لهذه الصفة في الترشح الحر للانتخابات، ولا حق له في الانتخاب بحرية ولا في الاقتراع السري أحيانا. وهي ديمقراطية الانتخابات المزورة والمحسومة نتائجها سلفا لصالح المستبد الأكبر... مرشح المؤسسة العسكرية أو الحزب الحاكم أو العشيرة أو القبيلة أو الطائفة، إضافة إلى القيادات المؤبدة المتوارثة للسلطة، كالأنظمة الملكية التي للملك فيها النفوذ الكامل، بخلاف ما هي عليه نفس الأنظمة الملكية في الغرب، حيث لا يكاد أحد يعرف ملوكها أو يسمع بهم، حيث يوكل الأمر كله وفق صيغ قانونية وسياسية إلى رؤساء الحكومات، وكذلك الأمر بالنسبة حتى لبعض الأنظمة الرئاسية... فلا وجود ولا قيمة للنظام البرلماني في النظام السياسي العربي، حيث لا معقب لقول الرؤساء والملوك فيه، وحيث لا سبيل لانتخابات تشريعية لا يكون فيها حزب الحاكم رئيسا كان أو ملكا هو المتحصل على الأغلبية المطلقة من المقاعد. وإذا كان من الملوك من لا حزب له، فلا قيمة في النظام لأي أغلبية حزبية أخرى تقريبا، لأن الملك والرئيس في النظام العربي فوق القانون الأحزاب وفوق الأغلبية البرلمانية. تلك طبيعة وخاصية النظام الديمقراطي العربي. فالنظام الديمقراطي العربي هو نظام هيمنة الملوك والرؤساء على كل شيء.
فإذا كان النظام الديمقراطي الغربي نظام فصل بين السلطات، حيث لا معنى ولا قيمة للديمقراطية بدون ذلك، وحيث تجد حقوق الناس طريقها إليهم، فإن النظام الديمقراطي العربي هو نظام جعل كل السلطات في قبضة الزعيم ملكا كان أو رئيسا، حيث لا حق ولا مصلحة لأحد عنده إلا ما كان يقتضيه السير العادي اليومي للوضع العام، الذي لا يمكن للحياة أن تتوقف فيه وحيث لا بد أن تتحرك على أي نحو وبأي اتجاه، وحيث لا حق للرعايا إلا ما يجود به عليهم أولياء النعمة من أولئك الملوك والرؤساء.
فكيف يستقيم الحديث عن ديمقراطية في الوطن العربي، وهي المنطقة التي لم يحسم فيها الخيار الثقافي والحضاري الذي يمكن أن تقوم عليه تجربة ناجحة، والذي مازال موضوع صراع وجدل وتنازع بين مختلف مكونات المجتمع والنخبة فيه. فالتجربة الديمقراطية المغشوشة الفاسدة قائمة على غير أساس فكري وثقافي واضح. فلا هي كانت على الطريقة الغربية ولا على أساس الفكر والثقافة الغربية، ولا هي على أساس المرجعية الثقافية العربية الإسلامية. وبذلك كان يجب أن تكون كذلك، وبذلك يكون من الأصح الحديث عن غياب الديمقراطية الشعبية الجماهيرية التي تكون الشعوب، من خلال مرجعيتها الثقافية الأصيلة، هي المحددة لها، ومن خلالها وحدها لا تضيع الحقوق كل الحقوق.
فأي معنى لديمقراطية تكون فيها البلاد خاضعة لعقود من الزمن للأحكام العرفية، وقانون الطوارئ معلنا كان أو غير معلنا مثلما هو حاصل ويحصل في تونس ومصر والجزائر وسوريا، حيث لا يكون انتظام الوضع العام والشأن العام على أساس الدستور والقانون، لأنه لا ديمقراطية صحيحة وحقيقية بدون مرجعية ثقافية أصيلة ومؤسسات وقانون. ودولة المؤسسات والقانون تلك، هي وحدها الدولة الديمقراطية حيث يكون الشعب هو صاحب السيادة، وحيث يتمتع المواطنون فيها بكل حقوقهم من خلال الفصل بين السلطات واستقلالية القضاء والإعلام الحر، وانتخابات حرة ونزيهة وتمثيل حقيقي وصحيح للشعب، حيث لا حقوق له بدون ذلك.
خلاصة القول:
في الوقت الذي يطرح فيه الإسلاميون ومن خلفهم المسلمون المشروع الإسلامي وحل النظام الإسلامي الذي مازال غير مدروس دراسة نهائية، وغير مجرب في الراهن التاريخي والحضاري، والذي مازال في حاجة إلى الإجابة عن الكثير من الأسئلة، وهو المقيد فيه العقل بضوابط وثوابت الوحي ضبطا وتوجيها وترشيدا، يعمل فيه الغرب بعقل متحرر من كل القيود حتى العلمية في الكثير من القضايا أحيانا إلى حد الانفلات، على فرض تصوراته وثقافته ونظامه السياسي الديمقراطي. هذا النظام الذي لا يريد أن يكون في الأطراف على النحو الذي هو عليه في المركز، لما يخشى أن يكون به صلاح الشعوب لما فيه من الكثير من الحكم والإيجابيات، بالرغم مما لنا عليه من الملاحظات والتحفظات، وما لنا له من النقد والانتقاد، وما نحصي له من سلبيات ونقائص باعتبار مصدره البشري، بالرغم مما له من أصل في التوراة والإنجيل، في قضايا الثقافة والهوية. وكان من نتائج هذه العملية هذه النسخ المشوهة من النظام السياسي العربي في الوطن العربي.
وإذا كان الغرب لا يقبل بأي بديل عن النظام الديمقراطي، وإذا كان لا يفرض على شعوب غير الرجل الأبيض إلا نظاما استبداديا بقشرة ديمقراطية مغشوشة مسمومة لا قيمة فيها للإنسان العربي المسلم ولا حقوق له فيها، وإذا كانت قيادات النظام العربي لا تريد إلا أن تكون قيادات استبدادية قهرية فرعونية، فإن ذلك لا يعني أننا لسنا في حاجة لنظام ديمقراطي ولا نقدر على تحقيقه، وهو النظام الأفضل إلى حد الآن على تنظيم الانقسام الثقافي والديني والسياسي والاجتماعي، حتى نستطيع أن نبلور نظاما سياسيا على أساس مرجعي أصيل غير غربي. فقد أصبح النظام الديمقراطي ضرورة في أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين، بعد الفوضى التي أوجدها انحطاط واستبداد نظام الخلافة المنهار، والاستعمار واستبداد الدولة العلمانية الحديثة. هذه الضرورة التي مازالت مستعصية وحولها جدل وخلاف كبير، هي التي لابد منها، وإن كانت غير سهلة المنال للكثير من الاعتبارات السالف ذكرها.
إن الانتقال المرحلي إلى النظام الإسلامي يقتضي في هذا الوضع الذي تعيشه الأمة والعالم من حولها ضرورة المرور بالمرحلة الديمقراطية، اعترافا بأمر واقع أولا، ثم إيمانا بضرورة التجاوز باعتبار أن الديمقراطية في نظري لا يمكن أن تكون هي نهاية المطاف، خاصة بالنسبة للمسلمين. وأن حلول بعض مشاكل الأمة تمر حتما بالنظام الديمقراطي والنظام الديمقراطي وحده، طالما أن النظام الإسلامي مازال محل جدل وغير مكتمل شروط الوجود. هذا النظام الذي لا يمكن أن يظل النظام الوحيد للأمم والشعوب. وهو الذي لا بد له من بديل سيجد العالم في يوم ما نفسه في حاجة إليه. وهو النظام الآخذ بالترنح وبدت الكثير من عوراته تظهر للعالم، وأصبح يظهر فيه من القصور ما يهدد العالم بالانهيار.
فإذا كان المسلمون في حالة انتظار وترقب وقلق، لأن النجاح لم يحالفهم إلى حد الآن لإقامة نظام ديمقراطي بدا صعب المنال على طريقتهم، وإن كانت النخبة التغريبية تعمل على إقامته على الطريقة الغربية عن طريق الانقلاب عن المجتمع وقلبه صوب طبيعة المجتمعات الغربية، وهي عملية مستحيلة ليست إلا من قبيل إضاعة الوقت وتفويت الفرص، وإذا كان المرور للنظام الإسلامي الذي يجب أن تتوفر له أسباب النجاح ليعبر بالأمة إلى بر الأمان مازال متعذرا، وإذا كان هو النظام الذي لا بد منه لأمة العرب والمسلمين لما يكونوا عليه من إثم حتى يقيموه لأنه النظام الوحيد الذي تجوز وتصح عبادة الله لهم به، وهو الذي لا يقام إلا عبر طرق أربعة:
1- طريقة الانقلاب العسكري
2- طريقة الجهاد والمقاومة المسلحة
3- طريقة الثورة الشعبية
4- طريقة الصراع الديمقراطي السياسي المدني السلمي
وإذا كان قد ثبت فساد وفشل الطريقة الأولى والثانية، فإن هذا النظام لا يقوم إلا بالطريقة الثالثة والرابعة، وهما الطريقتان اللتان للشعب وحده تحمل مسؤولياته فيهما عنفا وسلما، وإذا كان المجال مفسوحا دائما للشعوب لتقول كلمتها في الوقت المناسب كما في الكثير من الثورات والتحولات الشعبية الجماهيرية في العالم، وليس مثال قرغيزيا منا هذه الأيام ببعيد، فإن العمل على إرساء قواعد وإعداد أوضاع وقدرات لنظام ديمقراطي يستعيد فيه الفرد مواطنته، ويستعيد فيه الشعب سيادته والكثير من حقوقه السياسية المسلوبة تبقى مطلوبة، ليظل الصراع السياسي متواصلا باتجاه تحقيق المكاسب، وحسم الصراع الفكري والسياسي والثقافي لصالح أغلبية شعبية جماهيرية مطلقة ، وهي وحدها القادرة على تحمل مسؤولياتها في إحداث التغيير المناسب الذي نريد، ولا يمكن في بلاد شعوب أمة العرب والمسلمين أن لا يكون بغير اتجاه الإسلام ونظام الشريعة الإسلامية العادل، الذي به وحده تكون قد انتهت إلى النظام الأعدل الذي لا تكون الديمقراطية، بما فيها من إيجابيات وحق وعدل وحرية، إلا مرحلة سابقة له، إذا ما كانت طريقة الصراع الديمقراطي هي الطريقة المعتمدة والمتبعة في الإنتهاء إلى الحل النهائي الذي لا تكتمل إنسانية الإنسان إلا به، ولا ينال كل حقوقه إلا فيه. وإذا كان النظام الديمقراطي المنشود يحقق للإنسان كل حقوقه المادية والمعنوية تماما كما تتحقق له في النظام الإسلامي المنشود، فإن الإضافة اللازمة والتي لا تتحقق كل الحقوق إلا بها، والتي لا وجود لها في النظام الديمقراطي العادل هو الآخر، والتي ليست موجودة إلا في النظام الإسلامي، هي أن عبادة الله لا تتحقق في النظام الديمقراطي ولا يحققها، وأنها لا تتحقق إلا في النظام الإسلامي وهو وحده الذي يحققها.
يقول تعالى: "ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أرد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين."
وهو القائل كذلك سبحانه وتعالى: "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين".
وحتى ذلك الحين وإعدادا واستعدادا لهذه المرحلة، فعلى العلماء والمفكرين والخبراء العرب والمسلمين أن يجعلوا حدا لثقافة النقد والانتقاد لكل ما هو غربي قبولا ورفضا، وأن يركزوا اهتمامهم أكثر على البحث عن البدائل والحلول المناسبة، ليس لمشاكل العرب والمسلمين فقط، ولكن لمشاكل الإنسان الذي تسحقه آلة النظام الدولي والدولة العلمانية الحديثة في العالم، والديمقراطيات الإرهابية الصهيونية الغربية التي لا تتحقق بها في النهاية إلا مصالح الكبار والتي لا حق فيها إلا للأقوياء.
نقلا عن مجلة أقلام أولاين الإلكترونية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.