ماذا يفعل القولُ الحسن بمن يسمعه أو يُوَجّهُ إليه ؟ . ما موقفك حين ترى مَنْ يقول هجراً ؟ ومَنْ يغلظ في حديثه ؟ . كيف تنظر إلى من يتلطف في القول ، ولا يُسمِعك إلا ما تحب وتأنس إليه ؟ . إن الكلام الطيب كماء نزل من السماء على أرض عطشى ، فأنبت الله به زرعاً وثمراً ، وجعلها فتنة للناظرين ، قال تعالى : (( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ))(1) فهي تفعل فعل السحر في السامع ، وتأخذ بمجامع قلبه ، فينفتح إليك ، ويأنس بك . أما الداعية فيعمل ، ليصل كلامه إلى أعماق الناس ، بما أمر الله من قول حسن (( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ))(2) ، وترتاح قلوب الناس وعقولهم للكلام الطيب ، كما يرتاحون للفاكهة الطيبة الحلوة ، فيستمتعون بأطايب الكلام ، كما يتلذذون بأطايب الطعام . والله أمر الدعاة أن يقولوا في محاورتهم ، ومخاطبتهم ، الكلمة الطيبة ، ويختاروا من الكلام ألطفه وأحسنه ، وينطقوا دائماً بالحسنى ، فالكلمة الخشنة سلاح الشيطان ، يُسَعِّرُ بها نار الفتنة ، ويؤججها (( وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53) ))(3) . ويأمر الله سبحانه وتعالى الداعية ، باللطف ، واتخاذ الأسلوب المناسب ، لاجتذاب السامعين فقال : ((ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) ))(4) . وإذا جادلتم أهل الكتاب ، ودعوتموهم إلى الإسلام ، فليكن ذلك بالحسنى ، كالدعاء إلى الله بالحجج والبراهين ، والحَسَن من الكلام ، وأعلموهم أنكم تؤمنون بالإله الذي يؤمنون به ، إلا المحاربين الظالمين ، المجاهرين في عداوتهم ، فجدالهم بالغلظة والشدّة ، لتوهين حجمهم ، وتهجين مذهبهم ، وهذا ما يليق بالمجرم المشرك الغليظ . قال تعالى : (( وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) ))(5) . ويأمرنا الله سبحانه وتعالى ، أن نكافىء المحسن في تحيته ، بتحيّة أفضل ليشعر بالأمان ، وليرى أن المسلمين ، أهل حب وودٍّ ، فيتقرّب إلينا ، ولا ننسَ أن الله رقيب علينا ، يجازينا بما نعمل من خير أفضلَ الثواب ، فقال سبحانه : ((وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (86) ))(6) . وتعال معي أخي الكريم إلى رؤية ثواب مَنْ يقول أفضل كلمة يحبها الله وهي : (( الله ربي )) فها هو القرآن الكريم يفصّل في ذلك . . يقول سبحانه : (( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا أ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ 1 أَلَّا تَخَافُوا 2 وَلَا تَحْزَنُوا 3 وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) 4 نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ 5 وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ 6 وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) ب وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ 1 دَعَا إِلَى اللَّهِ 2 وَعَمِلَ صَالِحًا 3 وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) ج وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ د ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) ه وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) ))(7) . ما أعظم ثواب الكلمة الطيبة ، ينمّيه الله ، حتى يصير أعظم من جبل أحد ، كما جاء في الأثر. وانظر إلى العلاقة الطيبة بين إخوة الإسلام ، هذه العلاقة التي شدَّ من عروتها ، الحب في الله ، فترى الخلف يدعو للسلف ، ويسألون الله صفاء القلب من الغل والحسد ، لإخوانهم في الله : (( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ أ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ ب وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10) ))(8) . أتدرون ما قوتنا وأسوتنا في القول الحسن ؟ إنه قول الله تعالى ، القرآن الكريم : (( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ . . ))(9) . ------------------------------------------------------------------------ (1) سورة إبراهيم ، الآيتان : 24 ، 25 . (2) سورة البقرة ، الآية : 83 . (3) سورة الإسراء ، الآية : 53 . (4) سورة النحل ، الآية : 125 . (5) سورة العنكبوت ، الآية : 46 . (6) سورة النساء ، الآية : 86 . (7) سورة فصلت ، الآيات : 30 35 . (8) سورة الحشر ، الآية : 10 . (9) سورة الزمر ، الآية : 23 .