الجزائر- "إذا علمت رجلاً فقد علمت رجلاً، أما إذا علمت امرأة فقد علمت أمة".. تحت هذا الشعار تجوب نحو 214 مرشدة دينية أكثر من 16 ألف مسجد في أنحاء القطر الجزائري، للعمل بين النساء و تحصينهن ضد "الفتاوى عابرة القارات"، وذلك رغم قلة العدد وضعف الإمكانيات التي يعاني منها هذه القطاع منذ استحداثه قبل أقل من 8 سنوات، ما دفع وزارة الشئون الدينية والأوقاف مؤخراً إلى تفعيل دور المتطوعات وزيادة عدد المرشدات واستحداث منصب جديد هو "المرشدة الدينية الرئيسة" لاستيعاب الاحتياج الدعوي المتزايد بين الجزائريات خاصة مع قدوم شهر رمضان المبارك. وفي تصريحات خاصة ل"إسلام أون لاين.نت"، يقول عدة فلاحي المستشار الإعلامي لوزير الشئون الدينية والأوقاف الجزائري "عمدت الوزارة الشؤون الدينية منذ عام 2002 ، إلى إقحام العنصر النسوي بقوة في أداء الوظيفة الدينية من خلال استحداث منصب المرشدة الدينية، الذي خصص بالأساس إلى حاملات الشهادات الجامعية في الشريعة الإسلامية والتخصصات القريبة منها، وهي الوظيفة التي لازالت تشق طريقها بخطى ثابتة، في ظل العدد الضئيل للمرشدات، والعائد في الأساس إلى نقص المخصصات المالية، الأمر الذي استدعى الاستعانة بالمتطوعات".
ويوضح فلاحي أنه "للأسف الفضائيات استقطبت إليها شريحة كبيرة من النساء، و على وجه أخص الماكثات في البيت، ما جعل غالبيتهن يقعن فريسة سهلة للفتاوى العابرة للقارات، و جعل المرأة الجزائرية ترتبط بمصادر خارجية لتلقي تعليمات دينها، لذلك وجب التفكير في أن نجعل من بين الأهداف الكبرى للمرشدات، القيام بربط المرأة الجزائرية بمرجعيتها الدينية الوطنية المعتمدة المذهب المالكي، و هذا من خلال تقديم النصائح للنسوة اللائي تأثرن بما يبث في هذه القنوات".
"كذلك من بين الأهداف المتوخاة من عمل المرشدات الدينيات –يضيف فلاحي- محاربة التطرف الذي عانت الجزائر من ويلاته كثيرا، و الذي لم يمس فئة الرجال بحسب، بل امتدت شروره إلى بعض النساء أيضا، لذلك أصبح من الضروري أن تقوم المرشدة الدينية، بالدور المعاكس في تسويق خطاب الاعتدال و الوسطية و الإقبال على الحياة، و هذا يكون أكثر تأثيرا وأبلغ من أن يقوم رجل بهذا الدور بين النساء".
ويعدد المسئول الجزائري أبعاداً أخرى تراها الدولة في عمل المرشدات الدينيات وهي "البعد السوسيولوجي، فإذا ما تأملنا في كافة المجتمعات العربية لوجدناها مجتمعات ذكورية بالدرجة الأولى، و المرأة ما هي إلا تابع للرجل حتى في الأمور الدينية، إذ أنه المرجع في طلب الفتوى، ومن هذا المنطلق أعطينا الفرصة للمرأة لاقتحام هذا المجال".
"الشابات هدفنا" وبعيدا عن أروقة وزارة الشؤون الدينية والأوقاف استطلعت "إسلام أون لاين" آراء عدد من المرشدات الدينيات تقول "ط.جميلة" (47عاماً) مرشدة دينية بمسجد عبدالحميد بن باديس أحد أكبر مساجد العاصمة، "أن الهدف من هذه الوظيفة هو إيصال رسالة المسجد بطريقة سهلة يفهمها جميع النسوة، و يستوعبن مضمونها"، مشيرة إلى أن الدور الموكل للمرشدة داخل المسجد يكمن في "العناية بشؤون المسجد، سواءا تعلق الأمر بالعبادات أو التعلم أو إيصال بعض الأفكار لقاصدات بيوت الله، بعيدا عن كل أشكال الغلو والتعصب، بالإضافة إلى تحديث أدوات و أساليب الخطاب الإرشادي و تطويرها و صياغتها ، في إطار ثوابت الإسلام و أصوله ، مع المواكبة المستمرة لمستجدات العصر".
"ب. أم الخير" ( 45 سنة ) مرشدة دينية أخرى راحت تستعرض تجربتها في هذا المجال قائلة "أعلم في النشاط الدعوي المسجدي منذ أكثر من 15 عاما بشكل تطوعي، ثم صار هذا بشكل رسمي مؤخراً، ويشمل عملنا جميع الفئات، لكن تركيزنا بدرجة أكثر يكون على فئة الشابات، نظراً لما يتهدد المجتمع من انحلال وتفسخ أخلاقي، و كذلك فئة المتزوجات حيث نركز معهن على تربية الأبناء ومعالجة المشاكل الزوجية، أما المسنات فنعمل على محو أميتهن".
وتتابع: "كما نحرص دوما على تحفيظ مرتادات المسجد من مختلف الأعمار أجزاء من القرآن الكريم، علاوة على إقامة حلقة علمية أسبوعياً، ويتم هذا بالتنسيق مع الإمام باعتباره المسؤول الأول في المسجد، والذي ننقل له أيضا بعض رسائل الأخوات، التي تتضمن استفسارات وفتاوى دينية، أما فيما يتعلق ببعض المشاكل التي تعترضهن فإننا نعمل بأنفسنا على مساعدتهن قدر المستطاع".
و تواصل: "أم الخير" كلامها بالتأكيد على أن عملها المسجدي "أضحى أكثر تنظيما بعد استحداث منصب المرشدة، و هو ما ساعد بشكل أو بآخر في استقطاب المزيد من الأخوات، اللائي تجاوزن عددهن حاليا مائة امرأة، يواظبن بشكل دائم على حضور مختلف النشاطات، فضلا عن نجاحنا في محو أمية عدد معتبر من الأمهات".
"المرأة الأمة"
من جهتها تلفت: "ث. كريمة" ( 40 سنة ) قيمة مسجد "عبدالحميد بن باديس" منذ تسع سنوات، و تنوب عن المرشدة في حال غيابها أنه "في حال توفر المزيد من الإمكانيات، فإن النتائج ستكون أحسن بكثير، فضعف الوسائل هو العائق الذي يحول دون تقديم المزيد من المجهودات".
أما الشيخ "مصطفى حوقة" إمام و خطيب المسجد ذاته فيؤكد على أهمية دور المرشدات بقوله "هو مهم جدا، خاصة في الجانب التعليمي، فهناك مقولة صينية تقول: إذا علمت رجلاً فقد علمت رجلاً، أما إذا علمت امرأة فقد علمت أمة".
و يثنى المتحدث نفسه على المرشدات قائلاً "رغم قلتهن فقد استطعن أن يحققن نتائج إيجابية، حيث نجحن في استقطاب أعداداً غفيرة من النسوة إلى بيوت الله، ودورهن مكمل لدور الإمام، ولا غنى عنه".
و تتعدى مهام "المرشدات الدينيات" أسوار المسجد، حيث يتم إنتدابهن على مستوى السجون لإعادة تأهيل السجينات، وزيارة المستشفيات ودور الطفولة والأيتام، ومراكز الشيخوخة.
المرشدة الرئيسة
و في سياق تقييمه لعمل المرشدات بعد ثماني سنوات من استحداث هذه الوظيفة، يؤكد عدة فلاحي المستشار الإعلامي لوزير الشئون الدينية والأوقاف الجزائري أنها "حققت أهدافها ولونسبيا"، مستشهدا ب" نجاح المرشدات في الحد من ظاهرة التفكك الأسري، من خلال التوجيهات المقدمة للزوجات اللائي كن على وشك الطلاق، فضلا عن كونهن سببا في توبة الكثير من السجينات عن المعاصي، و كذا نجاحهن في منع بعض الفتيات من الانتحار، عبر إسداء النصح لهن، و تقديم بعض المساعدات المادية، الأمر الذي غرس الأمل في نفوسهن، وجعلهن يقبلن على الحياة".
ويخلص إلى القول "حتى و إن لم نصل للأهداف المرصودة، فإن وظيفة المرشدة الدينية تبقى تجربة جديدة، تحتاج إلى المزيد من الدعم والكفاءات".
وتعتزم وزارة الشؤون الدينية والأوقاف رفع عدد المرشدات الدينيات ليصل إلى 300 مرشدة خلال الفترة المقبلة، واستحداث منصب جديد يتمثل في "المرشدة الدينية الرئيسية" ، و يشترط على المترشحات لتوليه الحصول على درجة الماجيستر.
كما تواصل الوزارة سلسلة الدورات التدريبية لدعم المرشدات الدينيات، والتي تقام في "دار الإمام" بحي "المحمدية" شرقي العاصمة الجزائرية ، بمشاركة عدد من المختصين والخبراء، و بعض الهيئات و المنظمات الدولية.
مصدر الخبر : اسلام أونلاين نت a href="http://www.facebook.com/sharer.php?u=http://alhiwar.net/ShowNews.php?Tnd=8487&t=الجزائر.. مرشدات دينيات لمواجهة "الفتاوى عابرة القارات" &src=sp" onclick="NewWindow(this.href,'name','600','400','no');return false"