مرسل الكسيبي* طلب مني قبيل عودتي لتونس أواخر سنة 2008 البحث عن جمعية حقوقية ألمانية تسند جائزة للرئيس بن علي في مجال حقوق الانسان ... قيل لي حينها بأن اسناد الجائزة سيكون مقابل عطايا مالية ولن يكون مجانيا وبالتالي فان الأمر يصبح من قبيل الممكن والمتاح ..! ضحكت يومها فعلا وأجبت الجهة السياسية العارضة بأنه لاوجود لجمعيات ألمانية تنشط في كنف القانون وتقبل على القيام بعمل قد ينظر له من قبل الدولة على أساس أنه رشوة ... ألحت علي نفس الجهة السياسية وبعد أيام قلائل بذكر نفس الطلب ! ...فقلت ممتعضا بأن مثل هذه الجوائز لايمكن أن تسند الا من بعض الجمعيات الايطالية المتعودة على التمعش من عطايا بعض الجهات الرسمية أو الحكومات ..! كنت أضحك في قرارة نفسي على نظام سياسي يبحث عن جوائز مزيفة في بيت العلة التونسية وهي مجال حقوق الانسان... حادثة حقيقية رويتها لكم بعد أن تيقنت من خلالها أن الكثير من الأرقام والاحصائات المعلنة بخصوص الوضع السياسي التونسي هي مجرد شهادات مزيفة تستند الى الرشى أو بعض الهدايا لشخصيات نافذة في بعض المؤسسات الاقليمية أو الدولية المعنية بمراقبة أداء بعض الحكومات في قطاعات مصرفية أو تنموية أو حتى سياسية ... حدثتني مسؤولة حقوقية ألمانية عن عروض اغرائية لها من قبل جهات رسمية تونسية في مقابل زيارة تونس والتمتع باقامة فاخرة ومجانية لتدلي بعدها بشهادات وردية عن الوضع الحقوقي والسياسي المتأزم ...! أخطأت الديبلوماسية التونسية الوجهة , فالسيدة الألمانية لها باع ورصيد نضالي صاحبها الى عقد الستينات , وقد عرفتها شخصية صلبة في الدفاع عن الحريات وكرامة مواطنينا لفترة زادت عن العقد ونصف .. على مدار سنوات وأنا أتابع تزييف الوعي والتاريخ ومغالطة الرأي العام من خلال الاعلان عن أسماء نوادي ومنظمات دولية بوبت تونس متفوقة على ايطاليا واسبانيا وجنوب افريقيا وحتى فرنسا في بعض مجالات الأداء الاقتصادي .., حتى أن القارئ يخال نفسه أمام سنغفورة أو كوريا الجنوبية أو حتى ماليزيا أو اندونيسيا في طور ثوبتها الاقتصادية... هل يمكن لبلد ينخره الفساد والاستبداد وتملأ أخبار انتهاكات حقوق الانسان اليومية مسمع ومرأى العالم ثم مواطنيه أن يحتل هذه المكانة متفوقا على كل بلاد افريقيا والمنطقة العربية وبعض بلاد القارة الأوروبية , لولا استبلاه المواطن ورشاوى تقدم هنا وهناك ؟! طبعا لا وألف لا... اخر وأطرف وأعجب ماقرأت هو احصائية لمؤسسة عربية اعتبرت تونس هي الأولى مغاربيا في مجال الحكم الرشيد...هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه ! لست أدري ان كان اعتقال مواطنينا لدوافع سياسية وملاحقة معارضينا في كل حدب وصوب والاعتداء على محامينا وقادة الرأي عند وصولهم الى مطار تونسقرطاج ..ثم ممارسة التعذيب في مخافر الشرطة , وتجويع الالاف من عوائل المعارضين , وتشريد الالاف من شباب تونس في المنافي ... لست أدري ان كان كل هذا الرصيد الرهيب من الانتهاكات حكما رشيدا تستحق تونس أن تبوب فيه متفوقة على المغرب والجزائر وموريتانيا التي تشهد ومنذ عشرية أو أكثر دينامية سياسية جعلت تونس في ذيل الأنظمة العربية والمغاربية على صعيد موضوعات الاصلاح والدمقرطة واحترام حقوق المواطنة ؟!!! نحن بلاشك أمام نظام سياسي يريد أن يسخر من عقول مواطنيه ويحتقر شعبا عرف شبابه بالتفوق العلمي والمعرفي وعرفت نخبته بسبقها على صعيد مطالبتها بالمأسسة والتداول والاصلاح ...ولكنها قوبلت بنظام شمولي عاد بتونس القهقرى الى مرحلة ماقبل الثمانيانات من القرن العشرين...! يؤسفني أن أقول بأن تونس اليوم أمام منعرج تاريخي حاسم .., فاما أن نكون أو لانكون ...! , بعبارة أخرى اما أن نفرض ارادة الشعب في الحياة الحرة والكريمة والا فستستمرئ السلطات سخريتها من عقولنا ومن تطلعاتنا لتفرض على شبابنا الهجرة في قوارب الموت أو اليأس والاحباط ومن ثمة الانخراط لاقدر الله في تيارات الجريمة والارهاب والانحراف السلوكي ... حان الوقت كي يدرك الجميع بأن الشأن الوطني ليس حكرا على الأحزاب أو النقابات أو الجمعيات الحقوقية .., بل انه شأن عام يهم 11 مليون تونسي متواجدين داخل وخارج حدود تراب الجمهورية التونسية .. انه مستقبلنا جميعا ومستقبل أبنائنا عبر وضع حد للرداءة والتأسيس لجمهورية ثالثة تحترم الحريات العامة والفردية وتكرس تساوي التونسيين والتونسيات أمام القانون وتضع عقدا سياسيا واجتماعيا يتأسس على احترام حرية التفكير والتعبير والاحترام الكامل للسلامة الجسدية ووضع حد نهائي للتعذيب مع تجريمه ومحاكمة مرتكبيه . ان الجمهورية الثالثة لابد أن تتأسس على احترام وعي مواطنيها واختلاف أفكارهم ورؤاهم ومشاربهم وعلى التداول السلمي على الحكم وعلى وضع حد نهائي لاحتكار السلطة بأساليب العنف أو بالتوظيف الفاسد للمال العام .. لابد أن نؤسس الجمهورية الثالثة على تقييد الفترات الرئاسية بدورتين على أقصى تقدير وعلى الفصل الصارم بين السلطات وعلى الاستقلال الثابت والقوي للسلطة القضائية.. ولاننسى أيضا أن من المقومات الحقيقية للجمهورية وجود مؤسسات محاسبة مالية قوية تراقب أوجه تصريف المال العام وتدقق في موضوعات الاثراء الفاحش على حساب الغير .. ان كل ماذكرت هو من مقدمات الجمهورية المنشودة , وأحسب أن الشرعية الحقيقية لاتستمد من جوائز اقليمية أو دولية مزيفة ومكذوبة أو من الولع بالاحصائيات والأرقام وأساليب التغرير فيها .., وانما من رضى شعبي واسع لايتحقق الا ببسط المشاركة والعدل والحرية وتكريس قيم المواطنة والمساواة ... *كاتب واعلامي تونسي مقيم بألمانيا حرر بتاريخ 8 أكتوبر 2009 - 19 شوال 1430 ه ونشر بصحيفة الوسط