رمضانيات1431 إنْ غابَ العِلمُ ! فقليلاً مِنَ اللطفِ ( 16) الدكتور عثمان قدري مكانسي أمّنا أمس والأيام قبله في صلاة العشاء ونافلة التراويح شاب في مقتبل العمر لطيف المعشر ، دمث الأخلاق – ولا نزكي على الله أحداً – وكان المصلون مرتاحين للصلاة وراءه ، والسبب وضوح قراءته ، وحركاته المتأنية ، وتخفيف الصلاة ، فهو يقرأ في الركعة آياتٍ قليلة ، وقد يعلق الإمام الراتب – الأصيل - بعد ركعة النافلة الرابعة على بعض الآيات ، ويترك المصلين يعيشون في ظلالها ، أو يوضح حكماً فقهياً في الصيام وغيره ، أو نهدأ قليلاً مسبحين ذاكرين ، ثم نقوم لتتمة الصلاة . ونسأل الله تعالى القبول . قام الإمام الشاب يصلي الركعتين السابعة والثامنة ، وسها في قعود الركعة الثامنة فقرأ التشهد فقط ، وقام للركعة الثالثة ، فما نبهه المصلون حتى كان واقفاً ، فلم يعد للقعود ، وصلى الركعة الثالثة ثم الرابعة ، وسلم ، بعدها صلى ركعتي الشفع ، ثم ركعة الوتر ، وبهذا يكون قد صلى عشر ركعات في النافلة – التراويح – وكانت آخر الركعات الأربع متواصلة . كنت والإمام الأصيل نصلي وراءه ، فلم نعلّق على ما جرى ظناً منا أنه قد يمرّ على المصلين مثلُ هذا – وكثيراً ما يمرّ - والصلاة صحيحة ، فالرجل يصلي بنا النافلة ، فغيّر نيته من صلاة ركعتين إلى إتمام أربع ركعات ، وهذا خير من نزوله وقد استوى واقفاً . ولو ظنّ أنه قام إلى الركعة الثانية ، فسلم في الركعة الثالثة لنبهناه إلى ذلك فقام بنا إلى الرابعة ، ثم سجد سجود السهو أسوة بما فعله الحبيب المصطفى حين سها ، فصلى ركعتين وسلّم ، فنبهه ( ذو اليدين) إلى أنه صلى بالمسلمين ركعتين ، فلما استوثق النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك قام فأتمّ ركعتين وسجد سجود السهو . كل هذا لم يحصل ، وكانت صلاتنا صحيحة ، إلا أن بعض المصلين جاءوا يحتجون على خطأ الإمام العظيم الذي خرّب عليهم صلاتهم ! تسبقهم اصواتهم العالية ، يصاحبها الضجيج الناتج عن اختلاط الأصوات بعضِها ببعض ، وكأن القيامة قامت ولم تقعد ، ينظرون إلينا ، يسألون ويجيبون بآن واحد . هذا يصيح : لقد أخطأ الإمام ، فلمْ تقوّموه ، وذاك ينبه إلى أنه وهو في الثالثة والستين من عمره لم ير صلاة مثل هذه الصلاة – وكأن الرجل عالم عصره وفقيه أوانه ، قد حاز علوم الأولين والآخرين ، وحواها صدره وعقله ، إلا ما رآه اليوم من خطأ عظيم يريد له تفسيراً . وثالث يتأفف أن يكون هذا الشاب إماماً ، فهو يجهل أحكام الصلاة ! وكان قبل يوم أو يومين يعلن رضاه عن أداء الإمام ، ولكنّ ما رآه الآن من خطأ جسيم جعله يغيّر رأيه !.. ورابع وخامس .... هذا يسأل ثم يجيب ، ولا أدري لمَ السؤال إن كان يعلم الجواب ، وعيون بعضهم تقدح غضباً ، وبعضهم يتململ محتجاً أو حزيناً أن يصل المسلمون إلى هذا المستوى المتدني من الفقه والعلم ، وفهم أحكام العبادات !. صورة التقطتها أمس ، وأحببت أن أنقلها إلى الأخ القارئ ليرى المستوى الذي يعيشه المسلمون المصلون . وساءلت نفسي إن كان هذا مستوى من نظن فيهم الخير ، فماذا نقول في مجتمعنا خارج المسجد فيمن لا يعرفون أبواب المساجد ، ولم يزرهم رمضان في بيوتهم وحياتهم ؟.. أوْ أنهم لم يسمعوا بمجيئه ، أو لعلهم ظنوا أنّ رمضان هذا العام لن يزورنا في هذا الحرّ اللاهب . ولا أنسَ أن أقرّ بخطإ ارتكبناه معاً ، الإمام وأنا حين ظننا أن مثل هذا الأمر يعرفه الناس ، فلم يقف أحدنا موضحاً الحكم الفقهي لمثل هذه الحالة بعد الصلاة مباشرة . وهذا دليل آخر على ضعف الإنسان في ظنه وتصرّفه ... والإقرارُ بالذنب فضيلة ، ومحاولة إصلاحه خطوة على الطريق الصحيح ..... أليس كذلك ؟