سنة ميلادية مرت يوما بيوم على بدئ اعمال المجلس الوطني التاسيسي، وهي فترة اختلفت القراءات بشانها...فامام غياب خريطة طريق واضحة لعمل المجلس لكتابة دستور يضبط مفاصل الدولة ويعدل مسار البلد يطرح اكثر من سؤال... سنة اولى: الحاصل والقادم.. على عكس الطموحات الواسعة التي علقها التونسيون مع انتخاب المجلس التالسيسي فإن خيبة الأمل تبدو عريضة بينما لم يتم الحسم في أي من الملفات الحيوية منذ أن استلمت الحكومة الحالية مهامها في نهاية عام 2011. ويأتي ملف شهداء وجرحى الثورة في صدارة تلك الملفات، فالى حدود شهر ديسمبر 2012 ظلت احتجاجات عائلات ضحايا الثورة متواترة أمام المجلس الوطني التأسيسي حيث يلقى باللائمة عليه في تعثر عملية تسوية ملفات المتضررين منذ أكثر من عام على انتصابه. وقد صادق المجلس الوطني التأسيسي بالفعل في وقت سابق من الشهر الجاري، تحت ضغط الاحتجاجات على مشروع قانون تعويض شهداء وجرحى الثورة بينما بادرت دولة قطر بضخ هبة بأكثر من 31 مليون دينار تونسي (20 مليون دولار) لدعم السيولة بالصندوق المخصص لتعويض شهداء وجرحى الثورة وضحايا الاستبداد في النظام السابق بتونس. وليس ملف الشهداء والجرحى وحده الذي عرف بطئا داخل المجلس الوطني التأسيسي بل يقف الوضع السياسي برمته في تونس رهين الانتهاء من صياغة دستور جديد للبلاد. ولعل الحاصل الأهم لسنة 2012 هو المصادقة على مشروع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بعد تجاذبات طويلة جدا بين نواب النهضة والمعارضة، وكذلك المصادقة على مشروع ميزانية 2013 والتي تم خلالها رفض التصويت على الميزانية الرئاسية قبل تعديلها، اضافة الى عدد من المشاريع المستعجلة والمتعلقة اساسا بالاقتراض الخارجي... ادارة الجلسات العامة: نقاط نظام بلا حدود... ومهام جانبية تعطل سير المجلس تبيّن الاحصائيات ان المجلس الوطني التاسيسي عقد الى حدود يوم 22 نوفمبر 2012 ، 84 جلسة عامة بمعدل 461 ساعة واجتمعت لجانه 337 مرة وخصصت 156 جلسة استماع...اما عن الغيابات فلا اثر عددي. وبالنسبة للمهام الجانبية فقد اكد اكثر من مهتم بالمجال انها اثرت على سير اعمال المجلس وعطلت اداءه، وتتعلق اساسا بمشاريع القوانين المستعجلة. الكتل النيابية: تغير متواصل يشكل خريطة سياسية جديدة شهد المجلس التأسيسي منذ بداية عمله تغيرا في خريطة كتله النيابية...كتل حلت واخرى تشكلت واخرى في طريقها للتشكل، ففيما اتحد بعضها تنافر البعض الاخر لترسم جميعها وجها سياسيا مخالف لما انطلق به العمل داخل المجلس. العريضة الشعبية انحلت اليا بعد انشقاق نوابها وكونوا لاحقا كتلة المستقلون الاحرار مع نواب اخرون...كتلة الوفاء التي يراسها عبد الرؤوف العيادي تشكلت بدورها بعد انشقاقه عن حزب المؤتمر من اجل الجمهورية. وياتي ذلك في الوقت الذي يعتزم فيه تشكيل كتلتي نداء تونس والجبهة الشعبية...اضافة الى انضمام عدد من النواب المنشقين عن حزب التكتل الى الكتلة الديمقراطية. مواعيد انتخابية بين الاخذ والرد وتضارب التصريحات: لم يحدد المجلس بعد موعدا لصياغة الدستور او اجلا مسمى للمصادقة عليه.. في الوقت الذي طالب فيه نواب بجلسة خاصة يقع فيها ضبط اجال مسماة. اعلن سابقا عن موعد 23 اكتوبر 2012 تاريخ الانتهاء من صياغة الدستور ليصبح فيفري 2013...ثم تعددت التواريخ واخرها قدمها النائب نعمان الفهري الذي تقدم بمسودة رزنامة تفصيلية ضبط فيها 12 نقطة ودعا النواب الى التفاعل معها للوصول الى يوم 23 اكتوبر 2013كتاريخ نهائي لاتمام المهام. اخر التصريحات حول الاجال النهائية لصياغة الدستور قدمها اخيرا الحبيب خضر المقرر العام للدّستور الذي قال أنه لا يستبعد المصادقة على الدستور الجديد بأغلبية الثلثين منذ قراءته الأولى مؤكّدا أن صدوره سيكون فى الربيع المقبل. كيف ينظر المواطن الى اعمال المجلس وكيف يقيم اداءه؟ تباطئ في سير اعمال المجلس شكل العثرة الاكبر في صياغة الدستور...فسادت حالة من الإحباط في الشارع بشأن ،وعلى عكس الطموحات الواسعة التي علقها التونسيون مع مطلع العام الجاري الذي يشرف على نهايته، فإن خيبة الأمل تبدو عريضة سيما وان التونسي يربط الاستقرار السياسي بالاستقراره في كافة المجالات الاخرى...ففي قراءة مختصرة لراي التونسي يقول استاذ القانون الدستوري قيس سعيد ان اداء نواب المجلس الوطني التاسیسي تمیز خاصة في مستوى الجلسة العامة ببطء واضح وفي بعض الاحیان تمیز بمشاحنات وملاسنات لم یكن لها اي مبرر على الاطلاق لان الجلسة العامة تحولت لدى الكثیرین الى منبر سیاسي للدعایة الانتخابیة عكس ما هو سائد داخل اللجان التي قامت بعمل واضح. و بيّن سعيد انه یمكن ان نفسر فقدان ثقة التونسیین في اداء المجلس التأسیسي من خلال التشكل المستمر للمشهد السیاسي داخله, وتشكیل كتل جدیدة وحل اخرى...كل ذلك من شانه ان یساهم وان یزید في فقدان ثقة التونسیین في النواب.