هل سيأتي يوم نقول فيه نحن نعشر الإعلاميين ''رحم الله زمن الترويكا''؟ أسأل هذا السؤال - وإن كنت أستبعد طرحه في أي يوم من الأيام- بعد ما فرضته علينا ليلة أمس قنواتنا التلفزية الخاصة منها والعمومية من خمول وركود بل وحتى استبلاه. فيوم أمس كان الحدث سياسيا بامتياز بتكليف السيد الحبيب الصيد رئيسا للحكومة المقبلة وردود الفعل السياسية والشعبية كانت مختلفة إلى حد التضارب والتباين في أحيان كثيرة وكانت النقاشات بين التونسيين طيلة اليوم في البيوت والمقاهي ومواقع العمل على أشدّها حول الحكومة ورئيسها والآمال والمخاوف والتحديات. وكنت أنتظر كغيري من التونسيين وجبة دسمة في جميع تلفزاتنا خاصة تلك التي دأبت على مواكبة الحدث وتحليله والتعليق عليه. ولأني أؤمن كثيرا بجدوى المرفق العمومي أعطيتُ الأولوية لتلفزتنا الوطنية فإذا بي أشاهد مسرحية أو أوبيريت أكاد أجزم أن لا أحد تابعها من التونسيين باستثناء مسؤول البث في قاعة البث النهائي. مررتُ إلى ''قناة العائلة'' التي تعتبر ساكني قرطاج والقصبة من ضمن أفراد ''العائلة'' فإذا بالقصر موجود ولكن ليس في قرطاج وإنما في إسطنبول زمن الباب العالي. قناة نسمة وحريم السلطان قصة عشق لا يمكن تعكيرها بحوارات وقصص حول الحكومة القادمة. كل هذه الأمور يبدو أنها لم تعد مهمة بعد أن استقرّ الباجي قايد السبسي على كرسي قرطاج رئيسا للجمهورية. قناة الحوار التونسي وقناة حنبعل تمارسان الرياضة في الهواء الطلق وأتوقع عودة قوية للبرامج الرياضية على قنواتنا التلفزية كما كنا في العهد السابق وسيعلو من جديد شعار ''تحيا الرياضة على قناة 21''. لماذا كل هذا الاستخفاف من إعلامنا المرئي الذي كنا نعتقد أنه تعافى بنسق سريع جدا بُعيْد الثورة وساهم بشكل كبير في تنوير الرأي العام حول أبرز قضاياه السياسية والاقتصادية والاجتماعية. هل هي صدفة أن تتجاهل أبرز القنوات التلفزية التونسية الحدث يوم أمس؟ وإن كنا سنلتمس العذر لبعض القنوات الخاصة المرتبطة بثنائية البرمجة والإشهار حيث يصعب تغيير موعد برنامج أو حذفه دون موافقة المستشهرين, فهل يمكننا أن نعذر تلفزتنا الوطنية بقناتيْها الأولى والثانية على كل هذا التجاهل للحدث فكأنما استقالت من دورها كمرفق عمومي مجبور على تقديم الخدمة لكل التونسيين دافعي الضرائب الذين يمولون تلفزتهم من جيوبهم الخاصة؟ وهل هي تلفزتنا أم تلفزتهم؟ هل نذهب بعيدا في نظرية المؤامرة ونقول إن تعليمات غير مباشرة ربما صدرت عن ''الحكام'' الجدد للقائمين على الإعلام بغض الطرف عن الشأن السياسي في قولبة جديدة لشعار الترويكا ''يا حكومة سير سير واحنا وراك بالبندير'' وإن كنت أستبعد موضوع التعليمات هذا , أم هو الضمير الحي لمديري التلفزات وفي رواية أخرى ''الصنصرة الذاتية'' يمارسونها على أنفسهم فتذكّروا فجأة – ولعل الذكرى تنفع المؤمنين – ضرورة تطبيق مبدأ ''خلّي الحكومة تخدم'' وهو مبدأ ''ديمقراطي'' جعلنا نتكبد من أجله مشاورات طويلة وخصومات متعددة مع حكومات الترويكا السابقة لتحييد التعيينات على رأس المؤسسات الإعلامية العمومية. هل نقول تمخض الجبل فولد فأرا أم نقول رحم الله زمن إيمان بحرون على رأس التلفزة الوطنية؟؟