الصدمة لم تكن في اعتذار بريطانيا للإرهابي الديناميكي عبد الحكيم بلحاج كما وصفه السيناتور الأمريكي جون ماكين، عما اعتبره قضائها انتهاكا لحريته وتعرضه للتعذيب عند تسليمه من قبل أجهزة المخابرات البريطانية للسلطات الليبية خاصة وأن بريطانيا تعلم جيدا أن بلحاج احد قيادات تنظيم القاعدة الذي نفذ أكبر جريمة إرهابية في التاريخ يوم الحادي عشر من سبتمبر 2001. بريطانيا الأم الشرعية لجماعات الإسلام السياسي مازال دورها في دعم تنظيم القاعدة غير مكشوف بالكامل مع تنطع واشنطن زمن الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغن للعلب دور الحاضنة الأم لما سمي حينها بجماعات المجاهدين الأفغان. عند الدخول السوفيتي لأفغانستان سنة 1978 كان أول من قام بتحريك جماعة الإخوان المسلمين وإطلاق الدعوة للجهاد في أفغانستان المخابرات البريطانية التي استعملت عناصر وقيادات الجماعة لدفع الشباب العرب والمسلم للذهاب إلى بيشاور في باكستان حيث أسست أول قاعدة للمجاهدين العرب هناك بإشراف الإرهابيين أسامة بن لا دن وعبد الله عزام ودفعت بريطانيا بعشرات المدربين من العسكريين ورجال المخابرات لتدريب هؤلاء نظرا لأنها الدولة الوحيدة في العالم التي تعرف جيدا التفاصيل الجغرافية والسياسية والاجتماعية لباكستانوأفغانستان اللتان كانتا تحت حكمها لسنوات طويلة. الصدمة اليوم في أن لندن مازلت تراهن على هؤلاء الإرهابيين وأن أدوارهم لم تنته بعد وأن لهم في المستقبل مهام أخرى تنتظرهم، فمن يستطيع أن ينكر أن الإرهابي عبد الحكيم بلحاج شارك وقاتل ونفذ عمليات إرهابية مع تنظيم القاعدة سواء في أفغانستان أو في ليبيا قبل أن يعتقل ويحاكم ثم يطلق سراحه بعد مهزلة ما سميت بالمراجعات والعهود والمواثيق ثم القسم بالأيمان المغلظة التي عاهد بها العقيد القذافي بأن لا يخون عهدا. المؤشرات التي حملها اعتذار لندن للإرهابي تحمل كيف تفكر حكومة صناعة التطرف الإسلامي وعصاباته للقادم خاصة وأن جهودا كبرى تبذل لتمرير سلس لموضع عودة الإرهابيين إلى بلدانهم الأصلية مما سمي "ببؤر التوتر" وهي عبارة ملطفة للمناطق التي شهدت غزوات وحروب الإرهابيين والأراضي التي شهدت جرائمهم. نقطة إيجابية واحدة في تبرير لندن لاعتذارها للإرهابي عبد الحكيم بلحاج لأنها ستفتح الباب واسعا أمام كل من تضرروا من جرائم بريطانيا العظمى على امتداد تاريخها وخاصة الشعب الفلسطيني الذي تسبب له وعد وزير خارجيتها قبل مائة سنة من عذابات وجرائم لحقت به ومازال يعيش مآسيها دون أن يتمكن من رفع الظلم الذي ألحقته به بريطانيا أو الحد من الجريمة المستمرة بحقه والتي نهدت ودعمت وشرعت لها بريطانيا. تبني الإرهابيين والتعاطف معهم وفتح أراضيها لتكون حامية لهم، لم يمنع هؤلاء من ارتكاب جرائم إرهابية وحشية دفع ثمنها غاليا أبرياء في بريطانيا، لكن متعة الكأس الذي تشرب منه حكومة لندن أهم بكثير من جرائم الإرهابيين التي نفذت على أراضيها والتي مثل كل دول العالم مازالت مهددة لأن الإرهابيين لا عهد لهم ولا ميثاق ومتى يجدون الفرصة لتنفيذ جرائمهم، والهجوم الإرهابي الذي وقع يوم 22 ماي 2017 بمدينة مانشستر أثناء حفل الفنانة الأمريكية أريانا غراندي وسقط فيه 23 قتيل وأكثر من مائة جريح نفذه إرهابي احتضنت لندن عائلته المتطرفة ورد لها الجميل مثال حي على جرائمهم.