جدل التطبيع مع الكيان الصهيوني يطفو من جديد على الساحة العربية والدولية بعد القرار الإماراتي الأخير بإقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل. فقد فجر هذا القرار جملة من ردود الأفعال منها المرحبة ومنها المنددة بالتطبيع الذي تم بواسطة أمريكية، حيث إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو من أعلن ذلك. وساندت القرار فئة محددة من الدول العربية التي لا ترى حرجا في التطبيع مع إسرائيل كمصر والأردن والبحرين وموريتانيا التي أعلنت مساندتها لقرار الإمارات واعتبرته خطوة جديدة يمكن أن تعود بالفائدة على المنطقة. بينما اعتبرت دول أخرى كالجزائر وسوريا أن هذا القرار خيانة عظمى وطعنة في الظهر للقضية الفلسطينية ولملف القدس. ولا تزال تونس إلى حدود كتابة هذه الأسطر تصطف وراء الدول التي لم تكشف بعد عن موقفها الرسمي من التطبيع الإماراتي، رغم ان العديد من الأحزاب أصدرت بيانات متتالية وسريعة للتعبير عن رفضها "للتطبيع" مع الكيان الصهيوني واعتبار أن ما قامت به دولة الإمارات العربية المتحدة اعتداء صارخا على حقوق الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يطرح جملة من التساؤلات والتعجب، ذلك إن معظم هذه الأحزاب التي تلهث اليوم للتنديد رفضت في السابق تمرير قانون يجرم هذا التطبيع. دفن قانون التطبيع ... "فشعارات الشعب يريد تحرير فلسطين"،و "الشعب يطالب بقانون يجرم التطبيع مع إسرائيل"، جلها شعارات نادى بها اغلب السياسيين وصناع القرار في تونس تقريبًا، ظاهريًا على الأقل، وهم يرددونها أمام وسائل الإعلام وفي ملتقياتهم وتظاهراتهم. وهي شعارات تعود لعشرات السنين لكن على المستوى الملموس لا شيء تغير. فبعد الثورة تكون ائتلاف مناهض للصهيونية ضم 11 منظمة تونسية بدأ حملته من أجل تجريم التطبيع مع إسرائيل في الدستور التونسي الجديد منذ 15 ماي 2011. وتم عرض مشروع قانون على المجلس الوطني التأسيسي بشأن تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني سنة 2012 زمن حكم الترويكا. ونص المشروع المذكور على تجريم كل أشكال التطبيع السياسي والاقتصادي والثقافي والمالي عبر إقامة أو ربط أي علاقة مع إسرائيل. وكانت لجنة الحقوق والحريات -العاملة على مشاريع قوانين الدستور- قد صادقت بالأغلبية على تجريم التطبيع في الدستور، ولكن بعد إحالة المشاريع إلى هيئة الصياغة قدّرت الأخيرة أن تحيل المادّة إلى اللجنة التحضيرية للدستور المكلفة بصياغة المبادئ العامة. وقد أثار احتمال عدول المجلس التأسيسي عن القبول بالقانون ردود فعل غاضبة ليتم دفن المشروع داخل رفوف البرلمان لسنوات. وفي سنة 2015، تقدمت حركة الشعب ذات التوجهات القومية الى مكتب مجلس الشعب بمشروع قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني يتضمن ستة بنود تقضي بتجريم كل من يمارس التطبيع مع إسرائيل بأي شكل (سياسي، اقتصادي، ثقافي وغيره.) وفي سنة 2017، نفضت حركة الشعب الغبار من جديد عن هذا المشروع بعدما جمعت أكثر من مئة توقيع من مختلف الكتل بهدف تسريع النظر في القانون، ولاقت الخطوة تجاوبا داخل البرلمان احتجاجا على اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل. وأحيل مشروع قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني إلى جدول أعمال لجنة التشريع العام داخل البرلمان التونسي من جديد من أجل مناقشته وتعديله قبل تمريره إلى جلسة عامة للتصويت عليه . وقد انتظمت، بتونس العاصمة مسيرات وطنية حاشدة دعت اليها المنظمات الوطنية وعدد من الأحزاب السياسية ومكونات المجتمع المدني للتسريع بتمرير قانون تجريم التطبيع . ورغم الدعوات الشعبية والحزبية للإسراع بسنّ قانون يجرّم التطبيع مع "إسرائيل"، اختار البرلمان التونسي، للمرة الثانية توالياً، تأجيل النظر في مشروع قانون بهذا الخصوص تقدّمت به مجموعة من الكتل النيابية، وهو ما أثار ردود أفعال غاضبة وصلت إلى حدّ اتهام رئيس البرلمان والائتلاف الحاكم وعلى رأسهم حركة النهضة ب "الخيانة". وحسب تصريح رئيس الهيئة الوطنية لدعم المقاومة ومناهضة التطبيع أحمد الكحلاوي ل"لجريدة" فاٍن المشهد السياسي في تونس يسوده النفاق والمزايدات غير البريئة من قبل السياسيين والدليل على ذلك "الدور الهام الذي قامت به السفارات الأجنبية في ثورة 14 جانفي" على حد تعبيره. مضيفا أن الأحزاب المسنودة من قبل السفارات والقوى الأجنبية هي التي صنعت الكيان الصهيوني وتعبيرهم عن مساندة القضية الفلسطينية هو نفاق. واكد محدثنا ان الموقف السياسي هو انعكاس للمشهد السياسي في تونس والذي يمثل كارثة بأتم معنى الكلمة فأصحاب القرار غير قادرين على أخذ مواقف واضحة وصريحة بل هم فقط يتخذون مواقف انطلاقا من حساباتهم الضيقة.