لقد عانى المواطن التونسي كثيرا من الظلم والتهميش والتمييز لمدة عقود على جميع المستويات ولعل ابرز المجالات التي كانت تترك أثرا حينيا... عند المواطن هو عند دخوله لأي إدارة لأي سبب كان وأي شخص كان يميز من اجل مظهره او مستواه الاجتماعي او الثقافي وكذلك مدى قرابته من الموظف المسؤول هذا على مستوى تعامل الموظفين مع المواطن العادي لكن حتى داخل الإدارة وفي صفوف الموظفين التمييز والإقصاء سجلا حضورا ربما قبل 14 جانفي كنا نتفهم كل هذه الأوضاع لما كانت تعيشه البلاد من فوضى وفساد طالا كل شيء: مواطن ومسؤول وإدارة وشارع، لكن بعد الاستفاقة التي عرفها المواطن التونسي وبعد تخلصه من اليد التي كانت تمسك بقبضة كل الأمور من خلال الثورة التي صنعها للتخلص من كل المكبلات التي ضاق بها صدره. ان المتأمل في المسار السياسي الذي عرفته تونس يلحظ كل مقومات الديمقراطية اذ تم إحداث مجلس تأسيسي يضم أعضاء منتخبين من طرف الشعب كما تم انتخاب رئيس الجمهورية وتم توزيع الحقائب الوزارية التي شهدت بدورها مزيد التعديل قصد الإلمام بجميع الأمور والسيطرة على كل النقائص والقرب أكثر من المواطن. لكن السؤال الذي يطرح كل يوم لماذا لم تشمل الثورة الإدارة التونسية؟ لماذا لم تشملها الإصلاحات اللازمة؟ لماذا بقي شبحها يطارد المواطن الذي بات يتجنب اي تواصل معها؟ لماذا لم تتحسن في إطار الموظفين أنفسهم؟ كل هذه الأسئلة تخالج نفوس المواطنين والموظفين . لقد عمدت جريدة الخير الاقتراب من هذه النخبة لإيصال أصواتهم الى الجهات المعنية وخاصة الهيكل المكلّف بالإصلاح الإداري. حيث اخبرنا السيد الهادي الحميلي وهو شيخ طاعن في السن يناهز السبعين عاما بأنه يتردد على إدارة عمومية ما يزيد عن شهر قصد الحصول على ترخيص يمكنه من الربط بشبكة الكهرباء الا انه في كل مرة تخبره الكاتبة بان ترخيصه جاهز لكن الآلة الطابعة معطلة 30يوما وهو يعاني من نفس الإجابة وفي كل مرة يحتد النقاش بينه وبين الكاتبة التي تستغل موقعها لسبه وشتمه وتتعمد تعطيله حتى وان أصلحت آلة الطباعة وقد قال في حسرة كنت أظن ان الثورة قامت من اجل المواطن البسيط لكن على ما يبدو فإنها قامت لتعزز نفوذ من يرى ان له سلطة فالثورة الحقيقية يجب ان تكون ثورة عقول ليصلح كل شخص نفسه لان إصلاح تونس يبدأ بالإصلاح الفردي. اما السيدة زينة الكريشي فإنها تتأسف لكون المعاملات في الإدارة قائمة على أساس المظهر فمن يكون أنيقا ويرتدي ثيابا تدل على مستوى اجتماعي معين فان الأولوية تكون له ويكون مبجلا اما من كانت له إمكانيات متواضعة فلا مجال للحديث عن تسوية الأمور وقضاء الشؤون حتى تصادف موظفا "يعرف ربي" لينصف من شاءت الأقدار ان تجعله في وضعية دنيا. وتدخل السيد ياسين الهادي ليقول "زد على الجانب الذي ذكر فان جل الموظفين يكونون منفعلين ومنزعجين في إطار تعاملاتهم مع الأشخاص وكأنهم مجبورون على ذلك ونسوا أنهم يتقاضون أجورا وأنهم بصدد أدائهم لواجباتهم". أما السيدة مفيدة العياري فانها تقول حرفيا:" والله انتظرت ساعتين لمقابلة موظفة تركت مكتبها أثناء أوقات العمل" لقضاء بعض الشؤون الخاصة وبعد طول انتظار قابلتني بالرفض والصد وكل سؤال تقابله الإجابة "بلا". من يستمع إلى كل هذه التشكيات يعتقد ان الفضاء الإداري منسجم ومتفق لكن العكس صحيح فنفس المعاناة التي يعيشها المواطن العادي من تهميش وإقصاء يعاني منها الموظف في إدارته حيث أفادنا السيد ع.ح موظف بإدارة عمومية بان الأوضاع داخل الإدارة لم تتغير بعد الثورة بل لعلها زادت تأزّما باعتبار الانفلاتات التي نعيشها لتشمل الترقيات من لا يستحق ويهمش ويقصي من قضى طول حياته المهنية بنفس الدرجة لم تشأ الأقدار ان يتخطاها حتى ولو تجاوزت مدة عمله العشرين عاما وتسوى الوضعية المهنية لمن له بضعة اشهر ليصبح يتمتع بكافة الحقوق من اجر وتغطية اجتماعية وغيرها من المستحقات في حين يبقى من له عدة سنوات على حاله يعمل بمقتضى عقد هزيل لا يضمن له اي حق من الحقوق بل لعله مهدد بالطرد ان تحرك له ساكن. فيؤكد السيد ع.ح أن الإدارة التونسية هي رمز للفساد المالي باعتبار ما يمكن هدره من أموال مقابل السيارات التي تسلم للمديرين والبنزين مقابل مشاورهم الخاصة زد على ذلك أجرة السائقين كل ذلك يساهم في الفساد المالي وعامة الشعب أحق بتلك الأموال المنسوبة للإدارة لقضاء الشؤون الخاصة. أما السيد محمد الفورتي فيقول لا مجال للحديث عن الكم من التجاوزات الحاصلة في إطار الإدارة التونسية حتى بعد الثورة والتي لا تخفى على احد ولكن لا بد من تكريس رؤية اصلاحية ناجعة للخروج من الوضعية المزرية التي عشناها ومازالنا نعيشها فلقد آن الأوان حتى تكون الإدارة محايدة بعدما سيّست طيلة عقود طويلة لتكون في خدمة حزب واحد فنحن في حاجة لإدارة تخدم الصالح العام وتراعي المصلحة الوطنية والخروج بها من إطار العراك السياسي حتى يشخص الداء ويقع اعتماد التدرج والمرحلية لتكريس منظومة إصلاحية ناجعة وفعالة تعود بالنفع على الموظف الذي يجب ان تراعى حقوقه المادية والمعنوية وتعم العدالة خاصة في مجال الترقية وتسوية الأوضاع المهنية وكذلك على المواطن الذي سيصبح يتعامل مع موظف حسن المزاج قادر على استيعاب وفهم كافة الشرائح الاجتماعية وغير مضطر للمحاباة او التقرب لشخص او لآخر. في إطار الإدارة التونسية الأمر سيان بالنسبة للمواطن و الموظف الانفلاتات كثيرة والتجاوزات اكثر والرشوة والمحسوبية في الطليعة لذلك لا بد من إصلاح إداري شامل وعادل من خلال الهيكل الوزاري الخاص المكلف بهذه المهمة والذي يترأسه السيد محمد عبو الذي اكد انه على علم ووعي بكل عيوب الإدارة التي أفرزت عدة ضحايا من مواطنين وموظفين لذلك فقد كرس منظومة إصلاحية جديدة. لقد أكد السيد محمد عبو ان الخلل في الإدارة التونسية لا يمكن التغاضي عنه وانه تم إحداث هذا الهيكل الوزاري للتصدي الى كل الظواهر الموجودة كما بين استعدادات الحكومة لتكريس جملة من الإصلاحات التي تحول دون تكريس المحسوبية والرشوة سواء في الترقيات او التعيينات الجديدة وقال أنه يتحمل مسؤولية القضاء على المحسوبية في إطار الانتدابات من خلال تكريس مزيد الرقابة وإجراء التحقيقات في كل الملفات المشكوك فيها وبين انه بدأ في هذه الإجراءات وقال انه تلقى من بين العاطلين عن العمل معلومات تفيد ان هناك مجموعة وقع انتدابها بطرق غير شرعية ولكن بعد إجراء التحقيقات اللازمة تبين ان التعيينات تمت بشكل قانوني وقال انه كان في المخطط لو اتضح عكس ذلك فصلهم والقيام بالتحقيقات اللازمة كما بين انه اتضح ان هناك عددا كبيرا من الموظفين ليس لهم اي عمل سوى شرب القهوة لذلك لابد من تكريس العدالة وإيجاد عمل حقيقي وفعلي لمثل هذه الشريحة لا فقط التمتع بمرتب مع جملة الامتيازات المبالغ فيها وقد قال انه :"باسم القانون وباسم الثورة لابد من تكريس جملة من الإصلاحات لإزاحة كل الظلم الموجود والملموس في إطار الدارة التونسية. كما أكد ان عملية الإصلاح هي مسؤولية جماعية للتخلص من الرواسب الماضية التي عشنا عليها عدة عقود. وحول المناظرات الجديدة المزمع فتحها يؤكد السيد محمد عبو انه لا مجال للحديث عن الرشوة والمحسوبية فالانتدابات لجديدة لا بد ان تكون نزيهة وشفافة عبر تكريس المعايير التي حتّمتها الثورة والأوضاع الاجتماعية التي خلفتها لنا النظام البائد. ريم حمودة