حقيقة التقوى أن يعرف العبد ربّه بأسمائه و صفاته و قدرته و جبروته، فيخاف منه و يفزع و يطمع و يرغب، فيحذر... من الوقوع في معصيته وذلك باجتناب الحرام، بل كلّ ما يؤدّي إلى الحرام أو ما فيه شبهة حرام، فيستفيد الصائم من ذلك الخلق وهو الورع، فيسارع إلى طاعة الله تعالى على نور من الله يرجو ثوابه و يخاف عقابه، فينصلح قلب المؤمن و بصيرته، و بصلاح القلوب صلاح الأعمال و بصلاح القلوب و الأعمال تصلح الأمّة جميعها التي جعلها الله خير أمّة أخرجت للناس تأمر بالمعروف و تنهى عن المنكر، تستحقّ أن تكون في مصاف الأمم الرائدة التي تسيّر ركب الهداية و تنشر الخير و النور بين العالم و إلى العالم أجمع.. الورع خُلُقُ النبيّين و زينة المتّقين و بهاء الصالحين، صاحبه في شواهق عاليات، تتقطّع دونها الهمم الصادقات.. هو الضياء الذي حار في بيان جلائه الحكماء، و تداخلت فيه عبارات العلماء، و تنافس في بيانه البُلَغَاء.. هو تجنّب الشبهات ومراقبة الخطرات.. و قيل هو اجتناب الشبهات خوفا من الوقوع في المحرّمات.. و قال ابن القيّم ترك ما يخشى ضرره في الآخرة.. و ها هو النبيّ صلى الله عليه و سلم يعلّمنا كيف يكون الورع ؟! و من أين يبدأ الورع ؟! قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:" إنّ الحلال بيِّنٌ و إنّ الحرام بيّنٌ، و بينهما مشتبهات ! لا يعلمُهُنّ كثيرٌ من الناس ! فمن اتّقى الشبهات استبرأ لدينه و عرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ! كالرّاعي يرعى حول الحِمَى يوشك أن يرتع فيه ! ألا و إنّ لكلّ ملك حمى، ألا و إنّ حمى الله محارمه ! ألا و إنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه، و إذا فسدت فسد الجسد كلّه ! ألا وهي القلب " ( أخرجه البخاري و مسلم ).. سبحان الله، كم يحمل هذا الحديث من معانٍ عظيمة في الورع ؟ و قد استنار الصّالحون بضيائه فها هو الفاروق عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يقول: " كنّا نَدَع تسعة أعشار من الحلال مخافة أن نقع في الشبهة أو في الحرام ". و قال عليه الصلاة و السلام: " فضل العلم أحبّ إليّ من فضل العبادة، وخير دينكم الورع " ( أخرجه الحاكم و الطبراني صحيح الجامع (4214).. قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: " لكلّ شيء حدّ و حدود الإسلام: الورع، التواضع، الشكر، و الصبر.. فالورع ملاك الأمور، و التواضع براءة من الكبر، و الصبر النجاة من النار، و الشكر الفوز بالجنة ".. و قال ابن المبارك رحمه الله تعالى: " ترك فلس من حرام أفضل من مائة ألف فلس يُتصدَّقُ بها ". أحبّتي في الله، لا يقول أحدكم إنّ الورع صعب لا يناله إلاّ أصحاب الهمم العالية، حقّا إنه منزلة سامية، لكن ألا يسعنا من الورع قول سفيان الثوريّ رحمه الله: " ما رأيت أسهل من الورع ما حاك في نفسك فاتركه ".. لم يعد لنا مزيد و غدا هناك جديد في كلمات كلمة الحق: قذيفة ربَّانية في وجه الباطل، تُزلزل كيانه، وتحطم أركانَه، وتقهره وتُهلكه، حتَّى يصل الهلاك إلى دماغه، فيعطب ويتلف، يقول تعالى: " بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ "، ومَن القاذف إلا الله تعالى: " قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ "، فهل ترى للباطل وأهله من باقية ؟.. دعاء الجمعة بسم الله الرحمان الرحيم، الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيّدنا محمّد و على آله و صحبه أجمعين.. اللهم أصلحنا وأصلح شبابنا وبناتنا، اللهم أعلِ همتهم، وارزقهم العمل لما خلقوا من أجله، واحمهم من الاشتغال بتوافه الأمور، وأيقظهم من سباتهم ونومهم العميق وغفلتهم الهوجاء والسعي وراء السراب. اللهم أعنا على صلة أرحامنا، وارزقنا بر أمهاتنا وآبائنا. وحبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين. اللهم احفظنا بالإسلام قياماً وبالإسلام قعوداً وبالإسلام رقوداً ولا تشمت بنا عدواً ولا حسوداً. و آخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين..