احزاب تسعى الى الوحدة والتصلب كالحديد وأحزاب تعاني التشقق كالجليد والمشهد الحزبي. كما عهد ناه –بلا جديد... هذا ما يبدو جليا وواضحا في تونس "الثورة" اذا ما حاولنا رصد وتأمل فسيفساء الاحزاب في تونس خاصة بعد انتخابات 23 اكتوبر التي شكلت محطة سياسية هامة في تاريخ البلاد وفسحة امل للعباد. البداية مع الائتلاف الحكومي "الترويكا" الذي وان بدا متجانسا رغم الاختلاف المرجعية فان حليفي النهضة والمفصود حزبا التكتل والمؤتمر بدأت الانشقاقات تشوبهما وتحول دون العمل المثمر في الحقل السياسي. فحزب المؤتمر قد انشق فعلا وبات الفرق واضحا عندما نتحدث عن "شقّ عبد الرؤوف العيادي" وما تبقى في الحزب وعلى رأسهم عماد الدايمي ويبدو ان مسالة الحقائب الوزارية كانت القشة التي قسمت ظهر بعير المؤتمر لتشب خلافات داخلية وينشر غسيله على اكثر من لسان ليكون مؤتمر12 ماي الجولة الحاسمة ومفترق الطرق بين شق الموالين لرئيس الحزب السابق المنصف المرزوقي وشق عبد الرؤوف العيادي. أما الحليف الثاني لحركة النهضة وهو حزب التكتل الذي مازال يتمنع عن التجذيف عكس التيار ويجاهد للمحافظة على وحدته غير انه ليس بمنآى عن حركة المد والجزر التي تشوبه من فترة الى اخرى بسبب استقالة عدد من اعضائه مثل خميس قسيلة وصالح شعيب منذ مدة قصيرة. وربما قد تكون التصدعات التي يعانيها الحزب اقل حدة لكنها لا تخفي مساعي القيادة وعلى رأسه السيد مصطفى بن جعفر الى تنقية الاجواء لإضفاء شيء من الوفاق الذي يبقي الامل قائما في تفادي دكة الاحتياط في الانتخابات القادمة ويظل لاعبا محوريا في الساحة السياسية. حليفا النهضة في حكومة "الترويكا" وان اختلفا في السبل والسياسة الحزبية فان الهدف يبدو واحدا هو تفادي سحب البساط من تحت الاقدام في الاستحقاق الانتخابي القدم. في المقابل نجد احزاب المعارضة التي يصعب حصرها ويخشى ذكرها والتي تموقعت منذ البداية في المجلس التأسيسي من اجل "فرض الوجود وكسر القيود" مثل الحزب الديمقراطي التقدمي والقطب الحداثي اللذان يحاولان في كل مرة لملمة شتات القوى الديمقراطية والحداثية ورصّها في جبهة واحدة في محاولة لخلق توازن سياسي يطوي صفحة الهزيمة في الانتخابات المنقضية ويكتب صفحة امل جديدة من اجل الانتخابات القادمة والثأر من حزب حركة النهضة الذي كان سباقا في اخذ المشعل من يد "حكومة الانقاذ" التي ترأسها الباجي قايد السبسي الذي سرعان ما أخذه الحنين الى الساحة السياسية بعد ان ذاق شهد المناصب الوزارية وعاد يحمل على عاتق شيخوخته "مبادرة نداء اوطن" لجمع القوى الديمقراطية الدستورية على ضوء الارث البورقيبي. وقد تمكن الباجي السبسي من خلق نواة حزب لم ير النور رسميا بعد يضم الكثير من الشخصيات المستقلة علنا والمؤمنة سرا بالتجربتين البورقيبة والنوفمبرية. الحزب الديمقراطي التقدمي لم يفوت فرصة الاصطفاف خلف مبادرة السبسي غير ان انسحاب ما يسمى بتيار الاصلاح في الحزب بقيادة محمد الحامدي كان عثرة غير منتظرة في مسار الحزب الجديد "الجمهوري" بعد ان حاول ان يكون حجر الزاوية في المشهد السياسي القادم تحت اسم الحزب الجمهوري الذي تشكل مؤخرا بقيادة مية الجريبي على غرار تشكل المسار الاجتماعي الديمقراطي الذي يعد اندماجا بين حركة التجديد وحزب العمل. الحديث عن احزاب المعارضة يعد "طبخة" لا تستوي ولا يمكن تذوقها دون التطرق الى حزب العمال الشيوعي التونسي الذي ظل وفيا لمبادئه محافظا على مواقفه اذ لا فرق عنده بين الحكومة النوفمبرية وحكومة الترويكا! اما مفاجأة الموسم الانتخابي دون منازع فهو تيار العريضة الشعبية التي تفوقت على احزاب عريقة وحصلت على مقاعد لا يستهان بها في المجلس التأسيسي ويبدو ان اعضاءها تأثروا كثيرا باغتراب رئيس العريضة الهاشمي الحامدي وانتهجوا سياسة المعارضة لأجل المعارضة واستمالة الرأي العام لا أكثر ولا أقل!