عاجل/ هذا ما قررته محكمة التعقيب بحق المتهمين في قضية "انستالينغو"..    مجلس وزاري يتابع إجراءات مختلف الوزارات استعدادا لعودة التونسيين بالخارج إلى أرض الوطن..    280 مؤسسة توفر 100 ألف موطن شغل تونس الثانية إفريقيا في تصدير مكونات السيارات    بورصة تونس ..مؤشر «توننداكس» يبدأ الأسبوع على ارتفاع    أخبار المال والأعمال    تحطم طائرة عسكرية من نوع "إف 35" في ولاية نيومكسيكو الأمريكية (فيديو)    الاحتلال يترقب قرارا من غوتيريش يصنفها "قاتلة أطفال"    رونالدو يشد عشاقه بموقفه الرائع من عمال الملعب عقب نهاية مباراة النصر والاتحاد (فيديو)    اليوم في رولان غاروس .. أنس جابر من أجل الدور الثالث    الرابطة في مأزق...الترجي يطالب باحترام الرزنامة    جينيف: وزير الصحة يؤكد الحرص على التوصّل لإنشاء معاهدة دولية للتأهب للجوائح الصحية    نبيل عمّار ل«الشروق»...انتظروا اتفاقيّات نوعية بين تونس والصين    قريبا يشرع البرلمان في مناقشته هذه ملامح القانون الجديد للشيك دون رصيد    الحزقي: قريبا رقمنة الرقابة الإدارية    موجة اعترافات أوروبية جديدة بدولة فلسطين ...تسونامي يعصف بالاحتلال    بنزرت: الاذن بالاحتفاظ بشخص وفتح بحث تحقيقي من اجل اضرام النار عمدا بمنقولات في حادث نشوب حريق بمستدودع الحجز البلدي    تشييع الجندي المصري ضحية الاشتباك مع الإسرائيليين على معبر رفح    نائب فرنسي يرفع علم فلسطين خلال جلسة الجمعية الوطنية الفرنسية    بن عروس: متابعة ميدانية لوضعية المحصول بالمساحات المخصّصة للزراعات الكبرى    بطاقة إيداع بالسجن ضد سمير العبدلي من أجل شبهات جرائم إرهابية    نقص فرص العمل عن بعد وضعف خدمات رعاية الأطفال يمثلان عائقا رئيسيا لوصول النساء إلى سوق العمل (دراسة)    تصفيات كاس العالم 2026:غدا الاعلان عن قائمة لاعبي المنتخب التونسي    ملعب غولف قرطاج بسكرة يحتضن نهاية هذا الاسبوع كاس تونس للغولف    البطولة السعودية: نزول فريقي سعد بقير وأيمن دحمان الى الدرجة الثانية    قفصة: الدفعة الثالثة والأخيرة من حجيج الجهة تغادر اليوم في إتجاه البقاع المقدّسة عبر مطار قفصة-القصر الدولي    تعظيم سلام يا ابن أرض الرباط ... وائل الدحدوح ضيفا على البلاد    قبل جولته الأدبية في تونس العاصمة وعدة جهات، الكاتب جلال برجس يصرح ل"وات" : "الفعل الثقافي ليس فقط في المركز"    افتتاح الدورة السادسة للمهرجان الدولي للموسيقيين والمبدعين من ذوي وذوات الإعاقة بعد أكثر من 4 سنوات من الغياب    الشركة التونسية للكهرباء والغاز تطلق خدمة إلكترونية جديدة    وزير الصحة يشارك في مراسم الاعلان عن مجموعة أصدقاء اكاديمية منظمة الصحة العالمية    وزارة الصحة تنظم يوما مفتوحا بعدد من الولايات للتحسيس بمضار التدخين في اليوم العالمي للامتناع عن التدخين    الليلة أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 18 و28 درجة    قابس: الاحتفاظ بشخص مفتش عنه وحجز كمية من الهواتف الجوالة المسروقة    جنيف: وزير الصحة يستعرض الاستراتيجيات والخطط الصحية الوطنية في مجال علاج أمراض القلب    المنستير: أجنبي يتعرّض ل'براكاج' والأمن يتدخل    عملية بيع تذاكر'' الدربي'' : الأسعار... متى و أين ؟    لدعم خزينته: الأولمبي الباجي يطرح تذاكرا افتراضية.. وهذا سعرها    فتح باب الترشح للدورة 36 لمهرجان المحرس الدولي للفنون التشكيلية    بداية من اليوم.. مدينة الثقافة تحتضن الدورة السادسة للمهرجان الدولي للموسيقيين والمبدعيين من ذوي الإعاقة    عاجل : شكاية جزائية ضد وزيرة العدل ليلى جفال    عاجل : الديوانة بميناء حلق الوادي تحبط محاولة تهريب'' زطلة و مخدرات ''    تذمّر المواطنين بسبب غلاء أسعار الأضاحي..التفاصيل    لأول مرة.. إعتماد هذا الإجراء مع الحجيج التونسيين    حادث مرور مروّع في القصرين    وزير التجارة الجزائري يدعو إلى عقد منتدى أعمال ثلاثي جزائري تونسي ليبي    عاجل :عطلة بيومين في انتظار التونسيين    هيونداي تونس تتوج بعلامة "أفضل علاقات عامة" في المؤتمر الإقليمي لشركة هيونداي موتور في جاكرتا    قفصة: القبض على 5 أشخاص من أجل ترويج المخدّرات    هذا فحوى لقاء رئيس الدولة بالصحفي الفلسطيني وائل الدحدوح..    في الملتقى الوطني للتوعية والتحسين البيئي... ياسين الرقيق يحرز الجائزة الأولى وطنيا    في إطار تظاهرة الايام الوطنية للمطالعة بعين دراهم ...«الروبوتيك» بين حسن التوظيف والمخاطر !    فضيحة الساعات الفاخرة 'روليكس' تلاحق رئيسة بيرو    4 ألوان تجذب البعوض ينبغي تجنبها في الصيف    بن عروس : اختتام الدورة الثالثة والثلاثين لمهرجان علي بن عياد للمسرح    أولا وأخيرا «عظمة بلا فص»    أليست الاختراعات التكنولوجية كشفٌ من الله لآياته في أنفس العلماء؟    معهد الفلك المصري يكشف عن موعد أول أيام عيد الأضحى    مواقف مضيئة للصحابة ..في حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خلدون النبواني عضو المجلس الوطني السوري في حديث الصراحة سوريا الحرة ستنهض كما تنهض العنقاء من تحت الرماد
نشر في الخبير يوم 13 - 12 - 2011

برد باريس لم يزد شوقه الى الوطن الا تاججا , وتصاعد العنف لم يزده الا ايمانا بان عهد الحكومات المستبدة ولى وانتهى وعهد الشعوب بدا ,في هذا الاطار كان لقائي بعضو المجلس الوطني السوري في باريس ومعه دار الحوار التالي...
1- من فضلك عرف القارئ التونسي اولاً بالأستاذ النبواني وموقعه من الثورة السورية!
وكيف للأنا أن تُعرِّف بنفسها دون أن تصطفي وتخفي وتحجب أو دون أن تزوِّر وتبالغ وتُعظِّم؟ فأنا من الذين لا يعتقدون بحالٍ من الأحوال أن خطاب الأنا عن ذاتها هو خطابٌ يتمتع بحدٍ أدنى من الموضوعيّة لأنه خطابٌ ذاتي خالص يحتاج إلى أن ينظر في المرآة أي الآخرين لكي يتعرّف على نفسه أكثر. لاشك أنني أستطيع أن أُقدّم هنا بعض "الحقائق" البسيطة مثل كونيّ سوريّ يعيشُ حالياً في باريس، أو أنني درستُ الفلسفة الغربية المعاصرة في السوربون أو أنني كاتب وأستاذ جامعيّ أو أو، ولكن هل هذا أنا أم هو جزءٌ منيّ يُظهر بعض الجوانب التي تحرص أنايّ على إظهارها وتضخيمها وحجب غيرها. أعتذر على هذه المقدمة الفلسفيّة المُعقدّة، ولكن من أصعب الأسئلة التي قد توجه لفيلسوف هو أن يُعرّف نفسه: من أنا؟
وإذا كان سؤال الهويّة من الأسئلة الصعبة بالنسبة لي، فإن التعريف بموقعي من الثورة السوريّة هو أمرٌ أشعر فيه بالخجل وبالإحراج ويحضرني هنا سؤال محمود درويش الأخير:"من أنا لأقول لكم ما أقول لكم؟" فرغم كوني عضواً في المجلس الوطنيّ السوريّ، إلا أن موقعي بالنسبة للثورة السوريّة هو على الهامش. من يقوم بالثورة هم الناس الفدائيون على الأرض في سوريا تحت النار والقتل والتعذيب والتنكيل اليومي والحصار والجوع والبرد فهم الأحق والأجدر بالحديث عن الثورة السوريّة؟ بماذا سأُنظِّر عليهم أنا البعيد عن الخطر في بيته الآمن في ضواحي باريس. حقيقةً أشعر أمام هؤلاء الأبطال الذين يضحون بحياتهم من أجل أن يصنعوا تاريخ سوريا الجديد بالخجل والاضمحلال بل وبالعار من ظروفي المرفّهة قياساً بظروف "عيشهم" المستحيلة. ليس لي جدارة أو موقع من الثورة حقاً وفعلاً سوى على هامشها وعند ذيلها لا عند رأسها.
مع ذلك كان لا بد لنا نحن سوريو الخارج أن نفعل شيئاً لمساعدة أهلنا في الداخل. وصدقيني كم أنا فخور بالكثير من السوريين في بلاد الاغتتراب الذين لم يؤلو جهداً في دعم أهلنا في الداخل سواءً بالمظاهرات أو بتقديم المعونات الماديّة للمتضررين من عسف النظام. أعرف من كان يدفع مالاً أكثر من طاقته للأًسر السورية المُتضررة وهناك من أرسل بملابس أبنائه لمساعدة الأطفال الذين صاروا في العراء أو في الخيام في دولٍ مجاورة نتيجة الحملة الأمنية الهمجية للنظام الذي قرّر أن يحرق البلد ولا يتخلى عن السُّلطة بأي ثمن. من قبلي قُمتُ بما استطعتُ به من دورٍ إعلاميّ للتعريف بمحنة الشعب السوريّ وعدالة ثورته ضد نظام الاستبداد وذلك سواء بالحديث إلى بعض وسائل الإعلام العربية والغربية أو سواء بالكتابة أو المقابلات والحوارات التي قيض لي أن أجريها منذ بدأ ثورة الحرية والكرامة في سوريا.
2- هل ما تعيشه سوريا حرب كونية في اطار مخطط لإعادة تقسيم الشرق الاوسط ام انه نتيجة حتمية لأربعين سنة من القهر والاستبداد الأسدي؟
يبدو للوهلة الأولى أن الجواب على الشق الأول من سؤالك هو مُتضمّن في شقه الثاني، ولكن جوابي على هذا السؤال المُركَّب لن يكون بمثل هذا الوضوح. فقناعتي الشخصية أنه في عالَم السياسة كما هي عليه اليوم لا توجد حقيقةٌ موضوعيّة يتم اكتشافها كالاكتشافات العلمية. بحسب رأي فإن الحقيقة في السياسة هي حقيقة الأقوى الذي يخترعُ حقيقةً يعتمد فيها بشكلٍ بسيطٍ وأولي على معطيات ما يحصل ثم يُعيد فبركتها ومنتجتها وتكريس كل إمكانيات وسائل إعلامه لتقديمها على أنها الحقيقة الوحيدة. هكذا، فإن صراع وسائل الإعلام على تقديم أجندتها هو صراعٌ على فرض حقيقة الجهة السياسية التي تقف وراءها أما حقيقة ما يجري على الأرض فهي أولى ضحايا السياسة وأول قتيل برصاصها غير الطائش. هكذا ترصد الكاميرا ما تريد أجندتها رصده وتقدمه على أنه حقيقة ما يجري وتُركِّز وسائل الإعلام على بعض النقاط وتهمل أُخرى فيتشكل وعيٌّ جمعيٌّ يُصدّق هذه الحقيقة ويرفض ما يناقضها. هكذا فلو وجهنا سؤالك هذا إلى شريحة من السوريين في سوريا الآن لأجابك البعض جازماً عن قناعة أنها مؤامرة كونية ضد موقف سوريا الممانع وهي خطة غربية إسرائيليّة لتقسيم الشرق الأوسط في حين سيجيب آخرون عن قناعةٍ أيضاً بأنها ثورة لاسترداد الكرامة المُستلبة التي سرقها منهم نظام دكتاتوريّ قمعي قام بإذلالهم بعد أن سرق البلد محولاً أياها إلى مزرعة لآل الأسد وجاعلاً منهم عبيداً في تلك المزرعة. هكذا تصوّر قناة الدنيا مثلاً التابعة لرامي مخلوف ابن خال الرئيس الشوارع السوريّة هادئة أيام الجمع وأن الناس تخرج في نزهات يوم العطلة بينما ينجح المتظاهرون في تسريب صور المظاهرات وعمليات القتل والاغتيال والتعذيب والتصفية. الآن إذا كانت الحقيقة السياسيّة هي حقيقة الإعلام الأقوى، فإنه مما لا شك فيه أن النظام السوريّ قد خسر اللعبة الإعلاميّة على مستوى الخارج هزيمة نكراء والدليل على ذلك وقوف معظم الدول العربية ودول العالم حكومات وشعوب إلى جانب الثورة السوريّة والشعب السوري الثائر ضد نظام الأسد الذي قدم الإعلام "الآخر" وجهه القبيح والدمويّ والساديّ.
هل نحن هنا محكومون برؤيتنا للأشياء بالحرب الإعلامية الافتراضية؟ نعم ولا. لا شك أن من لا يمتلك وعياً نقديّاً يُصدّق الجهة الإعلامية التي يريدُ تصديقها والتي يشعر بحاجةٍ نفسيةٍ إلى تصديقها فيؤمن بما تقول ويكذّب الإعلام الآخر الذي يصفه بالمزور والمتحامل والمغرض مثلاً. شخصياً وقفتُ مع الثورة السورية قبل أن تندلع وتحديداً منذ قيام ثورة تونس. نعم من وجهة نظري في سوريا دولة أسديّة أمنية قمعية احتكارية أسرويَة ريفية وراثية فاشية عرفتها دائماً هكذا لأنني عشتُ تحت سُلطتها معظم حياتي وولدتُ في ظل حكم الأسد الأب الذي كنا مجبرين أن نعبده ونؤلهه بحيث كان يمكن لنا شتم الله، ولكن أحداً لا يجرؤ على شتم الأسد فرعون سوريا. ما كان لي إلا أن أقف مع المظلومين والمهمشين الذين أُمثِّل أحدهم ضد المستبدين والطغاة.
بالعودة مرّة أخيرة إلى سؤالك فإن ثورة سورية بنظري هي "نتيجة حتمية لأربعين سنة من القهر والاستبداد الأسدي"، ولكن للأسف فإن المجازر التي ارتكبها النظام وسياساته المتصلبة جدّاً قد أضعفت سوريا الوطن الآن وفتحتها على الكثير من مصالح الغرب الذي وجد فرصةً سانحة لتقاسم المصالح ولتغيير موازين قوى الصراع في وعلى الشرق الأوسط ساعده عليها ضعف النظام السوري المتزايد.
3- كيف ترى الوضع في سورية بعد تسعة اشهر من اندلاع الثورة؟
سيء. لحسن حظ الثورتين التونسية والمصريّة فقد استغرقتا زمناً قصيراً نسبياً في عملية إسقاط نظام الحكم أو رأس السُّلطة على الأقل بينما دفعت كل من الثورات في ليبيا واليمن وسوريا ضريبة تكالب زعمائها على السُّلطة واستعدادهم الكامل لحرق البلاد والتحالف مع الشيطان من أجل البقاء على الكرسي. ولا أقصد هنا فقط عدد الضحايا والقتلى المأسوف عليهم والذين راحوا وقوداً للاصطراع، وإنما أيضاً إضعاف البلاد سياسياً واقتصادياً وأمنياً مما يسهل تغلغل القوى الخارجية التي تبحث أولاً وقبل كل شيء عن مصالحها الاقتصادية والإستراتيجية فتدخل وتتدخل من أجل ذلك تحت عدة مسمياتٍ براقة من حماية المدنيين أو دفاعاً عن الديمقراطية أو أو الخ...
تتميز الثورة السورية عن غيرها من الثورات العربية الأُخرى التي سبقتها بقليل أو تزامنت معها بحجم العنف المهول وبأعداد القتلى المرعب وبالصفقات المشبوهة والتحالفات الإقليميّة والدوليّة وبالحضور المخابراتي غير المسبوق في التخطيط والتنظيم لعمليات القتل والتحريض والتلفيق ووو الخ. كانت الثورة السورية في بدايتها مليئة بالأمل والإبداع والشعارات الداعية للسلمية وللوحدة الوطنيّة، ولكن وحشية وهمجية التعامل الأمني الطويل والمستمر للنظام كان لا بد أن يدفع البلد إلى مزالق خطيرة منها ضعف الدولة وحاجة السُّلطة الحاكمة إلى القيام بعقد صفقات مشبوهة من تحت الطاولة على حساب المصالح الوطنيّة وكذلك إلى توسل فئاتٍ كبيرة من الشعب الذي شُّرِّدت وقُتلت واغتصبت وانتهكت حرماتها وأعراضها إلى الاستعانة بالتدخل الخارجي على الطريقة الليبية. خلال فترة القتل والحصار لم تتوقف عجلة آلة الموت عن الدوران ولم يتوقف النظام السوريّ على اللعب على أخطر مكونات الدولة السورية وهو التعايش الأهلي المدني السلمي حيث قام بمحاولة اللعب على وتر الطائفيّة والإثنية فحاول عزل الأكراد عن العرب وعزل الأقليات عن الأكثرية السنيّة واتهام كل من يطالب بالحرية بوصفه إرهابياً وعميلاً لقوى خارجية كونيّة تتآمر على نظام الممانعة فريد زمانه وعصره وأوانه الذي تديره أُسرة لا ترى في سورية سوى مزرعة لها. ليس عندي شك بقرب زوال النظام، ولكنه سيترك وراءه دماراً كبيراً ستحتاج سوريا إلى سنوات طويلة لتزيل ركام الحرب التي قادها النظام ضد شعبه وإلى عملية مصالحة وطنيّة ومداواة للجراح وعمل حثيث من أجل إعادة بناء مفهوم الدولة المدنية والتعايش السلمي التعددي، ومحاولة الاستقلال السياديّ بعيداً عن أي تحكم مباشر غربيّ أو إيرانيّ أو تركيّ، بل وحتى خليجيّ.
4- بوصفك عضو في المجلس الوطني السوري: لماذا فشل المجلس في رص صفوف المعارضة وتقريب وجهات النظر ؟ وبالتالي فشل في ضمان اعتراف الدول به على غرار المجلس الليبي مثلا؟
يمكن للجواب السهل، والذي يحمل قدراً كبيراً من الصحة بأي حال، أن يُبرر ذلك بتشرذم المعارضة السورية التي لم يترك لها نظام البعث الأسدي أي هامش تعيش عليه وتتوسع من خلاله وبالتالي كان لدينا معارضون لا يمثلون معارضة واحدة أو حتى مجموعة معارضات ذات كيان سياسيّ واضح، ولكن بالمقابل لا يوجد نظام عربي قبل الربيع العربي إلا وخنق وضيق وسجن ونفى معارضيه مبقياً على صوتٍ واحد هو صوت الدكتاتوريات والمفايات التابعة لها ومصالحها. لا شك أن القبضة الحديديّة التي مارسها نظام البعث الأسديّ في سوريا إزاء أي صوت معارض هي حالة نادرة لا يكاد يضاهيها في الدول العربية الحديثة سوى حالة النظام العراقي تحت حكم صدام حسين أو حالة النظام الليبي في ظل سيطرة القذافي على مقاليد الحكم لما يقارب 41 سنة. وعليه فإن المقارنة مع الحالة الليبيّة الواردة في سؤالك هي مقارنة وجيهة لها ما يبررها. ولكن في الحالة الليبيّة لم يكن يوجد أي شكل من أشكال المعارضة ذات الهوية السياسيّة الإيديولوجية، فكانت الأولوليّة بحسب رأيي هي في تكوين جسد سياسي يمثّل الراغبين بإزاحة أسرة القذافي عن حكم ليبيا وبناء نظام سياسي لها. أي أنه كان من الضروري والمُلح في ليبيا التوحد إزاء الهدف الأهم وهو التخلص من حكم العقيد وأسرته وبعد ذلك يتم النقاش في شكل وهوية ليبيا الجديدة بعد القذافي. من ناحيةٍ أُخرى كان هناك اتفاق عالميّ على موضوع التدخل العسكري السريع في ليبيا مما أوجد الحاجة الخارجية أيضاً للاعتراف السريع والعاجل بكيان سياسي مُعارض للنظام الليبي حتى ولو لم يكن يملك أي مشروع واضح لبناء نظامٍ سياسيٍ جديد؛ وهكذا تم الاعتراف الدوليّ سريعاً بالمجلس الانتقالي الليبي. لم يكن الوضع كذلك في سوريا التي تأخرت فيها "قوى" "المعارضة" كثيراً لأخذ قرار بتكوين جسد سياسيّ يُمثّل حراك الداخل المتروك للقتل اليوميّ. للأسف لم يعد الصراع على سوريا مُقتصراً اليوم على المواجهة التي طالت نسبياً بين الشعب الثائر والنظام القمعي الأسديّ، بل هناك قوى إقليمية ودوليّة تتصارع على المصالح الجيواستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط الذي يُعتبر أحد أكثر المناطق المُلتهبة سياسياً في العالَم. بعد أن ضعفت الدولة السورية وهو ما انتظره الغرب ودفع إليه/ تتجلى أطماع القوى الكُبرى في الاستفادة من التغيرات الثورية والسريعة الحاصلة بالمنطقة من إعادة رسم السياسات، أو وهذا في أضعف الإيمان، للتخفيف قدر الإمكان من النتائج السلبية على مصالحها التي سببها لها رغبة الشعوب العربية في التحرُّر. الصراع الآن على سوريا هو في نفس الوقت محاولة لإيقاف المشروع الإيراني القويّ والنافذ في المنطقة وهو محاولة لإعادة التأقلم مع النتائج الجديدة للصراع الفلسطينيّ الإسرائيليّ وهو صراع على بوابات نفط الخليج الذي يسيل له لعاب الغرب الخ. وبما أن هذه القوى تتصارع فيما بينها في محاولة لتقاسم المصالح، فإن من شبه المستحيل أن تُجمع تلك القوى على دعم المجلس الوطني السوري بوصفه هيئة وحيدة ممثّلة للشعب السوري، وعلى أي حال هي غير مستعجلة على ذلك. يُضاف إلى كل هذا أن المخابرات السوريّة شديدة الحرفية وكثيرة العدد تعمل بشكلٍ حثيث على محاولة اختراق صفوف المعارضة ووضع كل العوائق أمام إمكانية توحدها وهي تقوم بذلك بكل الوسائل القذرة بما في ذلك تصفية بعض المعارضين وتهديد أسر آخرين وتجنيد وسائل الإعلام المحلية والموالية للتشكيك في وطنية المعارضة وفي عمالتها للخارج. أمام كل هذه الصعوبات يظل أن أقول أن هناك معارضون سوريون لا يقلون دكتاتورية وفردانية وجنون عظمة عن الأسد وبالتالي تعيقهم أمراض انتفاخ الذات عن مد اليد للآخرين من المعارضين والاعتراف بهم.
5- هل هناك مخاوف من انزلاق سوريا نحو حرب أهلية خاصة امام سعي واضح لإثارة النعرات الطائفية؟
لا أعتقد أن حرباً بين الطوائف أو الإثنيات السوريّة يُمكن لها أن تحدث فعلاً فمع أن مثل هذه الكيانات ما قبل الوطنية تعيش في دوائر مغلقة على نفسها بعقائدها وطقوسها وزيجاتها إلا أنها غير متصادمة وتتعايش معاً دون تداخل فعليّ. يمكن أن تكون هناك حرب بين الجيش السوريّ الحر وبين جيش ميليشيات الأسد في المستقبل، ولكنه يظل صراعاً عسكريّ عسكريّ وليس حرباً مدنيةً بالمعنى الفعليّ للكلمة. في الحقيقة لا أخفي خشيتي أنه وبعد سقوط النظام ستحدث إلى فترة عمليات انتقام متفرقة هنا وهناك في بعض بؤر التوتر الطائفي التي أوجدها النظام لكي يبرر سحقه للثورة.
6- ايهما اشد خطرا علي سوريا التدخل الخارجي ام استمرار الأوضاع على ما هي عليه؟
هما أمران أحلاهما مرُّ كما يقول أبو فراس الحمداني. أتفهم تماماً حاجة من يتعرضون للقتل اليومي في سوريا إلى تدخلٍ عاجل يضع حداً لمأساتهم. كما يمكن لي توقع رد فعل بعض المعارضين للنظام السوري في الخارج الذين يريدون نهاية مُذلة لنظام الأسد الذي طالما احتقر شعبه تشبه نهاية القذافي، بل أن هناك منهم من يريد أن ينتهي الموضوع بسرعة ليقفز إلى السُّلطة فللأسف هناك دائماً وفي كل مكان كثيرون حول السُّلطة وقلائل حول الوطن. شخصياً أن ضد التدخل الخارجي العسكريّ لأن مصيبتنا ستستفحل وستصير سوريا مجرد ملعب للقوى الخارجية. التدخل العسكريّ الخارجي لإنقاذ سوريا من نظام اختطف البلد وأخذ الشعب كرهينة، لا يعني، بالنسبة لي، سوى أن نخلص مريضاً من مرضه، بقتل المريض. مع كثرة "الأيدي القذرة" التي تتصارع على سوريا، ليس على السوريين شعباً ثائراً ومعارضةً نزيهة سوى القتال على عدة جبهات لتقليل حجم الخسائر والتدخلات التي يمكن أن تسقط ليس النظام فحسب بل الدولة السورية بكل مقوماتها.
هل يعني هذا الكلام، ترك النظام يقتل ويقتل إلى أن يقضي على كل من يعارضه؟ لا فهناك وسائل مقاومة دبلوماسية ووطنية أقل ضرراً من التدخل العسكري وهي ستضع حداً وإن لأمدٍ طويل ولو بكثيرٍ من المعاناة والضحايا لهذا النظام البربريّ. من هذه الوسائل مثلاً العقوبات الاقتصادية والمقاطعة الدبلوماسية والعزل الدوليّ للنظام السوريّ و، وهو الأهم من ذلك كله، الاضراب الوطنيّ الذي وبتحوله إلى عصيان مدني، يكون قد وجه ضربة قوية جداً تعجل بنهاية حكم العائلة الجاثمة على صدر سوريا منذ أكثر من أربعين سنة.
7- ما موقفك من الثورات العربية ورأيك في صعود الاحزاب الاسلامية الي الحكم ؟
كنتُ ولا زلتُ وسأظل متحمساً للربيع العربي الذي نفخ الروح في جثثنا الهامدة وأعاد لنا الثقة بنفسنا منذ شعلة البوعزيزي حتى آخر شهيدٍ سيسقط من أجل الحريّة. قناعتي الشخصية أن ما حصل في العالم العربي منذ أحداث تونس وصولاً إلى امتدادات هذا الربيع الذي سيمتد ليزهر في دولٍ عربيةٍ يستحق اسم "الثورة العربية" بكل معنى الكلمة.
لا شك أنني شخصٌ علماني أؤمن أن المجتمع العادل يستلزم العلمانية التي تقضي بفصل الفضاء الخاص، بما يتضمنه من قناعات وممارسات وطقوس دينيّة أو غير دينيّة، عن الفضاء العام وهو المجال السياسي الذي يشترك فيه الجميع ويتساوون في الحقوق والواجبات بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية التي تُحترم في إطار الديمقراطية بحيث لا تسيء ولا تقحم نفسها على الميدان العام. هذا ما آمله وأرجوه يوماً للبلاد العربية، ولكن لنعترف أن الطريق الذي يقود إلى ذلك طويل وفيه العديد من العوائق والصعوبات. رغم طموحي بالعلمانيّة إلا أنني لم أُفاجأ بنجاح حزب النهضة التونسيّ بالفوز في الانتخابات الديمقراطية وبنسبة كاسحة رغم تجذُّر التجربة العلمانية في تونس فقد كان ذلك نتيجة طبيعية ورد فعل على عملية إقصاء وتهميش دور "الأحزاب" الدينيّة والعلمنة الإكراهية التي كانت تُمارس بالإجبار والمراقبة والمعاقبة والفرض من فوق. شئنا أم أبينا، فإن شعوبنا العربية متدينة بشكلٍ عام وهي نتيجة القمع السياسيّ والإفقار الاقتصادي والتهميش الاجتماعي الذي تعرضت له على مدى عقود بل وقرون من الأنظمة الاستبداديّة ولذلك وجدت في الدين باب الخلاص الوحيد. نعم تصدق هنا مقولة ماركس"تزدهر السماء عندما تبتئس الأرض". في المغرب نجح أيضاً حزب العدالة والتنميّة الإسلامي الذي يوصف بالمعتدل بانتخابات ديمقراطية وحصدت الأحزاب الإسلاميّة في مصر أعلى الأصوات في انتخابات ديمقراطية كذلك. ما العمل إزاء ذلك؟ جوابي هو أننا إذا سعينا من أجل الديمقراطية فيجب أن نرضى بنتائجها، ولكن يجب في نفس الوقت أن تظل عيوننا متيقظة ومفتوحة كي لا تقوم هذه الأحزاب الإسلامية غير المعتادة على الديمقراطية أصلاً بل والمعادية لها أحياناً من انتهاك المبادئ الديمقراطية التي وصلت بها إلى الحُكم والتي من أجلها تفجّر الربيع العربيّ. ولأكون صريحاً أكثر، فإن حزب النهضة لا يقلقني وأظن أنه قابل لأن يتصالح مع شكلٍ أوليّ للديمقراطية قابل للتطوير والتحسين في المستقبل، وربما أنا أميل إلى تصديق أن ذلك ينطبق أيضاً وإن بشكلٍ أقل على حزب العدالة والتنميّة في المغرب، ولكنني أخشى فعلاً من حكم الإسلاميين في كلٍ من مصر وليبيا واليمن. أياً يكُن، إلا أنها فرصة أمام هذه الأحزاب لتبديد تلك الفكرة النمطيّة التي ترسخت في أذهاننا عن كون الإسلام لا يتوافق مع الديمقراطية. هناك تجربة تركيا المعاصرة كنموذج، ورغم كل ما تقوله النُخب العلمانية في تونس عن الخطاب المزدوج للنهضة ولزعيمه راشد الغنوشي، إلا أنني أرى أن المقدمات الحالية لا تنذر بخطر كبير، بل لعلها تُبشر بإمكانية تقديم نموذجٍ عربيّ ليس بعيداً عن النموذج التركي ينسجم مع بعض قيم الحداثة ولا ينتهكها ويسمح إذن بذلك بالحريات المدنية والاختلاف في الرأي والعقيدة دون أن يُكفِّر أو يُزندِق أو يعطي جوازات سفر للجنة لأحدٍ أو لجماعةٍ دون غيرهم. لا بد لكي نبدأ أن يقترب العلمانيون والدينيون من بعضهم البعض بدلاً من اكتفاء كل منهم باتهام الآخر بإفساد الحياة والأخلاق.
8- هل هناك تخوف ما من الإسلاميين في سوريا خاصة وان الوضع فيها مختلف لوجود اقليات كثيرة ؟
بقدر ما تشبه سوريا بقية الدول العربية بشدة الحضور الدينيّ في المجتمع، بقدر ما تتميز، مثلها مثل معظم بلدان المشرق العربي، بتعددها الديني والمذهبي مما يعقِّد مشكلة وجود أحزاب ذات هوية دينيّة. كان نظام البعث السوري من أقسى الأنظمة التي تعاملت باسم العروبة مع الإسلاميين فقد ارتكبت مجازر أيام الثمانينات بحق الإخوان المسلمين وسجنتهم وعذبتهم بشكل غير إنساني وهجّرت منهم عشرات الآلاف وأصدرت حكماً بالإعدام بحق كل من يثبت انتماؤه لجماعة الأخوان المسلمين المحظورة في سوريا، بل والتضييق على كل من له قريب ينتمي للأخوان المسلمين. منذ الثمانينات قامت السُّلطات السورية بشيطنت جماعات الإخوان بشكلٍ منهجيّ ومنظّم وصورتهم جميعاً على أنهم إرهابيون قتلة فنشأ جيل جديد من الشعب لا يحمل تعاطُفاً فعلياً معهم، بل ولديه كثير من الشكوك حولهم عززتها تحالفاتهم المشبوهة مع عبد الحليم خدام وكثرة انقساماتهم واختلافاتهم مما يجعل تأثيرهم الفعليّ على الداخل السوريّ محدود فعلاً.
لا شك أن ما يقوم به النظام من محاولة تصوير الثورة في سوريا على أنها حرب ضد جماعات إسلامية متطرفة واستهدافه للجوامع واستهزائه بالمقدسات الإسلامية ومحاولة عزل الأقليات ليظهر الصراع سُنيّ ضد بقية الأديان والمذاهب في سوريا قد أدى إلى ازدياد تمسك العديد من المتظاهرين بالحل الدينيّ وقد يشجعهم على ذلك نجاح الأحزاب الإسلاميّة في الدول العربية التي حققت ثورتها في الوصول إلى الحُكم. يضاف على ذلك رغبة كل من تركيا وقطر في وصول الإسلاميين المعتدلين إلى السُّلطة في العالم العربي والدفع بذلك وتقديم الأموال للأحزاب الإسلامية. مما لا شك فيه أيضاً أن تطرف النظام قد دفع إلى السطح بالمتطرفين أيضاً فتراجعت الحلول الوسطية أو المعتدلة، لكني ونتيجة لبينة المجتمع السوري أظن بأن الإسلاميين غير المنظمين سياسياً بشكلٍ فاعل كما في حزب النهضة أو العدالة والتنمية أو أخوان مصر، لن يتمكنوا من الحكم، قريباً على الأقل، في سوريا.
9- ما موقفك من المبادرة العربية ؟ ومن التعامل الدولي مع الثورة السورية ؟
لا شك أنه وبمعارضتي للتدخل الخارجي، فإنني أجد في الحلول العربية مخرجاً معقولاً للأزمة السورية المُستفحلة. ولكن مع تعنت النظام وعدم قدرته أصلاً على تنفيذ أهم شروط المبادرة العربية وهو سحب قوى الجيش من المدن والقرى إلى ثكناتها لأنه لو فعل لخرجت الناس في سوريا زرافاتٍ ووحدانا يهتفون ضد النظام ولسقط خلال أيام يجعل من الحل العربي أمراً شبه مستحيل وهذا يعيدنا إلى خيار التدويل أو استمرار القتل إلى أجلٍ غير مسمى. أما عن التعامل الدولي مع الثورة السورية، فأظنني قد أجبتُ عليه سابقاً عندما تحدثتُ عن تعقيدات الملف السوري وصراع القوى الإقليمية والدولية على منطقة الشرق الأوسط.
10 أخيرا كيف ترى مستقبل سوريا القريب ؟
مرّة أخرى لا تراودني الشكوك بحتمية سقوط النظام، وإن كان الأمر سيتطلب وقتاً، لكن ضريبة الحرية السورية ستكون كبيرة وبفاتورة غالية جداً. ستحتاج سوريا إلى وقتٍ لتداوي جراحها وستمر بمرحلة فوضى قصيرة وستتعثر خطواتها الأولى نحو الديمقراطية وستعرف نقاشات حادة حول قضايا سخنة مثل مسألة الأحزاب الدينيّة وكيفية إيجاد حل عادل للقضية الكردية، ولكنها ستنهض بعد ذلك خلال سنوات قوية وجميلة كما تنهض العنقاء من تحت الرماد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.