حسنا فعل وزير العدل التونسي نورالدين البحيري حين صرح بأن 'الفسحة' التي منحتها الدولة للسلفيين قد 'انتهت' . وجه كلامه لهؤلاء الذين 'تمادوا كثيرا وظنوا أن الدولة خائفة منهم' قائلا بأنه 'لن نسمح بإقامة دولة داخل الدولة' وذلك ردا على سؤال بشأن موقف السلطات من مهاجمة سلفيين حانات مرخصا لها وإغلاقها بالقوة في مدينة سيدي بوزيد وسط البلاد. لقد برهن سلفيو تونس، الذين خرجوا من تحت الأرض بعد سقوط بن علي ولم يكن لهم وجود في عهده ولا هم ساهموا في الاحتجاجات التي أدت إلى إسقاطه، أنهم قادرون على المضي خطوة إلى الأمام كلما شعروا بأنهم يتمتعون بنوع من 'الغطاء' من الحكومة جعلهم يتجاسرون على الناس ويرهبونهم ويعتدون على صحافيين ورجال ثقافة وفكر ويمنعون اجتماعات وندوات أو يخرجون بعض المفكرين منها. الآن مروا إلى خطوة أخرى هي محاولة فرض القانون على مزاجهم، فاليوم يغلقون الحانات ويطاردون السكارى وغدا قد يغلقون الفنادق ويرهبون السياح وبعد غد قد يشرعون في إقامة الحدود في الساحات العامة. قبل عدة أسابيع صرح وزير الداخلية التونسية علي العريض وهو من حركة النهضة أن الاصطدام بالسلفية الجهادية في بلاده بات أمرا لا مفر منه بعد اكتشاف أسلحة ومخطط عمليات مسلحة، والآن يقول وزير العدل نورالدين البحيري وهو من حركة النهضة كذلك إن السلفيين تجاوزوا هذه المرة كل الخطوط الحمراء. وإذا ما أخذنا التعبير الذي استعمله فريد الباجي خطيب جامع في مدينة سوسة الساحلية، بعد مواجهات جرت في أحد مساجد المدينة إثر صراع للسيطرة على هذا المسجد، فإن السلفيين المتشددين في البلاد سينتقلون من التنظير والتكفير إلى التفجير، محذرا من تحوّل تونس الى غابة وفوضى كبيرة. وإمعانا من هؤلاء السلفيين في استعراض قوتهم غير عابئين لا بتخوفات عموم التونسيين ولا بتوجسات السياسيين ولا بتحذيرات المرعوبين، تداعوا إلى تظاهرة كبيرة جمعتهم كلهم، مع تيارات أخرى ممن يدعمون تطبيق الشريعة في البلاد، في مدينة القيروان التاريخية العريقة التي أسسها عقبة بن نافع في العام 50 هجري، 670 ميلادي. ما تسنى مشاهدته من لقطات حول هذه التظاهرة في القنوات التلفزيونية وشبكات التواصل الاجتماعي كفيل بإثارة الفزع على أمن تونس واستقرارها ومستقبلها في ظل ما يعلنه هؤلاء وما يضمرونه. آلاف هؤلاء تجمعوا تحت سور المدينة قرب جامع عقبة بن نافع الشهير في ما يشبه تسجيل مشهد لفيلم سينمائي تاريخي، أشكالهم ولباسهم توحي أنهم من زمن غابر ومن غير هذه البلاد أصلا. رفرفت راياتهم السوداء في كل مكان وتعالت تكبيراتهم وحتى هتافاتهم ضد اليهود الذي سبق أن استهجنها رئيس الدولة ورئيس الحكومة وكأنهم بذلك أرادوا إثبات أنهم لا يعبأون بما يقال عنهم وماضون في ما استقر عليه أمرهم. لم يكتف هؤلاء بكل ذلك بل جلس زعماء هذا الاجتماع وضيوفهم على كراسي في المنصة وتابعوا استعراضا محدودا على سجاد قيرواني لملثمين يتدربون على فنون القتال والمصارعة وسط تكبيرات الحضور وكأن هؤلاء سينطلقون من هناك لفتح باقي مدن البلاد وو الجزائر والمغرب وإسبانيا وإفريقيا كما حدث فعلا في التاريخ انطلاقا من القيروان!!. ومع أن السلفيين حصلوا على حزب سياسي في محاولة من الدولة لاستيعابهم داخل منظومة العمل الديمقراطي وصراع الأفكار والبدائل في البلاد، إلا أن هؤلاء على ما يبدو لا يعنيهم هذا كثيرا بقدر ما يهمهم، في استعجال واضح، فرض فهمهم الخاص للإسلام على عموم التونسيين بالتخويف والترويع وبالعنف أيضا. هناك نذر فتنة تطل برأسها في تونس ولابد من وأدها بالقانون ومع كل الاحترام لحقوق الإنسان وكرامته. لم يعد هناك مجال للسكوت بعد اليوم لأننا سندفع ثمنه غاليا في المستقبل من استقرارنا وأمننا وحريتنا وحرية الجيل المقبل في عيش كريم في كنف دولة عصرية تحترم هوية شعبها العربية الإسلامية لكنها تضمن الحريات الفردية والعامة وتصون التعددية وحق الاختلاف. هل تكون الحكومة بدأت تدرك ذلك قبل فوات الأوان ؟! . نتمنى ذلك فعلا.