المراسل-رغم الترفيع الأخير في سعرها لازالت السجائر تستهوي التونسيين من الجنسين ومن كل الأعمار لتقضي على 8564 منهم كل سنة بسبب الأمراض العديدة التي تسببها... وهي أمراض تخلف فاتورة باهظة تتحملها المجموعة الوطنية نتيجة هذه الآفة. لا توجد أرقام دقيقة حول عدد المدخنين في تونس لكن بعض الدراسات الجادة التي قام بها عدد من أطباء وزارة الصحة العمومية تتحدث عن مليون وسبعة مائة ألف مدخن تتراوح أعمارهم بين 10 وسبعين سنة.
وحسب نفس هذه الدراسات فإن النساء يمثلن 10 ٪ من العدد الجملي للمدخنين في تونس في حين يمثل الأطفال 15 ٪ والكهول من الذكور 75 ٪ هذا ويقتل التدخين في تونس سنويا حوالي8564 شخص بمعدل 28 حالة وفاة يوميا تبلغ عدد الإناث منهم ما بين 5 وعشرة حالة يقضون نحبهم إما نتيجة لإصابة بمرض السرطان أو مشاكل تنفسية أو نتيجة جلطة قلبية.
والغريب أنه حسب الدكتورة منيرة نابلي المنسقة العامة للبرنامج الوطني للقضاء على التدخين فإن عدد المدخنين في تونس سجل ما بين سنتي 2009 و 2010 تراجعا ب 3.5 ٪ ومع ذلك يبقى ربع السكان معنيّون بهذه الآفة.
المتعة القاتلة
يعتقد خبراء المنظمة العالمية للصحة أنه في حدود سنة 2013 سيصاب 15 مليون شخص بمرض السرطان في العالم بسبب التدخين وستكون الدول النامية مثل تونس الأكثر تضررا بنسبة 75 ٪ أي بزيادة تقدر ب 50 ٪ في العدد الجملي لمرضى السرطان بكل أنواعه.
في ذات السياق تعتبر المنظمة العالمية للصحة أن أكثر من 700 مليون شخص سيقضون قبل سنّ الخمسين بسبب التدخين علما وأن التدخين هو السبب الوحيد لمرض السرطان الذي يمكن مقاومته قبل الإصابة.
أما في تونس فإن أكثر من نصف مليون مدخن سيموتون قبل سن الخمسين علما وأن السجائر تتسبب سنويا في مقتل أكثر من 8000 تونسي بعد إصابتهم بنسبة 28.2 ٪ بأمراض القلب و 14.4 ٪ بالسرطان و 5.8 ٪ بأمراض تنفسية نفس مصادر المنظمة تقول أن حالة من عشرة وفيات في تونس سببها التدخين.
ويسبب التدخين إصابة 28.1 ٪ من المدخنين بالسرطان و 9 ٪ من المدخنين السابقين و 62.9 من غير المدخنين بنفس المرض هذا ويقتل السرطان أكثر من 5000 تونسي من غير المدخنين سنويا في حين بلغ عدد المتوفين من غير المدخنين نتيجة أمراض أخرى كان سببها المباشر التدخين السلبي حوالي 4500 شخص. والمؤسف أنه اتضح من خلال دراسة علمية قامت بها الجمعية التونسية لمقاومة السرطان أن أكثر من 35 ٪ من التونسيين يجهلون علاقة التدخين بالسرطان في حين بلغت نسبة المدخنين غير العارفين بمخاطر السجائر على صحة الإنسان 40 ٪. وعلى المستوى الجغرافي بلغت نسبة الجهل بمخاطر التدخين 30 ٪ في ولايات الكاف وجندوبة وسليانة وباجة والقيروان والقصرين وسيدي بوزيد وهي النسبة الأكبر على المستوى الوطني.
أول سيجارة...
تؤكد دراسة ميدانية قامت بها الجمعية التونسية لمقاومة السرطان شملت762 شابا مرسمون ب19 مؤسسة تعليمية موزعة على كامل التراب الوطني وتراوحت أعمارهم بين 12 و 17 سنة أن 9 ٪ منهم مدخنون باستمرار كما بينت نفس الدراسة أن السيجارة الأولى يتم تدخينها في سن الثامنة. ويستهلك هؤلاء الشباب 7.7 سيجارة يوميا والأخطر من كل ذلك أن 50.1 ٪ فقط من الأولياء يمنعون أبناءهم من التدخين كما أثبتت هذه الدراسة أن 30 ٪ من الأطفال هم ضحية التدخين السلبي واتخذت ذلك بنسبة 30 ٪ في وسائل النقل و 40 ٪ في الأماكن العامة و 22 ٪ في المنزل و 10 ٪ في قاعات الدرس.
ورغم وجود القانون عدد 2611 المؤرخ في 14 سبتمبر 2009 والذي يمنع التدخين في الأماكن العامة والمقاهي والمطاعم إلا أن تطبيقه لا يزال متواضعا بل أنه أصبح «ملغى» بعد الفوضى التي عمت البلاد غداة أحداث 14 جانفي 2011.
وترى الدكتورة نابلي أن الدولة مطالبة بإعادة تفعيل هذا القانون بل وتشديد بمنع بيع السجائر لمن هم دون الثامنة عشرة عام وكذلك منع بيع السجائر بالتفصيل خصوصا أمام المدارس والمعاهد وإعادة النظر في غلاف علب السجائر والتأكيد بشكل واضح على مخاطر التدخين.
مشاكل اقتصادية وإجتماعية
عن مخاطره التي أتينا على ذكرها وعلى فظاعة الأرقام فإن صناعة التبغ في تونس توفر أكثر من 78000 موطن شغل في ولايات فقيرة كباجة وجندوبة والجنوب الغربي هذا وتنتج تونس 3270 طن سنويا من التبع يعود بالكامل الى الدولة التي تصنع حصريا السجائر عبر الوكالة الوطنية للتبغ والوقيد التي تتصرف في 12 مركز لزراعة التبغ موزعين على مناطق الشمال الغربي والجنوب الغربي والوطن القبلي. وتنتج الوكالة سنويا 600 مليون علبة سجائر في مصنعها بالقيروان وبالوردية بتونس العاصمة.
ويستهلك التونسيون 95 ٪ من السجائر المحلية في حين لازال استهلاك السجائر الأجنبية مقتصرا على الشرائح الاجتماعية الغنية. ورغم تزايد ظاهرة التهريب في قطاع التبغ فإن السجائر المحلية لازالت تشهد إقبالا كبيرا بسبب انخفاض أسعارها رغم جودتها المتواضعة. ويوفر قطاع التبغ 780000 موطن شغل موزعة كالآتي 60000 يعملون في الزراعة و 3000 عامل في مصانع الانتاج و 15 ألف بائع بالتفصيل متحصلون على ترخيص في الغرض من الدولة.
هذا ويمثل التبغ 6 ٪ من ميزانية الدولة بتوفيره ل 600 مليار كمداخيل جبائية هذه الأرقام هي التي حالت دون القضاء تدريجيا على التدخين في تونس لكن الدولة مطالبة بإيجاد بدائل لزراعة التبغ بتشجيع الفلاحين على تغيير أنشطتهم حماية للعنصر البشري في تونس.