بعد أزمة الكلاسيكو.. هل سيتم جلب "عين الصقر" إلى الدوري الاسباني؟    آخر ملوك مصر يعود لقصره في الإسكندرية!    قرار جديد من القضاء بشأن بيكيه حول صفقة سعودية لاستضافة السوبر الإسباني    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    قيس سعيد يستقبل رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم    قيس سعيد: الإخلاص للوطن ليس شعارا يُرفع والثورة ليست مجرّد ذكرى    ل 4 أشهر إضافية:تمديد الإيقاف التحفظي في حقّ وديع الجريء    جهّزوا مفاجآت للاحتلال: الفلسطينيون باقون في رفح    اتحاد الفلاحة ينفي ما يروج حول وصول اسعار الاضاحي الى الفي دينار    ماذا في لقاء رئيس الجمهورية بوزيرة الاقتصاد والتخطيط؟    أخبار النادي الصفاقسي .. الكوكي متفائل و10 لاعبين يتهدّدهم الابعاد    القبض على شخص يعمد الى نزع أدباشه والتجاهر بالفحش أمام أحد المبيتات الجامعية..    في معرض الكتاب .. «محمود الماطري رائد تونس الحديثة».. كتاب يكشف حقائق مغيبة من تاريخ الحركة الوطنية    تعزيز الشراكة مع النرويج    بداية من الغد: الخطوط التونسية تغير برنامج 16 رحلة من وإلى فرنسا    وفد من مجلس نواب الشعب يزور معرض تونس الدولي للكتاب    المرسى: القبض على مروج مخدرات بمحيط إحدى المدارس الإعدادية    منوبة: الاحتفاظ بأحد الأطراف الرئيسية الضالعة في أحداث الشغب بالمنيهلة والتضامن    دوري أبطال إفريقيا: الترجي في مواجهة لصنداونز الجنوب إفريقي ...التفاصيل    هذه كلفة إنجاز الربط الكهربائي مع إيطاليا    الليلة: طقس بارد مع تواصل الرياح القوية    انتخابات الجامعة: قبول قائمتي بن تقيّة والتلمساني ورفض قائمة جليّل    QNB تونس يحسّن مؤشرات آداءه خلال سنة 2023    اكتشاف آثار لأنفلونزا الطيور في حليب كامل الدسم بأمريكا    تسليم عقود تمويل المشاريع لفائدة 17 من الباعثين الشبان بالقيروان والمهدية    رئيس الحكومة يدعو الى متابعة نتائج مشاركة تونس في اجتماعات الربيع لسنة 2024    هذه الولاية الأمريكيّة تسمح للمعلمين بحمل الأسلحة!    الاغتصاب وتحويل وجهة فتاة من بين القضايا.. إيقاف شخص صادرة ضده أحكام بالسجن تفوق 21 سنة    فيديو صعود مواطنين للمترو عبر بلّور الباب المكسور: شركة نقل تونس توضّح    تراوحت بين 31 و26 ميلمتر : كميات هامة من الامطار خلال 24 ساعة الماضية    مركز النهوض بالصادرات ينظم بعثة أعمال إلى روسيا يومي 13 و14 جوان 2024    عاجل/ جيش الاحتلال يتأهّب لمهاجمة رفح قريبا    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    سيدي حسين: الاطاحة بمنحرف افتك دراجة نارية تحت التهديد    بنزرت: تفكيك شبكة مختصة في تنظيم عمليات الإبحار خلسة    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    ممثل تركي ينتقم : يشتري مدرسته و يهدمها لأنه تعرض للضرب داخل فصولها    باجة: وفاة كهل في حادث مرور    نابل: الكشف عن المتورطين في سرقة مؤسسة سياحية    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    عاجل/ هجوم جديد للحوثيين في البحر الأحمر..    أنس جابر تواجه السلوفاكية أنا كارولينا...متى و أين ؟    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل إلى النهائي رغم خسارته امام لاتسيو    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    نحو المزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي في ميناء رادس    فاطمة المسدي: 'إزالة مخيّمات المهاجرين الأفارقة ليست حلًّا للمشكل الحقيقي'    تحذير صارم من واشنطن إلى 'تيك توك': طلاق مع بكين أو الحظر!    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    وزارة المرأة تنظم ندوة علميّة حول دور الكتاب في فك العزلة عن المسن    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    فيروسات ، جوع وتصحّر .. كيف سنواجه بيئتنا «المريضة»؟    جندوبة: السيطرة على إصابات بمرض الجرب في صفوف تلاميذ    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الغنوشي: تونس تقترب من انتفاضة شعبية.. ولن نقبل بالتغيير من الخارج

انتقد راشد الغنوشي زعيم حركة «النهضة» التونسية المحظورة المشهد السياسي في تونس، معتبرا أن الانتخابات المقررة سنة 2009 لن تأتي بأي تغيير للشعب التونسي، ولن ترفع الاستبداد الذي تمارسه السلطة.
وكشف الغنوشي عن تأسيس حركة 18 أكتوبر تضم جميع أقطاب المعارضة التونسية، بعد أن توحدت لما تمليه المصلحة العامة، بهدف تقوية المعارضة، وإعطائها دفعا قويا قدر على مواجهة التطورات في الداخل التونسي.
من جهة أخرى أوضح الغنوشي في حوار مع «العرب» أن المستقبل للحركة الإسلامية في الوطن العربي يبشر بالخير، رغم انتقاده لحزب العدالة والتنمية الإسلامي بتركيا، وأشاد بالمشاركة الفاعلة للحركات الإسلامية الأخرى في المغرب والأردن ومصر والجزائر. وهاجم الغنوشي العلمانيين العرب، ووصفهم باللادينيين، نظرا لإقصائهم المشاركة الإسلامية في الشأن السياسي في الدول العربية، معتبرا خطابهم بغير الديمقراطي، في وقت لا صوت فيه يعلو فوق صوت إرادة الشعب.
وفيما يلي نص الحوار:
 بصفتكم أحد أهم أقطاب المعارضة في الخارج، كيف تصفون المشهد السياسي في تونس، وهل يمكن قراءة متغيرات تلوح في الأفق؟
بصراحة الحديث عن مشهد سياسي في تونس هو وضع للحديث في غير موضعه، لأن السياسة بمعناها المدني هي حل للمشاكل عبر التفاوض وتبادل الآراء بين الدولة والمجتمع، أو بالأحرى بين الحكم والمعارضة، وفي تونس لا توجد آليات للديمقراطية، أو احتكام إلى صناديق الاقتراع، وبرأيي هذه هي السياسة بمعناها المدني الذي نعرفه، بما في ذلك الإعلام الحر واستقلال القضاء، وحيث لا توجد هذه الآليات، فالحديث عن سياسة في تونس يصبح غير ذي جدوى، بل على العكس من ذلك، يوجد في تونس نظام بوليسي يفرض آراءه على الناس بالترغيب والترهيب أحيانا، وبشراء الذمم أحيانا أخرى، ولا يعترف بوجود معارضة، أو شعب هو مصدر السلطة الشرعية، وإنما عبث باللغة لا غير، واستخدام مسرف لمصطلحات الديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني، واستقلال القضاء، وكل هذا أعتبره ألقاب سلطنة لا مضمون لها.
والنظام في تونس يحاول إحداث فرق بين النظام الديكتاتوري والمدني، ومسخ صورة النظام البوليسي، وبتوظيفه لمصطلحات السياسة يفوز في أغلب الانتخابات بنسبة لا تقل عن %95، وحزبه يكون بإمكانه الفوز بأكثر من ذلك، لولا أنه يتبرع للمعارضة المؤنسة ب %20، فيما الأحزاب التي قبلت أن تروض وأن تؤنس يمن عليها بمقاعد هي لا تستحقها أصلا، ولا أمل لها حتى بنسبة %2 في الانتخابات، فيقتطع لها بذلك مبالغ من المال ومقاعد في البرلمان من أجل استكمال الديكور الديمقراطي، ولكن الأحزاب الديمقراطية في تونس سواء كانت حزب النهضة أو حزب العمال الشيوعي، أو الأحزاب العلمانية أو الليبرالية أو القومية كلها ممنوعة.
 لكن الساحة التونسية مقبلة في 2009 على استحقاق انتخابي رئاسي مهم في تاريخ البلاد، والمعارضة في الداخل رشحت أسماء لها حضور في الساحة لخوض النزال الانتخابي، لماذا هذا التقليل من الشأن السياسي في الداخل؟ هل الصورة بهذه السوداوية التي تصفونها؟
حتى أضرب مثالا على ما يجري في تونس، لابد من الإشارة إلى أن لا أحد يصف حقيقة ما يجري في الداخل، وما دمنا في هذا البلد، فقناة الجزيرة مثلا لا يوجد مراسل لها في تونس، لأن الدولة مصرة على أن يكون المراسل صوتا من أصواتها، بينما الجزيرة تريد مراسلا حقيقيا، كما لم تسجل أي دولة مستوى من التوتر بسبب الجزيرة مثلما حصل مع تونس، بدليل أن العلاقات مقطوعة اليوم، ولا وجود لتمثيلية دبلوماسية، وفي الواقع إن هذا النمط من الدولة لا يتحمل أي صوت معارض سواء كان سياسيا أو ثقافيا أو إعلاميا أو حتى كرويا، فبالأحرى الحديث عن انتخابات لا قيمة لها، فالأصل أن الرئيس لا يشارك في هذه الانتخابات، وكان وعد يوم استلامه السلطة عبر انقلاب على الحبيب بورقيبة، وعد بأن رئاسة المؤبدة لا تليق بمجتمع حديث، ووضع لنفسه حدا في ثلاث دورات، بينما اليوم الرئيس مصمم على الاستمرار، وقد غير الدستور ليضمن ذلك.
أما الأسماء التي رشحت نفسها لخوض الانتخابات، ومن أبرزهم زعيم الحزب الاشتراكي التقدمي نجيب الشابي، فهو منافس كفؤ، ولكن أبواب القانون موصدة في وجهه، فالقانون يضيق الباب أو يكيف ليكون صالحا لنفاد بعض الأشخاص لا غير.
وفي هذه المرة مثلا القانون كيف على أساس ألا يترشح للانتخابات إلا الأحزاب التي لها ممثلون في البرلمان، ولأن حزب نجيب الشابي ليس له ممثلون في البرلمان، يجري استبعاده بطرق شتى، لكن لتوصيف المشهد بحق، نحن الآن في تونس أمام حالة انسداد سياسي، وحالة من الاحتقان الاجتماعي، وهنالك سخط متصاعد على ارتفاع هالة النهب الذي تمارسه بضع عائلات متصلة بشكل أو بآخر بالرئاسة، بل إن حالة السخط تزداد في صفوف الفئات الرأسمالية أيضا، كما أن وتيرة الغلاء في تصاعد والبطالة وسط الفئات المتعلمة بلغت نسبة كبيرة.
 كل ما يجري حسب قولكم من أزمات سياسية واقتصادية وأزمة في الحريات، لماذا لم تنجح المعارضة داخل تونس أو خارجها في إحداث تغيير في هذا الواقع السياسي الداخلي، أو حتى زعزعة هذه المظاهر؟
برأينا التغيير السياسي تمليه ظروف داخلية وخارجية، وليس عاملا واحدا، اليوم هناك مظاهر غير مسبوقة في المجتمع التونسي، وعلى سبيل المثال في منطقة «الدفسة» بتونس، توجد بها معامل الفوسفات، وقعت إضرابات متوالية منذ أكثر من شهرين، فقد استحدث العمال أشكالا جديدة من الاحتجاج، بعد أن نصبوا خياما وسط سكة الحديد، وسدوا الطريق، ورابطوا هم وعائلاتهم لمدة شهرين، وبرأيي هذا النوع من المطالبة بالحقوق هو حراك اجتماعي مهم لا يجب أن يغفل. والمجتمع التونسي برأيي يتهيأ، وتختمر فيه عوامل كثيرة للانتفاض على الواقع المغضب، ودور المعارضة أخذ موقعه أيضا، حيث بدأت المعارضة في توحيد صفوفها، من خلال حركة سميت بحركة 18 أكتوبر، وهي تضم أحزابا معترفا بها، وأخرى غير معترف بها، من إسلاميين وشيوعيين وعلمانيين وقوميين، ورفعت شعارا يطالب بالحرية للمجتمع، ورغم أن الأمر لم يصل إلى الساعة ليفرض إرادته على الدولة، لكن هناك حراك.
 كيف جاء تجمع هذه الأطياف السياسية المختلفة تماما في المرجعيات والأدبيات، وآليات العمل؟
كان شعار التوحد كما أسلفت هو الحرية للجميع، فبعد أن أدركت المعارضة أن التضارب فيما بينها، واختلافها لا يستفيد منه إلا الاستبداد، وأن الحرية هي مطلب ومبدأ يضم كل أبناء الشعب التونسي، وبالتالي ينبغي على ضحايا القمع أن يتناسوا خلافاتهم الثانوية، ويركزا هدفهم في إخراج البلاد من الاستبداد، وتمكين كل المواطنين من خدمتها، وترسيخ حرية التعبير والتنظير والانتخاب والاجتماع، والأحزاب الستة التي توحدت تسلم كلها بحقوق الجميع في التمتع بأركان المجتمع الحديث والديمقراطية.
 ماذا لو تغير الواقع السياسي الدولي اليوم تجاه تونس، وأصبح نظام بن علي مغضوبا عليه من الخارج، وظهرت المصلحة في تغييره، هل يمكن أن تساندوا الخارج لتغيير أوضاع الداخل؟
نحن لا نقر هذا الأسلوب في التغيير، ومعارضتنا لا ترى الاستعانة بالخارج أبدا، ونستنكر ما حصل في العراق، وليست هناك معارضة في البلاد، وخاصة في تجمع 18 أكتوبر من يقبل بهذا الأسلوب في التغيير.
 من أين يبدأ التغيير برأيكم، هل من حركة شعبية أم من أحزاب سياسية، أم انتظار التغيير من الذين يمسكون بالسلطة في البلاد؟
برأيي النظام القائم سد كل الأبواب للتغيير، والتغيير الحقيقي يأتي عبر صناديق الاقتراع وحرية الإعلام ولم يبق إلا أسلوب العنف، أو الانتفاضة الشعبية، أما العنف فالمعارضة لا ترضاه، ولكن هناك بدايات عنف واضح في البلاد، ونعلم أن ما لا يقل عن ألفين من الشباب المسلم الذين تتهمهم السلطات بأنهم ذوو نزوع سلفي جهادي، جرى اعتقالهم، خاصة بعد أحداث السنة الماضية التي عرفت اشتباكا بين مجموعة منهم والجيش والشرطة، أو ما سمي ب «مجموعة السليمانية» وحوكموا بأحكام ثقيلة، وصل أحدها إلى الإعدام، والمحاكمات لا تزال جارية على قدم وساق، وأغلب التهم هي من قبيل قراءة كتاب سلفي، أو الصلاة في المسجد، أو قراءة كتيب يناقش قضايا فلسطين أو العراق أو أفغانستان، بل الاتهام بالتفكير في الالتحاق بالمقاومة العراقية. ورغم أن تاريخ العنف في تونس ليس له حضور في البلاد، باعتبار أنها بلد صغير ومعتدل، لكن برزت بالمقابل مظاهر العنف الاجتماعي، وارتفاع معدلات السرقة، والصحافة تتحدث عن العنف المدرسي والسلطة لا تهتم إلا بالعنف السياسي، وكل هذا نتيجة قطع نفس الشعب، وقمعه. كل هذا برأيي يمكن أن يؤدي إلى التغيير عبر الصدمة، وعبر انتفاضة شعبية، ولو كان الأمر بالتمني، ما تمنينا أن يقع في بلادنا أي عنف شعبي من هذا القبيل.
 لكن بالمقابل، كيف تقرؤون إفراج السلطات التونسية عن عدد كبير من المعتقلين السياسيين مؤخرا، الذين من بينهم قيادات من حركة النهضة المحظورة، هل في هذا إشارة ما لكم من أجل القبول بالحوار في مرحلة مقبلة؟
ليس هناك أية إشارة من هذا القبيل، أو دعوة للتقارب، والسلطة لا تتجاوب مع أحد بهذا الصدد، أما عن الإفراج عن المعتقلين فالأمر صحيح، ومنذ التسعينيات من القرن الماضي، كان عدد معتقلي حركة النهضة حوالي 30 ألف نهضوي، ومع مرور السنوات، وبعد أن أمضوا محكوميتهم، خرجت آخر دفعة بعد أن أمضت 17 سنة في السجن، ممن كتبت لهم الحياة، بل منهم من خرج بعاهات نتيجة الإهمال والتعذيب، ومنع الدواء والتقصير في الغذاء، بل منهم من أخرج حتى لا تتحمل الدولة مسؤولية موته في السجن.
وحتى من خرج منهم تلاحقه إجراءات إدارية خطيرة، من قبيل المنع من السفر داخل تونس وخارجها، والمنع من الوظيفة الحكومية، بل حتى الأعمال الحرة ظلوا ممنوعين منها.
 هل الحديث عن حزب إسلامي في تونس لا يزال قائما؟
السلطة لا تتحمل حزبا معارضا حقيقة، كيفما كان توجهه، هذه هي نفسية النظام، ومنذ الاستقلال، الدولة لا تعترف بوجود شعب، واختزلت الدولة في الحزب، والحزب في الرئيس، فأصبح الكون كله يدور في فلك الرئيس، هذا كله كان في عهد الحبيب بورقيبة، الذي كان له بالمقابل تاريخ سياسي وشرعية تاريخية، لكن خلفه ليست له شرعية إلا من خلال ما تبلغه به أجهزته، ومن الدعم الدولي بسبب ما يقدمه من تنازلات في موضوع استقلال البلاد.
وأريد الإشارة إلى أن الدولة يمكن أن تصنع حزبا إسلاميا إذا رأت أن موضوع النهضة أصبح فارضا نفسه، وتصنع حزبا لاستبعاد الحزب الحقيقي، وهذا حصل مع حزب الخضر في تونس، والتاريخ سجلها.
 ماذا لو طلب منكم الجلوس إلى طاولة الحوار، وفي الداخل؟ هل أنتم مستعدون؟
أستبعد هذا في الوقت الراهن، فانا محكوم بالسجن المؤبد ثلاث مرات، فإذا طلب مني العودة، يجب قبل هذا إصدار عفو عام في البلاد، ولو حصل لعدنا، فنحن لم نتخذ الهجرة نزهة أو مقاما، ولم نحمل جنسية أخرى، لا نزال لاجئين.
فإذا توفر الحد الأدنى من الحرية في الساحة، فستجدونني وإخواني في البلاد، والنهضة موجودة في الساحة رغم أنها مخنوقة، وغيابنا عن الساحة لم يخلق فراغا، ويوما طلب مني أحد الشباب العودة إلى تونس، فقلت له لو كان مطلوبا مني تعزيز تمثيليتنا في السجن، فعندنا ممثلون كبار، ولو طلب مني تعزيز تمثيليتنا في السجن الكبير فعندنا قيادات كبرى فيه.
 بصفة حركتكم أهم أقطاب المعارضة، وأهم حركة إسلامية تونسية، هل أنتم راضون عما قمتم به حتى الآن؟ وأين أخطأتم؟
لا شك أن المعارضة تتحمل جزءا من هذا الواقع الجاثم علينا، والنهضة باعتبارها جزءا من المعارضة لا تبرئ نفسها من المسؤولية فيما حصل حتى الآن، وتتحمل الجزء الأكبر في عدم تمكنها من حمل السلطة على تحقيق توازن في القوى، رغم أننا نرى أن هناك أطرافا في المعارضة لا تزال ترى أن النهضة هي العدو الأول.
 نبتعد قليلا عن تونس، أنتم تقيمون في بريطانيا، وواكبتم الحرب على الإرهاب التي تبنتها كثير من الدول العربية وغيرها، وقليل من يفرق بين الحركات الإسلامية الموجودة في الساحة، هل تأثرت حركة النهضة من الحرب على الإرهاب؟
صراحة نحن لم نتأثر بالحرب على الإرهاب، على اعتبار أن نهجنا منذ سنة 1981 هو الديمقراطية هدفا ووسيلة، ورفضنا العنف وقبلنا بكل مكونات الحياة السياسية، بما فيها الحزب الشيوعي، وبقينا نطالب بديمقراطية كاملة لا إقصاء فيها، ولذلك لم نجد أثناء التطرق لموضوع العنف أنفسنا في هذا الصراع لا فكرا ولا ممارسة.
بل لطالما نصحنا الشباب في بريطانيا الذين عادوا من أفغانستان حاملين فكر الجهاد، أن أوروبا ساحة حرة، ومن يفكر في الانطلاق من هذه الساحة لتغيير أنظمة قائمة فهو واهم، وكنا نحذرهم من هذا، ونؤكد أن أوروبا الحرية فيها ليست مطلقة، بل لها أنياب، وهم يحصون عليكم أنفاسكم، بل بالعكس استغلوا أوضاعكم لتطوير إمكاناتكم العلمية.
برأيكم هل لا يزال شعار «الإسلام هو الحل» فارضا نفسه لإنقاذ الواقع السياسي العربي والإسلامي؟
نعتقد أن «الإسلام هو الحل»، والحل الإسلامي هو الحل الذي يجمع شتات الأمة كلها، وبكل قواها، وسيعيد الإجماع إلى الأمة، ويجمع النخب، لإنقاذ أوطانها، فليس بيد أي فريق سياسي أن يتفرد بالحل، لأن الخطب جلل، والهجوم على الأمة كاسح، فلابد من تعبئة كل قوى الأمة دون احتقار أي أحد أيا كان حجمه.
 لطالما أعلنت عن رفضكم الشديد للدولة الدينية، ألا يتعارض هذا مع مرجعيتكم الإسلامية، وتطبيق الشريعة الإسلامية؟
الدولة الدينية عندنا هي الدولة الديمقراطية، علما أننا نحن لا نسميها الدولة الدينية، بل الدولة الإسلامية، وهي الديمقراطية، التي تستمد شرعيتها من الشعب عبر انتخابات نزيهة تشارك فيها كل الأطياف.
أما الشريعة فهي لا تسلط على الناس من فوق، وإنما يصعد إليها الناس من تحت، وعندما يطالب الناس بتطبيق الشريعة، عندئذ يمكن للشريعة أن تطبق، وفي حال العكس، فلا أحد يملك فرضها عليهم بالحديد والنار.
 لكن بالمقابل، وبموقفكم هذا ألا ترون أنكم لامستم إلى مرجعيات تيارات أخرى بقبولكم عدم تحكيم الشريعة، ما الخيط الرفيع الذي يفصلكم عن العلمانيين في هذه الحالة؟
الإسلام شريعة دين وحياة، ودين وقانون، لكن على من يصوغ هذا القانون أن يراعي الشرعية الشعبية، فإذا لم يكن هناك برلمان منتخب حقيقة، ويختار جزء صغير أو كبير منه الشريعة فلا عبرة بتطبيقها، لأنها ستكون ظلما وتسلطا، وكأنك تريد أن تقود الناس إلى الجنة بالسلاسل، بينما مبدأ «لا إكراه في الدين» مبدأ أصيل في الإسلام.
وقد ضرب الشيخ يوسف القرضاوي مثالا على هذا، عندما قال إن الحرية تسبق الشريعة، وأولوية الحركة الإسلامية اليوم هي تحقيق الحرية والتخليص من القمع، حتى تكون مرتاحة في بحث القوانين والمنظومات سواء كانت إسلامية أو علمانية. ويجب العلم أن الشعب هو من مصلحته تطبيق الشريعة، ويطالب بذلك عبر أدوات التقرير كالبرلمان، والتطبيق يكون على قدر نضج الشعب وقناعته بها.
 هل تجدون أنكم لا تبتعدون عن الخطاب العلماني بهذا الطرح، حتى إنكم لا تطرحون التدرج في تطبيقها؟
العلمانيون العرب في الحقيقة هم لا دينيون، فهناك تيار علماني لا ديني متطرف، بل أصولية علمانية، ولا نتحدث عن الجميع بل تلك المعادية للإسلام، فهي ترى أن الحرية هي إقصاء الإسلام، وهؤلاء برأيي متغربون ولا ديمقراطيون، بل إنهم ليسوا علمانيين بالمعنى الأوروبي، على اعتبار أن العلمانية حررت الشعب من تسلط الكنائس، وحررت الدولة من تسلط الباباوات، وأثبتت العقل، وعندما يريد الشعب مثلا تطبيق الشريعة يقولون لا، لأن لا حرية عندهم لأعداء الحرية، وهذا منطق ستاليني يفرض الوصاية.
 التجربة التركية ليست منا ببعيد، لماذا نجحت الحركة الإسلامية في تركيا، بينما فشلت في كثير من الدول، رغم أن صعوبة الواقع السياسي فيها، الذي تمسك به مؤسسة الجيش التي تحمي العلمانية؟
أنا أرى العكس، بل ما قيل هو قياس مع وجود الفارق، المنطقة العربية في قلب العالم الإسلامي والثقل الدولي عليها أشد، وليس مسلطا على بقية الدول العربية، فضلا عن الثروة البترولية الموجودة، ولا نغفل وجود إسرائيل في المنطقة، بينما تركيا ليست مدرجة في الصراع العربي الإسرائيلي، بل على العكس لها علاقات مع إسرائيل.
 ألا ترون أن هناك أسلوبا فريدا اتبعه حزب العدالة والتنمية من أجل الوصول إلى السلطة، لمواجهة الوضع العلماني القائم؟ ما هي الوصفة التي امتازت بها الحركة الإسلامية في تركيا؟
أقول لمن يغتر بالتجربة التركية، هل لهم استعداد لإقامة قواعد عسكرية، وإعلان العلمانية، وأن يكونوا جزءا من الحلف الأطلسي ويحكموا على أساسه، وهل هم مستعدون للقبول بالرأسمالية بكامل شروطها، فإذا كان بمقدورهم هذا، فلا عجب في أن يكون لهم حظ من الحكم، لكن ماذا تبقى لهم من إسلاميتهم؟ وما يلي هذا من تنازل عن فلسطين والوحدة العربية واستقلال الدول، فالأتراك أصلا لا يقولون أنهم إسلاميون، بل يؤكدون أنهم حزب علماني محافظ.
 هل هذا فعلا ما يجري على أرض الواقع، ألا ترون أن الصورة الحقيقية للحزب توطن نفسها برفق، ومؤخرا المصادقة على السماح بالحجاب في الجامعات؟
كيف يمكن أن نرى الحجاب أهم من العلاقة مع إسرائيل، وأهم من موضوع العلاقة مع الأطلسي والاقتصاد الرأسمالي، وأقول غير هذا مثلا حركة حماس بفلسطين، لو أنها اعترفت بإسرائيل وتعاملت معها، لمكن لها في فلسطين، فإسرائيل لا تكره حماس لاسمها، بل لأنها تطالب بإزالة هذا الكيان من الوجود.
 هل هذا يعني أنكم غير راضين عن التجربة التركية؟
التجربة التركية لها ظروفها وتعمل في مناخ مخالف، وتريد إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وهي لم تستحدث العلاقة مع إسرائيل ولم تستحدث العلاقة مع الأطلسي ومع أوروبا. هي أرادت فقط تخفيف وطأة العلمانية على الإسلام، بشعار دع الإسلام يتنفس، لكنها لا تستطيع تغيير المسارات العامة للدولة.
 ما هو تقييمكم لمشاركة الحركة الإسلامية في الدول العربية، في المغرب والأردن ومصر والجزائر مثلا؟
الحركة الإسلامية في تيارها الوسطي كالإخوان وما شابهها استراتيجيها العامة هي المشاركة، وليس المطالبة ولا الثورة، لكن يبقى المشكل في أن نقنع الأنظمة كيف تقبل بها. هي الآن تتقدم وفي تقدم مستمر، ولو أن كسبها على مستوى السلطة بسيط، ولكن كسبها الشعبي عظيم بمعنى أنها هيأت الشعوب لتقبل الحل الإسلامي، وسيأتي اليوم الذي تنتصر فيه. بخلاف الخمسينيات والستينيات كانت الحركة الإسلامية مهمشة وبسيطة جدا، والكلمة للعلمانية التي كانت حركة شعبية لأنها حملت قضية الوحدة العربية، لكن اليوم الأمر يختلف فالأيادي المتوضئة في فلسطين هي التي تحمل الدفاع عن فلسطين، وممن يحمل راية فلسطين يحمل زعامة الوطن العربي.
 هل استطاعت الحركة الإسلامية إنتاج نخبة جديدة يمكنها التكيف مع التطورات الجديدة، في ظل سيطرة الزعامات على الساحة؟
لو نظرنا لحركة النهضة مثلا، بيننا نخبة من القيادات لكنها تعاني من القمع، ومنها من كان في السجن، وهي الآن تحاول أن تكتب وتلتقي مع المنتظم السياسي والفكري، كما توجد نخبة في مصر والأردن وغيرها بطبيعة الحال.
 ما هو توقعكم لمستقبل الحركة الإسلامية، في ظل الواقع الراهن؟
هناك أمر ظاهر، توجد حركتان، حركة السلطة وحركة الشعوب، فالسلطة غير قابلة لأن تصلح أو تصلح، والنظام العربي يشن هذا يوما بعد يوم، وهذا ما كرس بقاء المنطقة العربية في ذيل الأنظمة في الديمقراطية. وشعوبنا اليوم هي أوعى بالعصر وبتقنياته، وبالإسلام، واليوم العودة إلى الصلاة والى الحجاب لم يسبق لها مثيل من قبل، ووجه المنطقة سيتغير حتما، وسيصبح الأول في الساحة، مثلا لو نظر أحد إلى تونس في التسعينيات يقول إن الإسلام لم يمر من هناك، لكن اليوم الإسلام يخترق كل الطبقات من خلال الصحوة.
 ألا ترون أن الحركة الإسلامية تستفيد من الإقصاء والتهميش، والقمع الذي تمارسه الأنظمة من أجل استقطابها وتقوية ركنها؟
نحن لا نستغل معاناة الشعوب لأننا جزء منها، ولم تتعرض حركة للسجن مثلما تعرضت النهضة، ولم يهجر مثلما هجرنا، لكن القمع مسلط على الجميع، ويكفي أن القمع وصل في تونس إلى حد منع الحجاب في المدارس وفي الشارع، حيث تؤخذ المحجبات إلى مخافر الشرطة، ويؤخذ عليها تعهد بعدم العودة، وتونس الوحيدة التي بقيت تتصرف بهذا الشكل في العالم، فكيف لبلد يضيق صدره من قطعة قماش على الرأس أن يفتح ذراعيه لمعارضيه أو منافسيه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.