عضو بمجلس هيئة الانتخابات: لا يمكن تجاوز هذا التاريخ كأقصى موعد للرئاسية    آمر المركز الأول للتدريب بجيش الطيران صفاقس: قريبا استقبال أول دورة للجنود المتطوّعين    المبادلات التجارية الجزائرية - الأوربية تلامس 47 مليار دولار    قريبا.. الحلويات الشعبية بأسعار اقل    الوطن القبلي.. صابة الحبوب تقدر ب 685 ألف قنطار    رئيس إتحاد الفلاحة: أسعار الأضاحي 'معقولة'    تسمّم تلاميذ بالحلوى: الإحتفاظ ببائع فواكه جافّة    افتتاح معرض «تونس الأعماق» للفنان عزالدين البراري...لوحات عن المشاهد والأحياء التونسية والعادات والمناسبات    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    شبهات فساد: الاحتفاظ بمعتمد وموظف سابق بالستاغ وإطار بنكي في الكاف    سبيطلة : القبض على مجرمين خطيرين    مصر: رفع اسم أبوتريكة من قائمات الإرهاب والمنع من السفر    المهرجان الدولي للمشمش بحاجب العيون في دورته الثانية ...مسابقات وندوات وعروض فروسية وفنون شعبية    قراءة في أعمال ومحامل تشكيلية على هامش معرض «عوالم فنون» بصالون الرواق .. لوحات من ارهاصات الروح وفنطازيا الأنامل الساخنة    عاجل : مسيرة للمطالبة بإيجاد حلول نهائية للمهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء    تحذير: عواصف شمسية قوية قد تضرب الأرض قريبا    كرة اليد: الاصابة تحرم النادي الإفريقي من خدمات ركائز الفريق في مواجهة مكارم المهدية    صفاقس اليوم بيع تذاكر لقاء كأس تونس بين ساقية الداير والبنزرتي    فقدان 23 تونسيا شاركو في عملية ''حرقة ''    مدير عام الغابات: إستراتيجيتنا متكاملة للتّوقي من الحرائق    وزارة الصناعة : ضرورة النهوض بالتكنولوجيات المبتكرة لتنويع المزيج الطاقي    بنزرت: جلسة عمل حول الاستعدادات للامتحانات الوطنية بأوتيك    المنستير: إحداث أوّل شركة أهليّة محليّة لتنمية الصناعات التقليدية بالجهة في الساحلين    بلاغ مروري بمناسبة مقابلة الترجي والأهلي    خبير في التربية : ''تدريس الأولياء لأبنائهم خطأ ''    بسبب الربط العشوائي واستنزاف المائدة المائية .. قفصة تتصدّر خارطة العطش    تضم منظمات وجمعيات: نحو تأسيس 'جبهة للدفاع عن الديمقراطية' في تونس    الحماية المدنية: 8 وفيّات و 411 مصاب خلال ال 24 ساعة الفارطة    كأس تونس: النجم الساحلي يفقد خدمات 4 لاعبين في مواجهة الأهلي الصفاقسي    نهائي دوري ابطال إفريقيا: التشكيلة المتوقعة للترجي والنادي الاهلي    هذه القنوات التي ستبث مباراة الترجي الرياضي التونسي و الأهلي المصري    ليبيا: إختفاء نائب بالبرلمان.. والسلطات تحقّق    عاجل/ القسّام: أجهزنا على 15 جنديا تحصّنوا في منزل برفح    والدان يرميان أبنائهما في الشارع!!    ضمّت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرا في السينما العربية في 2023    طقس اليوم: أمطار و الحرارة تصل إلى 41 درجة    ألمانيا: إجلاء المئات في الجنوب الغربي بسبب الفيضانات (فيديو)    قانون الشيك دون رصيد: رئيس الدولة يتّخذ قرارا هاما    إنقاذ طفل من والدته بعد ان كانت تعتزم تخديره لاستخراج أعضاءه وبيعها!!    جرجيس: العثور على سلاح "كلاشنيكوف" وذخيرة بغابة زياتين    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    مدرب الاهلي المصري: الترجي تطور كثيرا وننتظر مباراة مثيرة في ظل تقارب مستوى الفريقين    الكاف: انطلاق فعاليات الدورة 34 لمهرجان ميو السنوي    منوبة: إصدار بطاقتي إيداع في حق صاحب مجزرة ومساعده من أجل مخالفة التراتيب الصحية    كاس تونس لكرة القدم - نتائج الدفعة الاولى لمباريات الدور ثمن النهائي    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    نحو 20 بالمائة من المصابين بمرض ارتفاع ضغط الدم يمكنهم العلاج دون الحاجة الى أدوية    تضمّنت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرًا في صناعة السينما العربية    القدرة الشرائية للمواكن محور لقاء وزير الداخلية برئيس منظمة الدفاع عن المستهلك    معلم تاريخي يتحول إلى وكر للمنحرفين ما القصة ؟    غدا..دخول المتاحف سيكون مجانا..    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يدعم انتاج الطاقة الشمسية في تونس    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    التحدي القاتل.. رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً    منها الشيا والبطيخ.. 5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد مزالي (الوزير الأول الأسبق) : «يوم 3 جانفي لم يكن الأمن موجودا وترك الشارع للفُلتاء» -« وسيلة أثنت بورقيبة عن تعيين الصياح مقابل تعييني»

ما من شك أن السيد محمّد مزالي الوزير الأوّل الأسبق من أكثر الشخصيات السياسية التونسية إثارة للجدل. فقد وجد نفسه بحكم المسؤوليات المهمة في الدولة وفي مقدمتها الوزارة الاولى في مواجهة معارضة داخل اطياف الحكم. لم تكن الاحداث الداخلية ابان مسؤوليته بمعزل عما يحاك في الخارج وكان عليه ان يجابه التطورات المتسارعة التي كانت تحاكى كما يذكر في الدائرة الضيقة من الحكم وفي أكثرها تأثيرا . أحداث وإن اجاب عليها السيد محمد مزالي في كتابه «نصيبي من الحقيقة» فإنه تبقى للمؤرخين النزهاء، مسؤولية توضيح ما جرى. نفسح المجال للسيد محمد مزالي في هذا الحوار للرّد على جملة الاتهامات والأحداث ولإبداء رأيه بكل حرية في عديد المواضيع الساخنة. كما أن اعمدة «حقائق» ستبقى مفتوحة لكل من يريد المساهمة في الحوار حول تاريخ تونس.
لدينا رغبة في معرفة مجرى الحياة اليومية للسيد محمد مزالي بعد ابتعاده عن دفة المسؤولية والتسيير وتحديدا أين وكيف يعيش...؟
شكرا على هذا الاهتمام.. حياتي اليومية هي حياة مواطن عادي يعيش فترة التقاعد فأنا في الثانية والثمانين . فبعد هجرة دامت 16 عاما وبعد ردّ الاعتبار قضائيا عدت الى وطني مرفوع الرأس، واهتديت إلى التأقلم مع وطني إثر غياب طويل... وأنا في هذه الفترة بصدد بناء بيت متواضع وارجو ان يتم هذا البناء بسرعة لأنني أنوي العودة النهائية أواخر هذا العام للاستقرار ببلدي.. ولكن هذا التقاعد لا يعني أني منعزل عن الواقع الذي من حولي. فأنا دائم الاهتمام بما يجري في وطني وفي العالم. ونظرا لكوني عضوا مدى الحياة في اللجنة الدولية الاولمبية، فإنّي أسافر في مناسبات كثيرة وأنا كذلك رئيس شرفي مدى الحياة للهيئة الدولية للبحر الأبيض المتوسط ودائم الاتصال بالميادين الثقافيّة والشبابيّة الرياضيّة. وأسأل اللّه أن يمن عليّ بحسن الخاتمة فأنا اعتبر أن حياتي لم تكن تافهة او عادية، فقد سخّرت امكانياتي لخدمة بلدي سياسيا وثقافيا وخدمة الانسان حيثما كان.
توالت في المدّة الأخيرة الشهادات والسير الذاتية لمسؤولين سياسيين قدامى، فكيف تنظر شخصيا إلى مثل هذه المذكرات؟
يصعب عليّ أن أجيب بموضوعية لأني كتبت شخصيا مذكرات بالفرنسية ثم أعدت كتابتها بالعربية. أرى أن هذا العمل مفيد جدّا للتاريخ، لأنه يمكن اليوم او غدا - خاصة المؤرّخين - من انتقاء المعلومات والمعطيات لكتابة أو اعادة كتابة التاريخ بصفة موضوعية، بمنأى عن العواطف وكما يقول الفلاسفة القدامى بمنأى عن المحبّات الغالبة. وأحبّذ وأتمنّى أن يكتب كلّ المثقفين وكلّ السياسيين مذكرّاتهم خدمة لوطنهم وخدمة للتاريخ.
هل أنصفتك هذه المذكّرات وهذه السير الذاتية كمحمد مزالي؟
حاولت أن انصف نفسي.
بصراحة: الاخرون، أنصفوك أم لا؟
بصراحة لا والأسباب كثيرة. من سوء الحظّ بعض الناس يكتبون ما يرضي المسؤولين في عصرهم ثم هناك بعض الذين افتروا على التاريخ ويمكن أن اذكر مثالا - حتى لا يكون كلامي في المطلق - وهو كتاب المسؤول السابق الطاهر بلخوجة فقد قال أمورا مجانبة للواقع في قضيّة الديمقراطية مثلا حيث ادعى انه ومن معه حاولوا ادخال جرعة من الديمقراطية في البلاد عام 1981 لكن الوزير الأوّل كان معارضا بينما الشهود والبعض منهم أحياء والحمد للّه يعرفون أن تلك الفقرة التي قرأها الرئيس السابق المرحوم الحبيب بورقيبة في احدى خطاباته الهامة حول هذا الموضوع كانت من تحريري في بيت الأخ الصادق بن جمعة وأمليتها على الأخ الشاذلي القليبي ليلحقها في الخطاب. ولمّا تساءل الحبيب بورقية عن جدوى هذه الفقرة أجبته واقنعته. فلماذا هذا الافتراء على التاريخ؟ بلغنا من العمر عتيّه ودورنا اليوم في سننا هذا هو تبيان الحقيقة. لكن المؤسف أن البعض الآخر كتب متجاهلا فترة أو مبادرات معينة. شخصيا أثق في المؤرّخين الشبان حتى يكتبوا التاريخ كما هو. كما قيل لي بأن هناك مجموعات من الاساتذة كتبوا تاريخ تونس، ولكنهم في المجلّد الأخير عن تونس المعاصرة لم يذكروا ولا كلمة عن محمد مزالي. هذه جناية على التاريخ وهو ما لا تجده في الدول المتقدمة. ففي فرنسا مثلا التي نعرفها اكثر من غيرها يتحدثون حتى عن فترة «بيتان». هذا تاريخ.
حينما نستحضر اسم مزالي نستحضر اسم شخصيتين محوريتين هما الطاهر بلخوجة وادريس ية. هل مازال الخلاف قائما معهما؟
يسلا. لما تحدثت عن هذين الشخصين، تحدثت من وجهة نظر تاريخية وليست شخصية . الطاهر بلخوجة لم انتقده في سياساته ولا في مبادراته لما كان وزيرا للداخلية أو وزير اعلام . لقد تحدث عن ذلك بنفسه وسيتحدث عنه التاريخ . أنا ذكرت الفقرات التي تحتوي على كذب واقول ذلك بكل وضوح وصراحة. أما السيد ادريس ية فلم انتقده كوزير، انتقدت ما أراه تواطؤا بينه وبين شخصيات قريبة من القصر.. انتقدت ما اعتبره مؤامرة الخبز ولا أقول ثورة او تمرّد الخبز. وبيّنت في مذكراتي معطيات هذه المؤامرة. فهو ولأسباب تهمه من باب الطموح تجاسر على هذه المكيدة كما تجاسر من جاء قبله عام ما1978 على المرحوم الهادي نويرة باستغلال مشاكل المعيشة ومشاكل اتحاد الشغل لشن الاضراب العام وآل ذلك إلى سقوط موتى وجرحى، طمعا واعتقادا في أن بورقيبة سيغضب على الهادي نويرة فيعزله ويحل محلّه الطاهر بلخوجة أو شخصا آخر. مأساة الحكم الذي اعتبره البعض مطلقا هو في مأساة الرئاسة مدى الحياة وفي شيخوخة الرئيس الراحل رحمه الله وكذلك مأساة الدستور القديم ما قبل التحوّل الذي يجعل من الوزير الأوّل الخليفة حال شغور أو عجز الرئيس الموجود. يعني ان المقربين الطموحين طموحا غير شرعي كانوا يريدون ازاحة الهادي نويرة أو محمد مزالي طمعا في أنهم سيعوّضونهما.
نعود إلى مذكرّاتك، ما مدلولها السياسي؟
كان بالامكان أن لا أقول شيئا وأعوّل على المستقبل، لكن بحكم ثقافتي واستقرائي لتاريخ المجتمعات، أعتبر نفسي كغيري مسؤولا عن المساهمة في إنارة المؤرخين في المستقبل وأعتبر المذكرات مرجعا من المراجع.. فأنا بكل تواضع سميت مذكراتي «نصيبي من الحقيقة» . وأعتقد أنّ الحقيقة المطلقة ليست ملكا أو حكرا على أحد، وانما مسؤوليتنا هي الادلاء بنصيبنا من الحقيقة من وجهة نظرنا. قد يعيب علينا بعض الاخوان أنني لم أذكرهم كما يجب، لكني أترك لهم الفرصة للادلاء بآرائهم، أنا لا اقدر أن أعوّض أيّا كان وقد تحدثت عن الاحداث التي عشتها من الداخل.
هل كنت انتقائيا؟
طبعا، ما كل ما يعرف يقال. هناك أمور تحرج النّاس. هناك اعتبارات دولية. هناك ارتسامات شخصيا لست واثقا منها، اضافة الى ان هناك اشياء نسيتها وبعض الأمور الأخرى اعتبرتها ثانوية. علما وأن مذكراتي هي نتيجة الذاكرة فقط، اذ لم يكن لي متسع من الارشيف واستعنت فقط ببعض الجرائد.
هل من ردود على هذه المذكرات من سياسيين في الصف الأوّل؟
هناك بعض الإخوان الذين قالوا في بعض المناسبات أنّ كل ما قلته صحيح... وشخصيا لم أقل كل شيء، لكن أرجو أن ما قلته صحيح.
سيدي الوزير الأول، لا أحد يمكن أن ينكر تجربتكم الكبيرة، لكن هناك من يعيب عليكم تدخلاتكم مثلا على منبر قناة الجزيرة بأنها شهادات تبرئ الذات أكثر من أي شيء آخر. بماذا تردون على ذلك؟
الحقيقة البديهيّة أنّ الانسان لمّا يتحدث عن نفسه يبرر أشياء. مثلا الذي يشكك في أنني كنت أحاول إيجاد جرعة من الديمقراطية، أقول إنني عندما أتحدث عن مجهوداتي عامي 80 - 1981 لاقناع الرئيس بورقيبة رحمه الله بضرورة التعددية، وعندما افتك من بورقيبة في نوفمبر 1983 افتكاكا الاعتراف بحركة الديمقراطيين الاشتراكيين والاعتراف بالحزب الشيوعي قبل عام 1981 والاعتراف بالحركة الشعبية، فهذه حقائق أقولها، لكن البعض الذي سار مع الركب في الهجوم عليّ لأسباب لمّحت لها منذ حين يعتبرون ذلك تبرئة للذات. فعندما أقول انه قبل أن أخرج من تونس عام 1986 لم يكن لي ولزوجتي حساب جار في الخارج، فهذا من جهة تبرير يردّ على بعض الاتهامات، لكن من جهة أخرى هذا واقع فلا أحد وجد لي حسابا جاريا في الخارج «ومَاضَابِينَا الوزراء يقولو هذا».
لكن هناك حديث عن حياة البذخ التي عشتها في الخارج رغم أنك غادرت تونس في ظروف كنت بيّنتها في الجزيرة وفي المستقلّة؟
نعم قصة مغامرتي بيّنتها في المستقلة وفي الجزيرة. فقد اقنعوا الرئيس السابق بأني نظمت مؤامرة لازاحته من الحكم. نادى بورقيبة القاضي الهاشمي الزمال بحضور ثلاثة مسؤولين وقال له: «المزالي أراد إزاحتي من الحكم، ألقوا عليه القبض واحكموا عليه بالاعدام شنقا ويجب أن ينفذ الحكم قبل 31 ديسمبر 1986». وأضاف قائلا: «ستتدخّل بعض الدول العربية أو الاوروبية و«شدّ صحيح» وأصر على أنه يجب شنق مزالي كما شنق علي بوتو في الباكستان. عندها قلت السجن دخله الرّجال، لكن اذا أمكن أن أنجو من حبل المشنقة، يكون ذلك أحسن ولهذا فررت بجلدي. قمت بمغامرة وعندما أستعرضها اليوم أستغرب من عدم وعيي حينذاك بالخطر في منطقة قال لي عنها المرحوم الشريف مَسَاعِدِيَة (رقم واحد في جبهة التحرير الجزائرية): «كيف مشيت ليلا في الظلام في تلك المنطقة المزروعة الغاما منذ الثورة» . قلت له لم أكن اعرف وأضاف متسائلا: «ألم تخف من الذئاب» فأجبته: «الذئاب تقطن في قصر قرطاج حينها».
قبل الحديث عن ظروف عيشك، من هم المسؤولون الثلاثة الذين كانوا موجودين حينما أمر بورقيبة الهاشمي الزمّال بذلك؟
لا أستطيع اخبارك، ما كلّ ما يعرف يقال.. أماعن ظروف عيشي فلما ذهبت الى الجزائر، أؤكد أنني كنت لا أملك فلسا، أردت أن أذهب الى سويسرا، استجابة إلى دعوة جوان انطونيو سامارانش. حولت من البنك المركزي ما يعادل 200 دينار. كان عندي إذن بالفرنك السويسري ما يعادل 200 دينار مع مطبوعات البنك المركزي الثلاث الخضراء والحمراء والبيضاء. المسألة بسيطة. المبلغ المذكور يضحّك، لكن تركته في البيت، لم أرغب في أخذه، خفت أن يمسكوني بهذا المبلغ. ونهاية لم يكن معي أي «سنتيم»، بحيث لا أملك شيئا ولم احمل معي ولو قميصا للتبديل الجزائريون أعطوني ما يعادل 4 آلاف دينار تونسي فرنك فرنسي وحقيبة تحتوي على بدلتين وحذاءين، وفي الاشهر الاولى دفعت اللجنة الاولمبية كلّ مصاريفي من اقامة وقوت. وكان اصدقائي اعضاء اللجنة الاولمبية بمثابة العائلة الثانية. وأنا عالة على اللجنة الاولمبية وفي ذاك الجوّ القاتم الذي كانت تعانيه عائلتي، استدعاني إخواني الملك فهد رحمه اللّه والراحل المرحوم الشيخ زايد وولي عهد الكويت الشيخ سعد ... كنت حينما أقابل هؤلاء القادة الكبار أناقشهم في مصلحة تونس أي في المشاريع التونسية وليس في امتيازات شخصية لي ولعائلتي. كانوا يسألونني كيف يفعلون ذلك لي؟ لم ينسني هؤلاء القادة وقارنوا بيني وبين وزراء آخرين. لم يكن الطمع صفتي ولذلك كان بورقيبة يحترمني. «بورقيبة عمرو ما رفع صوتو عليّ أبدا والحمد للّه». وأذكر أن الشيخ زايد رحمه اللّه قال إنّه لا يتدخّل في سياسة تونس فقلت له هذا ما أرجوه شخصيا، أريد ان تكون علاقتكم جيدة مع تونس والتعاون مستمر، يهمني الشعب وليس شخصي. قال لي لقد زرناك في بيتك في تونس وقمت بنفسك بزيارتنا وتعاونا في القمم العربية والاسلامية، ومادمت في هذه الازمة اعتبر نفسك أخي الصغير وسنتكفّل بمساعدتك. وبمعدّل مرّة كل سنة أو سنتين تتم دعوتي من طرف هؤلاء القادة ويتم تسليمي بعض الأموال وهذا ليس فيه خدش لشخصي، بل بالعكس فأنا لست أوّل مهاجر أو مضطهد يلقى المساعدة، دون ان اقارن نفسي بالجنرال ديغول في لندن او بورقيبة في القاهرة. لقد عشت واولادي مستورا بفضل هذه الاعانة من الدول الخليجية فقط . كما ذكرت لم يكن لي حساب جار ولم يكن على ملكي نزل كما أشيع.
هل مازلت على اتصال مع أبناء هؤلاء القادة الخليجيين؟
من سوء الحظ لا. لم يحصل لي الشرف.
رغم الموقف النهائي المحزن الذي قابلك به بورقيبة، الا انك بقيت محبا له، معددا لخصاله ومحترما لشخصه ولسياسته. لماذا هذا كلّه؟
أولا أعتبر بورقيبة بمثابة الأب.. كنت اعتبر أن سياسته هي «مُوَصّلة»، وفي عدة فترات من حياته السياسية كنت مقتنعا ومنبهرا به بحيث بقيت مخلصا له، ثانيا اعتبر أنه في الحالة التي قاسيت فيها أنا وعائلتي كنت اعتبر ان ذلك لم يكن بورقيبة بل خيال بورقيبة، فقد كانوا يوحون إليه في المساء وفي الليل الدامس وكان يعيد ذلك من الغد. بورقيبة كان مريضا وفي فترات كثيرة كان غائبا عن الوعي. أتّهم أو أعيب على من كان حوله سامحهم اللّه.
بصراحة من كان أكثر المؤثرين؟
بعد زوجته يرحمها اللّه جاءت سعيدة ساسي. كانت هذه الأخيرة أكثر تأثيرا لأنها كانت متواجدة في كل الاوقات وشخصيا لم اكن التقيه الا صباحا ولمدة نصف ساعة أو ساعة وكنت لا أتردّد عليه مساء الاّ للضرورة وفي بعض الاحيان القليلة جدّا.
على ذكر الراحلة وسيلة، هل التقيتها في منفاك؟
لا لم ارها ولم أطلب رؤيتها ولم تطلب ذلك بدورها . كان يمكن ان نتقابل، لكن من حسن الحظ أو من سوئه لا أعرف لم أقابلها أبدا.
هل تعتبر أن وسيلة أو سعيدة كان لهما ضلع في المؤامرة ضدّك؟
لا وبكل صراحة اعتبر أن وسيلة كانت أذكى بكثير وكانت سياسيّة محنكة بأتم معنى الكلمة وكانت لديها المعلومة وعندها علاقات في تونس وفي الخارج وتحديدا في العالم العربي.. سعيدة كانت في مستوى آخر لا تفهم السياسة لكنها كانت أيضا مؤثرة. وسيلة مشكلها وأرجو أن أكون مخطئا في اجتهادي الأمس واليوم أنها كانت تتأثر ببعض العناصر وتعتريها الغيرة. فلما ترى الباهي الأدغم أو الهادي نويرة أو محمد المزالي وكأنها ترى شخصا سيجلس على كرسي بورقيبة وترى زوجة أخرى تحلّ محلها، هي صورة قد تبدو غير عقلانية. لكن قلت وأقول إن وسيلة أثنت بورقيبة عن تعيين الأخ محمد الصياح مقابل تعييني عام 1980 لا حبّا في محمد مزالي لكن باعتباري أخف الضررين. كانت سياسية ولها مواقف جيّدة في القضية الفلسطينية مثلا. لكن في قضية الخبز كانت هي المهندسة مع بعض الوزراء وهذا رأيي.
يتزامن صدور هذا الحوار مع شهر جانفي الجاري. بماذا يذكرك شخصيا هذا الشهر؟
شهر جانفي يذكرني ب26 جانفي .1978 كان يوما أسود في تاريخ تونس. وفي تحليلي كانت مؤامرة ضدّ الهادي نويرة كوزير أوّل... جانفي يذكرني بمؤامرة الخبز ( 3 جانفي). كان أيضا يوما أسود في تاريخ تونس ولم نر في التاريخ المعاصر في دولة من الدّول أن جزءا من الحكومة يتآمر على جزء اخر. وقلت وأؤمن بأن المعارضات بأصنافها ليست لها مسؤولية في ذلك. كلّمني الشيخ مورو يوم 4 جانفي وتبرأ مما وقع وبلّغت ذلك للمرحوم الرئيس بورقيبة، الأخ أحمد المستيري شجب بدوره هذه الاعمال وكذلك فعل الحزب الشيوعي، يعني أنّ من قام بهذه الأعمال أشخاص في الدولة. فيوم 3 جانفي كان الأمن غير موجود في تونس وترك الشارع للفلتاء. وقد ذكرت أطوار ذلك في مذكراتي ولو كان هناك أمن لما وقع ما وقع.
أين كنت سي محمد في أحداث 1978؟
كنت عام 1978 وزيرا للتربية. ومن الصدف أنه يوم استدعائي للجنة الدولية الأولمبية للاجتماع في تونس وصادف ذلك انعقاد مجلس وزراء برئاسة الأخ الهادي نويرة. بعد حضوري لمدة ربع ساعة استسمحت منه للمغادرة للاجتماع باعضاء اللجنة في نزل افريكا، وحين كنّا مجتمعين سمعنا طلقات نارية... لكن واصلنا عملنا وقمنا بزيارات الى بعض المناطق ولم أكن اعرف ماذا وقع بالضبط. وسبب المفاجأة أنّني فاجأتني هذه الاحداث كما فاجأت بعض الوزراء الآخرين. لقد كنت بعيدا عن التكتلات. لم أكن في سرب من الاسراب وكانت اتصالاتي تقتصر على الرئيس بورقيبة والوزير الأول وقد كانت علاقتي جيدة مع سي الباهي الادغم وسي الهادي نويرة.
لكن انت في نظر الشعب من قام بعملية الدعاية للزيادة في الخبز؟
مشكلتي أننّي كنت اتكلم كثيرا. وهذا ما سميته في كتابي لعنة الدستور القديم. لو كان الباب مفتوحا كما هو الحال الآن لكل الطموحات ولكل الترشحات لما كان الهادي نويرة ومحمد مزالي يُستهدفان... كلنا نتذكر تلك الظروف ويجب على الملاحظ اللبق أن يربط بين ما كان يجري في الداخل وفي الخارج ولا أظن أن كل تلك التطورات كانت تجري صدفة. لقد أيدوا الزيادة بما في ذلك ادريس قيقة الذي القى خطابا في بورصة الشغل. وتجند لذلك اعضاء البرلمان واللجنة المركزية وتأييدي كان انضباطا وحبّا لبورقيبة. عارضت هذه الزيادة ومعارضتي معروفة حتى في مجلس الوزراء ومازلت اعتقد أن رئيس الدولة في الدستور هو المسؤول وان الوزير الاول هو المكلف بالتنفيذ. الناس كانوا يردّدون ان بورقيبة مريض وان مزالي هو كل شيء. المفارقة هي انه بقدر ما كان بورقيبة مريضا كان يتأثر بمن حوله. حينما عرفته كان يتصل بعديد الاشخاص لمعرفة شيء ما او التيقن منه. كنت منضبطا وكنت ارى ان الزيادة في الاسعار المدعمة تتم بمراحل... واذكر انه حينما رافقت بورقيبة الى المطار حينما كان متوجها الى ألمانيا الفيدرالية في 19 سبتمبر وطلب مني مضاعفة سعر الخبز تمنيت له عطلة طيبة في ذلك البلد ووعدته بدراسة الملف. وقبل ان يصعد الى الطائرة كرر جملة «لابد من مضاعفة سعر الخبز». وهاتفني مرتين من المانيا مشددا على هذا الاجراء.. في 10 أكتوبر حرص بورقيبة على ترؤّس مجلس وزراء في قصر الحكومة بالقصبة وقرر ان يعلن في مجلس الوزراء عن القرار القاضي بمضاعفة ثمن الخبر ومشتقات الحبوب... ولم يتجاسر على الكلام اي وزير وخصوصا أولئك الذين تبرّؤوا فيما بعد من هذا الاجراء.
ماذا كان دورك على من حكم عليهم بالاعدام؟
بعد صدور حكم الاعدام على عدد من الشبان المهمّشين ولا اسميهم المُنْحَرِفين صدرت عدة تدخلات من منظمات وهيئات حقوقية اتصل بي عديد الاشخاص لايقاف الحكم ووعدتهم بالنظر في الموضوع. وفي أحد الايام نادتني المراسم واعلمتني عن تحديد جلسة مع الرئيس بورقيبة على الساعة الخامسة مساء. دخلت مكتب الرئيس وكان عنده محمد شاكر وزير العدل. كان بورقيبة يريد النظر في الاحكام على المحكوم عليهم بالاعدام. سلمه وزير العدل رأي لجنة العدل في تلك الاحكام ومشروعين، مشروع امر بتنفيذ حكم الاعدام ومشروع يستبدل حكم الاعدام بالمؤبّد لكنّ بورقيبة لم ينظر الى تقرير لجنة العدل وطلب مباشرة مشروع تنفيذ حكم الاعدام. وحينما اخذ قلمه وهمّ بالامضاء، قلت له سيدي الرئيس هل تَسْمَح لِي شيئ ما. فاستجاب لطلبي، فخاطبته بالقول إنني لم أدرس الحقوق ولكنني اعتبر أن هؤلاء الشبان قتلوا وانني لا اشك في نزاهة القضاء وان المسؤولية في ما حدث مشتركة بيننا وبينهم، إذ أن النظام لم يقم بواجبه والبلاد لم تكن ممسوكة والأمن لم يقم بواجبه اذ نزع عنه ادريس قيقة السلاح. وقلت له متسائلا: «هل أن الفلتاء في باريس اذا لم يجدوا امامهم أمنا، ألا يقومون بسرقة المجوهرات والساعات وغيرها؟ نظر بورقيبة إليّ وردّد: «نعم صحيح». وأضاف: «تعرف سي محمد، من وقت الاستقلال الى الآن لم اغيّر حكم اعدام في المحكوم عليهم سياسيا، لكنك اقنعتني». وطلب مشروع الامر الآخر. وحينما غادرت القصر هاتفت المحامي الطاهر بوسمة واعلمته بالامر وطلبت منه ابلاغ احد المحامين (فتحي عبيد) الذي كتب مقالا على اعمدة «الصباح» يناشد فيه رئيس الدولة بتحويل الحكم الى المؤبد. أنا معتز في تلك المأساة بكوني خففت بعض الشيء في هذه القضية ولي الشهاد على ذلك.
هل تعتبر ان استهدافك جزء منه- صغير أو كبير - يرجع ربما الى برنامج التعريب؟
هذا لا شك فيه ولكن ليس لي حجّة عليه... بورقيبة فسّر قرار إنهاء مهمتي بقوله «يا سي محمد عربت ياسر التعليم، قلت لك لا تعرب» وعلى كل حال لي قناعات. اعتبر أن المغرب العربي ضرورة وقد قمت بمبادرات كثيرة في هذا الصدد في البنية الاساسية وفي مناهج التاريخ والحسابيات وغيرها. كنت أتأسف أنّه لأسباب سياسية تتجاوزني لم أواصل الذهاب الى الامام في الاشياء التي كنا نحلم بها وجسمناها في مؤتمر طنجة في أفريل .58 كما كنت أعتبر أن التعاون العربي العربي حيوي وان الاسواق العربية لا حدود لها ، بحيث ان التعاون العربي يمكننا من تعاون جنوب جنوب. وقد كتبت مؤكدا ان التعاون جنوب شمال لا يصح ولا يكون مثمرا الا اذا كان مرتكزا على تعاون جنوب جنوب.
كيف تلقيت قرار انهاء مهمتك على رأس الوزارة الاولى؟
كنت جالسا بمفردي حيث كانت عائلتي تحضر على ما اظن اربعينية صهري المرحوم فريد مختار (أخو زوجتي). كنت بصدد مشاهدة شريط الأنباء على الساعة الثامنة مساء كعادتي... في الحقيقة، والشيء الذي لم أقله في كتابي وهو خاص بمجلتكم، هو ان السيد عبد الرزاق الكافي كلمني قرابة السابعة والنصف وقال لي إن برقية صادرة عن وكالة تونس افريقيا للأنباء تضمنت خبر انهاء مهامي وتسمية السيد رشيد صفر في منصب وزير أول. وسألني هل يبث فحوى هذه البرقية ام لا. وما لم افهمه هو ما اذا قال ذلك اجتهادا منه أم لا. وتساءلت ماذا لو طلبت منه عدم نشر تلك البرقية؟ فهل يكون مصيري السجن بتعلة عصيان رئيس الدولة ؟ ربما. بعد بث ذلك الخبر هاتفت رشيد صفر وهنأته.
هل من عادة بورقيبة ان لا يعلم الوزير الاول حينما يقيله ؟ وهل تفاجأت بالأمر؟
لا ليس من عادته ان لا يعلمهم . كما أنني لم افاجأ مفاجأة تامة لأن عدة اشارات كانت تنذر بهذا التحوّل والتنكّر لي. لكن من الغد كلمت مدير الديوان الرئاسي سي منصور السخيري وطلبت منه مقابلة الرئيس بورقيبة ولتوديعه. فحدد لي يوم الجمعة 11 جويلية. وفي الموعد المذكور استقبلني بورقيبة في قصر المنستير بكل لطف ومودّة وجاء ذلك اللقاء بعد اجتماع مجلس وزاري يوم 10 جويلية اتخذ قرارا يقضى بادراج اللغة الفرنسية في السنة الثالثة من التعليم الابتدائي عوضا عن الرابعة وذلك بشكل ارتجالي وعاجل.
الشاذلي بن رحومة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.