· التعليم العالي يعيش أزمة خانقة على أكثر من صعيد · الجامعة التونسية لا تتوفر اليوم على الإطارات الأساسية للتسيير ولا على البنية التحتية الضرورية · انحدار الوضع المادي للجامعي جعله بمثابة "الموظف" العادي الذي يشغله الشأن اليومي وفي ذلك تهميش لأحد أهم أدوار الجامعي أي التفكير والبحث. · جوهر فلسفة منظومة "إمد" لم يفهم عندنا... ولم يتم الاستعداد إليها وتوفير مقومات نجاحها. · منظومة "إمد" هي مشروع أسقط بدون الإعداد الجيد له مما خلق حالة من الضبابية. · هياكل المراقبة والروتين الإداري وراء محدودية البحث العلمي في الجامعة التونسية. · أجيال الجامعيين متقاربة وخلال السنوات القادمة سنشهد خروج نسبة هامة منهم نحو التقاعد دون الحصول على بديل. · قبل بعث أقطاب جامعية جديدة لا بد من البحث في خصائص الجهة وما يتماشى معها حتى لا تكون هذه الأقطاب مسقطة. ولا تقدم الإضافة · أزمة التمثيل النقابي هي سبب تردي الوضع الجامعي منذ سنة 2004. هل ما زال الجامعي في تونس يحتل المكانة ذاتها في المجتمع؟ ولماذا تراجع الإقبال عن البحث العلمي من طرف الجامعيين؟ هل استعدت الجامعة التونسية كما ينبغي لمنظومة "إمد"؟... وما هي مآخذ الجامعيين على القانون التوجيهي والقانون الأساسي؟ والخريطة الجامعية هل هي في حاجة للمراجعة و ما هي خلفيات أزمة التمثيل النقابي في قطاع التعليم العالي؟ وماهي السبل الممكنة لتجاوز الازمة؟ هذه الأسئلة وغيرها هي موضوع الندوة التي نظمتها جريدة "الوطن" يوم السبت 15 مارس وشارك فيها كل من السادة البشير الحمروني (كاتب عام نقابة التعليم العالي والبحث العلمي) ومصطفى التواتي (عضو في النقابة) ومحمد عبد العظيم (عضو بالنقابة). هذا ونعلم قراء "الوطن" أننا سننشر في العدد المقبل مشاركة السيد سامي العوادي الكاتب العام للجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي (الاتحاد العام التونسي للشغل). الوطن: نبدأ حوارنا بالسؤال عن وضع الجامعة والجامعيين... هل مازال الجامعي في تونس يتمتع بالدور ذاته في المسارين المعرفي والاجتماعي للبلاد؟ البشير الحمروني أستطيع القول إن قطاع التعليم العالي يعيش أزمة خانقة على أكثر من صعيد (التدريس، الهياكل، الطلبة، المستوى التعليمي)، وأن أغلب الجامعيين (باستثناء نسبة قليلة) يناضلون ويتمسكون بأن يكون للجامعي مكانته ودوره في المجتمع، لكن للأسف أغلب هؤلاء هم على أبواب التقاعد وهناك جيل جديد من الجامعيين عليه أن يحافظ على هذا الدور وهذه المكانة. الجامعي في تونس يبقى دائما متشبثا بدوره كملقن للعلوم وكباحث، غير أن تصرف بعض الزملاء (أعني خاصة الجدد) ساهم في تراجع هذه المكانة وساهم أيضا في أن تكون نظرة الرأي العام للجامعي غير ما كانت عليه. وأعتقد أن هذه المسألة لا تهم الجامعيين فقط، فقد مست كافة شرائح المجتمع... هناك نظرة جديدة ساهمت فيها عدة ظروف وعوامل. أقول هذا الكلام مع إيماني بأن هذا الأمر لا يقلل من دور ورسالة الجامعيين في تونس. وعموما أقول إننا نأمل أن نصل يوما لإعادة ترتيب هذا الوضع.. فنحن نمثل التوجه الممانع الذي يتصدى لهذا التيار الذي يجر إلى اللامبالاة. مصطفى التواتي: منذ دولة الاستقلال إلى اليوم، كان للجامعة التونسية دور هام، وهو توفير الإطارات والكوادر لتسيير الدولة، وقامت الجامعة بهذا الدور على أحسن وجه. وما يلاحظ اليوم أن أغلب إطارات الدولة تقريبا تكونت في الجامعة التونسية، وأن تونس تحتل مراتب متقدمة عربيا وإفريقيا وعالميا في أداء الجامعة والمستوى التعليمي وكفاءة إطارها.. غير أنه منذ بضع سنوات، وعلى خلفية العولمة والتحولات التي يعرفها العالم، برزت مفاهيم جديدة (مثل مفهوم اقتصاد الذكاء)... وأصبح للجامعة عموما دور جديد، يبدو واضحا في تونس أننا لم نستعد له... فالجامعة التونسية اليوم لا تتوفر على الإطارات الأساسية للتسيير، إلى جانب غياب البنية التحتية الضرورية. لقد تحولت إلى ما يشبه "مصنعا للمعرفة، غير أنها تنتج "بطالة اقتصادية". لا بد من الإقرار أيضا أن هناك منافسة دولية قوية ومنافسة مفتوحة، وأعتقد أن غياب البنية التحتية الضرورية وعدم رسم الأهداف الواضحة من شأنه أن يجعل الأداء بشكل عام غير ما نصبو إليه. وهناك مسألة أخرى لا تقل أهمية عمّا ذكرته وهي تزايد عدد الطلبة (المشكلة الديمغرافية)... وهذه لها مخاطر على المستوى التكويني خاصة أن الدولة مهمتها إيجاد مكان لهؤلاء... وللأسف أقول إن الجامعة التونسية اليوم لم تعد في نظر الشباب هي فاتحة للآفاق والسبب أن نسبة العاطلين عن العمل من الخريجين أصبحت تتزايد. كحل لهذه العوامل أعتقد أنه يجب أن تدفع جميع الأطراف الاجتماعية (الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة واتحاد الفلاحين...) إلى أن تكون قضية الجامعة، قضية وطنية تكون من أهدافها توفير التمويلات العمومية والتفكير في فتح آفاق التشغيل أمام حاملي الشهادات. محمد عبد العظيم: في ضوء ما سبق أقول إن الجامعي كان ينجز وظيفة وله دور أساسي في المجتمع، لكنه الآن أصبح يشعر أن مكانته لم تعد هي القيمة ذاتها، وذلك على الأقل للأسباب التالية: أولا: التحول السياسي والاقتصادي والاجتماعي أي العولمة التي فهمت لدى العديد أنها عولمة اقتصادية، وتم إهمال الجانب الفكري وهو المؤسس للاقتصادي. ثانيا: الجامعيون مازالوا يؤمنون بأنهم يجب أن يكونوا النخبة المكلفة التي تقود مسيرة التطور... لكنهم يشعرون بالخيبة لأنهم لا يقومون بذلك. الجامعي مازال يبذل الجهد الذي عليه القيام به، رغم أن مهمة التدريس تكاد تجعل منه مجرد مدرس: - مهام التدريس وثقلها. - الإمكانات الموجهة للتدريس أكثر من الإمكانات الموجهة للبحث. وأقول إن العلاقة بين هذه المنزلة العلميةوالمنزلةالاجتماعية هي بالأساس علاقة جدليةوممّا زاد في انحدارها هو الوضع المادي الذي يعيش فيه الجامعي لقد أصبح بمثابة "الموظف العادي" الذي يشغله الشأن اليومي... مما دفع العديد من الجامعيين إلى التفكير في الحصول على وظيفة إدارية أو سياسية وطبعا في هذا الأمر تهميش للفكر وتهميش لأحد أهم أدوار الجامعي أي التفكير والبحث. البشير الحمروني: الجامعي اليوم أصبح مدفوعا إلى الاعتناء بالمشاكل الاجتماعية والبحث العلمي لم يعد يحتل مكانته بسبب ما سبق ذكره. الوطن ثمة تغييرات كبرى تشهدها الجامعة التونسية من ذلك برنامج "إمد" والقانون التوجيهي... كيف تنظرون إلى هذه القضايا وما هي مآخذكم؟ مصطفى التواتي: فيما يتعلق بالقانون الإطاري، القضايا التي يتعرض إليها هي منظومة "إمد" والبحث العلمي والجودة والتقييم والتسيير، وهي قضايا بمثابة الإشكاليات التي لا بد من التعمق فيها. بالنسبة إلى منظومة "إمد" أعتقد أنها مسألة لا مفر منها، خاصة أن أوروبا وأمريكا يتبعان هذه المنظومة منذ سنوات، حتى أنه هناك عدة إشكالات في منح المعادلات العلمية للطلبة الذين يدرسون في الخارج (أوروبا – أمريكا). وأعتقد أن الإشكال هو في فهم الفلسفة التي انبنت عليها هذه المنظومة، فيما يتعلق بالغرب عموما اعتبروا أنه نظرا للتقدم التكنولوجي (الإنترنيت – وسائل الاتصال الحديثة...الخ)، يمكن التفكير في كيفية علاقة الإنسان بالزمن بمعنى آخر كيف يمكن للطالب أن يتلقى أفضل تكوين وفي أقل وقت ممكن، على أن يوفر وقتا للراحة والمطالعة. وفي هذا الإطار فإن اختصار رحلة الإجازة من 4 سنوات إلى 3 سنوات لا يعني التنقيص في التكوين... بالعكس فإن التكوين يمكن أن يتدعم استنادا إلى ما توفره التكنولوجيات الحديثة. جوهر هذه الفلسفة لم يفهم عندنا، لعدة أسباب أهمها أن المسألة (منظومة "إمد") لم تحظ بالنقاشات الضرورية ولم يتم الاستعداد لها وتوفير مقومات نجاحها وخاصة تحقيق الأهداف المرجوة منها. لذلك يمكن أن أقول إن منظومة "إمد" بتطبيقاتها الحالية وفي ظل الإمكانات الحالية يمكن أن تكون نتائجها عكس ما انبنت عليه في أوروبا، لأننا لم نفهم روح هذا المشروع وبالتالي فإنه سيؤدي إلى نتائج سلبية. وهذه المسألة لا تتعلق فقط بالمشروع ككل، بل تتعلق أيضا بفهم عديد من الأساتذة الجامعيين الذين وقع بعضهم في خطأ بيداغوجي حين وزعوا المواد التي كانوا يدرسونها على مدى أربع سنوات!!. أما في ما يتعلق بالتسيير فإن العالم كله متجه نحو روح المشاركة المواطنية في كل شيء، فما بالك بالجامعيين. أعتقد أن مطالبة الجامعيين بالانتخابات هو مطلب شرعي، لكن للأسف فإن القانون الإطاري يضيّق دائرة المشاركة وهو ما يتطلب إعادة النظر. وفي خصوص الجودة والتقييم، من المؤاخذات التي لا بد أن نشير إليها أولا في الآليات، وكأن العنصر الوحيد المسؤول عن الجودة هو الأستاذ. في وقت كان لا بد من الاهتمام بعناصر أخرى لا تقل أهمية في هذه العملية من ذلك ظروف عمل الأستاذ الجامعي والظروف التي يدرس فيها الطالب (الإقامة/النقل/الأسرة...الخ) هذا إلى جانب ضرورة الاهتمام بأن مستوى الطلبة القادمين من المعاهد الثانوية أصبح متدنيا مقارنة بالسنوات الفارطة. كل هذه العناصر لا بد من إيلائها الأهمية اللازمة في تقييم الجودة. أما فيما يتعلق بالمنافسة، فأسأل في أي إطار ستكون المنافسة والحال أن الجامعة العمومية هذه المؤسسات العمومية خاضعة للمراقبة المسبقة خاصة في البحث العلمي... وهذا ما عززه القانون (أي الرقابة المسبقة) وبالتالي كيف يمكن الحديث عن المنافسة. البشير الحمروني: أقول أولا إن منظومة "إمد" بنيت على أنقاض تعليم عال يشكو عدة نقائص... وهي منظومة مبنية على عقلية ليست جديدة. وأريد أن أضيف بعض الملاحظات زيادة على ما ذكره زميلي مصطفى التواتي: · هناك مشكلة لدى بعض الجامعيين ممن لم يقتنعوا بهذه المنظومة لأنهم مازالوا يفكرون بطريقة قديمة. · الأستاذ الجامعي وكذلك الطالب ما زالا لا يشعران أنهما انخرطا في منظومة جديدة رغم مرور ثلاث سنوات. · هناك مشكلة حقيقية وهي أننا لم نتمكن من الوقت الكافي للإقناع بأهمية هذا المشروع وتمت إضاعة وقت كثير في مسائل وقضايا جزئية. · أعتقد أنه لا بد من وقفة تأمل نحاول من خلالها إصلاح ما يمكن إصلاحه، ونقف عند المشاكل والمآخذ، وإلا فإن النتائج ستكون سلبية.. وهذا يظهر من خلال تدني نسبة النجاح. أما فيما يتعلق بالقانون التوجيهي فإننا نعيب على وزارة الإشراف أنها لم تمكنا من مسودة القانون... غير أن ذلك لا يمنعنا من القول أن هناك عدة أفكار سبق أن دافعنا عنها وجدناها في القانون، من ذلك أن القانون "يحيل 24 مرة على الأوامر التطبيقية" وأعتقد أن الأهم في هذه الأوامر التطبيقية أن هناك أملا في تجاوز هذه السلبيات عن طريق الأوامر التطبيقية. وفي خصوص الجودة والتقييم، نحن مع الجودة والتقييم، لكن لا بد من توفير الأرضية الملائمة لذلك، إذ لا يمكن أن نتحدث عن الجودة والتقييم وبعض الأساتذة لا تتوفر لهم مكاتب والأهم من ذلك أن كلية مثل كلية الآداب التي يؤمها آلاف الطلبة غير مرتبطة بشبكة الانترنيت!!! كيف يمكن أن نتحدث عن جودة في مثل هذه الظروف... أعتقد أنه لا بد من وجود فصل قانوني يجبر الجامعات لتوفير الإمكانات اللازمة لأستاذ الجامعي. محمد عبد العظيم: فيما يتعلق بمنظومة "إمد" يمكن القول إنه مشروع أسقط بدون الإعداد الجيد له، مما خلق حالة من الضبابية. ويظهر عدم الإعداد الجيد في النقاط التالية: - تقييم ما هو موجود لم يتم بالكيفية التي يجب أن يكون عليها. - التوعية بمنطلقات النظام وغاياته لم تتم بشكل جيد مما جعل بعض الأساتذة الجامعيين لا يعرفون الأهداف الحقيقية لهذا المشروع... هناك نوع من التسييح داخل المنظومة وهو أمر خطير. - تكثيف المواد (أربع سنوات إلى ثلاث سنوات) ينم عن هاجسين أولا حرص الجامعيين على المحافظة على التكوين وثانيا الانضباط للنظام الزمني، غير أنه لم يتم إعداد البديل الذي يستوعب النقص الزمني أي الاستفادة من الثورة التكنولوجية. الجامعي لم ير بعد أن هناك ثورة تكنولوجية ستساهم معه في التكوين... واستمرار هذا الأمر ينتج عنه بالضرورة إرهاق الطالب وبالتالي تكون نتائج التكوين غير التي ينتظرها الجميع. إن نظام "إمد" رغم قدمه فإننا لم نستعد له بشكل جيد وهذا ما يدفعني للقول إننا سنزرع شيئا في أرض غير مؤهلة لهذا النبات.. وأن نظام "إمد" هو بمثابة المغامرة. ورغم هذا التقييم فإننا نود التدارك، وذلك عن طريق حملات توعية وتحسيس وسط الجامعيين يتم من خلالها شرح المنظومة ومصطلحاتها (التي تتسم بالضبابية) وأيضا عن طريق ثورة تمس المؤسسة الجامعية ماديا وتكنولوجيا. أما في ظل استمرار الحال كما هو عليه الآن فإننا لسنا مؤهلين لهذه المنظومة. الوطن ملف البحث العلمي في تونس... هناك جدل كثير حوله... كيف تشخصون وضع هذا الملف؟ البشير الحمروني: لقد سارعنا بالتنويه لإرجاع البحث العلمي لموطنه أي وزارة التعليم العالي، لأننا دائما نعتبر أن الأستاذ الجامعي هو باحث. لكن للأسف فإن مشاكل البحث العلمي مازالت قائمة. ربما لأنها مشاكل مزمنة وتتطلب حلولا جذرية. هذه المشاكل ساهمت في تقلص الحماس لدى عدد من الجامعيين نحو البحث العلمي وأصبحوا يعتقدون أنه من الأمور البديهية أن لا يقوم الأستاذ الجامعي بالبحث العلمي. أقول هذا رغم الاعتمادات المرصودة للبحث العلمي... لكن لا ترى أي شيء وذلك بسبب هياكل المراقبة والروتين... والجميع يعرف أن البحث العلمي لا يمكن أن يسير بشكل إداري شأنه شأن أي ملف آخر. وأقدم بعض الأمثلة في هذا الصدد: انعقدت منذ مدة "الأيام الوطنية للبحث العلمي" لكن نتائجها لم تظهر إلى يومنا هذا... ورغم الاعتمادات المرصودة للبحث العلمي على مستوى الكلية وحتى على مستوى الأستاذ الجامعي فإن عديد الأساتذة يجدون صعوبة في القيام ببحوثهم ومشاريعهم بسبب هياكل المراقبة والروتين. الأساتذة الجامعيون متحمسون للعمل في هذه الميادين لكن العوائق تحول دون ذلك وهو ما يتطلب التدخل. مصطفى التواتي: حول هذه النقطة أقدم الرسم التالي لتوضيح مسار اتخاذ القرار لإعداد بحث علمي: المخبر (وحدة البحث) â إدارة المؤسسة â الإدارة العامة للبحث العلمي â وزارة التعليم العالي والبحث العلمي â وزارة المالية (المراقبة المالية) â الوزارة الأولى ويظهر من خلال هذا الرسم حدة الإجراءات البيروقراطية التي من شأنها تعطيل أعمال البحث العلمي. ومن ضمن المشاكل أن هناك أموالا مرصودة لكن لا يمكن التصرف فيها. محمد عبد العظيم: هناك مشكلة تتمثل في عدم التمييز بين البحث العلمي النظري والبحث العلمي التطبيقي.. ولا بد من الوعي أن هناك خصوصيات بين هذين المجالين لا بد من مراعاتها ولا بد أن تنعكس على المؤسسة. وربما هذا ما يجعل عديد الأساتذة الجامعيين لم يشعروا أن شيئا تغير في الكليات بعد عودة البحث العلمي إلى وزارة التعليم العالي. ثمة عدة مشاكل تؤثر فعلا في التقدم بالبحث العلمي من ذلك لا بد من التنظيم والحد من مظاهر العمل البيروقراطي/ الإداري الذي يحد من العمل... وأيضا لا بد من توفير الحوافز المادية والمعنوية للجامعيين حتى ينجزوا بحوثهم. الوطن هل تعتقدون أن القانون الأساسي يتماشى وما يجب أن يكون عليه الوضع في الجامعة؟ محمد عبد العظيم مقترحات النقابة في هذا الصدد تم تبليغها إلى وزارة الإشراف في شكل وثيقة مفصلة. البشير الحمروني الإشكال في الجامعيين ووزارة الإشراف تفهم ذلك، ومن ضمن الحلول التي قدمت أن تكون الأمور على النحو التالي: نظام "إمد" والقانون الأساسي بشكل متواز. أما وزارة الإشراف فقد ارتأ ت أن يكون نظام "امد" ثم القانون الأساسي... وفي هذا الأمر هناك نوع من التأخير. مصطفى التواتي: هناك ملاحظة أريد أن أشير إليها وهي أن النظام التربوي في تونس هو نظام "تشييخ" (من الشيخوخة) وهي مسالة مرتبطة بالقانون الأساسي: - نسبة للتأطير هي من أضعف نسب التأطير مقارنة ببلدان أخرى تجاوزتنا في هذا الصدد وهذه المسالة لا بد من الانتباه إليها من خلال القانون الأساسي. - غير الجامعيين المدعوين للمساهمة في التكوين الجامعي عددهم بصدد التطور وهذا من شانه أن يمسّ التكوين. - نسبة أساتذة التعليم العالي والمحاضرين والأساتذة المساعدين هي نسبة ضعيفة جدا وهذه مسالة خطيرة. - أجيال الجامعيين متقاربة وخلال السنوات الخمس القادمة ستشهد خروج نسبة هامة منهم نحو التقاعد دون الحصول على بديل والسبب انه لا تفتح الخطط بالعدد المعقول (شعبة العربية مثلا هناك خمس كليات يتخرج منها طلبة المرحلة 3، تم فتح 4 خطط على مستوى كامل تراب الجمهورية، وكذلك الشأن لبقية الاختصاصات) الوطن يتحدث البعض عن أهمية إعادة النظر في الخريطة الجامعية إذ يقال أن عديد الجامعات الداخلية لا تحتوي على الأساتذة من صنف الموجودين في أقسام كليات أخرى مما يضعف الجودة... وهو الهدف الأساسي من قانون التوجيه... ويعاب على هذه الخريطة خلقها لتجمعات كبرى ذات مؤسسات متكاملة وتكنولوجية وأدبية ومدارس هندسة وهي جامعات المنار و7 نوفمبر وسوسة والمنستير؟ مصطفى التواتي: من الناحية المبدئية لا بد من خلق أقطاب جامعية وتوسيعها لان الجامعة تعتبر قطبا تنمويا... لكن ذلك يجب أن يكون على قاعدة دراسة ومعرفة المكان المناسب... أقول هذا الكلام لان التجربة الحالية بها عدة نقائص: - القيروان مثلا لم تتمكن من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأساتذة إذ يفترض أن الجامعات هي التي تفتح الخطط. - عند حصر الطلبة في جهاتهم هناك مشكلة نفسية واجتماعية تعترض الطالب... إذ لا بد من فتح الآفاق أمام الطلبة والطالبات. محمد عبد العظيم: مدينة اربد (شمال الأردن) أصبحت مدينة بعد أن تأسست فيها الجامعة لأنها مثلت قطبا تنمويا حقيقيا. مصطفى التواتي: عند التفكير في بعث قطب جامعي في إحدى الجامعات لا بد من البحث في خصائص هذه الجهة وما يتماشى معها حتى لا تكون هذه الأقطاب الجامعية مسقطة ولا تقدم الإضافات المطلوبة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي. وهناك عدد من الجامعيين وجدوا صعوبة في الاستقرار في الجهات التي يدرسون فيها من ذلك في جندوبة (يدرسون في جندوبة ويقيمون في باجة). البشير الحمروني: هذه النقطة تم طرحها في الوزارة، وهناك فكرة لتوطين الأساتذة الجامعيين في الجامعات والجهات التي يدرسون فيها. الوطن في هذا الإطار ما هي من وجهة نظركم الحلول للنهوض بالجامعة والجامعيين في تونس؟ البشير الحمروني: يجب أن تمر أولا عبر المراجعة الجدية للقانون الأساسي وذلك بتشريك الجامعيين في هذه المراجعة. كما لابد من أن تهتم وزارة الإشراف بالاستماع إلى الجامعيين وتهتم بحرية التسيير وان الجامعي هو باحث. مصطفى التواتي: أولا تشريك الجامعيين وفتح حوار معهم يكون حوار جديا ومسؤولا ولان قضايا الجامعة التونسية هي قضايا وطنية لم لا يتم تنظيم ورشة عمل أو ندوة تشارك فيها كافة الأطراف المعنية بالتكوين والتشغيل.... للأسف ليس هناك اهتمام كاف من طرف أصحاب التشغيل بهذا الموضوع... فقد سبق أن طرحنا فكرة للصناعيين وطلبنا منهم المشاركة من اجل ضبط حاجيات التكوين لكنهم لا يحضرون أو عندما يحضرون لا يشاركون .... هناك نوع من الإحباط لدى المتكونين بسبب محدودية آفاق التشغيل، من الضروري إذا التفكير في إيجاد سبل لتجاوز هذه المعضلة أما فيما يتعلق بالبحث العلمي فانه يعيش عدة مشكلات حقيقية لا بد من الاهتمام بها... وتمكن القول كان هناك نزعة لتبضيع وتسليع البحث العلمي وهذه طبعا مسالة خطيرة. الوطن ما هي علاقتكم بسلطة الإشراف؟ البشير الحمروني: الوزارة هي شريك لنا نعمل معها لحل المشاكل نطرح عليها المشاكل ونتحاور معها... صحيح هناك بطء في الانجاز، لكن الحوار موجود الوزارة ارتأت أن تتعامل مع كافة الأطراف وهذا خلق وضعا معينا وخصوصيا لكن أقول أن المشكلة تكمن فينا نحن الجامعيين إذ علينا أن نجد حلا لمسالة التمثيل النقابي. وهناك إشكال آخر وهو أننا نعقد جلسات تفاوض مع الوزارة ونطرح مطالب جدية لكن الطرف الوزاري خلال عملية التفاوض هو مجرد مستمع وعمليا فان النتائج الحاصلة تبقى نتائج ضعيفة. محمد عبد العظيم هذا الرأي الذي سأعبر عنه هو رأي شخصي، أنا لا أرى أي مانع في تشكيل هيكل تفاوضي مشترك بين النقابات الممثلة ونحن مستعدون لتكوين وفد نقابي تكون مهمته التفاوض حول المطالب الخصوصية للجامعيين. الوطن ما هي علاقتكم بالاتحاد العام التونسي للشغل وما هي مقترحاتكم لتجاوز أزمة التمثيل النقابي؟ مصطفى التواتي بادر الاتحاد العام التونسي للشغل في عدة مناسبات بالاتصال بنا على أساس إيجاد حل لقضية وقد عبرنا عن تجاوبنا لذلك وبينا الدعوة (آخر لقاءين بين محمد عبد العظيم وعلي بن رمضان)... غير أننا في كل مرة تفاجأ بأن المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل يتراجع عن المبادرة التي يقوم بها . غير أن ذلك لم يمنع من أن تبقى علاقات الاتصال بيننا وبين أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل قائمة على أساس العلاقات الشخصية. أما فيما يتعلق بالجامعة العامة فقد اتصلنا بالكاتب العام وتحدثنا معه واقترحنا حلا ينطلق من الحوار بدون شروط نطرح خلاله كافة القضايا ولا أعتقد أن هناك مرونة أكثر من هذا. وقد سبق أن عبرنا في أكثر من مناسبة أن الخاسر الوحيد من هذا الوضع هو قطاع التعليم العالي... وقلنا إن هناك عدة تحديات مشتركة لا بد من التوحد لمواجهتها وقد أبدى سامي العوادي استعداده للتجاوب الايجابي، غير انه لم يترجم ذلك عمليا رغم مرور عدة أشهر.... لذلك أستطيع القول إن القيادة النقابية تتحمل المسؤولية في اندلاع أزمة التمثيل النقابي في قطاع التعليم العالي وهي أيضا المسؤولة عن عدم الانطلاق في الحوار. محمد عبد العظيم في البداية لابد من التأكيد أن أزمة التمثيل النقابي هي سبب تردي الوضع الجامعي منذ سنة 2001. وكما هو معلوم انطلقت الأزمة خلال شهر أكتوبر2001 وكان المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل اقر أن المؤتمر كان شفافا وبقينا نشتغل نصف سنة دون أن يبدي أي كان انه له مؤاخذات. وبعد مؤتمر جربة وفي أول اتصال لنا مع المكتب التنفيذي (مع الهادي الغضباني) أكد لنا أن تشكيلة المكتب قانونية لكن بعد أسبوعين أعلنت قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل عن حل نقابة التعليم العالي. وتواصل الأمر بوجود نقابتين رغم صدور حكم استعجالي من القضاء يقر أن حل المكتب غير قانوني. ومع ذلك دعونا إلى توحيد العمل النقابي وأكدنا أننا مستعدون للتراجع عن القضية متى تم التوصل إلى حل ورغم ذلك يواصلون اتهامنا بأننا انقلابيون. ثم تواصلت اللقاءات مع المسؤولين في المكتب التنفيذي وكنا في كل مرة نستبشر بالتوصل إلى حل لكن سرعان ما يتم الانقلاب على ما اتفق عليه... واليوم يمكن أن أقول إن الاتصالات الرسمية انتهت ولم تبق إلا العلاقات الشخصية. وفيما يتعلق بالمقترحات لتجاوز الأزمة فإنها من وجهة نظرنا: تنظيم حوار بإشراف المكتب التنفيذي لإيجاد حل للازمة التمثيل النقابي يضم كافة الأطراف. تكوين هيئة نقابية مؤقتة لنقابة التعليم العالي تتكون من النقابات الثلاث ويرأسها عضو من المكتب التنفيذي تكون مهمتها: أولا مواصلة التفاوض ثانيا إعداد مؤتمر توحيدي. مصطفى التواتي: الحل يجب أن يكون على قاعدة 3 شروط وهي : 1 – أن يكون بإشراف ومبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل. 2 – الاعتراف بالأمر الواقع أي وجود ثلاث نقابات. 3 – الحوار يجب أن يكون بدون شروط واعتقد أننا قادرون على إيجاد تصور يمكن الجامعيين من وسيلة للدفاع عن مصالحهم.