'الستاغ' تطلق خدمة إلكترونية جديدة    الليلة أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 18 و28 درجة    قابس: الاحتفاظ بشخص مفتش عنه وحجز كمية من الهواتف الجوالة المسروقة    جنيف: وزير الصحة يستعرض الاستراتيجيات والخطط الصحية الوطنية في مجال علاج أمراض القلب    نائب فرنسي يرفع العلم الفلسطيني داخل البرلمان.. (فيديو)    المنستير: أجنبي يتعرّض ل'براكاج' والأمن يتدخل    تدشين مخبر تحاليل مركزي بالمركز الفني للنسيج ببن عروس    بنزرت: غلق محل من أجل الاتجار بمادة مدعمة بطرق غير قانونية    بطاقة إيداع بالسجن ضد سمير العبدلي من أجل شبهات جرائم إرهابية    في هذه الدولة : البنوك تتخلى عن فروعها وتستبدلها بالخدمات عبر الإنترنت    لدعم خزينته: الأولمبي الباجي يطرح تذاكرا افتراضية.. وهذا سعرها    ملعب غولف سكرة يحتضن نهاية هذا الأسبوع كأس تونس للغولف    فتح باب الترشح للدورة 36 لمهرجان المحرس الدولي للفنون التشكيلية    بداية من اليوم.. مدينة الثقافة تحتضن الدورة السادسة للمهرجان الدولي للموسيقيين والمبدعيين من ذوي الإعاقة    عملية بيع تذاكر'' الدربي'' : الأسعار... متى و أين ؟    كرة اليد: 2200 تذكرة فقط لنهائي الكأس    رئيس الدولة يُغادر أرض الوطن في اتجاه الصين    الشركة التونسية للبنك STB : تعيين نبيل الفريني مديرا عاما    الجفاف يفاقم مشاكل التشغيل في المغرب    قفصة: الدفعة الثالثة والأخيرة من حجيج الجهة تغادر اليوم في إتجاه البقاع المقدّسة    عاجل : شكاية جزائية ضد وزيرة العدل ليلى جفال    المنتخب الوطني: موعد الإعلان عن القائمة وبرنامج التربص    27 ألف مشجّع للنادي الافريقي في دربي العاصمة    دراسة : النساء أكثر تمدرسا لكن الرجال أسهل حصولا على العمل    تذمّر المواطنين بسبب غلاء أسعار الأضاحي..التفاصيل    عاجل : الديوانة بميناء حلق الوادي تحبط محاولة تهريب'' زطلة و مخدرات ''    بطولة رولان غاروس: تأهل الكازاخستانية الينا ريبكاينا الى الدور الثاني    الكاف: الرقيق يشرف على عمليّة إسناد عقود صلحية لانجاز بعض المشاريع العمومية    الهيئة العليا للرقابة الإدارية : سيتم قريبا تفعيل المنظومة الرقمية    عاجل/ حريق مستودع الحجز البلدي ببنزرت: إصدار بطاقة إيداع بالسجن    عاجل/ اعتراف إيرلندا بدولة فلسطين يدخل حيّز التنفيذ    حادث مرور مروّع في القصرين    وزير التجارة الجزائري يدعو إلى عقد منتدى أعمال ثلاثي جزائري تونسي ليبي    عاجل : حريق داخل مصنع التبغ و الوقيد بالقيروان    عاجل :عطلة بيومين في انتظار التونسيين    هيونداي تونس تتوج بعلامة "أفضل علاقات عامة" في المؤتمر الإقليمي لشركة هيونداي موتور في جاكرتا    قفصة: القبض على 5 أشخاص من أجل ترويج المخدّرات    عاجل/ هذا ما أمر به رئيس الدولة وزير الداخلية الجديد..    سعيّد يُشرف على جلسة عمل لاستكمال تنقيح الأحكام المتعلقة بالشيك دون رصيد    المرصد التونسي لحقوق الإنسان : هذا موعد إعادة فتح معبر رأس جدير    في الملتقى الوطني للتوعية والتحسين البيئي... ياسين الرقيق يحرز الجائزة الأولى وطنيا    في إطار تظاهرة الايام الوطنية للمطالعة بعين دراهم ...«الروبوتيك» بين حسن التوظيف والمخاطر !    سليم شيبوب :'' الأهلي المصري أهان جماهيرنا و يتحمل المسؤولية''    هذا فحوى لقاء رئيس الدولة بالصحفي الفلسطيني وائل الدحدوح..    فضيحة ساعات "الروليكس" تلاحق رئيسة بيرو.. شكوى دستورية في حقّها    4 ألوان تجذب البعوض ينبغي تجنبها في الصيف    وزير الصحة يؤكد مواقف تونس الداعمة لاعتماد معاهدة الوقاية من الجوائح الصحية    النجمة سيلين ديون ستغني في حفل مباشر للمرة الأخيرة في حياتها    بن عروس : اختتام الدورة الثالثة والثلاثين لمهرجان علي بن عياد للمسرح    وزير الصحة يؤكد من جنيف على ضرورة إيلاء الوضع الصحي في فلسطين الأولوية القصوى    ميناء حلق الوادي: حجز 12 صفيحة من مخدّر القنب الهندي وحوالي 1000 قرص إكستازي لدى مسافر تونسي    بن عروس : 14 مؤسسة تربوية تشارك في الملتقى الجهوي للمسرح بالوسط المدرسي    ثلاثة أفلام تونسية في الدورة 24 من مهرجان روتردام للفيلم العربي    يقلل مؤشر نسبة السكر في الدم...فوائد لا تعرفها عن تجميد الخبز    أولا وأخيرا «عظمة بلا فص»    أليست الاختراعات التكنولوجية كشفٌ من الله لآياته في أنفس العلماء؟    معهد الفلك المصري يكشف عن موعد أول أيام عيد الأضحى    مواقف مضيئة للصحابة ..في حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انتفاضة أميركا اللاتينية ...
نشر في الوسط التونسية يوم 19 - 09 - 2008

«فلتذهبوا إلى الجحيم أيها اليانكيز.نحن شعب له كرامته..فلتذهبوا إلى الجحيم مئة مرة»، بهذه الجمل الحادةوالخارجة عن الخطاب الدبلوماسي المألوف في العلاقات الدولية، لخص الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز الموقف من الولايات المتحدة الأميركية ، حين أعلن عن طرد السفير الأميركي لدى كاراكاس باتريك دودي، تضامنا مع الرئيس البوليفي إيفو موراليس، الذي اتخذ قرارا مماثلا بطرد السفير الأميركي في لابازعاصمة بوليفيا، وسط اتهامات لواشنطن بالضلوع في مؤامرات لإسقاط الحكومات اليسارية في بلدان أميركا اللاتينية.
و يعتبر هوجو شافيز الرئيس الطليعي في أميركا اللاتينية الذي يخوض نضالا قاسيا ضد سياسة الهيمنة الإمبريالية الأميركية ليس على مستوى القارة الجنوبية فحسب، بل إنه يسعى إلى تشكيل جبهة عالمية مناهضة لليبراليةالجديدة، إذ غدت فنزويلا شافيز الناطق الإقليمي الذي يعبر عن المعارضة للهيمنة الأميركية على مستوى كوني.
وتشهد العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة الأميركية من جهة وكل من فنزويلاو بوليفيا من جهة أخرى أزمة حادة ،و لا سيما بعدما اتهمت واشنطن في الفترة الأخيرة، ثلاثة مسؤولين من المقربين جدا للرئيس الفنزويلي هوغو شافيز بتزويد القوات الثورية المسلحة الكولومبية «فارك» بالسلاح و مساعدة مهربي المخدرات،و اتخاذ وزارة الخزانة الأميركية عقوبات في حق مسؤولين اثنين في الأجهزة السرية هما رئيس دائرة الإستخبارات العسكرية الفنزويلية هوغو أرماندو كارفاخال باريوس و رئيس إدارة أجهزة الاستخبارات والوقاية هنري دي خيسوس رانخيل ، ووزيرالتربية و العدل السابق رامون رودريغيس تشاسين.
أما من جانب بوليفيا ، فإن الأزمة نشبت بسبب مساندة واشنطن المعارضة الليبرالية في بوليفيا التي تخوض معركة شرسة ضد الرئيس إيفو موراليس اليساري ، المزارغ السابق لنبات الكوكا و أول رئيس لبوليفيا من أصل هندي، بسبب إقدامه على تنفيذ خطط لإصلاح الدستور، و تقسيم المزارع الكبيرة لتوزيعها على الفلاحين الفقراء،الأمر الذي قاد إلى احتدام موجة العنف الأهلي في عدد من الأقاليم بالبلاد.
في مواجهة هذا الوضع ، قامت الولايات المتحدة الأميركية بطرد السفيرين الفنزويلي برنار دو ألفاريز و البوليفي غوستاف غوزمان من واشنطن، ردّ اً على قرار كراكاس و لاباز طرد السفيرين الأميركيين باتريد دادي، وفيليب غولدبرغ.
ويجمع المحللون في العالم أنه بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، وانتقال مركز ثقل الاستراتيجية الأميركية لخوض الحرب على الإرهاب المستمرة فصولا في منطقة الشرق الأوسط و آسيا الصغرى ، انعطفت القارة الأمريكية الجنوبية و الوسطى نحو اليسار، مستفيدة من إخفاقات السياسة الخارجية الأميركية ، ولا سيما في أفغانستان و العراق.فقد عاشت القارة الجنوبية و الوسطى سنة كاملة حافلة بالانتخابات :17 استحقاقا انتخابيا منذ كانون الأول /ديسمبر 2005، و لغاية 2006،إضا فة إلى الاستفتاء حول توسيع قناة بنما.وحدها المكسيك ، هي التي فاز فيها اليمين و وبشق الأنفس.
واعتبرت الانتخابات هذه كرهانات حقيقية لترسيخ الديمقراطية التمثيلية. . فبعد سقوط الديكتاتوريات العسكرية الفاسدة و إرهاب الدولة، و الالتزام الصارم بمبادىء الليبرالية الجديدة ، التي فرضها « إجماع واشنطن» في عقد الثمانينيات، وموجة الديمقراطية التي اجتاحت أمريكا اللاتينية في عقد التسعينيات من القرن الماضي ، ها هي الخريطة السياسية تؤكد التوجه الاجمالي للناخبين نحو اليسارأو وسط اليسار. وبذلك أصبح الاشتراكي المناهض للسياسة الأمريكية معطا جديدا في القارة الجنوبية و الوسطى.
هل هذا يعني أن المواطنين الأميركيين اللاتينيين أصبحوا من اليسار؟ إذا كان الناخبون يصوتون لمصلحة اليسار، فإن هذا لا يعني أن العقليات التقليدية قد اختفت، كما أنه لا يعني أيضا أن أميركا اللاتينية تحلم بالثورة أو بالعودة إلى مرحلة الحرب الباردة.
لقد اعتقد الجميع أن ساعة النيوليبرالية المظفرة قد دقت . ففي ظل الضغوطات التي مارستها المؤسسات الدولية المانحة مثل صندوق النقد الدولي و البنك الدولي، و النظرة المتحرسة للولايات المتحدة الأمريكية ، بحثت حكومات أمريكا اللاتينية في أمر معالجة أمراضها الهيكلية – الفقر، الفساد، عدم المساواة، و المديونية الخارجية- من خلال التكيف مع القواعد الجديدة للعولمة الرأسمالية المتوحشة.باستثناء كوبا، حيث أنه بعد سبع عشرة سنة من انهيار الشيوعية السوفياتية،حاولت هذه الثورة الخمسينية أن تحافظ على أسطورة" الاشتراكية في بلد واحد".
و تعيش أمريكا اللاتينية منذ سنتين تحولا عميقا رصينا. إنها تتحرر من النماذج الاقتصادية المستوردة التي طبعت كل تاريخها منذ عقود، و لاسيما خضوعها لعملية إعادة تشكل الرأسمالية العالمية التي بدأت في سبعينيات القرن الماضي ، التي منحت فيها إيديولوجية «السوق الحرة» المتطرفة مركز الصدارة،إذ قادت عملية التشكيل هذه ، إلى تراكمات جديدة للثروة في أيدي النخب الحاكمة و المالكة، و إلى زيادة الحرمان و الفقر و التشرد لدى الطبقات الفقيرة.
وعلى الرغم من أن بلدان أميركا اللاتينية اعتنقت نهج الليبرالية الاقتصادية في سياق العولمة الرأسمالية المتوحشة التي تقودها واشنطن، فإن شعوبها زادتها العولمة فقرا على فقر،وفاقمت عندها التفاوتات الاجتماعية الحادة، عوض ان تنتشلها من واقعها المتردي الذي أوقعته فيها الديكتاتوريات العسكرية بعد مرحلة الاستقلال.فمن البنيوية إلى النقدية ، و من الماركسية إلى الليبرالية، رقصت القارة الجنوبية كلها رقصة دائرية من البراديغمات ،متأقلمة في المدارات الإستوائية، و رفضت الدروس القادمة من الجار الكبير الشمالي .
إن التطورات التي أسفرت عنها العملية الانتخابية في أمريكا اللاتينية و الوسطى ، مسألة جديرة بالاهتمام،إذ حملت إلى السلطة اليسار الذي حقق انتصارات في الانتخابات. و هذا اليسارالفائز في أميركا الوسطى و الجنوبية ،هو يسار تعددي : فهناك اليسار الشعبوي الذي يمثله الرئيس الفنزويلي هوغو شافيزالمأخوذ بالزعيم الكوبي الشيوعي فيديل كاسترو، الذي ما انفك يناهض السياسة الأمريكية، و الذي التحق بالسوق الأمريكية اللاتينية المشتركة «الماركوسور» لإضفاء عليها «مزيدا من الاشتراكية». و هناك اليسار الاشتراكي الليبرالي الذي يمثله الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا ، و الرئيسة التشيلية ميشال باشليه، و الذي لن تتراجع عن اقتصاد السوق ،لأنه لايريد أن يرعب رجال الأعمال المحليين .وهو يريد طمأنة المستثمرين الأجانب الذين يلعبون دوراً حاسماً في النمو الاقتصادي الذي جعل من البرازيل و تشيلي الأكثر تقدما في أمريكا اللاتينية.
من دون شك ، شكل فوز الأنظمة اليسارية – على الرغم من خلافاتها الإيديولوجية- في بلدان أميركا اللاتينية خلال السنتين الأخيرتين، تحديا استراتيجيا لهيمنة رأس المال العالمي والليبرالية الجديدة الأميركية على المستوى الاقتصادي، لأن تمرد أميركا اللاتينية هذا بات يقضّ مضجع الرأسمالية العالمية. كما مثل هذا الانتصار للأنظمة اليسارية تحديا أيضا للنظام الأميركي الأحادي القطبية ،إذ بدات أنظمة أميركا اللاتينية تنتهج نهجا سياسيا استقلاليا على صعيد السياسة الخارجية، يقوم على رفض عودة الهيمنة الأميركية ،و التضامن مع كوبا، و رفض مخططات واشنطن التي ما انفكت تعمل لعزل فنزويلابقيادة هوغو شافيز،وكل الأنظمة اليسارية المتحالفة معه .
*كاتب من المغرب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.