بداية من اليوم : إنطلاق تحيين السجل الإنتخابي للتونسيين المقيمين بالخارج    يهم التونسيين : اجراءات جديدة قد ترى النور تتعلق البنوك وغلق الحسابات    كلفته 89 مليون دينار: اليوم انطلاق العد القبلي للتعداد العام للسكان والسكنى    غضب وحيرة في جبل الجلود ...أبناؤنا لم يصلوا إيطاليا منذ أسبوعين!    في الذكرى ال 66 لاستشهاد بطل الجهاد والاجتهاد...مصباح الجربوع... حيّ في القلوب    %70 معاملات في السوق الموازية.. قانون جديد لتنظيم التجارة الالكترونية    سمير ماجول : ''القطاع الفلاحي هو مستقبل البلاد''    تونس تتوج ب 26 ميداليّة في المسابقة العالميّة لجودة زيت الزيتون في نيويورك    بينهم زعيم عربي.. زعماء دول قتلوا بحوادث تحطم طائرات    هذه أول دولة تعلن الحداد لمدة 3 أيام على وفاة الرئيس الايراني..#خبر_عاجل    عاجل/ وفاة رئيس ايران تنبأت به الفلكية ليلى عبد اللطيف قبل شهرين..وهذا ما قالته..!!    استدعاء ثلاثة لاعبين لتشكيلة البرازيل في كوبا أمريكا واستبدال إيدرسون المصاب    اليوم: رياح قوية بعد الظهر قد تصل سرعتها إلى 90 كم في الساعة    اليوم: درجات الحرارة لن تتغيّر    عصابة الاستيلاء على الأراضي الاشتراكية بقبلي .. تعود من جديد والنيابة العمومية تضرب بقوة    المحمدية- بنعروس: الإحتفاظ ب4 أشخاص وحجز كمية من الأقراص المخدرة    تحذير من موجة كورونا صيفية...ما القصة ؟    كاس تونس لكرة اليد - الترجي الرياضي والنادي الافريقي في النهائي    البرلمان : يوم دراسي حول انضمام تونس إلى بروتوكول اتفاقية المنظمة العالميّة للتجارة بشأن حقوق الملكيّة الفكرية المتصلة بالتجارة    في رحلة "الموت" .. السيراليوني "حاجي" مهاجر كألف وألف في البحر (بورتريه)    مجلس صيانة الدستور في إيران يعلن عن إجراءات جديدة عقب مصرع رئيسي    أريانة : انطلاق بناء قاعتي تدريس ومدرج بمدرسة النصر1 بتمويل من "فاعل خير"    التوقعات الجوية لهذا اليوم الاثنين 20 ماي..    المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بسيدي بوزيد تستعد للموسم الثقافي والصيفي 2024    القصرين : الوحدات العسكرية تشارك أبناء الجهة احتفالاتها بالذكرى ال68 لإنبعاث الجيش الوطني التونسي    المنستير: الدورة الثانية لمهرجان القريدفة، تأصيل للتراث المحلي لبني حسان    نهائي "الكاف": حمزة المثلوثي رجل مباراة الزمالك ونهضة بركان    أول دولة عربية تعزي بالرئيس الإيراني    من هو المرشح الأول لخلافة الرئيس الإيراني؟    "دبور الجحيم"..ما مواصفات المروحية التي كانت تقل رئيس إيران؟    أولا وأخيرا .. «صف الياجور»    تعاون مرتقب في التحوّل التكنولوجي للطقس    4 تتويجات تونسية ضمن جوائز النقاد للأفلام العربية 2024    جندوبة: تحت شعار "طفل ومتحف" أطفالنا بين روائع مدينة شمتو    الزارات -قابس: وفاة طفل غرقا بشاطئ المعمورة    تراجع توقعات الإنتاج العالمي من الحبوب مقابل ارتفاع في الاستهلاك العالمي    عاجل/ الرصد الجوي يحذر من حالة الطقس ليوم غد..    هام: انخفاض أسعار هذه المنتوجات..    بعد "دخلة" جماهير الترجي…الهيئة العامة لاستاد القاهرة تفرض قرارات صارمة على مشجعي الأهلي و الزمالك في إياب نهائي رابطة الأبطال الإفريقية و كأس الكاف    الأهلي المصري يعامل الترجي بالمثل    كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية    القنصل العام للجزائر في زيارة الجناح الجزائري بالصالون المتوسطي للفلاحة والصناعات الغذائية    سفيرة الامارات في زيارة لصالون الفلاحة والصناعات الغذائية بصفاقس    محلل مالي : البنوك اصبحت تفرض شروطا صعبة في اسناد مختلف أنواع القروض    أخبار الأولمبي الباجي: أمان في البطولة وطموحات عريضة في الكأس    روعة التليلي تحصد الذهب في اليابان    في عيده ال84.. صور عادل إمام تتصدر مواقع التواصل    اليوم العالمي لأطباء الطب العام والطب العائلي : طبيب الخط الأول يُعالج 80 بالمائة من مشاكل الصحة    المجلس المحلي بسكرة يحتجّ    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    السبت..ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة    دار الثقافة بمعتمدية الرقاب تحتفي بشهرث الثراث    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حرب القوقاز ... وانفجار الأزمة الأوكرانية
نشر في الوسط التونسية يوم 03 - 10 - 2008

من أهم تداعيات الحرب الأخيرة في القوقاز، انفجار الأزمة الأوكرانية، وانهيار ائتلاف «الثورة البرتقالية» الموالي للغرب في أوكرانيا، فدخلت الجمهورية السوفييتية السابقة في أزمة سياسية جديدة. وكانت الرئاسة الأوكرانية تشتبه في أن رئيسة الوزراء القوية يوليا تيمو تشينكو وقّعت اتفاقا مع موسكو من أجل التسريع بسقوط الرئيس فيكتور يوتشينكو.
الأزمة الجورجية ألقت بظلالها على الائتلاف الحاكم في أوكرانيا، إذ اتهم فيكتور بالوها.. الرجل المؤثر في إدارة الرئيس فيكتور يوتشينكو الذي وقف إلى جانب جورجيا، رئيسة الوزراء يوليا تيمو تشينكو ب«الخيانة العظمى» لحساب الكرملين، جراء عدم إدانتها بشكل صريح استخدام روسيا القوة في نزاعها مع جورجيا، خلال شهر أغسطس الماضي. ويعكس هذا الاتهام غير المستند إلى أدلة حالة التوتر والمشاحنات السائدة منذ تسعة أشهر داخل الائتلاف الحاكم بين الرئيس الأوكراني فيكتور يوتشينكو ورئيسة الوزراء يوليا تيمو تشينكو، شريكته في «الثورة البرتقالية» العام 2004، اللذين تحولا إلى عدوين لدودين قبل الانتخابات الرئاسية المقررة العام 2010.
وكانت أزمة القوقاز، وتزايد التوترات مع روسيا بعد حربها مع جورجيا، قد أسهمتا في زيادة انقسام الطبقة السياسية الأوكرانية بين كتلة منددة بموسكو ومصممة على الدفع باتجاه الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وأخرى حريصة على عدم إغضاب الجار العملاق روسيا. ومما لاشك فيه أن موسكو لم تعد تحتمل وجود الرئيس فيكتور يوتشينكو المدافع الشرس عن انضمام أوكرانيا إلى الأطلسي. ويحلم الكرملين بالتخلص منه، عبر دعم يوليا تيمو تشينكو التي من المرجح أن تتنافس مع الرئيس الحالي في الانتخابات الرئاسية المقبلة المتوقعة سنة 2010.
في ظل الأزمة السياسية الحالية، أعلن رئيس البرلمان الأوكراني أرسيني ياتسينيوك منذ أيام عدة، حل الائتلاف البرلماني رسميا، ما يعني وصول البلاد إلى مفترق طرق، إما إقامة ائتلاف جديد بين تيموشينكو والموالين لروسيا في حزب «الأقاليم» الذي يتزعمه فيكتور يانوكوفيتش، الأمر الذي ينظر إليه مؤيدو الفريقين بعين ساخطة، أو إجراء انتخابات جديدة بعد انتخابات مبكرة أجريت سنة 2007. وتمنح القوانين الأوكرانية الرئيس حق حلّ البرلمان والدعوة إلى انتخابات اشتراعية جديدة في حال عدم توافر غالبية برلمانية كافية لتشكيل الحكومة خلال فترة أقصاها 30 يوما بعد تفكك الائتلاف.
ويعتبر المراقبون أن حالة فيكتور يوتشينكو في أوكرانيا تذكرنا بسياسيين آخرين في عالم ما بعد الحقبة السوفييتية، الذين توقعوا الكثير من الغرب، وخاب ظنهم في النهاية. وربما حان الوقت لإلقاء نظرة أكثر واقعية على ما يجري في الاتحاد السوفييتي السابق. فخلال ما عرف بالثورة البرتقالية الأوكرانية في سنة 2004، لم ير كثيرون في الغرب إلا ما أرادوا رؤيته: شعب ينتفض على الفساد وسياسة التلاعب والضغوطات الروسية باسم التقدم نحو الديمقراطية والأسواق الحرة و الغرب. وفيكتور يوتشينكو الذي نجا من محاولة تسمم في سبتمبر 2004، كان النجم، وإلى جانبه رئيسة الوزراء يوليا تيموشينكو.
أبعد من ذلك، اختار كثيرون في الغرب التغاضي عن واقع أن أوكرانيا، على غرار معظم الجمهوريات السوفييتية السابقة (باستثناء ثلاث دول صغيرة من البلطيق)، بقيت شديدة الارتباط بروسيا والجمهوريات الأخرى. ففي أوكرانيا، وهي جزء من الكيان السلافي في الإمبراطورية الروسية القديمة، مازال نصف السكان يتماهون مع روسيا من الناحيتين الإثنية والوطنية. فمنطقة القرم، وهي شبه جزيرة تقطنها غالبية من السكان من أصل روسي، غنية بالمعادن والنفط، لا تختلف كثيرا في وضعها الحالي عن أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا. وإذا كانت روسيا في الوقت الحاضر لا تطالب بضم جزيرة القرم، لأسباب جيواستراتيجية، (أغلبية السكان في القرم يطالبون بالانضمام إلى روسيا) فإن جزيرة القرم ستظل منطقة حساسة، ولاسيما في حال انضمت أوكرانيا إلى الحلف الأطلسي.
وهكذا، من السخف بمكان الاعتقاد أن الرئيس الحالي يوتشينكو قادر بمفرده على نقل أوكرانيا إلى المدار الغربي، وبالتالي انضمامها إلى الحلف الأطلسي، وتاليا للاتحاد الأوروبي، إذ لم يتوقف التدخل في السياسة الأوكرانية على روسيا، بل تعداه إلى أوروبا التي هي أكثر اهتماما بالغاز الروسي منه بالديمقراطية الأوكرانية.
إن المقاربة الموضوعية للأزمة الأوكرانية تقتضي الابتعاد عن رؤية الأمور من زاوية عودة المقولات الايديولوجية المرتبطة بحقبة الحرب الباردة. فالمسألة الجوهرية تتمثل بمشكل القوميات القديم، الذي كان خزان البارود الكبير للقرنين الماضيين، وليس آخره، ما حصل من تشظّ للقوميات في يوغوسلافيا. وبشكل أدق بطبيعة العلاقة بين أوكرانيا وروسيا، وما أبعد من ذلك، مكانة وموقع روسيا في إدارة شؤون العالم. وكما قال مستشار الرئيس كارتر السابق للأمن القومي الأميركي زبيغينو برجينسكي: «إن روسيا من دون أوكرانيا تكف أن تكون إمبراطورية»، ولكنها «تصبح إمبراطورية أوتوماتيكياً مع وجود أوكرانيا تابعة، ثم تابعة».
ويرى المحللون الاستراتيجيون في الغرب أن أوكرانيا دخلت مرحلة الزوابع الخطرة مع انتصار فيكتور يوتشينكو وانفجار الأزمة السياسية الأخيرة، إذ إن الدولة الأوكرانية عينها مهددة في وجودها. فهذه الأخيرة عبارة عن كيان سياسي هش، مثل العديد من الكيانات السياسية الهشة الموجودة في العالم. وبالنسبة الى العديد منها، فهو حافظ على وحدته السياسية إبان الحرب الباردة بفضل التوازن الاستراتيجي الذي كان قائماً بين الشرق والغرب. أما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، فقد استعادت حركة التاريخ دورتها، نحو الأفضل أو نحو الأسوأ. فهناك دول أوروبا الشرقية، وكذلك دول البلطيق التي كانت جزءاً من المنظومة السوفييتية وجدت ضالة استقرارها السياسي من خلال نيل عضويتها في حل شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي. وهناك دولة يوغوسلافيا السابقة التي تبلقنت، وتشظّت بفعل التناقضات الغربية مع بداية 1990.
وإذا كان المؤرخون وعلماء الجغرافيا يقرون بوجود أمة أوكرانية وهوية أوكرانية، إلا أن البلاد مقسمة الآن الى قسمين متوازيين تقريباً على الصعيد الديموغرافي: قسم غني يقطنه السكان من أصل روسي وموال لروسيا، وقسم آخر أقل ثراء، بسبب تدمير الزراعة في ظل النظام الشيوعي السابق، وهو غير متجانس، وموال للغرب. والحال هذه، يمكن القول إن إسمنت الهوية الذي يلحم الكيان السياسي الأوكراني هش. فهذه الهوية الرخوة تأسست خلال تاريخ اتسم بالسيطرة الأجنبية الشديدة في معظم الأحيان، البولندية - الليتوانية، الروسية، أو أيضا النمسوية - الهنغارية، وحتى العثمانية، إضافة إلى الاحتلال النازي في عهد هتلر. وشهدت حدود البلاد ترسيمات عدة كما هي الحال في بولندا.
لا شك أن إحداث تغيير مفاجئ في السياسة الخارجية لجهة التحاق أوكرانيا بالاتحاد الأوروبي، والانضمام إلى عضوية الحلف الأطلسي، سيقود إلى ردة فعل من جانب روسيا، وإلى إطلاق ديناميكية انفصال قد تقود الى حرب أهلية وتقسيم أوكرانيا. كما أن الاتحاد الأوروبي لا يبدو في الوقت الحاضر مستعداً جدياً لتحمل مسؤولية آفاق انضمام أوكرانيا إليه في المدى المنظور، أو في المدى المتوسط. أما إدارة الرئيس بوش التي تخوض صراعاً تنافسياً مع روسيا للسيطرة على أوكرانيا، فهي تبدو حذرة، وتتهيب من الإسقاطات المدمرة لجهة فك روسيا تحالفها مع الولايات المتحدة على صعيد جبهة الحرب على الإرهاب.
كاتب من تونس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.