بلدية تونس تضع برنامجا خاصا برفع الفضلات خلال أيام عيد الأضحى    قائمة الأطباء البياطرة المتطوعين في العيد ونصائح حول أهم القواعد الصحية    أنس جابر تُشارك الأسبوع المقبل في بطولة برلين للتنس    الصوناد: رقم أخضر لتلقي التشكيات عن الاضطراب في الماء الصالح للشرب    هنية يوجه كلمة بمناسبة عيد الأضحى: نحن في خضم ملحمة تاريخية والمقاومة أبدعت    ضربة شمس تودي بحياة 6 حجاج أردنيين    الليبيون يؤدون صلاة عيد الأضحى وسط مراسم إحياء ذكرى ضحايا فيضان دانيال    وزير الشّؤون الدّينية يواكب تصعيد الحجيج إلى المشاعر المقدّسة    أول أيام عيد الأضحى.. الحجاج يؤدون طواف الإفاضة    في أول أيام عيد الأضحى.. الحجاج يرمون جمرة العقبة الكبرى    المطربة المصرية منى عبد الغني تنهار باكية أثناء أداء مناسك الحج على جبل عرفات (فيديو)    حالة الطقس أوّل أيّام العيد: الحرارة تصل الى 43 درجة مع ظهور الشهيلي محليا    أطباء يحذرون من حقن خسارة الوزن    المهدية: الإحتفاظ بمتحيليدلس وثائق للراغبين في الحصول على عقود عمل بالخارج    مركز الإجهاد الحراري وضربات الشمس بمشعر عرفة يستقبل 225 حالة    الرابطة 1 – الترجي الرياضي بطلا للمرة الثالثة والثلاثين في تاريخه    أنس جابر تغادر بطولة نوتينغهام العشبية من الدور ربع النهائي..#خبر_عاجل    الطقس هذه الليلة..    رئيس الجمهورية ونظيره العراقي يتبادلان التهاني بمناسبة عيد الأضحى..    المرصد التونسي لحُقوق الإنسان: وفاة 5 حجيج في البقاع المقدسة    بعد وقفة عرفة.. الحجاج يتجهون إلى مزدلفة    وزير الدّاخليّة يؤكد سعي الوزارة إلى تدعيم سلك الحماية المدنية بالمعدّات والتجهيزات    المهدية: يتحيل على الراغبين في الحصول على عقود عمل بالخارج    النادي الصفاقسي يعود بانتصار ثمين من جوهرة الساحل    الليلة: الحرارة تتراوح بين 20 و32 درجة    جندوبة: السيطرة على حريق نشب بغابة سيدي حمادة    يورو 2024.. اسبانيا تسحق كرواتيا بثلاثية    جريمة بشعة تهز ألمانيا بالتزامن مع المباراة الافتتاحية ل'يورو 2024'    أول إطلالة للأميرة كايت منذ بدء علاجها من السرطان    وزارة التربية تكشف عن استراتيجية وطنية للقضاء على التشغيل الهش    مختصون يوصون بتجنيب الأطفال مشاهدة ذبح الأضحية    قفصة: الإطاحة بوفاق لترويج المخدرات يقوده موظف    أعلى من جميع التمويلات الحالية.. تركيا ستحصل على قرض قياسي من صندوق النقد    إقبال ضعيف على الأضاحي رغم تراجع الاسعار الطفيف بهذه الجهة    المهدية: مؤشرات إيجابية للقطاع السياحي    الرابطة الأولى: تشكيلة النادي الصفاقسي في مواجهة النجم الساحلي    وصول أول رحلة للجالية التونسية في هذه الصائفة    بداية من اليوم: تونس تلغي التأشيرة عن الايرانيين والعراقيين    ذبح الأضاحي : توصيات هامة من المصالح البيطرية    بنزرت : حجز 1380 لترا من الزيت النباتي المدعم    اليوم: فتح شبابيك البنوك والبريد للعموم    أكثر من مليوني حاج يقفون بعرفة لأداء ركن الحج    بشرى لمرضى السكري: علماء يبتكرون بديلا للحقن    مجموعة السّبع تؤيد مقترح بايدن بوقف إطلاق النار في غزة    «لارتيستو»: الفنان محمد السياري ل«الشروق»: الممثل في تونس يعاني ماديا... !    رواق الفنون ببن عروس : «تونس الذاكرة»... في معرض الفنان الفوتوغرافي عمر عبادة حرزالله    المبدعة العربية والمواطنة في ملتقى المبدعات العربيات بسوسة    يحذر منها الأطباء: عادات غذائية سيئة في العيد!    رئيس الحكومة يلقي كلمة في الجلسة المخصّصة لموضوع ''افريقيا والمتوسط''    حصيلة منتدى تونس للاستثمار TIF 2024 ...أكثر من 500 مليون أورو لمشاريع البنية التحتية والتربية والمؤسسات الصغرى والمتوسّطة    الصحة السعودية تدعو الحجاج لاستخدام المظلات للوقاية من ضربات الشمس    الرابطة 1 : نجم المتلوي ينتزع التعادل من مستقبل سليمان ويضمن بقاءه    الدورة الخامسة من مهرجان عمان السينمائي الدولي : مشاركة أربعة أفلام تونسية منها ثلاثة في المسابقة الرسمية    "عالم العجائب" للفنان التشكيلي حمدة السعيدي : غوص في عالم يمزج بين الواقع والخيال    قفصة : تواصل أشغال تهيئة وتجديد قاعة السينما والعروض بالمركب الثقافي ابن منظور    جامعة تونس المنار ضمن المراتب من 101 الى 200 لأفضل الجامعات في العالم    أنس جابر تتأهّل إلى ربع نهائي بطولة برمينغهام    تعيين ربيعة بالفقيرة مكلّفة بتسيير وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة إسلامية في أسباب ودلالات الأزمة المالية
نشر في الوسط التونسية يوم 13 - 10 - 2008

يشهد العالم هذه الأيام أحداثا تاريخية هامة قد تؤرخ لنهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة.
نهاية مرحلة هيمنة الرأسمالية المالية في طبعتها الليبرالية المتوحشة وبداية مرحلة جديدة مغايرة لم تتضح بعد معالمها التفصيلية إلا أن بعض مواصفاتها وملامحها الرئيسية بدأت تبرز هنا وهناك ويوما بعد يوم على أعمدة الصحف وفي كتابات الخبراء والمختصين وفي تصريحات كبار المسئولين وصناع القرار في معظم الدول الكبرى.
ومثلما تركت أحداث الحادي عشر من سبتمبر منذ سبع سنوات خلت بصماتها على الساحة الدولية ودشنت حقبة تاريخية جديدة مع بداية القرن الحادي والعشرين، رغم أنها لا تزال لغزا مشاهده غير قابلة للتصديق من قبل الكثيرين، فإن أحداث سبتمبر المالية ، مثلت زلزالا مدويا لا يقل أهمية وتأثيرا عن سابقتها بل ربما ستكون نتائجها أشد وطأ على البشرية بأسرها.
والسؤال الكبير الذي يدور اليوم وباستمرار بين المتابعين للأحداث وفصولها المتسارعة بتسارع انهيارات البنوك والمؤسسات الكبرى والقوى المالية التي تقف وراءها، يتمحور حول طبيعة هذه الأزمة: هل هي أزمة طارئة وحدثا عابرا سرعان ما تمحي آثاره بمجرد بداية مفعول حزمة الإجراءات والإسعافات السريعة التي تم اتخاذها على جناح السرعة! أم أن الأمر أكبر وأخطر مما يعتقد الكثيرون وأبعد مما يتصور المتفائلون!
هل إن العالم بات على أبواب كارثة مالية واقتصادية كبرى على غرار ما حدث في عشرينيات القرن الماضي؟
أم أن القائمون على شؤون العالم ماليا واقتصاديا لا يريدون الإفصاح عن ذلك خشية الانهيار السريع للنظام الرأسمالي المعولم؟
من يتابع تصريحات زعماء العالم ورواد الليبرالية الجديدة وكتابات الخبراء والمختصين وفعاليات الأسواق المالية، لا يساوره شك في أن الأحداث الراهنة ليست عادية بكل المقاييس وأن الأزمة التي نشهدها ليست عابرة أو ظرفية، ومن الصعب جدا احتواءها وتطويقها بالسرعة المنشودة ولو بضخ المليارات تلو الأخرى، وهي ليست خاصة بالاقتصاد الأمريكي وحده . وليس هناك اقتصاد واحد في العالم مهما كان وضعه بمنأى عن تداعياتها .وقد صرح بذلك الكثيرون من صناع القرار وخبراء الاقتصاد ومدراء البنوك والمؤسسات المالية الكبرى. كلهم بلا استثناء دقوا ناقوس الخطر واجمعوا على ولوج العالم مرحلة الأزمة الكبرى التي قد تدفع النظام الدولي برمته إلى شفير الهاوية.
ولئن شهد النظام الرأسمالي العالمي عديد الأزمات خلال القرن المنصرم واستطاع في كل مرة التغلب عليها والنجاة من السقوط على عكس ما حصل للنظام الاشتراكي، إلا أن الأزمة الراهنة ليست من قبيل الأزمات الماضية لاعتبارات عديدة منها أن الاقتصاد الدولي لم يكن معولما كما هو عليه بالشكل الحالي وأن أزمة الرهن العقاري التي فجرت الأوضاع بين عشية وضحاها لم تصل إلى نهايتها بعد، وأن كثيرا من الشركات والبنوك التي صمدت في الماضي طيلة قرن ونصف من الزمان قد تهاوت منذ الأسبوع الأول من الأحداث.
لأجل ذلك يرى كثير من المراقبين والخبراء أن العد التنازلي للرأسمالية قد بدأ وان ما يحدث اليوم سوف يغير وجه العالم وستفقد الولايات المتحدة دورها ومكانتها وهو إعلان صريح عن «نهاية عهد» سيكون فيه النظام المالي في السنوات المقبلة مختلفا تماما عما نشاهده اليوم.
أسباب الأزمة:
كشفت هذه الصدمة عن عورات كثيرة للنظام الرأسمالي الذي يهيمن على العالم منذ ما يزيد عن ثلاثة قرون. يمكن تحليلها من منظور إسلامي من خلال العوامل الرئيسية التالية:
تأليه السوق باعتباره اليد الخفية الوحيدة القادرة على تنظيم الاقتصاد وإدارته بكل كفاءة وعدل.
نظام الفائدة وشيوع الربا أضعافا مضاعفة أدى إلى بذور الأزمات المالية ومنها أزمة الرهن العقاري.
طغيان نظام بيع الديون( الميْسر) وهيمنة الاقتصاد الرمزي على حساب الاقتصاد الحقيقي.
كل عامل من هذه العوامل الثلاثة كاف لوحده لزعزعة أي نظام مالي واقتصادي على وجه الأرض والعصف به طال الزمن أم قصر! فكيف إذا اجتمعت هذه العوامل مع بعضها في آن واحد وفي زمن الاقتصاد المعولم الذي لا يحتاج فيه الوباء للسريان إلا سويعات معدودة بفضل ثورة المعلومات وتقنية الاتصالات وتشابك العلاقات وإخطبوط الشبكات المتعدية للأقطار والأقاليم والدول والجنسيات.
تأليه السوق:
إن تأليه السوق (monothéisme du marché )على حد تعبير المفكر والفيلسوف الفرنسي روجي غارودي بمعنى إطلاق يده الخفية في تسيير النظام، هو السبب الرئيس فيما حدث وما سيحدث في مركز النظام وأطرافه.وهو مصدر المصائب والهزات التي تعاني منها الأسواق العالمية منذ أسابيع. فقد تحولت هذه الأسواق إلى ما يشبه الكازينوهات وقاعات القمار للمضاربين لا يحكمها أي قانون سوى الحرص على المزيد من الأرباح مهما كان الثمن.
لقد طغى النظام الرأسمالي الليبرالي الجديد طغيانا فاحشا وعتا عتوا كبيرا وظن القائمون عليه أن هذا النظام ليس له نهاية بل هو نهاية المطاف الذي لا قدرة ولا مناص للبشرية بعده وهو ما تترجمه مقولة النهايات :نهاية التاريخ والإنسان الأخير حسب منظري الليبرالية الجديدة( فوكويوما وأمثاله).وهي لعمري قمة التطرف الفكري والغلو الإيديولوجي والعنجهية الحضارية التي لم تعرف مثيلها الإنسانية طيلة التاريخ البشري الطويل.
ومن الطبيعي أن تكون نهاية مثل هذا التفكير الاستكباري نشوء مثل هذه الأزمات المؤذنة بالانهيار.
فقد سبق وان تنبأ بهذا المآل المحتوم للرأسمالية العديد من مفكريها الذين اعترفوا بصوابية التحليل الماركسي لمصير الرأسمالية رغم تهاوي النظرية الاشتراكية. وتحول العديد منهم إلى مبشرين بسقوطها وإعلان نهايتها التي لن تتجاوز حسب البعض نصف منتصف القرن الحالي (2050) كما يعتقد المؤرخ وعالم الاجتماع الأمريكي والير ستاين( Wallerstein).
وفي نفس الاتجاه، توالت التحذيرات من قبل كبار الاقتصاديين من أمثال عالم الاقتصاد الفرنسي موريس آلي، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، وكذلك فرانسوا بيرو وآلان كوتا ، وكذلك من رموز المضاربة الدولية مثل جورج سوروس صاحب كتاب أزمة الرأسمالية العالمية، الذي نبه إلى الحاجة الملحة لإصلاح النظام الرأسمالي الحالي قبل الانهيار.
وقبله توقع ليستر ثرو) L.Throw)، أحد أهم المحللين والاقتصاديين المقربين من دوائر صنع القرار في أمريكا، أن مستقبل الرأسمالية مظلم ، وأن الرأسمالية في طبعتها المعولمة ، لن تكون هي السفينة التي توصل إلى شاطئ الأمان. و صدَر كتابه بمقولة صينية معبرة تقول: نحن كسمكة كبيرة استخرجت من الماء، تتخبط وتضرب بذيلها لعلها تجد طريقها إلى الماء من جديد. وفي حالة كهذه، فان السمكة لا تعرف أين ستؤدي بها حركاتها تلك. إنها تحس فقط بأن وضعها القائم غير قابل للاحتمال وان شيئا ما يجب محاولته! ويضيف مستنتجا: وفي حقيقة الأمر فان وضع الاقتصاد العالمي وقواعد السوق الخاصة به حاليا، كلها غير قابلة للاحتمال،
وقد أدت الأزمة المالية الراهنة إلى حد المطالبة بالتخلص من نظام السوق والإعلان عن نهاية الاقتصاد الحر وضرورة البحث عن خيارات بديلة أكثر كفاءة وتنظيما.
صرح بذلك العديد من الرؤساء ومنهم الرئيس الفرنسي الذي اعتبر أن فكرة القوة المطلقة للأسواق ومنع تقييدها بأي قواعد أو بأي تدخل سياسي كانت فكرة مجنونة. وفكرة أن السوق دائما على حق كانت أيضا فكرة مجنونة». وطالب بإصلاح النظام الرأسمالي من أساسه بعد ما كشفته الأزمة الحالية من ثغرات خطيرة في أسواق المال.
نظام الفائدة:
العامل الثاني الذي يكمن وراء هذه الأزمة الخانقة هو نظام الفائدة الذي يحكم النظام المالي العالمي باعتباره المحرك الوحيد لعجلة الاقتصاد والآلية المثلى التي يتم من خلالها تخصيص الموارد وتوزيع الثروة. وهي جوهر الفكرة الرأسمالية منذ القدم التي لم تفلح الانتقادات والأزمات المتتالية في مراجعتها أو التخلص منها والبحث عن آليات بديلة.
وقد أدى نظام الفائدة إلى شيوع الربا أضعافا مضاعفة وأفرز سلسلة من الأزمات والهزات ومنها أزمة الرهن العقاري الأخيرة التي كشفت بشكل سافر لأنظار العالم عن حجم الجشع والطمع الذي أصيب به المضاربون الرأسماليون في الأسواق المالية من خلال التوسع في الإقراض والاقتراض الربوي بهدف تحقيق المزيد من الأرباح بغض النظر عن الأخطار والعواقب التي قد تلحق بالبشرية، فهي ليست من اهتمام السادة المضاربين ومدراء البنوك بل إن هذه الأزمة وقبلها أزمة الانترنيت(الدوت كوم) انطلقت من هذا السلوك الطائش للبنوك ومؤسسات الإقراض الأمريكية التي أغرقت المقترضين لشراء المساكن في المزيد من القروض الاستهلاكية الإضافية لمجرد حصول طفرة استثنائية في أسعار العقار مع كامل العلم وسابق الإضمار بأنهم معرضون للإفلاس والتوقف عن التسديد لأول هزة مالية تنزل بهذا القطاع.
هكذا بدأت أزمة ما عرف بالرهون العقارية الأقل جودة( subprime)، حيث يشتري المواطن بيته بالدين مقابل رهن هذا العقار، ثم ترتفع قيمة العقار، فيحاول صاحب العقار الحصول علي قرض جديد نتيجة ارتفاع سعر العقار، وذلك مقابل رهن جديد من الدرجة الثانية، ومن هنا جاءت التسمية بأنها الرهون الأقل جودة، لأنها رهونات من الدرجة الثانية،وبالتالي فإنها معرضة أكثر للمخاطر إذا انخفضت قيمة العقارات، وهكذا لعب القطاع المصرفي - والقطاع المالي بصفة عامة - دوراً هائلاً في زيادة حجم الأصول المالية المتداولة وزيادة الثقة فيها.
وبما أن الأصول المالية هي بمثابة الدورة الدموية في الجسم، فلا يكفي أن يكون في جسم الإنسان أعضاء رئيسية مثل القلب والمعدة والرئتين، بل لابد من دورة دموية تنقل الغذاء وتطلق الحركة في جسم الإنسان، وهكذا أصبح الاقتصاد الرأسمالي الحالي لا يكتفي بالمصانع والأراضي الزراعية،التي تشكل الاقتصاد الحقيقي، بل تحول إلى اقتصاد فقاعي ورقي يقوم على أصول مالية افتراضية مثل الأسهم والسندات والنقود، لا تمت في اغلب الأحوال
بصلة إلى الإنتاج والاستثمار والاستهلاك الحقيقيين.
إن معضلة الرأسمالية البنيوية سببها الأعمق العولمة النيوليبرالية المُنفلتة من عقالها والفجوة التي لا تكف عن التوسّع في داخل كل دولة بين الفقراء والأغنياء، بالإضافة إلى التضخم الكبير في أسعار المواد الغذائية والطاقة.
وهكذا يمكن للمؤرخين الذين يؤكدون أن الإمبراطوريات تنهار من الداخل بعد أن تتآكل وتفلس بسبب سياساتها الاقتصادية الأنانية والعمياء، أن يطمئنوا اليوم لصدقية وجهة نظرهم، وهم يسجلون مسلسل الأزمات الاقتصادية الذي تواجهها الإمبراطورية الرأسمالية الموشكة على الانهيار.
يمحق الله الربا ويربي الصدقات (سورة البقرة): وعد الله سبحانه وتعالى بأن يمحق الأموال التي نمت من الربا. وكل الأموال التي تدور في بنوك العالم وبورصاته اليوم إنما تأتي من صفقات ربوية وتذهب في صفقات ربوية إلا ما رحم ربك. ومآل أموال الربا هو المحق والتدمير طال الزمن أم قصر. هذه النتيجة تراها البشرية هذه الأيام رأي العين قبل أن تقع. فما كان لموعود الله أن يتخلف. ومن لا يريد أن يصدق فذلك شأنه وعليه أن ينتظر إعصارا آخر يذهب بكل أمواله، إن سلم له شيء بعد هذه الهزة العنيفة.
فرانسيس فوكوياما ، أبرز منظري المحافظين الجدد الحاكمين في أمريكا- يقول بعدما كان يبشر بنهاية التاريخ مع الرأسمالية باعتبارها أرقى ما أنتج العقل البشري في التاريخ ، في مقال بمجلة نيوزويك بعنوان "انهيار أميركا كمؤسسة": إن الولايات المتحدة بعد هذه الأزمة لن تنعم بوضعها الذي ظلت تتمتع به حتى الآن كقوة مهيمنة على العالم, وأن قدرتها على صياغة الاقتصاد الدولي والتحكم في دواليبه عبر الاتفاقيات التجارية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ستضعف وستتضاءل معها موارد البلاد المالية، كما أن المفاهيم والنصائح وحتى المعونات التي تقدمها للعالم لن تحظى بذلك الترحيب الذي تلقاه الآن.
لذلك لا غرابة أن تتوجه السهام من قبل زعماء الدول الرأسمالية أنفسهم إلى أمريكا وتحميلها كامل المسؤولية لما حدث والتنديد بسياسة الاستهتار التي تمارسها مما أدى إلى أزمة الائتمان المالي التي يعاني منها العالم اليوم مطالبين بمراجعة عالمية شاملة للنظام.
بيع الديون( الميْسر):
طغيان الفائدة(الربا) وتناميه بأضعاف مضاعفة في فترة وجيزة أدى إلى اللجوء إلى بيع الديون بشكل متوال دون اعتبار القيمة الأصلية لها وهو ما يشبه عملية الميْسر التي عبر عنها القران الكريم ووجه لها سهام نقده ونذره. والميْسر من اليسر والسهولة، لأنه كسب بلا جهد حقيقي ولا مشقة يفضي إلى نشوء طبقة عاطلة في المجتمع من المقامرين الذين يسعون لكسب المال بطرق سهلة. فهو سلوك سلبي فيه غرْم بلا عوض وفيه استيلاء على أموال الناس بالباطل وبغير حق ولا جهد مقبول.
وفي إطاره تندرج جل نشاطات المضاربة المالية التي تهيمن على أسواق المال العالمية إلا ما تقيد منها بضوابط شرعية بعيدة عن المقامرة والكسب الوهمي. انه يساهم في تعويد الإنسان على الكسل و انتظار الرزق من الأسباب الوهمية و إضعاف القوة العقلية بترك الأعمال المفيدة في طرق الكسب الطبيعية و إهمال العمل الإنتاجي من زراعة وصناعة ولتجارة و هي أركان العمران البشري الذي هو اشمل من التنمية.
وما فقاعة بيع الديون التي فجرت أزمة الرهن العقاري في السوق الأمريكية سوى عملية ميْسر حديثة تمت من خلال "توريق" أو "تسنيد" تلك الديون العقارية أي بتجميعها وتحويلها إلى سندات وتسويقها من خلال الأسواق المالية العالمية. وقد نتج عن عمليات التوريق هذه زيادة في معدلات عدم الوفاء بالديون لرداءة العديد من تلك الديون، مما أدى إلى انخفاض قيمة هذه السندات المدعمة بالأصول العقارية في السوق الأمريكية بأكثر من 70 في المائة.
دلالات الأزمة:
يعتبر البروفيسور دون فان ايتين أستاذ التاريخ بجامعة كاليفورنيا أن الرأسمالية عقيدة بلا خلق ولا دين !هكذا هي منذ أن ولدت حتى يومنا هذا. ولذلك لا عجب أن تصل بها الأزمة في يومنا هذا إلى ما وصلت إليه!
والأخطر من كل ذلك على ما يبدو أن الأسوأ لم يأت بعد وأن العالم مقبل على تطورات مهمة وان العد التنازلي للنظام الرأسمالي قد بدأ، وان هذه أسوأ أزمة يمر بها منذ ما يزيد عن قرن كامل وهي ستغير وجه العالم وستقود إلى وضع جديد لا يمكن بأي حال أن يكون على غرار الوضع السابق.
وعلى ضوء هذا التقدير العام يمكن استخلاص احتمالين أساسيين اثنين للمستقبل المنظور الذي ستؤول إليه الأوضاع عقب هذه الأزمة المتفاقمة:
الاحتمال الأول أقل تشاؤما ويتلخص في قدرة النظام الدولي على امتصاص جزئي لتداعيات الأزمة وإطفاء الحريق ولو بثمن مكلف على البشرية بأسرها.يكفي الإشارة هنا إلى أن ما انفق لحد اليوم على إطفاء الحريق المالي الذي لا يزال مشتعلا يعادل 300 ضعف ما يتطلبه إطفاء حريق المجاعة في العالم( حيث أن 10 مليار دولار تكفي للقضاء على آفة المجاعة مقابل 3000 مليار ما تم تخصيصه لحد الآن لإنقاذ البنوك المتهالكة كل يوم)!!
وفي صورة هذا المشهد الأقل كارثية بالنسبة للرأسمالية فإنها في كل الأحوال معرضة لعمليات جراحية مؤلمة على كل الصعد الفكرية والعملية حيث لم يعد من المسموح إعادة إنتاج الأزمة بأي شكل من الأشكال وإلا فان الانهيار سيكون بصورة لا يمكن تخيلها من أحد.
الاحتمال الثاني ينذر بوضع كارثي في الأشهر أو السنوات المقبلة لان ما حدث أزمة عير مسبوقة وهي من الخطورة بما لا يمكن التخلص منه بمجرد مسكنات علاجية خفيفة عبر ضخ مئات الآلاف من المليارات .
ويشير الاقتصاديون في هذا الصدد إلى أن هذا الإجراء يشابه محاولة إطفاء حريق غابة بكوب من الماء، فالمؤسسات المفلسة أو التي في طريقها إلى الإفلاس تواجه كل على حدة ديونا بمئات ملايير الدولارات
لذلك فان المتمعن في خطة الإنقاذ التي تمت المصادقة عليها، لا يمكنه أن يرى بعدا مستقبليا لها، فهي مدرجة في إطار وقف النزيف ومنع المزيد من التدهور، وليست في إطار معالجة الأزمة، فإيقاف النزيف لا يعني تحسين الوضع وإنما وقف تدهوره نحو الأسوأ الذي هو الانهيار الكامل.
من هذا المنطلق يعتقد كثيرون أن الخطة لن تغير الوضع بالمجمل، وهي ذات مفعول قصير الأمد وذات طابع نفسي تهدف إلى تقديم دعم معنوي كبير لإعادة الثقة للمستثمرين في أسواق المال والبورصات، على أمل أن ينعكس ذلك إيجابا على إنعاش السوق والاقتصاد مرة أخرى.
أمام مثل هذا الوضع القاتم بمشهديه الكارثي والأقل كارثية تقف البشرية في هذه المرحلة على مفترق طرق مما يستدعي جهدا كبيرا من التجرد والإنسانية ويحتاج إلى نقلة نوعية في التفكير والتقرير والممارسة ويقتضي البحث عن خيارات مختلفة وحلول جذرية تستفيد من كافة الأفكار والقيم الإنسانية التي تساعد على إنقاذها من المأزق الذي انتهت إليه.
المتأمل في الأدبيات الفكرية والاقتصادية للمنظومة الرأسمالية نفسها يجد أنها ومنذ فترة ليست بالقصيرة تحاول أن تلتمس الخلاص وتطرح العديد من التساؤلات الجوهرية حول مستقبل البشرية في ظل استمرار الرأسمالية القائمة بل وتدعو إلى ضرورة البحث عن اقتصاد بديل يحل محل الرأسمالية المترهلة.وأخذت هذه التساؤلات المطالبة باقتصاد بديل تتشكل في إطار تيار فكري جديد بدأ يشق طريقه داخل الفكر الاقتصادي الحديث و تدور اهتماماته حول مقولة الاقتصاد الإنساني التي تحرص على "أنسنة" الاقتصاد و"تخليقه" و تخليصه من فواحش الليبرالية الجديدة وما خلفته من ظلم اقتصادي وحيف اجتماعي وحروب وأزمات وكوارث متعاقبة.
ويعتبر أنصار هذا التيار الجديد من أن الرد الإنساني الوحيد على مأزق الرأسمالية ، هوالاقتصاد الإنساني الذي يهدف إلى تحقيق الرفاه الاقتصادي الحقيقي للإنسان كل الإنسان على وجه الأرض بدءا بالأقل حظا(المحرومين) وانتهاء بالأوفر حظا في الحياة(المحظوظين).
والملفت للانتباه في هذا الصدد، هو التوافق شبه التام بين أطروحة الاقتصاد الإنساني هذه ومشروع الاقتصاد الإسلامي الذي بدأ يحتل حيزا متناميا من الاهتمام ،ليس في البلدان الإسلامية فحسب، بل في أوساط دولية متعددة من جامعات ومراكز بحوث ومؤسسات مالية دولية واسعة ، وأضحى يستقطب العناية والمتابعة من قبل العديد من الباحثين وصناع القرار في أماكن كثيرة من العالم!
وتلتقي الأطروحتان (الاقتصاد الإنساني والاقتصاد الإسلامي) في جملة من المبادئ والأهداف في علاقة بكرامة الإنسان وحقه الثابت في الحياة ومنع الظلم والحيف و كل أشكال الاستغلال والكسب غير النزيه والمضار بات الوهمية وإحلال بدل كل ذلك، الأخلاق والقيم الإنسانية، والمثل العليا، محلها المطلوب في النشاط والتعامل الاقتصادي . ولن يتم هذا الجهد إلا بإعادة صياغة علم الاقتصاد صياغة جديدة تقطع مع المنهج الأحادي للنظرية الرأسمالية التي تعزله عن غيره من العلوم الإنسانية وتفسر حركة الإنسان والتاريخ بالعوامل الاقتصادية البحتة وتفصل بينه وبين كل ما يمت إلى الدين والأخلاق والقيم بصلة.
ومن خلال الأزمة القائمة بدأت بعض الأصوات الحرة ترتفع في البلدان الغربية تدعو إلى أهمية القطع النهائي مع المقولة الكلاسيكية للنظرية الرأسمالية التي تتمحور حول مقولة الإنسان الاقتصادي الرشيد والانسجام الطبيعي بين مصلحة الفرد ومصلحة المجموعة اعتمادا على آليات قوى السوق ومنطق اليد الخفية التي تديره!
وذهب البعض منها إلى حد الدعوة إلى الاستفادة من تعاليم الشريعة الإسلامية واستلهام الحلول الناجعة منها. وقد وردت هذه الدعوات على أعمدة العديد من الصحف والمجلات الأوروبية مطالبة باتخاذ الإجراءات الجذرية المطلوبة قبل فوات الأوان.
من اجل ذلك نقول انه لا خلاص للبشرية من هذه الأزمة إلا بالقطع مع القواعد الأساسية للفكرة الرأسمالية التي تستند إلى تلك الأسباب الثلاثة التي هي مصدر البلاء واصل الداء في كل ما يحدث اليوم بالعالم ، وهي تأليه السوق وطغيان الربا وشيوع الميسر.وهي الأسباب التي تنذر بحلول الكارثة التي تهدد البشرية قاطبة.
والتعاليم الإسلامية في التصدي لهذا الثالوث الخطير (تأليه السوق/طغيان الفائدة/ بيع الديون أو شيوع الميْسر) واضحة لا لبس فيها. وهي الحرية الاقتصادية المقيدة في الأسواق وكل النشاطات الاقتصادية بشكل عام، إبطال نظام الفائدة (الربا) وإحلال محله المشاركة في الربح والخسارة، وتحريم الميْسر من بيع للديون غير مشروع وغيره.وهي المبادئ التي وضعها منذ خمسة عشر قرنا من الزمان ولكن البشرية التائهة لم تفلح دائما في الاهتداء بهديها.
حرية الأسواق ليست مطلقة:
لقد أبانت الأزمة القائمة عن أخطاء الاقتصاد الحر وشناعة فكرة الحرية الاقتصادية المطلقة التي لا تنضبط بقانون ولا تراعي مصلحة ولا تحترم قاعدة ولا تتقيد بضرورة.وهي فكرة عتيقة تستند إلى مقولة دعْه يعمل ،دعْه يمر قد عفا عليها الزمن وأسيئ فهمها وتنزيلها تماما مثل مقولة اليد الخفية للسوق التي أوكلت إليها النظرية الرأسمالية إدارة النظام الاقتصادي وتخصيص الموارد وتوزيع الدخول دون أي تدخل من الدولة أو تشويش عليها. والنتيجة، في نهاية المطاف يقف عليها العالم اليوم وهو ينظر مشدوها إلى الأيادي الخفية(وليست يدا واحدة بالمناسبة) كيف تستولي على أموال الناس بالباطل في الأسواق المالية وتستحوذ على الثروة العالمية دون أي وجه حق.
إن الحرية الاقتصادية التي ينادي بها الإسلام هي حرية منضبطة ومقيدة بمصالح عامة للبشرية وقيم الحلال والحرام التي يستسيغها كل عقل سوي. إنها حرية وسطية تقف بين شطط الرأسمالية المتوحشة، التي طورا تبشر برخاء الخوصصة ومنافعها، وطورا تعود مضطرة إلى حظيرة التأميم وتدخل الدولة، وبين مبادئ الاشتراكية المنهارة التي تصادم الفطرة البشرية بتقديس الدولة ومصادرة الملكية الفردية. إن الإسلام دين الوسطية يؤمن بالتعايش السلمي بين القطاعات وتكامل وظائفها وأدوارها دون صراع أو تصادم.وقد كشفت الأزمة الراهنة على فداحة هذا الخلل المنهجي للرأسمالية المعاصرة التي أخفقت في إرساء التوازن بين القطاعات، فتارة تجر العالم إلى سياسات الخوصصة والتفويت المتعسف في مؤسسات القطاع العام وتارة أخرى تعود مكرهة إلى مبدأ تدخل الدولة وتأميم بعض القطاعات والمؤسسات التي فشل القطاع الخاص وقانون السوق في إدارتها مثلما هو حاصل اليوم في جل البنوك والمؤسسات المالية وهكذا دواليك تحولت البشرية في ظل حكم الرأسمالية إلى مختبر للتجارب شأنها شأن الحيوانات في المخابر الطبية!
يؤمن الإسلام بتكامل القطاعين الخاص والعام بل و ينفرد بالدعوة إلى إرساء قطاع ثالث هو القطاع الوقفي الذي يخفف من أعباء الدولة ويساهم في تقليص الفجوة التي قد تحدث نتيجة تباطؤ النمو أو في حال الأزمات و يتدخل في في مجالات عديدة كالتعليم والصحة والخدمات الاجتماعية والمرافق العامة والبحث العلمي والزراعة ومحو الأمية والبطالة و غيرها من المشكلات التي تعاني منها كل المجتمعات دون استثناء.
ويشهد عالم اليوم صحوة ملحوظة بما في ذلك المجتمعات الرأسمالية الغربية في أمريكا و أوروبا وغيرها لهذا القطاع الوقفي كطريق ثالث لتمويل التنمية حيث أصبحت الجمعيات الخيرية والمؤسسات الوقفية ظاهرة ملفتة للانتباه.
إلغاء الربا:
إن الدعوة إلى إبطال الربا في الاقتصاد لم تعد اليوم ، مقولة تدعو إلى الاستغراب أو السخرية مثلما كان ولا يزال يعتقد بعض أنصار العلمانية في وخصوم الدين في بلاد المسلمين وغيرها لا سيما بعد هذا الإعصار المدمر الذي هز العالم الرأسمالي القائم كليا على نظام الفائدة.وهي ليست شعارا فضفاضا غير قابل للتطبيق بعد النجاح غير المسبوق الذي شهدته تجربة المصارف الإسلامية في أقطار متعددة من العالم وأضحت نموذجا للاقتصاد الحقيقي الذي يستند إلى الأخلاق والقيم الإنسانية النبيلة، وتتسابق في اتجاهه كل البنوك والمؤسسات المالية الرأسمالية التي تنخرها المضاربات والصفقات الوهمية.
ومقابل هذه الدعوة إلى إبطال الربا وإلغاء نظام الفائدة يدعو الإسلام إلى إرساء نظام المشاركة في الربح والخسارة بين العمل وراس المال الذي يرتكز على قاعدة الغنْم بالغرْم ويستعيض عن الفائدة المسبقة(interet ex-anté) التي يحرمها بمبدأ الفائدة الملحقة( interet post-anté) التي يحث عليها وهي القائمة على معدل الربح العادل والمقبول.
لقد كانت الفائدة الربوية محرمة في جميع الأديان السماوية ومن قبل جل الفلاسفة والمفكرين في التاريخ البشري. إلا أن تواطؤ بعض رجال الدين المسيحيين المتأخرين الذين تساهلوا في تبريرها وتشريعها هو الذي حول العالم برمته من موقف الإنكار والتصدي لنظام الفائدة إلى حد اعتناقه والذود عنه وتوظيفه في إرساء دعائم الرأسمالية المعاصرة.
ورغم ذلك ظل العديد من علماء الاقتصاد والكتاب ينافحون من داخل المنظومة الرأسمالية نفسها ضد الفائدة ويعتبرونها مصدر القلاقل والأزمات والاختلالات الهيكلية التي تعاني منها كل الاقتصاديات المعاصرة وفي مقدمتهم باورك وفيشر وكينز وآلي وغيرهم، ولا تزال الفائدة الربوية تشكل واحدة من أعوص المشكلات في علم الاقتصاد السياسي الحديث.
تحريم المْيسر مثل البيع غير المشروع للديون والمضاربات الوهمية وغيرها:
ما حدث خلال هذه الأزمة المالية التي نحن بصددها، كاف لوحده لإلغاء كل ما يمت إلى الاقتصاد الرمزي مثل بيع الديون بطرق غير مشروعة وهي تلك التي لا تستند إلى أصول عينية ومنع المضاربات الوهمية التي تقوم عليها مجمل نشاطات البورصات والأسواق المالية الرأسمالية. لقد أدى هذا السلوك إلى انفصام متزايد بين الاقتصاد الحقيقي والاقتصاد الرمزي الافتراضي وبين راس المال المنتج وراس المال النقدي وهو تطور خطير يعبر عن الطابع الطفيلي للنظام الرأسمالي الذي صار يقتات من المضاربة لا من الاستثمار ومن ريع الأوراق المالية لا من ربح المشروعات الإنتاجية وصارت البورصة مرآة الرأسمالية المالية ترى فيها نفسها كل صباح!
لقد تطور الاقتصاد الرمزي غير المرتبط بالتجارة والعمل المنتج بشكل مذهل في السنوات القليلة الماضية حتى بلغ حجم التدفقات المالية المرتبطة بالمضاربات في البورصات والأسواق المالية أربعين مرة ضعف الاقتصاد الحقيقي المرتبط بالاستثمار والإنتاج والتجارة الدولية.واتسعت البطالة بشكل واسع وتصاعدت المديونية حتى في مركز الرأسمالية وأضحت أمريكا اكبر دولة مدينة في العالم واستسلمت البشرية لحكم طبقة الواحد في المائة في كل المجتمعات دون استثناء وأصبح الاقتصاد العالمي على حافة بركاني البطالة والمديونية.
ولذلك لم يعد أمام البشرية إزاء هذا الوضع الخطير سوى التخلص الفوري من نظام الاقتصاد الرمزي ووضع حد سريع لإيقاف النزيف الذي تسببه المضاربات الوهمية في الأسواق المالية فرض قيود صارمة ضد المتلاعبين بمصائر البشر وأوضاع المجتمعات. ولن يحصل ذلك إلا من خلال منع البيوع الفاسدة وغير المشروعة التي نص عليها الإسلام من قديم الزمان وإعادة تنظيم الأسواق وفق المنهج الذي يراعي القيم والأخلاق ويضع المصلحة البشرية فوق كل اعتبار.
إن العالم مقبل ولا شك على تغيرات جذرية من جراء هذه الأزمة. وربما يكون حاله اليوم من قبيل رب ضارة نافعة.فقد تدعوه هذه الأزمة إلى مراجعات جوهرية في قواعد النظام وأسسه القيمية ومرتكزاته الفكرية بالإضافة إلى تعديل ضروري في ميزان القوى التي تتحكم فيه. ومهما كان شكل البديل القادم لا بد أن تغنم البشرية شيئا أفضل من هذا الوضع البائس الذي قادته إليه الرأسمالية!
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1221720412176&pagename=Zone-Arabic-Namah/NMALayout
http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1221720106911&pagename=Zone-Arabic-Namah%2FNMALayout


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.