ينص الفصل 23 من مجلة الأحوال الشخصية التونسية على أن "يتعاون كل من الزوج والزوجة على تسيير شؤون الأسرة وحسن تربية الأبناء والتصرف بشؤونهم بما في ذلك السفر والمعاملات المالية. وعلى الزوج بصفته رئيس العائلة أن ينفق على الزوجة و الأبناء على قدر حاله وحالهم في نطاق مشمولات النفقة. وعلى الزوجة أن تساهم في الإنفاق على الأسرة إن كان لها مال". فقد رأى عدد من القانونيين أن المرأة أصبحت شريكا للزوج في النطاق الأسري بفضل هذا الفصل الذي ألغى مبدأ الطاعة المفروضة على الزوجة لزوجها ، وبنى العلاقة الزوجية على التعاون بينهما في تسيير شؤون الأسرة. فإلى أي مدى تساهم المرأة التونسية في الإنفاق داخل الأسرة وما هي الآثار الناجمة عن ذلك؟ يشير الواقع التونسي اليوم إلى أن نسبة لا بأس بها من النساء التونسيات يمثلنّ شريكا فاعلا داخل أسرهنّ ، حيث أصبحنّ يشكلنّ ربع القوى العاملة بالبلاد التونسية ، فالمرأة تحتل %42 من الإطار الطبي ، و 72%من الصيادلة و40% من سلك التعليم العالي و29% من القضاة و31% من سلك المحاماة و43% من الصحافيين و44% من اليد العاملة بالقطاع الصناعي و37% من اليد العاملة في القطاع الفلاحي وحوالي %45 من اليد العاملة في قطاع الخدمات. كما أن للمرأة التونسية دورا في مجال إحداث المؤسسات حيث ارتفع عدد النساء رئيسات المؤسسات إلى 18,000 امرأة. إحصائيات رأى فيها عدد من خبراء الاقتصاد والسياسة دليلا على تنامي دور المرأة التونسية في الحياة الاقتصادية ، وبالتالي عملية الإنفاق داخل الأسرة. خاصة وأن القانون التونسي يجبر المرأة العاملة على المساهمة على الإنفاق ومساعدة الزوج. تكريس الشراكة تشير القانونية منجية السوايجي إلى أن ما وصلت إليه المرأة داخل المجتمع والأسرة هو نتاج للعديد من التعديلات التي أدخلت على عدة فصول من مجلة الأحوال الشخصية ، لتكريس الشراكة وضمان حرية المرأة. فمثلا الفصل السادس منح الأم حق الموافقة على زواج أبنائها القصر بينما كان قبل التنقيح حقا للأب أو للولي. وكذلك الفصل الستين منح الأم المطلقة الحاضنة لأبنائها صلاحيات الولاية فيما يخص سفر المحضون ودراسته والتصرف في حساباته المالية. وأكدت أنه تمّ إلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة بتنقيح فصول من مجلة الشغل ، وبمصادقة تونس على الاتفاقيات الدولية التي تمنع التميز ضد النساء. وبيّن مصدر مسؤول في وزارة المرأة والطفولة وشؤون الأسرة التونسية ، أن تونس تعتمد نظام المساواة في الأجور بين الجنسين. أسباب قانونية أسهمت بجعل المرأة شريكا أسريا فاعلا في الميزانية الأسرية. لكن ووفقا لما رآه عادل القمودي ألمختص في علم الاجتماع ، أن هذه الأسباب رافقتها تحولات اجتماعية تمثلت في تغيير عقلية الرجل التونسي وذلك بقبوله مبدأ خروج المرأة للعمل ، مضيفا: "يمكن لنا أن نصنف التونسيين إلى صنفين ، فمنهم من يقتنع بحق المرأة في العمل ، ومنهم من يعتبر انه بحاجة إلى شريك يحتمل معه أعباء الحياة". مؤكدا أن طبيعة الأسرة التونسية وطريقة عيشها واحتياجاتها أصبحت تثقل كاهل الرجل وتلّح على ضرورة خروج المرأة للعمل. محمد رجل في العقد الرابع من عمره قال "شجعت زوجتي على العمل ومشاركتي الإنفاق على أولادي نظرا لاحتياجاتهم الدراسية والمعيشية التي لم أعد أقوى على توفيرها بمفردي بسبب غلاء المعيشة ، إضافة إلى أن المتطلبات وفقا لمجريات العصر قد ازدادت ، فجيل اليوم واحتياجاته تختلف عن جيل الأمس". صاحبات المشاريع ولئن كانت المرأة التونسية اليوم تمثل نسبة %59 من مجموع الطلبة في الجامعات التونسية ، وهذا ما ساهم بانخراط المرأة في سوق العمل ، إلا أن هناك عددا من النسوة وربات البيوت من لم تكمل تعليمه ، إلا أنها وجدت نفسها تنخرط في مجال الشغل إما بالوظائف العمومية أو بإنشاء مشاريع صغرى سواء كان لديها رأس مال أو لم يكن. فقد مكنت الحكومة التونسية أصحاب المشاريع الصغرى من الحصول على قروض ، تقول مصادر حكومية أن أغلبيتها للمشاريع الصغرى التي تستفيد منها المرأة التونسية. مؤكدة أن صاحبات المشاريع اثبتنّ قدرتهنّ على الانتظام بتسديد القروض ، مقارنة بأصحاب المشاريع من الذكور الذين يواجهون إشكاليات تسديد القروض في الموعد المحدد. من هذا المنطلق أكدت دراسة حكومية تونسية أن المرأة هي أكثر قدرة على التصرف المالي والإنفاق داخل المجتمع التونسي ، وهذا ما جعل بعض الدراسات السسيولوجية تذهب إلى أن التونسي يعتبر المرأة اقدر على التصرف في ميزانية الأسرة. خولة موظفة قالت للدستور "أنا المتصرف الأول بمداخيل العائلة ، وكيفية تقسيمها وفقا لاحتياجات أسرتي ، دون إسقاط الجزء المخصص للتوفير مهما كانت مطالب العائلة". السلطة داخل الأسرة دور كلفت به الزوجة داخل الأسرة التونسية ، وقد رأت عايدة العشي اختصاصية علم النفس: أن هذا جعلنا نتحدث عن الانتقال من السلطة التقليدية المتمثلة بسلطة الأب إلى السلطة المشتركة ، وربما في كثير من الأحيان حد الوصول إلى سلطة الأم داخل الأسرة. ومن هنا أصبحنا نشهد تجاوز الأبناء للأب نظرا لأن سلطة المال أصبحت بيد الأم وهي الآمر الناهي بالمواضيع الخاصة بالأسرة ، وهذا ما انعكس سلبا على صورة الأب. بينما أوضح عادل القمودي أن قانون المساهمة في الإنفاق داخل الأسرة ، خلق معضلة اجتماعية في ظل ممارسات يتبعها الزوجان ومساءلات عن مدى مساهمة كل طرف في الإنفاق داخل الأسرة ، وهذا ما خلق العديد من المشاكل الأسرية ، التي أصبحت تلقي بظلالها بطريقة أو بأخرى على أواصر الأسرة. هذه الخلافات رأت فيها العشي مهدا للتأثير على نفسية الأطفال ونظرتهم للعلاقات الأسرية. وقد تتفاقم الخلافات بين الزوجين حد الوصول إلى المحاكم ، حيث أكد احد المحامين أن الخلافات الزوجية الناجمة عن اتهام كل طرف بالتقصير في الإنفاق العائلي باتت تطرق أبواب المحاكم. فقد تجد زوجا يشتكى زوجته لعدم المشاركة في تسيير شؤون العائلة بالرغم من عملها ، وإنما تنفق المال على احتياجاتها الشخصية ، كما لا تخلو المحاكم من قضايا رفعتها زوجات على أزواجهنّ بسبب الإهمال في الإنفاق والاعتماد الكلي على دخلها.