في خطوة غير مسبوقة، أرسل ثلاثة نشطاء حقوقيون سعوديون مذكرة قانونية إلى الملك عبد الله بن عبد العزيز، بوصفه "خط الدفاع الأخير عن العدالة والمواطن"، يتهمون فيها وزارة الداخلية ب"خرق القوانين المحلية والمعاهدات الدولية" ومطالبين ب"محاسبة المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان ورفع الحصانة عنهم وتقديمهم للعدالة". كما طالب الموقعون على المذكرة، محمد فهد القحطاني وفهد عبد العزيز العريني وفوزان محسن الحربي، والذين يشكلون "فريق الدفاع عن داعية العدل والشورى وحقوق الإنسان، الشيخ سليمان بن إبراهيم الرشودي"، بالإفراج الفوري عن هذا القاضي السابق الذي تجاوز السبعين سنة والمعتقل "في سجن إنفرادي" منذ أكثر من واحد وثلاثين شهرا والذي "يتجرع أصنافا من العذاب النفسي والجسدي"، بحسب المذكرة التي تلقى موقع "سعودي ويف" نسخة منها. وليست هذه المرة الأولى التي يطالب فيها هذا الفريق بالحد من "تجاوزات" وزارة الداخلية في بلد يعتبر فيها الضغط على الحكومة من المحرمات. فقد رفع المحامي والناشط الحقوقي وليد سامي محمد أبو الخير، أحد أعضاء الفريق، في شهر يونيو الماضي دعوى ضد الوزارة لدى "ديوان المظالم" بسبب "اعتقالها التعسفي" للإصلاحي السعودي عبد الرحمن بن عبد الله الشميري. وكان مجرد رفع الدعوى أمرا هاما وغير مسبوق في المملكة. لكن هذه هي المرة الأولى التي يناشد فيها هذا الفريق أعلى مرجع في الدولة التدخل ضد الوزارة التي يدير شؤونها منذ حوالي 35 عاما الأمير نايف بن عبد العزيز، صاحب النفوذ القوي والذي يشغل كذلك منذ مارس الماضي منصب النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء. ومن أبرز ما جاء في "المذكرة القانونية" اتهام وزارة الداخلية ب"التسبب في تدهور سمعة وسجل المملكة في حقوق الإنسان على المستوى المحلي والدولي"، بسبب "انتشار الاعتقالات التعسفية والتعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان الخطيرة في السجون" السعودية. ويقول النشطاء "نحن لا نعتقد أن هذه الإساءات والممارسات تصرفات فردية من قبل بعض السجانين بل سياسة عليا متبعة من قبل وزارة الداخلية" التي، في نظرهم، "حطمت القوانين والمؤسسات العدلية للبلد وجعلتها مجرد حبر على ورق وهياكل صورية هشة لا تحمي المواطن". ويوجه النشطاء الثلاثة انتقادات لاذعة للأجهزة الحكومية والهيئات، قائلين أن "الأنظمة توضع والهيئات المعنية تؤسس ولكن دون تطبيق لأبسط الأنظمة والقوانين واللوائح" وأن "الإجراءات والأنظمة لازالت شكلية وعقيمة، والهدف منها في نهاية المطاف الدعاية فقط أمام الهيئات ومؤسسات حقوق الإنسان الدولية". وشملت هذه الانتقادات خاصة هيئة التحقيق والإدعاء العام، قائلين "تكمن العلة في تبعية هيئة التحقيق والإدعاء العام لوزارة الداخلية التي هي في نفس الوقت مسؤولة عن اتخاذ قرارات الاعتقال، والوضع الطبيعي أن تتبع هيئة التحقيق والإدعاء العام السلطة القضائية كما هو الحال في معظم دول العالم لتمنحها القوة في تطبيق التشريعات والاستقلالية والحماية من التدخلات في شئونها المتعلقة بسيادة القانون". وبسبب ما أسموه "الخلل الكبير في نظام العدالة" أصبحت " الأنظمة تسن إرضاء للهيئات الحقوقية الدولية، لتطبق على الأجانب المحميين من قبل بعثاتهم الدبلوماسية، خصوصاً أولئك الذين يحملون جنسيات دول السادة، وليستثنى منها المواطنون"، والنتيجة، حسب رأيهم، "عدم ثقة المواطن بقوانين الدولة ومؤسساتها". ويخاطب الموقعون على المذكرة العاهل السعودي قائلين: "هذه الممارسات والانتهاكات فيها إساءة لدعواتكم إلى التسامح والحوار في الداخل والخارج. فليس من المعقول أن ملك البلاد يدعو في الخارج إلى الحوار وفي الوقت عينه تمارس وزارة الداخلية القمع والاعتقالات التعسفية". ويطالبونه ب"محاسبة المتهمين بمخالفة الأنظمة والمتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان ورفع الحصانة عنهم وتقديمهم للعدالة احتراماً لكرامة الإنسان وتطبيقاً لسيادة القانون"، مضيفين: "ونحملكم المسؤولية كاملة أمام الله عز وجل وأمام الشعب في رفع الظلم عن الشيخ سليمان الرشودي وزملائه". وكان الأمير نايف قد نفى وجود تعذيب في السجون السعودية، مؤكدا خلال حفل أقامته هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في 16 يونيو الماضي بأن " كل ما يقال عن وجود تعذيب في السجون لا صحة له" مضيفا: "والدليل أننا فتحنا أبواب السجون لمسؤولين ولهيئات حقوق الإنسان، بل حتى لزوار أجانب؛ لأننا لا نؤمن ولا نقبل بأسلوب التعذيب بأية حال من الأحوال". وكان قد ألقي القبض على الشيخ سليمان الرشودي مع ثمانية شخصيات أخرى من المجتمع المدني السعودي، من ضمنهم الدكتور الشميري، من قبل جهاز المباحث العامة في 2 فبراير2007 في جدة. وكانت وزارة الداخلية قد اتهمت آنذاك هذه الشخصيات بالقيام ب"أنشطة ممنوعة، تضمنت جمع التبرعات بطرق غير نظامية، وتهريب الأموال وإيصالِها إلى جهات مشبوهة وتوظيفها في التغرير بأبناء الوطن وجرهم إلى الأماكن المضطربة" مثل العراق. لكن عدة منظمات حقوقية، من بينها "الكرامة لحقوق الإنسان"، أكدت أن المعتقلين سبق لهم أن تولوا الدفاع عن نشطاء حقوق الإنسان، ولا يمكن أن يكونوا من الممولين للإرهاب، خاصة وأن لهم مواقف وتصريحات علنية مناهضة للتطرف والعنف. ويشدد النشطاء الثلاثة في مذكرتهم على ضرورة الالتزام بما جاء في بنود "نظام الإجراءات الجزائية، الذي ينص صراحة على إحالة المحتجز إلى القضاء في مدة لا تتجاوز ستة أشهر من تاريخ اعتقاله، أو إطلاق سراحه فوراً". تحديث صحيفة الوسط التونسية - 15 سبتمبر 2009 نقلا عن سعودي وايف بتاريخ 14 سبتمبر 2009 : http://www.saudiwave.com/index.php?option=com_content&view=article&id=2304:2009-09-14-11-07-48&catid=50:2008-12-02-08-52-24&Itemid=115