«فى أحد أيام شهر مايو 2007 خرجت من منزلى وأنا أشعر شعورا صريحا بأنني لست متأكدا من العودة مساء إلى أهلي، فأدركت منذ ذلك اليوم أن تونس لم تعد بلد حرية». جاءت هذه العبارة فى مقدمة كتاب محمد البوصيرى بوعبدلى «يوم أدركت أن تونس لم تعد بلد الحرية» الذي صدر باللغة الفرنسية منذ عدة أشهر. وقامت السلطات التونسية بإغلاق جامعة «الحرة» - التي يملكها بوعبدلى- وهى أقدم جامعة خاصة فى تونس- بدعوى ارتكابها مخالفات إدارية وتعليمية. وجاء فى قرار سحب الترخيص من الجامعة أن هناك «نقص فى برامج تكوين المهندسين» إضافة إلى إنشاء اختصاصات جديدة دون ترخيص. ووصف محمد البوصيرى بوعبدلى مدير الجامعة، التي تأسست عام 1973، القرار بأنه «سياسى وتعسفى»، وأرجعه إلى إصداره كتاب «يوم أدركت أن تونس لم تعد بلد حرية» وكان ذلك قبل الانتخابات الرئاسية في أكتوبر الماضي. كما دلل على ذلك أيضا بقيام وزارة التعليم بإغلاق معهد لوى باستور الخاص الذي تديره زوجته الفرنسية في تونس في 2007. أما الكتاب -الذي يرجح أنه كان السبب الخفي وراء إغلاق المؤسسة التعليمية الخاصة - فيهديه مؤلفه إلى «أولئك التونسيين الكثيرين الذين عملوا، منذ سنين طويلة وقبلي أنا بكثير، من أجل أن تصبح تونس بلدا حرا وديمقراطيا». ويتناول بوعبدلى فى مقدمة الكتاب عمله النضالي السابق والمنعطف الذي شهدته البلاد منذ 7 نوفمبر 1987، تاريخ عزل الرئيس بورقيبة وصدور بيان تملؤه الوعود الوردية لمستقبل التونسيين ومشاركتهم فى صنع الديمقراطية. ويحدد الكاتب إصابته مثل غيره من التونسيين بخيبة الأمل قائلا: «وقد زاد التدهور فى الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي استفحالا للأسف! فتساءلت، كأغلب المواطنين التونسيين: كيف وصلت الأمور إلى هذا الحد في بلد معروف بتسامحه وتفتحه وبالمكاسب العديدة التى أحرزها منذ الاستقلال؟». أما التمهيد الذي حمل توقيع باتريك بودوان الرئيس الشرفي للفيدرالية الدولية لرابطات حقوق الإنسان، فيستعرض تردى الأحوال والإساءة للحريات فى تونس، ويشيد بتحليل مؤلف الكتاب البوصيرى بوعبدلى وإبرازه للتناقض بين «البيان الغنى بأمنيات الديمقراطية وبين واقع مستهين بكل مبادئ الديمقراطية الفعلية» ويضيف أن بعد مرور عشرين عاما من تولى الرئيس بن على السلطة فإن حصيلة تونس فى مجال احترام الحريات تبدو هزيلة.