قوات عسكرية أوروبية في لبنان: الفكرة ليست من نسج خيال الدبلوماسيين الأوروبيين في بروكسل، بل هي اقتراح تقدم به رئيس الحكومة الإسرائيلي "أولمرت". ويشترط "أولمرت" أن تكون القوة الأوروبية المقترحة مجهزة ومسلحة بقوة نيران قادرة على إخضاع حزب الله. وبهذا يكون "أولمرت" قد وضع إصبعه على الموقع الحساس، فأوروبا تحلم منذ زمن بدور فعال في الشرق الأوسط، لكنها وبالتحديد في المجال الأمني، تعتبر دائما ضعيفة ومنقسمة ولا تقوى على تحقيق مثل هذا الطموح. يتجلى الانقسام الأوروبي واضحا في كون أن ثلاث دول أوروبية فقط هي التي أرسلت بعثة خاصة إلى الوزير الأول الإسرائيلي. وبالرغم من توفر الاتحاد الأوروبي على منسق رسمي للشؤون الخارجية، وبالرغم من كون فنلندا هي التي تترأس الآن الاتحاد، إلا أن الحاجة كانت واضحة إلى ثقل الدول الثلاث الكبرى: ألمانيا، بريطانيا العظمى وفرنسا. يبدو أن فرنسا هي التي تتوفر على الأوراق التي تؤهلها لقيادة هذه القوات. يعود ذلك إلى التاريخ الفرنسي الاستعماري في لبنان أكثر منه للسياسة الأوروبية. يوضح "ألفرد بايبرز" من معهد (كلينينجدال) للعلاقات الدولية، ذلك قائلا: "ليس من الضروري أن يمثل ذلك مشكلة من أي نوع" ويضيف "تحاول باريس بالطبع أن تحافظ على دورها ونفوذها في المنطقة أيضا. غير أن هذين الهدفين الفرنسيين لا يتناقضان مع بعضهما بعضا. ما أعنيه هو أن دولا أوروبية بعينها، تصبح أكثر قدرة من غيرها على قيادة عملية محددة في مكان معين لأسباب عديدة." ويزيد "وقد يحدث أن تكون بريطانيا هي الأكثر تأهيلا عل قيادة عملية ما في آسيا بحكم خبرتها وتاريخها هنالك. ومهما كان يكن فمن الثابت أن السياسة الخارجية الأوروبية تختلف عن السياسة الخارجية الأميركية التي لديها وزيرة واحدة للشؤون الخارجية. يرى "بايبرز" أن قدرة الولاياتالمتحدة الأميركية على تقديم ضمانات أمنية لإسرائيل، فيما لا تستطيع أوروبا، أن ذلك هو ما جعل الدور الأوروبي في الشرق الأوسط محدودا، وإن جعلها ترضى دائما بدور ثانوي مكمل للسياسة الأميركية، مثل دور تقديم المساعدات الاقتصادية للسلطة الفلسطينية إلي لعبته لوقت طويل. شهدت هذه الأزمة حسب "بايبرز" تلاشي الفوارق التقليدية بين الموقفين الأميركي؛ إذ كانت أوروبا تطمح في السابق إلى اتخاذ موقف مستقل عن الولاياتالمتحدة الأميركية، لكنها لا تقوي على فعل ذلك في الأزمة الراهنة ولا تحاول تمييز موقفها عن الموقف الأميركي. لقد تعلمت أوروبا أن مزاحمة الولاياتالمتحدة الأميركية والتنافس معها لا ينجم عنه إلا المتاعب وغالبا ما يكون له أثر سلبي معاكس. يمكننا أن ننظر لاقتراح "أولمرت" بإرسال قوات أوروبية إلي جنوب لبنان بمثابة اعتراف بالوقائع الجديدة في العلاقات الأوربية الإسرائيلية. لم ترحب إسرائيل أبدا في السابق بأي دور فعال للاتحاد الأوربي. إلا أن السؤال المطروح الآن، إلي أي يمكن لأوربا أن تلتزم بالشروط الإسرائيلية على الصعيد الواقعي. ما يهم إسرائيل هو أن تستطيع أوروبا أن تشكل بديلا للقوات الأممية المتواجدة الآن في لبنان، كما يعتقد "بايبرز"، "إن إسرائيل لا تأتمن للقوات الدولية؛ لأنها مبعوثة من مجلس الأمن الدولي، ولقد كان لإسرائيل تجربة سيئة في الماضي مع مجلس الأمن الدولي. إذن فمن البديهي أن تفكر إسرائيل في أوروبا وتتطلع إليها للخروج من المأزق اللبناني، لكن بشرط أن تجرد القوات الأوروبية حزب الله من أسلحته، وهذا يعني أن تدخل في حرب حقيقة ضد حزب الله، وذلك أمر يصعب التكهن بشأنه الآن، فالأمر لا يتعلق بقوات سلام ما دام ليس في المنطقة سلام". ليس هنالك مرشحون آخرون باستطاعتهم لعب هذا الدور، فلن يقبل العالم العربي أبدا بقوات عسكرية قادمة من الولاياتالمتحدة الأميركية، في حين أن دولا مثل باكستان تسبب لإسرائيل نفس الغصة التي تشعر تجاه الأممالمتحدة، لذلك يضطر الوزير الإسرائيلي الأول "أولمرت" إلي القبول بالقوات الأوربية على مضض متخليا عن علامات الاستفهام تجاهها. اذاعة هولندا العالمية