كان من المنتظر أن يقف الجمهور التونسي بشتى انتماءاته ومختلف ألوانه خلف ممثل الكرة التونسية الترجي الرياضي في التظاهرة الأهم على مستوى القارة وهي دوري أبطال إفريقيا. إلا أنّ كلّ تلك الإنتظارات ذهبت أدراج الرياح فالترجي التونسي لعب ضد الجماهير التونسية قبل أن يواجه منافسه الأساسي نادي مازيمبي الكونغولي. حملات على الموقع الإجتماعي فايسبوك تساند بطل الكونغو وقميص الترجي يحرق على النت في صورة كرّست الجهوية والتعصب الأعمى الذي ميز الكرة التونسية في السنوات الأخيرة وهي بالمناسبة ليست المرة الأولى التي تشهد فيها مثل هذه الممارسات. فكل الأندية التونسية عانت الأمرين من هذه التصرفات التي تحولت في بعض الأحيان إلى حملات منظمة كادت تخرج عن السيطرة. "جو الإحتقان الذي ميز العلاقة بين مختلف الجماهير التونسية لا يبرر بأي شكل من الأشكال مبدأ التنافس النزيه بين النوادي ولا يمكن أن يدرج بأي شكل من الأشكال في خانة الخروقات المتطرفة"، هذا ما أكده عالم الاجتماع التونسي محمد الجويلي الذي تحدث ل(إيلاف) عن سر تفشي هذه الظاهرة في الوسط الرياضي في تونس وتساءل ما الذي يجعل مناصرين من فرق أخرى على هذه الدرجة من التشفي لهزيمة فريق الترجي في المسابقة الإفريقية ؟ ويرى محمد الجويلي أنّ هذا السؤال يطرح من خارج منطق المناصرة و بالتالي لا معنى للتعجب من هذه الظاهرة، إذ تبنى المناصرة على منطق الإساءة الرمزية للفرق الغريمة وإهانتها بكل الأساليب المتاحة. و لهذا لا معنى للوطنية في نظر هؤلاء على الرغم من أن الوطنية عنصر من عناصر المناصرة و لكن هذا ليس سياقها. تخاف جماهير الفرق الغريمة وخصوصا الكبرى منها من أن تستعمل جماهير الترجي- لو كانت قد فازت - هذا الإنجاز لبناء صورة مثالية حول الفريق أولا ولإهانة مناصري الفرق الأخرى ثانيا. وفي كلتا الحالتين ستبلغ الإهانة الرمزية مداها، فحتى لو فاز الترجي بهذه البطولة فإن مناصريه سيتوجهون في الأسبوع الموالي بكل الإهانات الرمزية لجماهير الفرق المنافسة بحثا عن الجدوى الرمزية للفوز. ولذلك يصبح الفوز بالبطولة لا فوزا على المنافس المباشر و إنما -و هذا هو الأهم- فوز غير مباشر على الفرق التونسية الغريمة. والكل يريد الهروب من الوقوع ضحية للإهانة الرمزية. و بحسب الباحث الاجتماعيّ الجويلي فإنّ اللافت في حالة التشفي هذه أن الهزيمة كانت قاسية ما يجعل التشفي نفسه أكثر عمقا و إهانة. الكل يجد مبررا لهذا التشفي فمناصرو فريق الأهلي المصري سيتحدثون حتما عن العدالة الإلهية وسيذكر مناصرو النادي الإفريقي بخماسية 1985 في حين سيبتهج مناصرو النجم الساحلي بكونهم الوحيدين الذين فازوا باللقب الإفريقي في نسخته الجديدة. ويضيف الدكتور الجويلي:"رهان الفوز بالبطولة الإفريقية كبير إذ سيبلغ الفريق العالمية وسيدخل في سجلات تاريخ المسابقة الإفريقية وسيدخل لاعبوه شهرة أكبر مدى وسيشعر المناصرون بشرف الإنتماء إلى ناديهم. كل هذه المعطيات و المزايا ستدفع مناصري فريق الترجي إلى النظر باستعلاء لمناصري الفرق المنافسة وهو ما لا تقبله جماهير هذه الأخيرة. الظاهرة ليست حكرا على الجماهير التونسية بل الظاهرة كونية، الدافع إليها احتكار الامتياز و منعه عن الآخرين. ينتج هذا الرهان إذا تفشٍ جماعي و فردي أيضا. ويدعم الباحث قوله بالتذكير بما حصل وذلك عندما فاز النجم الرياضي الساحلي بالبطولة الإفريقية سنة 2007 ويقول: " لنا أن نتصور سعادة مناصري فريق الزمالك الغريم الأزلي لفريق الأهلي المصري و كنت شاهدا على ذلك". ويرى أنّ الإنتماء المحلي لمناصري الفرق يمر قبل الانتماء الوطني. فهذا الأخير لا يحضر لدى المناصرين إلا مناسباتين في حين يعيش مناصرو الفرق عذاب انتمائهم إلى فرقهم بشكل يومي و كل أسبوع. من جهة أخرى، ساهمت التكنولوجيات الحديثة في توسيع هذا "التشفي الجماعي" وتنويعه. وفي هذا الإطار تكونت مجموعة على شبكة فايسبوك فاق عددها السبعة آلاف فرد وهذه المجموعة هي "خلية محبي مازمبي في الوطن العربي". أفراد هذه المجموعة يعبرون بأشكال مختلفة عن سعادتهم بهزيمة الترجي. ويقول محمد الجويلي في هذا الصدد: ما يهمني هو التسمية فربط فريق "مازمبي" بالوطن العربي له دلالة لا تتعلق بهذا الفريق الإفريقي و لكن التسمية تريد أن تقول "خلية المتشفين في الترجي في الوطن العربي". وتوسيع هذا التشفي و جعله عربيا مفاده إقحام فريق الأهلي المصري في هذا التشفي و هو معني بذلك، وبالتالي الخروج بهذا التشفي من المحلية إلى نطاقات أوسع هو رغبة في إعطاء المناسبة أكثر ما يمكن من الشرعية. ويختم محدثنا كلامه قائلا إنه من داخل سياق المناصرة المسألة لا تدعو للتعجب و"الوطنية" كانتماء لا يستطيع أن يكون في هذه الظروف بديلا من انتماء لفريق وسيعاد السيناريو ذاته لو كان الفريق المعني بالمسألة غير فريق الترجي.