قال وزير الدفاع السابق رضا قريرة إن رئيس تونس السابق زين العابدين بن علي تلقى تهديدا بالقتل من فرقة أمنية، وهي معلومات يكشف عنها للمرة الأولى منذ الإطاحة بالرئيس السابق يوم 14 يناير، وذلك عبر تصريحات لإذاعة محلية تونسية. وكشف رضا قريرة الذي تم تعيينه وزيرا للدفاع إبّان الثورة التونسية التي انطلقت شرارتها 17 ديسمبر 2010 أن الرئيس السابق أعلمه عبر الهاتف ظهر يوم 13 يناير أنه تم إبلاغه بأن هناك طائرة هيليكوبتر تقل مجموعة ملثمة من البوليس ستحط في قصر الرئاسة في قرطاج بالضاحية الشمالية لتونس العاصمة حيث يوجد الرئيس السابق، وستقوم بتصفيته. وأضاف أنه أكد للرئيس السابق الذي أبدى خوفا وحرصا على التأكد من المعلومة، أكد عدم علمه بهذا الأمر بوصفه وزيرا للدفاع وأن طائرات الهيليكوبتر هي تحت تصرف وزارة الدفاع والجيش الوطني التونسي، ولم يأمر بمغادرة أي طائرة من هذا النوع من مطار "العوينة" العسكري أو من أي مطار آخر من داخل الجمهورية التونسية. وتعد هذه الشهادة الأولى من نوعها التي يتم الكشف عنها من طرف مسؤول سابق بعد شهر ونصف تقريبا من مغادرة الرئيس تونس البلاد في خطوة فاجأت كل المراقبين. وكشف قريرة النقاب عن أن عملية "هروب الرئيس السابق" - حسب تعبيره - بقيت غامضة ولم يفكّ لغزها حتى الآن. وكشف رضا قريرة، الذي تسلم إلى جانب الدفاع حقيبة وزارية لأملاك الدولة ، أن آخر اتصال هاتفي تلقاه من طرف الرئيس السابق كان تقريبا بعد عشر دقائق من "فراره " يوم 14 يناير عند الساعة الخامسة والنصف مساء من على متن الطائرة، حسب فيديو مسجل اطلع عليه "إسلام أون لاين" وتم تدواله اليوم 9 مارس 2011، في الموقع الاجتماعي "فيسبوك". وذكر الوزير السابق أن صوت زين العابدين بن علي في هذه المكالمة كان "غير طبيعي وكأنه كان مخدرا ولسانه متلعثم" مضيفا أن المكالمة اقتصرت على بضع كلمات وهي:" أنا في الطائرة..آلو..آلو.."، ثم انقطعت المكالمة التي أتت من رقم دولي حسب ما صرح رضا قريرة. زمام الأمن العام وقال الوزير السابق الذي تمت تنحيته من مهمة وزارة الدفاع يوم 27 يناير الماضي بعد تشكيل الحكومة التونسية المؤقتة لتصريف الأعمال للمرة الثانية بعد الإطاحة بالرئيس السابق، أنه تلقى أمرا من رئيس البلاد السابق زين العابدين بن علي لإصدار أمر إلى الفريق الأول رشيد عمار قائد أركان جيش البر التونسي حتى يمسك زمام الأمن العام في تونس انطلاقا من مقر وزارة الداخلية وأن ينسق مباشرة مع وزير الداخلية آنذاك رفيق الحاج قاسم، بعد تأزم الأمور الأمنية في البلاد وعجز رجال الأمن على ضبط احتجاجات الشارع. وكان وقتها موجودا في قاعة العمليات بوزارة الدفاع. وكشف السيد قريرة ريبته من الدور الخفي الذي لعبه مدير الأمن الرئاسي آنذاك علي السرياطي الذي حاول التدخل في مهام المؤسسة العسكرية أثناء عقد اجتماع جمع وزير الداخلية ووزير الدفاع وضابطين كبيرين لم يكشف عن اسميهما ، بالإضافة إلى مدير الأمن الرئاسي السابق علي السرياطي لبحث مسألة ضبط الشارع الثائر ميدانيا في كامل الولايات بعد أن كان الأمر مقتصرا على ثلاث ولايات داخلية وهي سيدي بوزيد والقصرين وقفصة. وانعقد هذا الاجتماع يوم الأحد قبل خمسة أيام تقريبا من الإطاحة بالرئيس السابق في مقر وزارة الداخلية التونسية وقد أبدى فيه علي السرياطي تدخلا في مهام الجهاز العسكري كما أخبر المسؤولين في الاجتماع أنه سيتم توزيع أموال على رجال الأمن لتشجيعهم على التحكم في الانفلات الأمني وهو ما لم يقبله وزير الدفاع الذي أخبر المجتمعين أن مهمة حفظ الأمن مهمة وطنية ولا تقتضي أسلوب التشجيع بالمال للقيام بهذه المهمة. وأضاف أنه حذر ضباط الجيش من مغبة الامتثال لأي أمر من أوامر علي السرياطي لأن الأوامر يفترض أن تصدر من رئيس الدولة الذي يعتبر أيضا رئيس القوات المسلحة في تونس أومن طرف وزير الدفاع. وفنّد رضا قريرة كل الإشاعات التي تداولها الشارع التونسي حول استقالة الفريق الأول رشيد عمار رئيس أركان جيش البر التونسي أو تلقيه أوامر لضرب المحتجين بالرصاص وعدم امتثاله لأوامر الرئاسة. كما كذّب المصدر ذاته الروايات التي تحوم حول تدخل أجنبي محتمل في عملية الإطاحة بالرئيس السابق واعتبرها إشاعة ليس لها أدنى مقومات الحقيقة. وذكر السيد قريرة أنه يوم 13 يناير تلقى مكالمة من علي السرياطي يطالب فيها الجيش بالتدخل بشكل أكثر فاعلية بغية التحكم في الشارع مهددا إياه أنه في حال فشل الجيش في استتباب الأمن في البلاد فإنه "سوف لن يجد أحدا في قصر الرئاسة في قرطاج"، حسب تعبير الوزير السابق، وهو ما اعتبره تهديدا ضمنيا للرئيس السابق. وأكد أنه لم يتلق أية أوامر بهذه الصرامة من أطراف أخرى، باستثناء تلك التي صدرت من مدير الأمن الرئاسي المعني، كما تم إخباره مساء 13 يناير- أن بعض رجال الأمن بصدد تسليم أسلحتهم للثكنات العسكرية، وهو ما لم يتخوف منه الرئيس السابق عند إعلامه بذلك صباح اليوم التالي معتبرا أن هذا الأمر قد يكون أكثر أمانا للدولة، حسب تعبيره في الحوار الذي أجرته معه إذاعة "موزاييك" الخاصة. شكوك وكشف الوزير الأسبق عن شكوكه في ما يقوم به علي السرياطي ، فالرئيس السابق أعلمه بطريقة غير مباشرة أن هذا الأخير هو من أعلمه بخطر تصفيته. كما كشف أنه اضطر إلى إصدار أمر بتوقيفه بالمطار وتجريده من سلاحه ومن وسائل الاتصال الإلكترونية التي كانت بحوزته بعد أن تم إعلامه يوم 14 يناير من طرف جيش الطيران بمطار العوينة العسكري أن الرئيس بن علي غادر البلاد مساء 14 يناير وأنه كان برفقة علي السرياطي الذي امتثل لأوامر توقيفه وتجريده من السلاح دون مقاومة. وأضاف رضا قريرة أن المسؤول بجيش الطيران كشف له تخوفه من أن تقع اشتباكات بين الجيش وقوات الأمن بعد مغادرة الرئيس وهو السبب الأساسي الذي دفعه لتوقيف مدير الأمن الرئاسي تفاديا لأية صراعات قد تحدث لاحقا. وقال الوزير الأسبق أنه بمغادرة الرئيس فإن الجيش أصبح تحت إمرته وهو أمر اعتبره صعبا للغاية في ظل الغموض الذي عاشته تونس في فترة الثورة. وواصل أنه بعد "هروب الرئيس السابق" أعلم على الفور الوزير الأول السابق محمد الغنوشي الذي أخبره أنه على علم بالأمر وأنه وقتها على باب قصر قرطاج بعد أن تم الاتصال به من مسؤول أمني غير علي السرياطي. كما أخبر السيد الغنوشي وزير الدفاع السابق أنه تمت معاملته بطريقة غير لائقة من طرف رجال الأمن في القصر الرئاسي، إلا أنه لم يتراجع عن المضي في الأمر لتأدية واجبه الوطني. وقد تم استدعاء الوزير الأول السابق ورئيس مجلس النواب فؤاد المبزّع إلى قصر الرئاسة الذي أصبح رئيسا مؤقتا حاليا بحكم الدستور التونسي آنذاك ووزير الداخلية السابق عبد الله القلال والفريق الأول رشيد عمار الذي لم يلبِ الدعوة. وبعد الإعلان رسميا عن مغادرة الرئيس البلاد وتنصيب فؤاد المبزع رئيسا مؤقتا ومحمد الغنوشي وزيرا أول اجتمع هذا الأخير في مقر وزارة الداخلية مع وزير الدفاع رضا قريرة وأعضاء المجلس الأعلى للجيش ووزير الداخلية آنذاك أحمد فريعة بحضور ضباط كبار من جهازي الأمن والجيش لتدارس مسألة مغادرة الرئيس حتى الثالثة صباحا ودعوة المجلس الدستوري لسد الفراغ في منصبي الرئاسة والوزير الأول. وأقر وزير الدفاع السابق بجهله عمن وراء القناصة الذين ظهروا بعد مغادرة الرئيس السابق والذين أسفرت أعمالهم عن سقوط خمسة شهداء من الجيش. وأكد السيد قريرة أن الجيش الوطني لعب دورا كبيرا ومهما في المحافظة على أمن البلاد رغم الظروف الصعبة للغاية التي مرت بها، رافضا الإدلاء باستنتاجاته حول ما حدث، تاركا إياها لتخمينات وحكم المواطنين، مضيفا أنه كان يخطط لكشف هذه الحقائق في الصيف المقبل، بعد أن تهدأ الأمور في البلاد وتمشي نحو التحول إلى نظام جديد، وهي الفترة التي تتزامن مع إجراء الانتخابات، إلا أنه فضل الكشف عنها الآن (أمس الأول) حتى تأخذ التحولات السياسية في البلاد مجراها الطبيعي ولا تؤثر عليها سلبا الإشاعات والأكاذيب حول ظروف قيام الثورة وحيثياتها.