تمديد الاحتفاظ بالرئيسة السابقة لبلدية حلق الوادي    عاجل : تأجيل كأس الأمم الأفريقية في المغرب    عاجل/ الرابطة تسلّط هذه العقوبات ضد الافريقي بعد أحداث الدربي    وزيرة التربية تعلق على تسريب الامتحانات بمواقع التواصل الاجتماعي    عاجل/ إكتشاف بؤرة جديدة للحشرة القرمزية في القصرين    في أول أيام البكالوريا: تسجيل 15 حالة غش في هذه الولاية!!    سعد بقير يعلن رحيله عن أبها السعودي    "تيك توك" يتعرّض إلى هجوم إلكتروني    مسؤول بوكالة حماية الشريط الساحلي يوصي بعدم التوجّه الى هذه الشواطئ    وقفة احتجاجية للعاملين على خلفية عدم تمكينهم من سلفة شراء الأضاحي.. التفاصيل    رسميا: السعودية تعلن موعد تحرّي هلال ذي الحجة    خلال لقائه مع نظيره الكوري في سيول.. وزير الخارجية يؤكد رغبة تونس في استقطاب المزيد من الاستثمارات الكورية    تزويد 51 عائلة من متساكني المناطق الريفية بالماء الصالح للشراب    ماهي الإختلافات بين أدمغة الرجال والنساء..الذكاء الاصطناعي يُجيب (فيديو)    القضاء يتخذ قرارا في حق راشد الغنوشي ورفيق بوشلاكة وماهر زيد في قضية التآمر على امن الدولة    الجامعات العمومية تنطلق رسميا في استغلال خدمات السحاب الرقمي    مترشحة ال51 عاما تضبط بشبهة غش في امتحان الباكالوريا بإحدى المعاهد بنابل    مهدي العبدلي:"مشروع مدننا العتيقة دون بلاستيك يهدف بالأساس إلى ترسيخ الوعي والثقافة البيئية" [فيديو]    تونس نجحت في تنفيذ إصلاحات هامّة لأجل دفع الاقتصاد    السعودية تدعو لتحري رؤية هلال شهر ذي الحجة..    دعوة الناشطين في مجال توزيع الأسمدة الكيميائية المعدة للاستعمال الفلاحي الى تحيين تصاريح نشاطهم.    في كوريا: رئيس الحكومة يلقي كلمة خلال مشاركته في فعالية حول ''الشباب والمؤسسات الناشئة''    الرابطة الأولى: مستقبل سليمان يرد على طلب نجم المتلوي .. ويستنكر تصرفاته    بعد الإفراج عنها: ''التيكتوكر'' إيمان تخرج عن صمتها    طبيب فرنسي يُهاجم نادين نسيب نجيّم...كيف ردّت عليه؟    ظافر العابدين عضوا في لجنة تحكيم مهرجان عمان السينمائي    العثور على جثة مقيم ايطالي في منزله بالحمامات..وفتح تحقيق..    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    اليابان: طوكيو تطلق تطبيق مواعدة خاص لرفع معدل الولادات    معدل الحرارة لشهر أفريل 2024 كان أعلى ب0،6 درجة    تصفيات كأس العالم 2026: المنتخب الوطني يواجه اليوم منتخب غينيا الإستوائية    المنتخب الوطني: التشكلية المحتملة لمواجهة غينيا الاستوائية    عاجل/ منع أعضاء المجلس المحلي للتنمية بهذه الجهة من الدخول إلى مقر المجلس..    16 سجينا مترشحا لاختبارات الباكالوريا هذه السنة    ميلوني : تدفقات الهجرة تراجعت بنسبة 60% بفضل علاقات التعاون مع تونس وليبيا في المقدمة    زلزال بقوة 5.3 درجات يضرب هذه المنطقة..    مرابيح البريد التونسي تفوق 203 ملايين دينار سنة 2023..    أسعار بيع الحبوب المزارعون ينتظرون التسعيرة الجديدة ويأملون الترفيع فيها    تونس صقلية منتدى حول فرص الاستثمار والتبادل في مجال الصناعات الغذائية    كيف سيكون طقس اليوم؟    طاقة مستقبلية واعدة ..الهيدروجين الأخضر .. طريق تونس لتفادي العجز الطاقي    تقرير: علامات التقدم في السن تظهر على بايدن في الاجتماعات الخاصة مع قادة الكونغرس    عاجل/ إطلاق نار في محيط السفارة الأمريكية ببيروت..    بالفيديو: عراك تحت قبة البرلمان التركي بين نواب حزبين    اليوم: انطلاق الدورة الرئيسية لامتحان الباكالوريا    تزامنا مع الحج.. طلاء أبيض لتبريد محيط مسجد نمرة    لقاء يجمع وزير الصّحة بنظيره المصري    مبابي يستعد لمقاضاة باريس سان جيرمان    استفسار حول تأثير التطعيم    الدورة 19 للمهرجان الدولي للفيلم الشرقي بجنيف: مشاركة 4 أفلام تونسية 2 منها في المسابقة الرسمية    تونس الثقافة والأدب والموسيقى تشع في الصين من خلال زيارة رئيس الجمهورية    الاستعداد للحج .. "شوق" وعادات وفيه "منافع للناس"    تفاصيل الدورة 48 لمهرجان دقة الدولي: انماط متنوّعة في دورة التأكيد    هذا موعد رصد هلال شهر ذو الحجة    4 نصائح لمحبي اللحوم    عاجل/ هذا موعد رصد هلال ذو الحجة..    عاجل : اكتشاف سلالة شديدة العدوى من إنفلونزا الطيور    في المعهد العالي للفنون والحرف بتطاوين ...7 آلاف كتاب هبة لمكتبة المعهد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العين الثالثة على تونس (2): عن البوليس السياسي و"التجمع" في زمن الثورة ...


:
حين كنت أتجول بعيون منفية تستكشف الوطن من جديد , لم يفتني أن تكون زيارتي لتونس بعد التاسع عشر من فبراير 2011 , فرصة للحديث مع سجناء الرأي والمثقفين أو عامة أبناء شعبنا من أجل معرفة هواجسهم بعيد سقوط أو فرار كبير أصنام الجمهورية التونسية ...
كان اللقاء ممتعا مع مناضلين شرفاء دفعوا ضريبة الحرية والكرامة قبل محمد البوعزيزي بعشرين سنة تقريبا , فأولئك أو لنقل هؤلاء , كانوا حماة عرين الوطن حين أراد بن علي اغتصاب بكارته في ظرف تلى انقلابه الأصفر على السلطة بثلاث سنوات ...
زرع كبير أصنام معبد 7 نوفمبر جهاز بوليسه السياسي في كل حارة وشارع وزاوية..., حتى غدى الحديث في الشأن العام كفيلا بحمل صاحبه الى مربعات الاعتقال والتعذيب والسجن وتنغيص معنى الوجود والحياة ...
كانت التسعينات من القرن الماضي مجال استثمار خصب للديكتاتور المخلوع في حقول الوشاية والقوادة , وفنون التسلق البرقي واللصوصية , اذ جيش بارهابه للجماهير والقوى الحية قرابة عشر المجتمع في مجالات رقابة الجزء على الكل , ليتحول البوليس السياسي أو مسميات : أمن الدولة وفرقة الارشاد والبوليس السري أو الدي أس تي , الى مرادفات الرعب والهلع في نفوس بنات وأبناء تونس ...
وقد يكون من المضحك أو العجيب في هذا السياق أن يتحدث وزير الداخلية في الحكومة المؤقتة القاضي السابق : السيد فرحات الراجحي , عن 200 عنصر هم عماد جهاز البوليس السياسي ...!
200 عنصر فقط كانوا كفيلين بمراقبة فيلق من الأحزاب والجمعيات والنقابات وهيئات المحامين والقضاة والأطباء والمهندسين والاعلاميين والطلاب وآلاف المناضلات والمناضلين فوق مساحة جغرافية تقدر ب 165 ألف كم مربع !!!
ولعله يكون أقرب الى الصواب أن نضرب الرقم في المائة , فنكون حينئذ أمام 40 ألف عين وأربعين ألف أذن تتأبط شرا بالمجتمع , ولعل الرقم هنا أخذ بعين الاعتبار أن لكل عنصر عينين وأذنين , فنظام بن علي بابا يرفض الاعتماد على الصم والمكفوفين في تركيبة جهاز الذعر المسمى بأمن الدولة !
ولايفوت القارئ النبيه أن يعلم أن البوليس السياسي كان عين اللص الأكبر والجلاد الأعظم على كل وطنيي قوى الأمن الداخلي وكل الشرفاء في قواتنا الوطنية المسلحة , وهو ماجعله يتمتع بامكانات بشرية أخرى تمتد الى التجمع الدستوري الديمقراطي وتصل الى أحزاب أخرى تدور في فلك الموالاة ...
كان سؤال أولئك الأبطال الذين خرجوا للحرية من تحت أقبية أرضية وضعهم فيها بن علي لسنوات طوال على النحو الآتي : هل يمكن للبوليس السياسي أن يعيد التشكل من جديد بنية الانقضاض في لحظة مستقبلية على مكتسبات الثورة ؟
والجواب جئت به طبعا من رحم تفاعلات الألمان مع مخلفات جهاز الشرطة السرية لنظام الرئيس الفار والمخلوع والمتوفي اريك هونيكر ...
استطاع الألمان في الجزء الشرقي من البلاد حل جهاز الشرطة السياسية والغائه بشكل نهائي بنص القانون وروح الواقع , فالسياسة أو الشأن العام أصبحا بديهية من بديهيات مواطنتهم الجديدة , وألمانيا الشرقية باتت جزء من منظومة الليبرالية السياسية والاقتصادية لألمانيا الفيدرالية الموحدة ...
دخل هونيكر الى متاحف اللعنة السياسية , وتحول بوليسه السري الى طرائف يتندر بها المجتمع , بل الى تاريخ سيء وخطير تحذر منه الأجيال الصاعدة بموازاة تحذيرها من مخاطر النازية والفاشية , بل ان البرلمان والحكومة والقضاء والاعلام والفن السابع , ابتدعت مجتمعة من الوسائل مايحول دون عودة الدولة الى لحظات الاستبداد والشمولية ...
تم تحصين أجيال الثورة ومابعد الثورة من الحنين الى الأمن من بوابة تقويض الحرية أو الالتفاف على الديمقراطية من نافذة اليافطات القومية ومشتقاتها المترامية الأطراف في الفكر اليميني المحطم للانسانية ...
اكتسب المجتمع الألماني من الأدوات والوعي ماجعل المتاحف والمسارح والسينما والفنون الجميلة ووسائل الاعلام وبرامج التعليم ومنظمات المجتمع المدني , الحصن الحصين في مواجهة مخططات البوليس السري أو الأحزاب ذات التوجهات النكوصية باتجاه الهتلرية أو الهونيكيرية ...
تقيدت الشرطة بالقانون وأخضعت أجهزتها كلية لمقتضيات الدستور الفيدرالي , وعاد رجال السياسة مفصولين كلية عن خدمات سرية يقدمها البوليس , كما عاد البوليس متقيدا بمقتضيات التفويض القانوني والقضائي في التعاطي مع الفاعلين السياسيين بوصفهم مواطنين في دولة تحكمها قواعد المساواة بين مواطنيها ...
وبالعودة الى تونس مابعد الثورة , فان المجتمع الأهلي والنخب والمؤسسات التي ستلدها الدولة بتفويض مدني انتخابي , ستكون في ظل حالة الوعي الحاد واليقظة العالية كفيلة بحماية تونس من القوى المضادة للثورة ...
ولاأحسب أن حماية الثورة ستكون فقط من الشرطة السياسية التي وقع حلها قبل يومين , ولكن أيضا من مؤامرات جنرالات الهزيمة والاستبداد والفساد في حزب غول حمل مسمى التجمع الدستوري الديمقراطي , اذ لايزال بعض رموز هذا الحزب , المتورطين في مصادرة الحريات أو ربما نهب بعض من ثروات البلاد وجها آخر لعملة واحدة تبحث عن السوق بين يدي مقتاتي بضاعة الغبن الانتخابي ...
ان مداخل تهديد الثورة تمر بلاشك عبر ترويج الافك والأباطيل والاشاعات , لتصل الى مربعات تشكيك التونسيين والتونسيات والعرب أجمعين والمسلمين خاصة في فضائل الديمقراطية والحرية وآليات الانتخاب الحر والنزيه , ولعلها لاتنتهي بتحريض المجرمين وشذاذ الآفاق على التآمر على الأمن الحقيقي للمجتمع عبر استعمال السلاح الأبيض أو ترويج السموم البيضاء والسوداء , بل انها في تقديرنا ستتربص الدوائر من أجل التآمر الحقيقي على الدولة عبر التشجيع المدروس على حالة الانفلات الأمني ...
للثورة أن تتقشب حينئذ بتقشب مشروع , يستمد معالم أقمشته من هوية المجتمع وروح الدستور الجديد الذي سيصوغه مجلس تأسيسي منتخب , بل ان القانون بروحه التشريعية والدستورية الجديدة سيحميان الى جانب يقظة الجماهير ووعي النخب تونس الجديدة من الاختطاف أو النكوص الى زمن هبل !
ومازالت هواجس أسئلة أحرار أقبية "بن علي بابا" تتوالى علي , ومازال العقل يتيقظ أهبة للجواب حتى كدت أتيه بين الوطنين ! , فلاتونس الجديدة أعادتني اليها كليا ! , ولا ألمانيا الجديدة رحمتني من رحلة المنفى في رصد أجوبة شافية لاشكالات الوطن !...
يتبع في حلقة جديدة بمشيئة الله


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.