مرسل الكسيبي : ليس بدعم وتشجيع وحماية عناصر النكوص والردة والمال السياسي الفاسد تفلح سياسة بعض دول الشتاء الجليدي الأعرابي في تعكير مناخ الربيع العربي , اذ بمثل هذه السياسة ستزيد أنظمة في احتقان واقعها الداخلي وتوليد الانفجار في أفق زمني قريب ... ليس غريبا أن تعمد بعض النخب العربية المتحالفة مع بعض الأنظمة الرسمية بالمنطقة الى محاولة تشكيل رأي عام عربي واقليمي طاعن في شرعية الثورات العربية ومشكك في محصلاتها على مدار دول الهلال الخصيب.., فنجاح الثورة الشعبية في كل من تونس ومصر في اسقاط أعتى نظامين متسلطين عربيين ورحيل بن علي ومبارك بتلك الطريقة المذلة , أصاب بلاشك بعض دوائر الاستبداد بالمنطقة بكثير من الهلع والرعب... حديث بعض هؤلاء عن حنين الشعب المصري والتونسي الى أيام بن علي ومبارك , هي آخر طرفة غريبة يمكن أن نقرأها على أعمدة بعض الصحف المتربحة من الريع النفطي , اذ لاأحد يقدر حجم الألم والعذاب الذي عاناه أبناء وبنات هذين البلدين بعد تجربة حكم شمولي جمعت بين القهر والخيانة والتعذيب والفساد ... لن تنفع في تقديرنا كل أموال الدنيا في تبييض صفحة شخصين أو نظامين استعملا كل الوسائل القروسطية من أجل وأد أحلام الحرية والكرامة في بلديهما , فتهم الخيانة العظمى وسرقة الثروة العامة واستباحة السلامة الجسدية لأبناء الشعبين هي أقل مايمكن أن يواجه به القضاء المستقل في تونس ومصر تجارب بن علي ومبارك ... ربما يحاول هؤلاء الكتبة التخفيف من هول الصدمة على بعض الأنظمة المترنحة في ليبيا وسوريا واليمن.., وربما يستكتب هؤلاء من أجل شد أزر أنظمة أخرى لم تستجب الى تطلعات شعوبها في المأسسة والدمقرطة والحرية والشفافية المالية والمساواة بين أبناء الشعب..., ولكن لن يفلح حبرهم في تغطية عورات مكشوفة في بلاد تعاني منذ مالايقل عن نصف قرن من نقص حاد أو من غياب كلي في أوكسيجين الكرامة والحرية ... قد نتفهم مسارات البعض الآخر في دول المنطقة , في توخي أسلوب متدرج وجاد في اصلاح الأوضاع على ضوء تطورات الربيع العربي , وهو مانلحظه اليوم في المغرب الأقصى والجزائر أو في سلطنة عمان و في قطر والكويت ..., غير أن محصلات النكوص عن الاصلاح والتشبث باحتكار الثروة والسلطة في أقطار أخرى قد يدفع باتجاه تعميم الحالة الثورية وشمولها لمربعات رفض الاصلاح ... ليس بدعم وتشجيع وحماية عناصر النكوص والردة والمال السياسي الفاسد تفلح سياسة بعض دول الشتاء الجليدي الأعرابي في تعكير مناخ الربيع العربي , اذ بمثل هذه السياسة ستزيد أنظمة في احتقان واقعها الداخلي وتوليد الانفجار في أفق زمني قريب ... انما تنتظره المنطقة هو فهم رسالة الثورة والثوار في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن ..., ومن ثمة توخي سياسات اصلاحية صادقة تتيح كتابة الدساتير الوطنية والالتزام بها, والمضي قدما باتجاه تكريس العملية الانتخابية الحرة والنزيهة في افراز الهيئات النيابية المحلية والمركزية , مع بسط العدل في مسالك التنمية واقرار العدالة الاجتماعية في كل الدول المعنية بالثورة والربيع ... لن يضير الدول المعنية والمحرضة على الثورة والمستكتبة للأقلام والمستأجرة للفضائيات والاعلام , أن تشرع لملكيات دستورية حقيقية تستبقي الارث الملكي شكلا وتاريخا , مع اخضاع السلطان السياسي للانتخاب الحر , والسلطان الاقتصادي لقواعد العدالة في توزيع الثروة , مع الخضوع الكلي لسلطان المواطنة في مواجهة متطلبات الحق والقانون ... يدرك الجميع بأن حماية بن علي وعصابة السراق ودعمهما ماديا لارباك الأوضاع في تونس , يعد عملا عدوانيا لدى الشعب التونسي , كما أن احتضان علي عبد الله صالح ودعم قبيلته أو حزبه أو أجهزته من أجل تحويل اليمن الى ساحة حرب أهلية داخلية يعد عملا مناوئا لقواعد الأخلاق ومبادئ الاسلام العظيمة في الاجارة ... ومن منطلق ماذكرنا فان مصلحة المملكة العربية السعودية بارثها الاسلامي العظيم وتشريفها الرباني بأن تكون مهبط الوحي , أن تفهم رسالة الأشقاء في تونس واليمن ومصر وسوريا وليبيا ..., ومن ثمة ترفع الغطاء السياسي أو المالي أو الديني عمن تورط في ازهاق دماء المئات في تونس أو الآلاف في دول عربية أخرى تكتوي بنار القصف الجماعي والقتل العبثي... هذا هو الدور المرتقب سعوديا , وهو دور نابض في تصحيح مسار الأمة ومعيد لكرامتها من منطلق انساني واسلامي عادل , وأحسب أن للمملكة العربية السعودية مكانة عظيمة في قلوب مليار ونصف مسلم , وأن هذه المكانة قد اهتزت وارتجت باحتضان جدة كجزء من مهبط الوحي لبن علي ومن سار على شاكلته من عصابة مارقة عن العدل والقانون ... ان تخلص المملكة من أعباء بن علي وعصابته وعلي عبد الله صالح وارثه المتسلط الدموي في الحكم , سيجعل المملكة ومن جديد محط احترام كل أبناء العالم الاسلامي , أما حماية هؤلاء والتستر على جرائمهم استنادا الى فهم خاطئ لمبدأ الاجارة الاسلامي سيعجل بجعل المملكة هدفا آخر لامتدادات الربيع العربي وتوابع زلزال الحق والعدل فيه , وأحسب أن قادة مملكة الوحي وأحفاد الملك فيصل في غنى تام عن أعباء رجلين لوثا الأمة بثقافة القتل واشاعة الفتنة في ربوع الأمة ... للمملكة السعودية عيون تقرأ وآذان تسمع وقلوب تعي , وأحسب أن المملكة ستراجع نظرتها بحسب ماتقتضيه مكانتها العظيمة على مستوى الخارطة المستقبلية لأمة لامكانة لها دون عدل وكرامة وحرية... كتبه مرسل الكسيبي بتاريخ 25 جويلية 2011 كاتب واعلامي تونسي مقيم بألمانيا