الابتهاج السائد في شوارع طرابلس والشعور بالرضا في أوروبا وواشنطن أمر مفهوم، إلا أن الجزء الصعب حقا بدأ الآن. تفكك نظام معمّر القذافي بعد أربعة عقود من استيلائه على السلطة في ليبيا، وبعد نحو ستة أشهر من قرار المجتمع الدولي بضرورة رحيل العقيد. وكان الوصول إلى هذه المرحلة أكثر صعوبة واستغرق وقتا أطول مما توقع كثيرون. الابتهاج السائد في شوارع طرابلس والشعور بالرضا في أوروبا وواشنطن أمر مفهوم، إلا أن الجزء الصعب حقا بدأ الآن. إن قتل الطاغية والإطاحة بالنظام القديم شيء، ووضع خليفة أفضل يدوم فترة طويلة مكانه شيء مختلف تماما وأصعب بكثير. لا يوجد كثير من الأشياء المشتركة بين الثوار - الذين هم في الواقع خليط متباين («تحالف» يوحي بشيء أكثر تنظيما مما هي عليه الحال فعلا) من الأفراد والجماعات، من الموالين السابقين للنظام إلى العلمانيين الليبراليين إلى الإسلاميين - باستثناء معارضتهم للحكم المستمر لعائلة القذافي. وبما أن هذا الهدف على وشك أن يتحقق الآن، فقد تبرز خلافاتهم. ولا شيء من هذا خاص بليبيا وحدها، فهذه هي حال الثورات عبر التاريخ المسجل. والمرجح أيضا أن الليبيين وحدهم لن يتمكنوا من إدارة الوضع الذي سينتج. لقد بذل العقيد القذافي قصارى جهده لضمان ألا تكون هناك مؤسسة وطنية مؤهلة لتحديه. وعلى الرغم من الجهود التي بذلها أخيرا معارضو النظام لتشكيل جبهة مشتركة، إلا أن النتيجة هي أنه ليست هناك مؤسسة وطنية جاهزة وقادرة على تولي السلطة. المهمة شاقة، لكنها ليست مستحيلة. وقد كان أداء الثوار جيدا حتى الآن في حراسة المدن التي سيطروا عليها. وربما تكون حقيقة أنهم ساهموا في تحرير دولتهم عاملا مساعدا، إذ يبدو أن هناك حساً بالمسؤولية والملكية، وهو شيء غير موجود على الإطلاق في العراق. لا بد من منع أعمال النهب في الأيام المقبلة - وهو ما شوه الفترة التي أعقبت سقوط صدام حسين عام 2003. ويجب نزع سلاح مناصري النظام العنيدين، أو التغلب عليهم. ويجب تجنب الحرب القبلية. ويجب أيضا أن تسود العدالة، وليس الانتقام، كي لا تنشب حرب أهلية في ليبيا على غرار الحرب التي اندلعت في العراق بعد سقوط صدام، أو تسود الفوضى والإرهاب كما حدث في الصومال واليمن. ومن المهم تسليم من تم اعتقالهم من قادة حكومة القذافي، بمن فيهم الرئيس السابق وأبناؤه، إلى السلطات الدولية. ويجب إدماج معظم المؤيدين السابقين للنظام في ليبيا الجديدة. فمن شأن فعل هذا إرسال إشارة قوية للبلاد والعالم بأنه سيتم حكم ليبيا بعد القذافي بالقانون وليس بالانتقام أو النزوات. ويفرض كل هذا تحديات خطيرة على العالم الخارجي. فقد لعبت الطلعات الجوية من قبل طائرات الناتو التي بلغ عددها سبعة آلاف طلعة، دورا رئيسيا في انتصار الثوار. وكان التدخل «الإنساني» الذي تم القيام به لإنقاذ الأرواح التي كان يعتقد أنها مهددة هو، في الواقع، تدخلا سياسيا تم القيام به لإحداث تغيير النظام. والآن على حلف الناتو التعامل مع نجاحه. ومن المرجح أن تبرز الحاجة للمساعدة الدولية، بما في ذلك قوة دولية على الأرجح، لبعض الوقت للمساعدة على استعادة النظام وحفظه. ويعتمد حجم وتشكيلة القوة على ما هو مطلوب ومرحب به من قبل المجلس الوطني الانتقالي الليبي وما يتطلبه الوضع في ليبيا. وربما يجب على الرئيس باراك أوباما إعادة النظر في تأكيده أنه لن يكون هناك أي جنود أمريكيين في ليبيا، فمن الصعب تأكيد القيادة دون حضور فعلي. إلا أن التجارب تشير إلى بعض المبادئ التوجيهية. فعلى أقل تقدير يجب أن يكون العالم الخارجي مستعدا لإرسال مئات المستشارين العسكريين والسياسيين. وهذا على افتراض أن تتخلى العناصر الموالية للنظام السابق عن القتال، وأن يظل الثوار موحدين في الغالب، وأن يظل الشعب هادئا. وعلى الطرف الآخر من الطيف، هناك فكرة قوة دولية تتضمن عدة آلاف من الجنود، وقد يبدو العدد كبيرا لكنه في الواقع متواضع بعض الشيء بالنظر إلى عدد سكان ليبيا (ستة ملايين) وحجمها. ومن الواضح أن فعل هذا سيكون مكلفا وخطيرا، إلا أن الشيء الوحيد الذي سيكون أكثر تكلفة وخطرا هو نشوء ليبيا لا تكون فيها الحكومة مسيطرة على منطقتها. واستعادة النظام ليست كل ما يجب القيام به. التحدي يتمثل في المساعدة على إنشاء حكومة فاعلة ودعمها. وهذا يعني إعادة الناس إلى أعمالهم ووظائفهم والأطفال إلى مدارسهم. ولا بد من توفير الخدمات الأساسية للسكان، بما في ذلك الكهرباء والغذاء والماء. ويجب أن تأتي المشاركة العسكرية، لكن في وقت لاحق. ويجب أن يتم توفير الأصول الليبية الموجودة في المؤسسات المالية الغربية والتي تم حجبها عن النظام السابق، لكن على أساس مشروط فقط - حين يصبح واضحا أن الحكومة الخليفة هي في الواقع كيان وطني، مستعد وقادر على حماية وإعالة مواطنيه. وبخلاف ذلك، يجب منع إعطاء الأموال إلى أن تصل ليبيا إلى هذه المرحلة. ويقع على عاتق الناتو والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، من خلال العمل مع المعارضة الليبية، والاتحاد الإفريقي، والجامعة العربية وضع استجابة للواقع الليبي الجديد - واقع يشمل مليون لاجئ ومئات الآلاف من المدنيين النازحين داخليا ودولة كانت قبل الاضطرابات تنتج نحو 1.6 مليون برميل نفط يوميا. يستغرق كل هذا سنوات عديدة، لكن أيا كانت الاستجابة الدولية، فإن السرعة أمر ضروري. ومن غير المحتمل أن يجعل مرور الوقت الخيارات أسهل أو أكثر جاذبية. الكاتب* رئيس مجلس العلاقات الخارجية مؤسسة فكرية أمريكية ومؤلف كتاب «حرب الضرورة وحرب الاختيار: مذكرات حربين عراقيتين» War of Necessity, War of Choice: A Memoir of Two Iraq Wars المصدر : فايننانشال تايمز الأمريكية - 29 أغسطس 2011