كتبت منذ أسبوع في " الوسط التونسية " همسا أن كثرة المساحيق في رمضان قد تفسد الصيام " و حتى لا أفسد صيامي سيكون كلامي " بعيدا عن أساليب المجاملة العقيمةو الدبلوماسية الرتيبة " كما قال أحد الأخوة في سلسلة مقالاته الأخيرة المنشورة بالوسط،، و بداية أود الإشارة إلى أن صراحتي قد لا تعجب بعض الأخوة، و لكن مادام أن الشعار الذي رفع هو " لا نجامل و لا نعادي و لكن دفاعا عن الحق و الوطن " فلا بأس من اقتباس هذا الشعار و لكن أقول دفاعا عن الحق كما تراءى لي و رأيي قابل للصواب و الخطأ وسيكون أسلوبي كعادته بسيطا ومباشرا . لا أشك مطلقا في صدق نوايا بعض الأخوة في الاسراع في حلحلة ملف المساجين السياسيين بتونس، و لكن عند تصفحي لمقالاتهم مؤخرا أحسست بأن هناك سيناريو تم إخراجه منذ سنوات، و يعاد عرضه الآن بأبطال جدد، و نحن نعلم جميعا " أن التاريخ لا يعيد نفسه فإذا حدث ففي شكل مهزلة ". و ليسمح لي الأخوة الكرام أن أتساءل منذ متى كان المسمى - برهان بسيس-" إعلاميا طموحا وأنشط الشخصيات الإعلامية التونسية " ؟ فما هو وجه الطموح ووجه النشاط لديه،؟ و منذ متى حصلت عندهم القناعة بأن السيد بسيس " يمثل أحد الوجوه اللامعة بين الإعلاميين التونسيين في السنوات الأخيرة.....ينتصر للحريات العامة و الفردية و قيم الديمقراطية و الحداثة " ؟ هل تطلبون منا إلغاء عقولنا و قراءة ما يخطه برهان بسيس من اليسار إلى اليمين رغم أن الحروف التي يكتب بها عربية، صراحة لقد فوجئت مما خطه الأخوة الكرام، فأنا أحاول أن أقرأ أغلب ما يكتبه برهان و لم أجده يوما انتصر للحريات العامة و الفردية و قيم الديمقراطية و الحداثة الحقة بمفهومها الغربي أو بمفهومها الإسلامي إلا إذا صدق هؤلاء الأخوة أن تونس واحة الحرية و الديمقراطية و أن النظام التونسي الذي يعتبر برهان واجهته الإعلامية مثالا للنظام الديمقراطي الحداثي و تتوالى المقالات ليزداد استغرابي عندما حيى أحد الأخوة برهان بسيس على وضوحه و مبدئيته في الدفاع عن مساجين حركة النهضة و لو من منطلق إنساني كما قال، معذرة أخي هذه شهادة سنحاسب عليها إذا قبلنا تسويقها، فبرهان بسيس صرح عديد المرات أن السجون التونسية خالية من أي سجين سياسي، و أن مساجين حركة النهضة هم مساجين حق عام بمعنى " مجرمين " قال فيهم القضاء كلمته و هم ليسوا مساجين سياسيين، فهل يعتبر هذا دفاعا عن الأخوة المساجين فرج الله كربهم ؟ أما ما ورد في مقاله الأخير"عن التكفير و مدرسته " فهو خطاب مسموم و مفخخ كان يجدر بالأخ الكريم قراءته جيدا،فبرهان بسيس حاول جر المعركة إلى مربع النهضة الداخلي بالتباكي على حال المساجين و عائلاتهم و اعتبار الشيخ راشد الغنوشي مسؤولا عن مأساتهم،و كأن الأخوة المساجين عذبوا و اعتقلوا في " غوانتنامو " أو " أبو غريب " و ليس في سجون النظام التونسي،و كأن مأساة عائلاتهم و مأساة الأخوة المفرج عنهم ليس سببها سياسية الانتقام لنظام السابع من نوفمبر الذي يعد بسيس أحد المدافعين عن هذه السياسة،و لو قرأ الأخ الكريم مقال برهان جيدا لما وجه له التحية فهو يدعو بصراحة و بدون خجل إلى إشعال فتنة داخلية بين أبناء حركة النهضة و نشر ما سماه " بالغسيل الداخلي "،و للأسف لم يتأخر الأخ الكريم في الاستجابة لطلب بسيس حين طالب صراحة في مقاله " لا نجامل ولا نعادى " بتنحية بعض القادة من المسرح السياسي و قصده واضح، و الأكيد أن الأخ الكريم يؤمن بالعمل المؤسساتي و تمثل قيمة الديمقراطية داخليا قبل تسويقها خارجيا،و أبسط قواعد الديمقراطية احترام رأي الأغلبية،و إذا أحس الفرد أن الخلاف أصبح جوهريا فلا يمكنه كأقلية إلا الاختيار بين الخضوع لرأي الأغلبية أو الانسحاب و اختيار طريق آخر لتصريف قناعاته،و الأخ المذكور حسب ما قرأت له سابقا اختار الانسحاب من الحركة فكيف يطرح نفسه خطا فكريا معتدلا داخل حركة النهضة ؟ و لم يكتف بذلك بل ذهب في مقاله " ما تنتظره تونس بمناسبة شهر رمضان " إلى تحميل حركة النهضة ضمنا مسؤولية الهجمة الأمنية و المظلمة الكبيرة التي تعرض لها أبناؤها برفضها كما قال " الفرصة التاريخية الواعية و المسؤولة " بقبول عرض المشاركة في انتخابات 1989 تحت إطار قوائم الحزب الحاكم؟ ورغم كون هذه المعلومة غير صحيحة فان هذا منطق غريب حتى السلطة لم تسوق له، و أية ديمقراطية هذه التي تخير فيها حركة معارضة بين دخول الانتخابات في قوائم الحزب الحاكم أو الزج بأبنائها في السجون؟ معذرة أخي مرة أخرى أطلب منك إعادة التفكير في هذه المسألة فليست هذه هي الديمقراطية حتى في أبشع صورها. و إن كان الأخ الكريم حرا حسب قناعاته في الانتصار لبرهان بسيس و الإعجاب بمقاله "عن التكفير و مدرسته "، إلا أنه سقط من حيث لا يدري في القبول باتهام مؤسسات حركة النهضة و أبنائها غير المنخرطين في توجهه الجديد بالتكفريين، ذلك أن الأخ الكريم حاول الرد على برهان بسيس عند اتهامه للحركة " بالمدرسة التكفيرية "بكون مدرسة النهضة أكبر من الشيخ راشد الغنوشي و توجهه السياسي، أي أن هناك خط فكري كما يسميه هو بالمعتدل داخل مدرسة النهضة ليس تكفيريا، و هذا يعني أنه يقبل بنعت برهان بسيس للبقية بالتكفيريين،و كان حريا بالأخ المحترم مادام يدافع عن الحق أن يرد هذا الاتهام المغرض عن حركة النهضة برمتها، فمنذ التأسيس المبارك للحركة لم يتم اتهامها " بالمدرسة التكفيرية " و الأخ الكريم عبد الحميد العداسي لم يكفر برهان بسيس فهو يعلم ان بين المرء و الكفر الشهادتان، كما عجبت لما خطه الدكتور القديدي عندما ساير برهان بسيس في محاولة الصاق تهمة التكفير بحركة النهضة في حديثه عن التكفير الديني للإسلاميين و التكفير السياسي للسلطة. و يسترسل الأخ الكريم إلى القول " فقد وصل الإسلاميون التونسيون بتيارهم الوطني المعتدل "فهل الوطنية أخي جبة ننزعها عمن نريد ووقتما نريد، و هل الاعتدال صفة ينعت المرء بها نفسه، أم احتكام لأسس و مقومات " الاعتدال "، عفوا أخي إذا كنت وصلت إلى القناعة التي ذكرتها فهذا مع احترامي لوجهة نظرك ليس اعتدالا لأنك جعلت من" يوسف" الملقى به في الجب مخطئا و من أخوته الذين ألقوا به في الجب على صواب. و في خضم هذه المقالات يطل علينا الدكتور أحمد القديدي حاملا بشائر الوفاق الوطني في تونس معتبرا أن الحوار بين الأخوين الكريمين مع الواجهة الإعلامية لسياسة نظام السابع من نوفمبر حوارا وطنيا و بشائر وفاق وطني، هل هذا هو الحوار الوطني المنشود الذي سينقل المشهد السياسي بعتمته إلى الحلحلة؟ ، عفوا اسمح لي أن أقول لك أن القفز على المطالب الحقيقية و الجادة لأي تحول سياسي سليم بمجرد مساحيق إعلامية هو دفع من حيث لا ندري لاستمرار الواقع السياسي المتعفن،و أن أي حوار يستثني القوى الحقيقية و الوازنة هو مخاطرة غير محسوبة،فعملية النفخ في شخصية برهان بسيس و تجميل صورته و اعتباره " من الوجوه التي يمكن التحاور معها من أجل إرساء ثقافة التسامح و التنوع و الانتصار لقيم الحق و العدل و الحرية " كما جاء في مقال أحد المبشرين بهذا التوجه الجديد هو محاولة للنفخ في بالون هواء قد يعمد صاحبه إلى ثقبه إذا أحس بأنه أصبح منتفخا بشكل كبير و هذه سياسة الدولة الأمنية المركبة. ليس هناك من يرفض الحوار و المصالحة و لكن للحوار أسس و للمصالحة مضمون، فالحوار الحقيقي يقوم على التكافىء و تغليب المصلحة الوطنية و ليس استجابة لإملاءات أو توبة أو صفح، و لا أحد يريد إطالة مأساة المساجين السياسيين، فعيب علينا التسويق لمقولات مغرضة يبثها المستفيد الحقيقي من إطالة المأساة و هم الذين ما فتئوا ينفخون في رماد الفتنة لمزيد استعداء هرم السلطة على الحركة الإسلامية، فملف المساجين السياسيين يثقل كاهل السلطة بعد أن تبنته الحركة السياسية المعارضة برمتها و تبنته أطياف المجتمع المدني بكل تلويناتها و أصبح الملف يمثل مطلبا وطنيا بامتياز، فأرجو من الأخوين أن لا يكونا مطية لاستجداء عفو و صفح يخرج المساجين السياسيين في صورة المجرمين الذين يستحقون عطفا و صفحا من قلب رؤوف و رحيم، و إذا كانت السلطة تسعى بحق لتسوية الملف فما يمنعها من ذلك؟ فخروج الأخوة من السجن لن يطول بإذن الله،و لعل السلطة بحاجة من أي وقت سابق لمن يستجدي هذا العفو لتظهر بمظهر المتسامح و هذا يبخس صمود الأخوة المساجين فلا تكونوا مطية لذلك. و أخيرا أسأل الأخوين الكريمين عن سياسة " نصف الكأس المملوء" التي انتهجها أحد الأخوة سابقا و الذي جلس إلى الرئيس التونسي و كتب عنه ما كتب، فإذا كان الدكتور الهاشمي الحامدي قد ذكر أنه ملأ نصف الكأس تشجيعا للسلطة على الحوار، فهل ستقومان بملأ النصف الباقي و بالتالي يصبح الكأس كله مملوءا، و يصبح سجل النظام التونسي ناصعا في مجال الحريات و الديمقراطية و التنمية و العدالة الاجتماعية و محاربة الفساد بكل مظاهره... فبماذا ستطالبانه إذا أصبح الكأس مملوءا؟ ، وأقول للأخوين الكريمين أنا لا أرفض محاورتكما لبرهان بسيس فلست عدميا ولكن ليكن الحوار كل من موقعه حتى لا يجد القارىء نفسه بين وجهين لعملة واحدة رغم يقيني بصدق نواياكما،وليس بالإغراق في مدح رئيس الدولة وكأنه لا علم له بما حدث ويحدث يكون الحوار الحقيقي . هذه بعض الأسئلة أطرحها على الأخوين الكريمين حتى لا أقول على " التيار الإسلامي الوطني المعتدل " لأني لا أعرف من انخرط في الحوار مع برهان بسيس سواهما، و أرجو أن يقبلا رأيي و أسئلتي فلعل في الإجابة عليها بعض من النصيحة، و رأيي مجرد رأي يقبل الصواب و الخطأ. و قبل ختم المقال أوجه تحية إكبار للقلم النقي و الحر عبد الباقي خليفة على شجاعته و استواء قلمه و على ما خطه في مقاله " متى نخرج من القرون الوسطى " و دعوته إلى الالتفاف حول حركة النهضة، و يشرفني أن أكون من المستجيبين لهذه الدعوة الصادقة، و أدعو كل الأخوة الذين غادروا الحركة لخلافات سياسية مراجعة موقفهم و الالتفاف حول الحركة، فمستقبل حركة النهضة جزء مهم و رئيسي من مستقبل تونس السياسي و الاجتماعي و الثقافي و الاقتصادي ، وحتى يتأكد برهان بسيس أن حركة النهضة فعلا مدرسة لا يتخلى عنها أبناؤها وان اختلفوا في الرأي .