مهدي بلحاج: هضبة سيدي بوسعيد مهدّدة    30 مؤسسة تستكشف السوق النيجيرية    اجتماع أمني تونسي ليبي بمعبر راس جدير    متاحف بريطانيا تعير غانا الكنوز الملكية المنهوبة أثناء الاستعمار    الرابطة المحترفة الثانية: نتائج مباريات الدفعة الثانية للجولة الحادية والعشرين    بصورة نادرة من طفولته.. رونالدو يهنئ والدته بعيد الأم    مرحلة التتويج من الرابطة الأولى: النادي الصفاقسي يعقّد وضعية النادي الافريقي    اوّل انتصار ..ثلاثيّة امام النادي الافريقي ترتقي بالفريق الى المرتبة الرابعة    صفاقس: إحباط 22 عملية حَرْقة والقبض على 10 منظّمين ووسطاء    سليانة: السيطرة على حريق نشب بأرض زراعية بمنطقة الهوام    عاجل/ مداهمة مكاتب قناة الجزيرة في القدس ومصادرة معدّاتها..    منوبة: الاحتفاظ بمجموعة حاولت تحويل وجهة شخص واغتصابه باستعمال العنف    سوسة: منفّذ عملية براكاج باستعمال آلة حادة في قبضة الأمن    مرحبا قُدوم دينا في بيت الصديق ابراهيم وحرمه نرجس    وزير الشّؤون الدّينية يختتم الملتقى التّكويني لمؤطّري الحجيج    معهد الصحافة وعلوم الأخبار: المعتصمون يقررون تعليق مقاطعة الدروس ومواصلة الاعتصام    جمعية مرض الهيموفيليا: قرابة ال 640 تونسيا مصابا بمرض 'النزيف الدم الوراثي'    إنتاج الغلال الصيفية ذات النّوى يبلغ 245 ألف طن    فص ثوم واحد كل ليلة يكسبك 5 فوائد صحية    تستور: الإحتفاظ بعنصر إجرامي مفتش عنه من أجل " سرقة مواشي والإعتداء بالعنف الشديد ومحاولة القتل".    محكمة الاستئناف بالمنستير توضّح بخصوص عدم الاستجابة لطلب القاضي أنس الحمايدي    الاثنين : انطلاق الإكتتاب في القسط الثاني من القرض الرقاعي الوطني    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الأحد 5 ماي 2024    رسميا "ناجي جلّول " مرشّح حزب الإئتلاف الوطني للإنتخابات الرئاسية    أريانة: الكشف عن وفاق إجرامي وحجز كمية من الهيروين وسلاح ناري أثري    حقيقة الترفيع في تعريفات الكهرباء و الغاز    كأس تونس لكرة اليد... «كلاسيكو» من نار بين «ليتوال» والترجي    الإدارة الجهوية للتجارة بولاية تونس ترفع 3097 مخالفة خلال 4 أشهر    تفاصيل الاكتتاب في القسط الثاني من القرض الرّقاعي الوطني لسنة 2024    مختصّة في أمراض الشيخوخة تنصح باستشارة أطباء الاختصاص بشأن أدوية علاجات كبار السن    أمين عام منظمة التعاون الإسلامي يدعو لوقف حرب الإبادة في غزة وحشد الدعم للاعتراف بدولة فلسطين    للمرة ال36 : ريال مدريد بطلا للدوري الإسباني    المهدية: الاحتفاظ بشخص محل 15 منشور تفتيش وينشط ضمن شبكة دولية لترويج المخدرات    ظهرت بالحجاب ....شيرين عبد الوهاب تثير الجدل في الكويت    هذه مواعيدها...حملة استثناىية لتلقيح الكلاب و القطط في أريانة    زلزال بقوة 5 درجات يضرب جنوب شرقي البيرو    طقس قليل السحب بأغلب المناطق وارتفاع طفيف للحرارة    جامعة الثانوي تدعو الى وقفة احتجاجية    نتائج الدورة 28 لجوائز الكومار الادبي    لتحقيق الاكتفاء الذاتي: متابعة تجربة نموذجية لإكثار صنف معيّن من الحبوب    الرابطة المحترفة الثانية : نتائج مباريات الدفعة الأولى للجولة الحادية والعشرين..    شيرين تنهار بالبكاء في حفل ضخم    هند صبري مع ابنتها على ''تيك توك''    غدًا الأحد: الدخول مجاني للمتاحف والمعالم الأثرية    انتخابات الجامعة:إسقاط قائمتي التلمساني و بن تقية    عروضه العالمية تلقي نجاحا كبيرا: فيلم "Back to Black في قاعات السينما التونسية    منع مخابز بهذه الجهة من التزوّد بالفارينة    لهذا السبب.. كندا تشدد قيود استيراد الماشية الأميركية    "سينما تدور".. اول قاعة متجوّلة في تونس والانطلاق بهذه الولاية    قتلى ومفقودون في البرازيل جراء الأمطار الغزيرة    فتحي عبدالوهاب يصف ياسمين عبدالعزيز ب"طفلة".. وهي ترد: "أخويا والله"    رئيس اللجنة العلمية للتلقيح: لا خطر البتة على الملقحين التونسيين بلقاح "أسترازينيكا"    المدير العام للديوانة يتفقّد سير عمل المصالح الديوانية ببنزرت    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    العمل شرف وعبادة    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القذافي يوبِّخ قائد الأمن المرعب : سلمى ميلادي جنرال.. وأنت تحت إمرتها
نشر في الوسط التونسية يوم 19 - 10 - 2012

جزئان من كتاب حول القذافي الحلقه السابع عشر والثامن عشر
عُرف عن العقيد معمر القذافي انه كان ماجناً، وكلما تقدم به العمر، كان يحيط نفسه بمزيد من الفتيات، يتحرش بهن، ويعاشرهن، ويعتدي عليهن، وكأنه كان يريد أن يثبت «رجولته الدائمة»، كما كان يُخضع شعبه، رجالاً ونساء، لآلة القمع التي استخدمها بلا رحمة ليحصل على ما يريد ومن يريد.
صوريا، التي ولدت في المغرب، كانت أيقونة أبيها، كانت لديها أحلام هائلة، تحطمت جميعاً، بعدما انتقلت إلى سرت، وأصبحت هدفاً للقذافي، ثم غنيمة له وجارية!
وفي كتاب «الفرائس في حرم القذافي»، الذي تنشره القبس، تروي قصتها.
الصور الوحيدة التي التقطت لمنصور ضو كانت بعد اعتقاله في العملية نفسها التي ألقي القبض فيها على معمر القذافي، وفي ظروف مشابهة الى حد ما. التقط الثوار الصورة بواسطة كاميرا هاتف نقال في أجواء عارمة من الفوضى. حيث بدا - لحظة توقيف الموكب في طريق الهروب - ضائعا لا يدري أين هو! كان ينزف من جرح تحت عينه اليمنى، أصيب به بشظية عند مدخل الصحراء. لقد كانت صورة المهزوم المرعبة!
بقي منصور ضو حتى اللحظة الأخيرة الى جانب الدكتاتور الليبي. وغادر معه باب العزيزية على عجل، عندما سيطر المتمردون على طرابلس باتجاه منطقة بني وليد، حيث ودَّع القذافي أفراد عائلته قبل أن يتوجها معا الى سرت، ويختبئا في مكان من دون كهرباء أو طعام. حاصرهما المتمردون تدريجياً، حتى لحظة محاولة الهروب التي أفشلتها غارات «الأطلسي».
زارع الرعب في القلوب!
كان منصور ضو مسؤول الأمن الليبي - الى جانب سيف الإسلام القذافي - واحدا من بين القلائل الذين بقوا مخلصين للعقيد القذافي الذين بقوا على قيد الحياة أو تعرضوا للأسر على يد النظام الجديد.
اسمه زرع الرعب في قلوب الليبيين لأكثر من ثلاثين عاما. وكانت آخر أعماله الإجرامية والوحشية: الاغتصاب، والتعذيب، والاعدامات التي ارتكبت بحق الثوار ومؤيدي الثورة.
كل ليبيا تريد أن تسمعه، وتعرف ما عنده من معلومات وأسرار، ولكن «منصور ضو لن يتكلم». هذا ما قاله لي ابراهيم بيت المال، عضو المجلس العسكري في مصراتة والمسؤول عن السجناء العسكريين، رغم أنه سمح لي بلقائه.
التقيت منصور ضو في العاشر من مارس 2012 في قاعة الاجتماعات الكبرى التابعة لمقر قيادة الجيش في مصراتة. كان هادئا، ممشوق القامة، يرتدي جاكيتا عسكريا، وكانت لحيته البيضاء موضبة وقصيرة. رسم على وجهه ابتسامة ساخرة. لقد وافق على مبدأ المقابلة، من دون أن يعرف الموضوع، قد يكون وجد في ذلك فرصة لقضاء بعض الوقت خارج الزنزانة الانفرادية.
ودار بيننا حديث، بدأه بالقول:
- لقد زرتُ فرنسا أربع مرات.. وقد استمتعت كثيرا.
● نعم، ولكننا هنا لأنني أجري تحقيقا حول موضوع يعتبر من المحرمات، حول جرائم القذافي الجنسية.
- أنا لا أعرف شيئا عن هذا الموضوع. القذافي من عائلتي وكان عليّ أن أحترمه. وبالتالي لم يكن من الممكن التطرق معه الى هذا الموضوع. كنت أمنع نفسي من النظر في هذا الاتجاه. كنت أحرص على الاحتفاظ بمسافة بيني وبينه، كان ذلك أفضل طريقة لأحافظ على احترامي لنفسي، كنت هكذا أحمي نفسي.
● هل كنت تعرف على الأقل أن القذافي كان يستخدم العنف الجنسي مع مئات من الشابات؟
- لا أنفي ولا أؤكد.. كل شخص يحق له أن يحيا حياته الخاصة.
● هل يمكن الحديث عن حياة خاصة عندما تفرض العلاقات الجنسية بالإكراه؟ وعندما تسخّر أجهزة الدولة لها؟
- كان هناك أشخاص على علم بذلك. أما أنا، فلا.
هل تعلم؟
● هل كنت تعلم أن شابات صغيرات كن محتجزات في قبو بيته؟
- أقسم أنني لم أنزل مرة واحدة إلى الطابق تحت الأرض، أنا قائد عسكري رتبتي من أعلى الرتب العسكرية في الجيش. لقد ناقشت أطروحة دكتوراه في موسكو حول القيادة العسكرية. عندما كنت أزور إحدى الثكنات، كان الجميع يرتعد خوفاًَ. عرفت دائماً كيف أفرض احترامي، خصوصاً من خلال ابتعادي عن كل المسائل الخاصة والتي لا تهمني.
● ما الذي تقصده بكل هذه المسائل؟
.. فجأة شعرت بأنه لم يعد مرتاحاً. من دون أدنى شك كان ينتظر أن أسأله عن قضايا الحرب، عن المرتزقة، ولكن الأكيد ليس عن النساء. وبات حذراً.
● كيف كان ينظر قائد عسكري كبير مثلك إلى القذافي عندما يصل مع حرسه النسائي، ومعظمهن لم تكن سوى عشيقاته ولم يكن لديهن أي تجربة عسكرية؟
- لم أكن مسؤولاً عن تنقلاته ولا عن زياراته للخارج. كنت أرفض مرافقته. وخلال الفترة القصيرة التي توليت فيها قيادة كتيبة حماية القائد يمكنني أن أؤكد لك أن فتيات الجهاز الخاص لم يكنّ موجودات.
● ألم تكن تشعر بالإهانة من هذه المهزلة؟
- ماذا كان بمقدوري أن أقول؟ لم أكن احتكر الجيش الليبي، حتى ولو أنني لم أكن مرتاحاً لم يكن بوسعي أن أفعل أي شيء.
على أي حال، إن النساء لسن للخدمة في الجيش. هذا يتنافى مع تقاليدنا وأعرافنا كما يتنافى مع الطبيعة. ولو سألوني عن وجهة نظري لما كانت هناك أكاديمية عسكرية نسائية في ليبيا.
● هل كان القذافي يؤمن بهذه الأكاديمية حقاً عندما أنشأها عام 1979؟
- ممكن، ولكن الأكيد أن هذه الأكاديمية هي التي أعطته فكرة استخدام النساء بشكل أو بآخر.
ضحك ونظر باتجاه قائد السجن الذي انضم إلينا عله يجد نظرات متواطئة معه.
سلمى ميلادي
سألته عما إذا كان يعرف النساء الحارسات اللاتي حدثتني صوريا عنهن، خصوصاً سلمى ميلادي التي كانت تضع المسدس دائماً على وسطها، وتسهر على أمن القائد وترافقه مثل ظله في كل تنقلاته وتكوي ملابسه وترهب وتعذب الفتيات المستجدات؟
لم يتردد، وقال لي «بكل تأكيد أعرفها»، حتى إنه أقر بالخبرة المهنية التي تلقتها في الأكاديمية العسكرية، ولكنه لم يتمكن من ابتلاع الدور المهم الذي تمكنت من أن تلعبه: «كانت العلاقة الحميمة التي تربطها به تصدمني. ماذا تظنينني؟ حتى انني كنت أصرخ عليها، ولم أكن أمرر الأخطاء التي كانت ترتكبها عندما كانت تحت إمرتي. ذات يوم كنا في الكفرة في جنوب البلاد، وقد وبخَّتها على جهاز الاتصال الداخلي. ورصد القذافي المكالمة وتدخل غاضباً، وقال لي «لا تتحدث معها إطلاقا بهذه الطريقة! سترى ذات يوم سأعينها جنرالا وستكون رتبتها أعلى منك!».. فقدت أعصابي وبدأ دمي بالغليان. ولم أتردد في الرد على القذافي، وقلت له: حتى إذا عينتها جنرالا فستبقى بعيني سلمى ميلادي». وتابع منصور «كل أجهزة شبكة الاتصالات التي كانت مربوطة على الموجة التي كنا نتحدث عليها سمعت هذا الحوار. لقد شعر القذافي بانه أُهين، وقال لي «كيف تتجرأ على التحدث بهذه الطريقة مع قائد الجيش؟!». بعد ذلك أرسل طائرة خاصة لإحضاري الى طرابلس وسجنني ثلاثين يوما».
ثم التفت الي وسألني: «ما رأيك؟ هل هذا يظهر لك أن لدي قيما وأخلاقا وخطوطا حمراء؟!».
جنرال القضايا الخاصة
قيل لي إن منصور ضو لا يسمح لنفسه بانتقاد القائد. وشعرت بأنه يريد أن ينأى بنفسه عن كل مشاركة أو تواطؤ تورط به القذافي، خصوصا هذا الموضوع الساخن.
لم يكشف لي أي أسرار، وكان يتحدث تلميحا. ولكنه أكد لي أن معظم تصرفات القذافي كانت معروفة لدى المقربين منه. وكانت تزعج بعضهم، ولكنهم لم يتفوهوا بكلمة واحدة، ولم يتجرأوا على توجيه أي انتقاد. علاقات القائد بالنساء، سواء كنَّ عسكريات أو لا، كانت في المجال الخاص به. وكانت الصاعقة يمكن أن تقع على أي شخص لا توافقه تلك التصرفات. أما الذين تفهموا، شجّعوا، أو سهّلوا هذا الهوس المرضي لديه، فإنهم حصلوا على سلطات واسعة داخل النظام.
ولم يتمكن منصور ضو من إخفاء احتقاره. وسألته:
● كيف كانت نشاطات العقيد في هذا المجال منظمة الى هذا الحد؟
- كانت تتنكر خلف جهاز البروتوكول برئاسة نوري مسماري، الذي كانت الوقاحة أو الجرأة تصل به الى حد كان يتخايل بملابس الجنرال، وكان يطلق عليه اسم «جنرال القضايا الخاصة»، لتجنب نطق الكلمة المناسبة.
● أي كلمة؟
- بالكاد أجرؤ على قولها.. «جنرال (..)». كان يبحث دائما عن النساء، كان هذا اختصاصه ومهمته الرئيسية. كان أحيانا «يلم» (..) من الشوارع.
القذافي آمن بالشعوذة
● ومبروكة شريف؟
كانت أساسية في العملية. وكانت حتى تحظى بنفوذ أكبر لدى القذافي من مسماري. وكانت ملتصقة به دائما. وكانت تثير اشمئزازي وقد رفضت ثلاث مرات أن أصافح يدها. كانت لديها شبكة، وكانت تهتم ضمن ما تهتم به بنساء بعض قادة الدول. كانت تمارس الشعوذة، وهي بالتأكيد لجأت إلى الشعوذة للسيطرة على القذافي واخضاعه لها.
● هل كان القذافي يؤمن بالشعوذة؟
كان ينفي ذلك. ولو كنا نعيش في مرحلة العلوم فان قادة الدول الغربية يستشيرون العرافات، وقد كنا مجموعة حاولت أن تحذره من مبروكة شريف ومسماري، لأنهما كانا يمارسان الشعوذة.
أتذكر جيدا، كنا خمسة من كبار ضباط القيادة العسكرية معه في السيارة، وكنت أنا الذي أقود. قلنا له: احذر، انك ضحية الشعوذة التي يمارسها ضدك مسماري ومبروكة شريف! إنهما يؤثران سلباً في صورتك. هز كتفيه وقال لنا «إن ثقتي مطلقة بهما». كل محاولاتي لتحذيره قد فشلت. لقد كان الرئيس وكنت موظفاً بسيطاً. وأنا في النهاية لست مسؤولاً عن جرائمه.
● هل سمحت لك الفرصة للاقتراب من جهاز البروتوكول؟
عمليا، لا. على الاطلاق. لأنني، كما قلت لك، كنت أرفض المشاركة في الزيارات الخارجية، التي كان ينظمها مسماري. وقد طُلب مني أن أذهب الى فرنسا، واسبانيا.. وكان يُوضَع اسمي على لوائح الوفد وكانت تحجز لي الغرف في الفنادق. لكنني كنت أرفض ولم أرد يوما أن أشارك في ذلك.
● تشارك في ماذا؟
التحركات حول النساء.
● هل لأن الزيارات الرسمية كانت تشكل مناسبات للتهريب؟
سمعت كثيرا من الأشياء. كانت هناك صدامات مع العسكريين الحقيقيين. مسماري كان يتحدث عدة لغات. وكان يتدبر أموره كرئيس البروتوكول لتمويه وصول النساء عبر الوفود أو كصحافيات. وكنت أعلم أن الجهاز الخاص كان يدر الأرباح على المسؤولين عنه، خاصة خلال الزيارات الرسمية الى خارج ليبيا، حيث كان يُتلاعب بالهدايا. وعرفت كيف أحمي نفسي.
خطف صوريا
أثرت معه خطف صوريا من سرت من قبل سلمى ومبروكة واغتصابها المتكرر واحتجازها في باب العزيزية.
شعر بالأسى وهز برأسه، وقال «لم اُستَشر حول هذا النوع من المواضيع. وكان يمكن أن أعارضها. وكان على الأرجح زجني في السجن. أقسم لك، لأنني لا أعرف شيئاً عن الطابق تحت الأرض في منزل القذافي. لان هذا ضد قيمي. لأنني عسكري محترم. والد وجد. هل يمكنك أن تتخيلي أني يمكن أن أغتصب أحدا؟ أو (..)؟ لا على الإطلاق. وأنا لا أستطيع أن (...) امرأة إذا لم تكن راغبة في ذلك»!
سادت لحظات من الصمت. وبدا لي وكأنه يسترسل بأفكاره.. تنهَّد. ألقى نظرة على حراس السجن. رفع يديه الى السماء، وقال: «كان عليه أن يكون الأب الروحي للأمة.. هذا رهيب!».
هل فعلا فوجئ منصور ضو بالقذافي أم أنه كان يمثل علي؟
هل يمكن تخيل مسؤول الأمن في ليبيا يُصدم عندما يُتحدَّث أمامه عن الجرائم الجنسية التي ارتكبت في باب العزيزية، بينما العديد من الموظفين (حرس، سائقون، ممرضات..) كانوا على علم بها؟
- لم أكن أرافقه عن كثب. كنا أقارب، بقيت الى جانبه حتى النهاية. ودعمته عندما كان مصابا بجروح وساعدته على الاختباء. وأقسم أن هذه المعلومات تشكل صدمة بالنسبة إلي.
● هل يمكن القول إن الجنس كان سلاحا سياسيا؟
تعريف جيد أن المسألة كلاسيكية. والجميع يستخدم سلاح الجنس. حتى في فرنسا. عندما زرت باريس أول مرة، علمت أن جهاز الاستخبارات الفرنسي قد أرسل إلي امرأة تونسية لكي تُوقع بي. وكانت مسألة طبيعية، ولكن الفرنسيين لا يعرفونني ولا يطاردونني. أنا الصياد. القذافي غالباً أرسل فتيات للإيقاع بأقاربه وبكبار المسؤولين في ليبيا، بعضهم وقع في الفخ.
● هل كنت تعلم أنه كان يجبر بعض الوزراء على إقامة علاقة جنسية معه؟
- هذا لا يفاجئني. كان هناك الكثير من الطموحين، كان هناك من يرسل له نساءه أو بناته للحصول على رضاه! وهذا يشكل ذروة الذل والمهانة في الثقافة الليبية، وهو يشير الى أشباه الرجال.
● لقد حاول حتى اغتصاب زوجات أبناء عمه.
- يجب ألا يكون المرء رجلاً للقبول بالمس بزوجته.
● كيف كان عليهم ان يتصرفوا؟
- أن يقتلوا المغتصب. وأن ينتحروا.
● ليس بمقدورك أن تجهل أنه اغتصب نساء ضباط كبار في الجيش؟
- بمقدوري أن أؤكد لك أنه لم يقترب من عائلتي، وعملت كل شيء لأحميها.
● كيف؟
- كنت أمنع زوجتي من الصعود الى أي سيارة لا أقودها أنا أو أحد ابنائي، لا يوجد لدينا سائق، باستثناء حالة واحدة كنت من وقت لآخر ألجأ لخدمات شقيق زوجتي، وكان أكثر حذراً مني لأنه كان يغار.
● كنت تحذر القذافي؟
- لم ندعُه الى عرس ابني. في اليوم الثالث جاءت صافية للتهنئة وأخذت صورة مع ابني وزوجته، هذا كل شيء.
● لماذا؟
- لأنني لا أريد لعائلتي المحترمة من الجميع أن تتورط في هذا النوع من التصرفات. وقد تم العرس في منزلي الخاص، لأنني أخشى من كاميرات الفنادق. وكانت الفرقة الموسيقية مؤلفة من النساء. حفل الاستقبال من النساء باستثناء ابني. وقد منعنا استخدام الهواتف النقالة لكي لا تلتقط الصور.
● هل تعتقد انك لو كنت دعيت القذافي الى العرس كان يمكنه أن يختار فريسة؟
- ما كان ليتجرأ على المس بإحدى مدعواتي، لأنه كان يعلم كيف يمكن أن يكون رد فعلي. ولكن كنت أفضل أن يكون بعيداً، لأنه لو جاء الى العرس لكانت (..) قد رافقنه وهن دائماً يبحثن، وهذه المسألة كانت ترعبني!
● هل تندم لأنك خدمت رجلاً قليل الاحترام حتى اللحظة الأخيرة؟
.. عدَّل من جلسته، وأخذ وقته في التفكير بالإجابة عن السؤال، ثم قال:
- في البداية، كنت مؤمناً به، ولم تكن لدي أي فكرة عن كل ممارساته. الآن وقد مات فماذا ينفع الندم الشخصي؟ أحتفظ بهذه المسألة لنفسي، وهي في أعماق أعماقي، لقد حميت أسرتي. هذا هو الأساس، وأنا اخضع من الآن فصاعداً لقضاء الشعب الليبي، وسأقبل حكمه، ولو كان الإعدام.
نهض ليغادر، وانتظر الحراس لمواكبته الى زنزانته. التفت إلي، وقال: «عندما وصلت الى هنا في مصراتة كانت الحرب قد أدمت المدينة، فقدت الكثير من الدم، وصلت شبه ميت، لقد عُولجت وعُوملت باحترام، وأنا أريد أن اؤكد ذلك، أنام على فراش أحضره مدير السجن من منزله، أعطاني ملابس، اكتشفت متعة الحديث مع أناس طيبين، قاتلوا الى جانب التمرد وهناك روابط شبه أخوية بيننا.. وهذا غريب، أليس كذلك؟!».
غداً: مطارد الفرائس
............................................
مغنِّية من غرفة القذافي إلى المصرف.. وهديتها مليون يورو (18)
ترجمة وإعداد انييس خباز
عُرف عن العقيد معمر القذافي انه كان ماجناً، وكلما تقدم به العمر، كان يحيط نفسه بمزيد من الفتيات، يتحرش بهن، ويعاشرهن، ويعتدي عليهن، وكأنه كان يريد أن يثبت «رجولته الدائمة»، كما كان يُخضع شعبه، رجالاً ونساء، لآلة القمع التي استخدمها بلا رحمة ليحصل على ما يريد ومن يريد.
وفي كتابها «الفرائس في حرم القذافي»، تواصل المؤلفة الفرنسية آنيك كوجين نقل مارواه نساء ورجال كانوا من ضحايا مجون القذافي أو شهوداً عليه.
عودة إلى طرابلس. هذه المدينة الغريبة هي في الوقت ذاته عصرية: تكثر فيها ازدحامات السير، تائهة ولا تعرف ما هي، هل لديها سحر مختبئ؟ من دون أدنى شك!
في المدينة القديمة المحاطة بالأسوار، يمكن أن تحد الأسواق والأبواب الخشبية المحفورة منازل قديمة تعود للحقبة العثمانية، مساجد رائعة وقصور سرية، وقد يكون هناك في وسط المدينة بقايا آثار جميلة من الحقبة الإيطالية. وفي ساحة التحرير في الصيف، بمقدور الأطفال اللهو والركض.
ولكن في شتاء عام 2012، البارد، لم أكن أنتبه إلى سحر هذه العاصمة الغريبة، التي تمتد على ساحل البحر المتوسط ولا ترضى بالتطلع إليه.
عبرت المدينة في سيارة تاكسي بحالة مزرية، وكان السائق يسخر ويغوص وسط الازدحام، لا يحترم أولويات المرور ولا قواعده، ولا يتوقف عند الإشارات الضوئية. وكان ينشد أغاني الثورة مع الراديو. لم يقل ما إذا كان يعرف العنوان الذي أقصده. «يا الله»، قال لي ردّاً على سؤالي.
كان يتوقف فجأة ليسأل عن طريقه، فيعود أدراجه. وعندما اكتشف - بفرح كبير - أنني فرنسية، بدأ يصرخ: «شكراً للرئيس الفرنسي فرنسوا ساركوزي». كنت أبتسم وأرسم إشارة النصر بإصبعي. وكان هو يقول إن تدخل «الأطلسي» لدعم الثورة يتطلب عرفاناً بالجميل إلى الأبد.
الشتاء كان قاسياً على سكان طرابلس. معظم الورش الخاصة والعامة معطلة، العديد من القطاعات الاقتصادية تضررت بشكل كامل، دفعت بقطعان من العاطلين عن العمل إلى الشوارع.
المتمردون يتأخرون في ترك الكتائب المسلحة التي قاتلوا في صفوفها. يحنون إلى اللحظات القوية التي صهرتهم، ونشوة النصر لا تزال تعتمر في قلوبهم. وهم في الوقت نفسه على استعداد للاشتباك مع ميليشيا منافسة. يترددون باختيار مستقبلهم، غير قادرين على تحديد ما سيقدمون عليه في المدى القريب.
بدأت الأصوات تعلو منددة بغياب شفافية السلطة الجديدة، أي المجلس الوطني الانتقالي، الذي لم يتم الكشف عن كل أعضائه. وأيضاً للتنديد بعدم فعالية الحكومة المؤقتة.
كان يجري الحديث عن نوايا انفصاليين في الشرق ونزاعات يقودها أنصار القذافي في الغرب، ولكن في طرابلس، حيث تم ردم مبنى باب العزيزية كلياً تمهيدا لتحويله - ذات يوم - إلى حديقة عامة كبيرة، يبدو أن الوقت قد حان، ومحاوريّ لا يدرون ما يفعلون.
من أجل المعلومة
عندما اتصلت ببعضهم. كان رد الفعل الأول ينم عن اضطراب، «كيف حصلت على رقمي؟». «من الذي أعطاك رقمي؟». «لماذا تتصلين بي؟». «لا علاقة لي بهذا الموضوع، لا تذكري اسمي على الإطلاق! لا يحق لك أن تدمري حياتي!».
وأحياناً، كان الرعب يأخذ شكل الغضب المرفق بالتهديدات، وغالباً ما كان يهدأ. كان يجب التفسير والطمأنة، والإكثار من الوعود بعدم كشف الأسرار. الكثير من المواعيد، التي حصلت عليها بعد كفاح طويل، كانت تلغى في اللحظة الأخيرة، أو تؤجل من دون إعطاء أي تفسير. أحد القادة المفترض أن يقودني إلى شاهد أساسي اختفى ولم يعد يرد على مكالماتي الهاتفية، وقيل لي إنه نقل إلى مستشفى في طرابلس، ومن ثم إلى تونس، حتى قيل لي إنه مات.
والمصدر الآخر سافر فجأة. والثالث مريض. ظهرت كل المؤشرات التي أعطتني إياها صوريا أنها صحيحة. الخطف، الحجز، الاغتصاب، مسخرة حارسات القذافي، التردد الدائم على غرفة القذافي من قبل شبان وشابات، هوس العقيد الجنسي.
بقي أن أفهم كيف كانت تعمل تلك الشبكات التي كانت توفر للقذافي الضحايا الشابات يومياً، وعلى مدى سنوات؟! كان المتواطئون في كل مكان.
من المؤكد أنه كان يوجد رجال يعرفون ذوقه تماماً ويعرفون الطريقة التي تضمن لهم رضاه وتسمح لهم بالتالي بالحصول على الامتيازات. وهناك النساء اللاتي مررن بسريره وكن يعرفن أنه من خلال مد القائد بالفتيات يشققن طريق الثروة: وزيرات، شرطيات، مدرسات، موظفات مصارف، حلاقات نسائية، موظفات في الفنادق، السياحة، الأعمال.
منصور وكيلاني
خلال مقابلاتي كان يتردد اسمان باستمرار، عبدالله منصور، الرئيس السابق لجهاز المخابرات الداخلية، وهو مقرب جداً من العقيد، وعلي كيلاني، وهو من الجيش، ومعروف أنهما شاعران، والاثنان أدارا الإذاعة والتلفزيون الليبي، وعلاقاتهما بالوسط الفني كانت تسمح لهما بالوصول إلى عشرات الشباب والشابات الساذجين، وكانت لهم تطلعات للدخول إلى عالم الفن والتلفزيون. وكل تجربة لمعرفة القدرات المهنية كانت تشكل مناسبة لتقديم فريسة جديدة للدكتاتور. واللقاءات التي كان يجريانها في الفنادق الفاخرة ويظهران كسيدين محترمين كانت سرعان ما تكشف أنهما قوادان.
وكانت لهما الاتصالات مع مغنيات وراقصات وفنانات حول المتوسط. وكانا يجدان ألف حجة لتوجيه الدعوات لهؤلاء لزيارة القذافي. وكانا ينظمان السهرات والحفلات.
فمثلا، القذافي أعجب بإحدى مقدمات البرامج الخاصة بالأطفال على قناة «إم بي سي}. فاتصل عبدالله منصور بإدارة القناة لدعوة المذيعة إلى ليبيا بحجة أن الحكومة تريد تكريمها على قدراتها المهنية الكبيرة.
كذلك حاول منصور جذب صحافية لبنانية أيضا لفتت نظر العقيد، فأرسل لها الأموال لإقناعها بالمجيء إلى طرابلس، بعد أن أوهمها بأن شركة إنتاج تلفزيونية لمشاريع فنية (وهمية) بانتظارها. كانت ترصد مبالغ طائلة لخدمات كهذه تخص العقيد فقط، وكانت تلك الأموال بتصرف منصور الى جانب طائرة خاصة. وكان لمنصور شبكة في العديد من الدول العربية، مصر، لبنان، الأردن، تونس. وكانت العمولات كبيرة للغاية، خصوصاً إذا ما أعلن القائد عن ارتياحه للخدمات التي توفّر له.
في الدول الأفريقية كان العقيد يُشغل شركات مختصة بالخدمات الدبلوماسية وعددا من الشخصيات المحلية لينظموا له الحفلات واللقاءات الخاصة التي كان يحرص على أن ينعم بها خلال زياراته الرسمية الى تلك الدول. وكان يهتم أن تكون الجمعيات التي تعنى بشؤون المرأة من ضمن تلك اللقاءات، ليضمن استمرارية الحفاظ على سمعته ك «بطل» مدافع عن قضايا المرأة. وكان يغير بروتوكول الزيارات الرسمية والدينية مثل عيد المولد في تومبوكتو عام 2006 واغاديس عام 2007 لفرض مثل هذا النوع من الاجتماعات، التي تشكل له مناسبات للعثور على صديقات يبقين مخلصات له. وكان لا يتأخر عن توزيع العطاءات والميداليات التي تحمل صورته اضافة الى العقود النفيسة.
«الغني والكريم»!
وكانت الصديقات الجديدات يتحولن الى لجان تنظم له اللقاءات اللاحقة، التي كان يحب ان تكون استعراضية صاخبة، وكان خلالها يختار الشابات الصغيرات لزيارة ليبيا.
الدعوة كانت في غاية البساطة، فسمعة القذافي في البلدان الأفريقية أنه «غني وكريم}. وكانت الحقائب الممتلئة بالأموال تسافر في عداد الوفد، وكانت معروفة ومنتظرة مثل خطاباته المعادية للأميركيين وملابسه الغريبة، والجميع كان يجد الدعوات لزيارة ليبيا مسألة طبيعية، ألم يكن يسوق ليبيا على أنها جنة النساء، وقال لي شاب ليبي درس في نيجيريا انه كان يلتقي أحياناً في المقاهي والملاهي مجموعة فتيات من نيجيريا ومالي في حالة من الفرح والهيجان لأنهن سيسافرن في اليوم التالي الى طرابلس.
لقد كن يعلنّ صراحة بأنهن يأملن في لقاء بابا معمر الذي كان يحب إسعاد الفتيات الشابات ويدعوهن الى قضاء إجازاتهن المدرسية في بلده، الم يكن الرجل الاكثر اهتماماً بالنساء بين كل رجال العالم!
فاطمة
فاطمة هي التي روت لي حكايات تلك الزيارات. كان موعدي معها في بهو فندق كارينتا الفخم، هي التي لوحت بيدها لي. وكانت تعرف كل الذين يعملون في الفندق. كانت بيضاء البشرة، عمرها 36 عاما. عرّفت عن نفسها بأنها موريتانية، تعيش منذ 20 شهراً في طرابلس بفضل معمر القذافي.
● كيف وصلتِ إلى هنا؟
- المسألة في غاية البساطة (انفجرت بالضحك..). كانت هناك امرأة نيجيرية متزوجة من طوارق يعرف مبروكة اقترحت عليّ في عام 2003 زيارة طرابلس مع اربع من صديقاتي. العرض كان مغريا: بطاقة طائرة، إقامة في فندق أربع نجوم، السياحة في ليبيا على نفقة الحكومة، ومصروف جيب.. من يرفض مثل هذا العرض؟ ماذا كنت ستفعلين لو كنت مكاني؟ بالتأكيد كنت ستقولين نعم من دون تردد وبسعادة كبيرة؟
● كنت سعيدة، لأنها أجابت عن سؤالها بنفسها، لأن نعم من قبلي لم تكن مسألة طبيعية. وواصلت كلامها:
- الدعوة بالنسبة إليّ كانت هدية من السماء. وصلت الى مطار طرابلس مع صديقاتي. كان جلال (الشاب المخنث المغرم بصوريا) بانتظارنا، وقادنا الى فندق مهاري - 5 نجوم - كان يديره لفترة مؤقتة نوري مسماري. وقد سلَّم كل واحدة منا مغلفا يحتوي على 500 دينار (300 يورو) لكي نذهب ونتسوق، قبل أن يبدأ برنامج الزيارة السياحي. وبعد عدة أيام طلب منا أن نرتدي ملابس أنيقة لأننا سنذهب لزيارة بابا معمر.
جاءت سيارة من البروتوكول وأقلتنا الى باب العزيزية وهذا كان يشير الى أننا ضيفات مهمات.
العالم يحب ليبيا
- قادتنا مبروكة الى صالون في منزل القذافي الذي وصل وهو يرتدي ملابس رياضية حمراء، كان بسيطا. اهتم بكل واحدة منا سأل عن أهلها، عن اسمها عن قبيلتها، عن لغتها وعن وسائل تسليتها، وما إذا كنا نحب ليبيا؟ وقال إنه سعيد بان كل العالم يحب ليبيا.
كان في غاية اللطف والمرح. وفي لحظة من اللحظات التفت الى مبروكة وقال لها «ستكون مسألة جميلة لو أن فاطمة تعمل معنا. لأنني لاحظت انها تتكلم العربية، الطوارقية، السواحلية والفرنسية وهذه المسألة مهمة بالنسبة الينا». بدت لي مبروكة منزعجة، ولكنها قالت «نعم».
عدنا الى الفندق ونحن نكاد نطير من الفرح لأن بابا معمر اهتم بكل واحدة منا. استمرت الإجازة 3 أسابيع. جلال والسائق كانا دائما تحت تصرفنا. وتلقينا هدايا كثيرة.
«قنبلة» من مالي
تؤكد فاطمة أنها لم تر القذافي ثانية خلال هذه الزيارة. ولكنها سرعان ما عادت الى طرابلس مع مجموعة أخرى من الفتيات، بينهن فتاة من مالي دلوعة وصفتها ب «القنبلة» وقالت إن القذافي جُنَّ بها.
وأضافت فاطمة «كانت الفتاة المالية ترتدي «تي شرت» من دون كم يلتصق بجسمها، وكان ذلك يتسبب لنا في بعض المشاكل في شوارع طرابلس. لكن القذافي كان يحب هذا. كان يرسل لها طائرة خاصة صغيرة ويستدعيها باستمرار. وفي كل مرة كان يخرج من الغرفة، حيث كنت انتظر أمامها مع مبروكة، كان يقول لمبروكة «اهتمي جيدا بضيفاتي»، وكان هذا يعني الهدايا والأموال. وكان جلال يعطينا ساعات رادو، تيسو وغيرها من الماركات، إضافة الى الأساور والأقراط الذهبية، عقود مع صورة القذافي محاطة بألماس، ولدى مغادرتنا كانت توزع علينا مغلفات تتراوح بين 2000 و20 ألف دولار. حسب الضيفات اللاتي كنت أرافقهن الى طرابلس.
القاسم المشترك
تتناسى فاطمة دورها، وكانت تتهرب من الإجابة عن عدد من الأسئلة من خلال الضحك، نحن الموريتانيات موهوبات للعلاقات العامة والتجارة. وبالنسبة اليّ هذا التعريف يعادل (..) وكانت تقول لي نحن الموريتانيات لا نحب النظام ونختار رجالنا بأنفسنا، وليسوا هم الذين يختاروننا. ويبدو أنها ساقت الى القائد مجموعات كبيرة من الفتيات من عدة دول. وآخر مرة اصطحبت 17 فتاة من نواكشوط لإحياء عيد المولد النبوي. وباتت علاقتها بباب العزيزية معروفة من الجميع. فقد كانت وسيطة بين الوزراء والسفراء ورجال الأعمال الأفارقة وبين باب العزيزية. مبروكة كانت تهتم بنساء وبنات الرؤساء الأفارقة اللاتي يردن رؤية القذافي، أما أنا فكان حقل نشاطي أوسع بكثير. وبدا واضحا أنني أصبحت من المقربين جدا للعقيد، لقد رافقته الى سرت وبنغازي عبر الصحراء. كانت تحضر الاحتفالات بالعيد الوطني وترافق زوجته وابنتيه عائشة وهناء التي كانت تقف دائما خلف شقيقتها الكبرى.
كان لديها ذكريات جميلة وأعمال مزدهرة حيث قالت لي إن سائقي باب العزيزية كانوا في طليعة من يشهد على الزيارات النسائية.
حسين السائق
أحد هؤلاء السائقين، واسمه حسين، كان يعمل في جهاز البروتوكول، أكد لي انه كان يقود الفتيات من فندق مهاري الى المطار. وقال «كن يأتين من كل البلدان والاتجاهات، من مدن ليبية، ولبنان، والعراق، ودول خليجية، والبوسنة، وصربيا، وبلجيكا، واسبانيا، وإيطاليا، وفرنسا وأوكرانيا. كانت أعمارهن لا تزيد على عشرين عاما، وكن في غاية الجمال حتى من دون ماكياج. وكان بينهن قاسم مشترك واحد، وهو: الشعر الطويل».
«كان شخص من البروتوكول مكلفا باستقبالهن وقيادتهن الى الفندق. حيث يقضين عدة ساعات أو أيام قبل أن يأتي حسين لينقلهن الى باب العزيزية. وغالبا حوالي الساعة الواحدة صباحا. وكان يبقى في السيارة في المرآب حتى الخامسة صباحا. ليعيد الفتاة الى الفندق. وكانت سيارة تابعة للحرس تسير خلف سيارته.
بعضهن كن يخرجن من باب العزيزية سعيدات، والبعض الآخر منهن يخرجن حزينات. بعضهن كن يغادرن في اليوم التالي. وبعضهن يعدن عدة ليال على التوالي».
جميعهن كن يصلن الى طرابلس مع حقائب صغيرة، وغالبيتهن يغادرن مع عدة حقائب كبيرة. وكان حسين عبر مرآة السيارة الداخلية يكتشف رزم الدولارات. «أقسم لك على رأس ابني أن إحداهن أخرجت من حقيبة سامسونايت ممتلئة بأوراق مائة الدولار، ورقة مائة دولار لفتها كخرطوم وتنشقت الكوكايين، مائة دولار أكثر من راتبي الشهري. رافقت مغنية أمضت الليلة لدى القذافي الى المصرف، حيث تسلمت الأمر بأن أسحب لها مليون يورو من المصرف من فئة الخمسمائة يورو. وفي هذا اليوم قررت ترك وظيفتي، فقد كنت مشمئزا للغاية منها. وكنت قبل ذلك أعتقد انها وظيفة محترمة».
سألت آخر صديق لحسين كان مكلفا بالاهتمام بالبنات اللاتي ينزلن في فندق كورانيتيا، أكد لي أن الممرضة الأوكرانية كانت تأخذ عينة من دمه في الفندق أمام الجميع للقول للفتيات اللاتي اخترن لزيارة باب العزيزية أن هذا التدبير الغريب ينطبق ع‍لى الجميع من دون استثناء.
إشكالات دبلوماسية
هوس القذافي كان يثير غضب رجال الأمن الأجانب أحيانا. فقد روى أحد وزراء خارجية السنغال كيف انه رفض بشدة بقاء المرأة الوحيدة في عداد وفده في طرابلس تلبية لطلب القائد.
وزير آخر طلب تفسيرا، لم يحصل عليه، حول الأسباب التي تدفع بالسلطات الليبية لاخضاع الفتيات الموريتانيات المدعوات الى ليبيا لفحوص طبية ضد الإيدز.
وزير آخر قال إنه رصد صوراً كان مبعوثو القذافي يرونها للناس بحثاً عن فتيات لفتن نظر العقيد خلال زيارته للنيجر. ووزير آخر فتح تحقيقا سرعان ما أغلقه بعد أن عرف أن فتيات مدعوات من قبل القذافي قد صودرت جوازات سفرهن واحتجزن في فندق مهاري. وحرصُ نوري مسماري على عرض أجمل الفتيات على القائد أدى ذات يوم الى فضيحة دبلوماسية بين ليبيا والسنغال.
في الفاتح من سبتمبر عام 2001 كانت مئات عارضات الأزياء الأفريقيات مدعوات للمشاركة بالذكرى الثانية والثلاثين لوصول العقيد القذافي الى السلطة.
وكان المطلوب من السفارات الليبية في الخارج ان تساهم بهذه التظاهرة، وقد وضعت إمكانات طائلة لهذه الغاية، وكان عليها أن تنشط في وسط بنات الموضة أو فتيات المرافقة أي (..) اللوكس.
كُلفت شقيقتان توأمان في السنغال نانسي وليلى كومباك وهما ابنتا ممثل سنغالي، وعملتا سابقا مع أجهزة القذافي. وفي 28 أغسطس اعطتا موعدا لمائة فتاة سنغالية في المطار وجهت لهن طرابلس دعوة لمدة أسبوع. في اليوم المحدد عند الساعة السابعة صباحاً كن جميعهن في المطار، طويلات نحيفات رائعات الجمال كلهن أمل، كان القائم بأعمال السفارة الليبية في استقبالهن في المطار وصعدن على متن طائرة بوينغ 727 استأجرتها الدولة الليبية من مالطا، ولكن قبيل الإقلاع طلبت السلطات السنغالية منع الطائرة من الإقلاع لأنهم شكوا بطبيعة المسافرات، بعضهن من دون جوازات سفر، من دون تأشيرات دخول الى ليبيا، بعضهن قاصرات اضطرت الحكومة السنغالية للتنديد بمحاولات تهريب الفتيات ووصف وزير خارجية السنغال هذه القضية المتورط فيها دبلوماسيون ليبيون، بأنها غير مقبولة وغير ودية، وقال إن السنغال ليست «دولة تمرير». وأعلن وزير الداخلية الجنرال مامادو نيانغ أن محاولات تهريب الفتيات من السنغال كانت على علاقة بشبكة دولية للدعارة، وأنه سيطلب من الانتربول (الشرطة الدولية) التحقيق في الموضوع.
استدعت السنغال سفيرها في طرابلس للتشاور وأرسل وفد ليبيا الى داكار للقاء وزيري الخارجية والثقافة، والرئيس عبد الله واد الذي أعلن رسمياً أنه مجروح. واتصل بالقذافي، وهو في حالة غضب شديد. وكان يتعين بذل الجهود الدبلوماسية الجبارة، التي قام بها أحد مستشاريه، وهو الذي روى لي الحادثة، لتجنب قطع العلاقات الدبلوماسية مع ليبيا.
-تمت اعادة النشر على الوسط التونسية بتاريخ 19 أكتوبر 2012


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.