قبل مدة كتبت في صحيفة الوسط التونسية وتحديد بتاريخ 15 ديسمبر 2008م مقالا تحت عنوان \"اليمن وتحركت عجلة التغيير ، بعد 25 شهرا من كتابة هذا المقال حدثت الثورة فبدأت في تونس ، ثم اليمن بتاريخ 15يناير ثم في مصر بتاريخ 25يناير ثم تلتها ليبيا فسوريا ، من ضمن ما قلت \" السياسية يجب أن تنتج للبلاد خيارات ومسارات عقلانية تقودها باتجاه التقدم الفعلي لا ذلك المنبني على خطاب فوقي ومخاض آني سرعان ما يلفه الجمود والضمور ويجتاحه وهن الراحة الطويلة، وأن كل سياسة هي صراع وتكامل في آن، هذا ما يقوله \"موريس دوفرجيه\" في مقدمة كتابه \"مدخل إلى علم السياسة\"، إذ لا يعقل أن تكون السياسة صراعاً فقط، كما لا يعقل أن تكون تكاملاً فقط، بل إن كل صراع لا بد أن يؤول مهما اشتد أوراه الى توازن ما أو إلى تطور ما وفق توازنات جديدة. *كاتب وصحفي يمني قبل مدة كتبت في صحيفة الوسط التونسية وتحديدا بتاريخ 15 ديسمبر 2008م مقالا تحت عنوان \"اليمن وتحركت عجلة التغيير ، بعد 25 شهرا من كتابة هذا المقال حدثت الثورة فبدأت في تونس ، ثم اليمن بتاريخ 15يناير ثم في مصر بتاريخ 25يناير ثم تلتها ليبيا فسوريا ، من ضمن ما قلت \" السياسية يجب أن تنتج للبلاد خيارات ومسارات عقلانية تقودها باتجاه التقدم الفعلي لا ذلك المنبني على خطاب فوقي ومخاض آني سرعان ما يلفه الجمود والضمور ويجتاحه وهن الراحة الطويلة، وأن كل سياسة هي صراع وتكامل في آن، هذا ما يقوله \"موريس دوفرجيه\" في مقدمة كتابه \"مدخل إلى علم السياسة\"، إذ لا يعقل أن تكون السياسة صراعاً فقط، كما لا يعقل أن تكون تكاملاً فقط، بل إن كل صراع لا بد أن يؤول مهما اشتد أوراه الى توازن ما أو إلى تطور ما وفق توازنات جديدة. وهي بدورها تعود فتحمل في ثناياها بذوراً لتناقضات وصراعات جديدة لا تلبث ان تفضي إلى اختلال ما في التوازنات لتعود هي ذاتها لتكون طريقاً إلى تكامل ما\". لكني اليوم أؤكد بأن الاستقرار السياسي والاجتماعي في اليمن أمر مهم من أجل بناء الدولة وتأكيد العملية النهضوية بدون أن يتوافر هذا العامل أو العنصر المهم فإن العلمية السياسية اليمنية ستظل قاصرة عن بلوغ نضوجها المرتجى ، ولن تفرز ما يدعو الى التفاؤل بشأن المستقبل ، خصوصا وأن الثورة لم تفرز معطيات معتبرة في عملية انجاز التحول والحيلولة دون ان نعود كيمنيون الى مربع القديم بأسواء أشكاله ، قبل يومان اغتيل قائد عسكري في العاصمة ولا ندري من يقف وراء اغتياله ، خلال عام واحد من عمر الثورة اغتيل 60ضابطا في الامن السياسي ، ولم يتم الكشف عن مجرم واحد يقف وراء هذا الكم من الموت الغادر. في صعدة يعذب الحوثي الناس بشكل بشع فيما الدولة غارقة في مصفوفة من الاوهام التغييرية والقرارات التي لن تستقر على النحو الذي يعاد معه هيكلة الجيش هيكلة وطنية معتبرة . الجنوب تؤجج نيران سخطه إيران، ومجموعة من تجار الاوطان وسماسرة الثراء الغير مشروع على حساب الشرعية الوحدوية الواحدة، واللحمة الوطنية التي يراد تجزئتها وتقطيع أوصالها ، وكلما قلنا الثورة ستغير إذ بنا نجد مصفوفة ممتدة من الالغاز السياسية السامة التي تحولت الى غاز خانق في أجواء الوطن . ويبدو بأن الحكومة الجديدة بقيادة هادي لن ترحل حتى تفرز ملفات من الازمات الشائكة التي يصبح معها من غير الممكن الحسم لصالح تغييرات حقيقية معتبرة تلامس هموم الناس اليومية الانية والاستراتيجية . نحن ضد ما يحدث وضد استحثاث روح التمزيق والطائفية في بلد البارود والقات ورفات الموتى المتصاعد كل يوم بوتيرة خطيرة ، لا بد من عمل شيئا ثوريا معتبرا يمكن ان يسهم في تفتيت بنية النظام القديم تماما التي لازالت تعمل ولازال تأثيرها جاريا حتى اللحظة ، الأمر جد خطير ، على ذوي المسؤولية التاريخية في هذا البلد ان يشقوا الصفوف ويمسكوا بناصية القرار بقوة حتى يتحقق الاستقرار وحتى نتجاوز معضلة الشمال والجنوب الطائفية والانفصال ومعضلة ما تبقى من نظام لازال يمارس القتل والاغتيال خفية دون ان يكشفه احد.!! نحن لا نضع فرضيات لما ينبغي ان يكون عليه الوضع أو المستقبل، ولكننا نتحدث انطلاقا من أن المسؤولية الوطنية تأتي كنتيجة منطقية للوعي الذي أشعل ثورة وأحالها الى حدث ممكن ، وبالتالي فإن الحلول هي النتيجة لهذه الثورة التي جاءت ومعها رؤية كاملة لما ينبغي ان يكون عليه الوضع الوطني . الملاحظ أن الازمات الموجودة اليوم أو المعضلات كانت موجودة من قبل ، لكن الثورة لم تسعى الى انتاج حلول واقعية لها أو تخفيف حدتها وإحالة الخلاف من شكله الحدي المتطرف الى شكله المعتدل القابل للحوار دون تجاوز للثوابت المعتبرة لدينا كيمنيون ، لأن طبيعة السياسية في بلادنا غير ناضجة ، وأدواتها مختلة نتيجة أن منطلقات الرؤى والممارسات السياسية متباينة ولها مرجعيات فكرية وايدلوجية متباينة، ولذلك فإن الخلاف يكمن في الجذور وليس في التفاصيل-كما يقال- لأن التفاصيل تتحدد تلقائيا وفق الأسس التي تنطلق منها . في بلادنا نفتقر الى وجود معارضة ناضجة وقوية ، لأن القوى السياسية ذاتها حين احست بالضعف نتيجة أنها استنفدت قدرتها على الانتقال الفكري الى العقل اليمني اخذت تتشرنق في حاضنات مختلة طائفية وغيرها ،وتتخندق في متاريس كان لا يفترض ان لا تكون فيها ، ولعل هذه المعارضة تدفع نحو تقوية النقائض كي تمنحها هي ذاتها وجودا معتبرا في الذهنية الوطنية ، وهو ما لا يمكن ان يحدث كما أظن ، لأن التوازنات الغير ناضجة لا تقود الى انتاج سياسة ناضجة وأدوات سياسية محترمة يمكن اعتمادها في مسألة الممارسة السياسية المعارضة . كما تفتقر هذه القوى الى الهم النهضوي وهو ما جعلها تصب -كما يبدو- جهودها نحو تحقيق الهم الذاتي ، فأغرقها الهم الذاتي في عملية بحث أفرادها وقياديها في البحث عن حاضانات داعمة لها تمنحها أي حياة فيه نوع من البذخ والترف .! الوسط التونسية بتاريخ 27 ديسمبر 2012