دعا فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي علماء المسلمين في مختلف دول العالم إلى إنكار موقف الحكومة التونسية من حجاب المسلمات هناك، معتبرا أن هذا الأمر معصية من أشد ما تكون المعاصي؛ لكونها نهيا صريحا عن ما أمر الله به نساء المؤمنين في كتابه الكريم. وأوضح فضيلته - في ثنايا حلقة الشريعة والحياة الأحد 15 / أكتوبر / 2006 - أن آية الحجاب آية ثابتة محكمة لم يعتريها نسخ أو تغيير بإجماع الأمة طوال القرون الماضية، ولا يجوز بأي حال في بلد مسلم أن تُنهى المسلمة فيه على لبس الحجاب، وأقل ما يمكن أن يقال في بلد يعترف بالإسلام دينا له أن يترك لمسلماته حرية ارتداء ما يشأن كما تُترك الحرية لمن لا تلتزم بالزي الشرعي، فهذه أمور راجعة للحرية الشخصية. وأشار إلى أنه من أكثر من 13 قرنا لم تكشف مسلمة رأسها، إلا أن دخول الاستعمار هو من فعل بنا ذلك وبمجتمعاتنا ونسائها، حتى أصبح المعروف منكرا والمنكر معروفا. من جهة أخرى أجاب فضيلة الشيخ خلال الحلقة على مجموعة كبيرة من الشبهات التي تثار بخصوص القرآن الكريم موضحا في بداية الحديث بهذا الشأن أنه من فضل الله على الأمة أنه بعث لها خير رسول، وأنزل عليها في شهر رمضان الذي يعتبره كل مسلم شهر القرآن. وأضاف أنه لما كانت الليلة التي نزل فيها القرآن هي خير الليالي، والشهر الذي أنزل فيه هو خير الشهور، والأمة الذي أنزل عليها القرآن هي خير أمة أخرجت للناس فقد تولى الله عز وجل بنفسه أمر حفظ القرآن ورعايته "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" بتهيئة الأسباب لذلك. واستطرد قائلا: إنه منذ لحظة نزول الوحي به على قلب النبي صلى الله عليه وسلم وكتاب الوحي حوله يأمرهم بكتابة كل آية كما يلقنها له جبريل عليه السلام، كما كان صلى الله عليه وسلم في رمضان من كل عام يتدارس القرآن مع جبريل عليه السلام كما ورد في الحديث الصحيح "ينزل جبريل فيدارسه القرآن..." وكان يعرض عليه في كل عام مرة وفي العام الأخير عرضه عليه جبريل مرتين. هذا بالإضافة إلى تلقى الصحابة القرآن عن الرسول، وحفظه في صدورهم أو كتابته على المواد المختلفة حتى كان منهم من يحفظه كاملا عن ظهر قلب كأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل كما جاء في حديث أنس بن مالك. ثم انتقل فضيلة الشيخ القرضاوي للحديث عن أمر جمع القرآن الكريم مشيرا إلى أنه في عهد النبي ظل محفوظا ومكتوبا، ولكن لم يكن مجموعا بين دفتين؛ لكون النبي ما زال حيا وقد ينزل عليه الوحي في أي وقت؛ فكيف يجمع كتاب وهو لم يتم بعد؟!، إلا أنه في عهد أبي بكر رضي الله عنه جمع ووضع في بيت حفصة أم المؤمنين. ثم جمع القرآن الكريم مرة أخرى -والحديث لا يزال على لسان فضيلة الشيخ - في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه حينما جاءه حذيفة بن اليمان من إحدى المعارك ليخبره باختلاف القراءات في القرآن الكريم، فكان ذلك سببا لقيام عثمان بتكوين لجنة من الكتاب والقراء والمجيدين - على رأسهم زيد بن ثابت - جمعت كل ما نزل من القرآن من خلال الحفظة والمدونات في مصحف واحد سمي وأرسل إلى كل مصر نسخة منه. شبهات وردود وعن القول باختلاف حدث بين الصحابة حول ترتيب السور والآيات، وبإنكار ابن مسعود للمعوذتين، وإضافة الحجّاج لعشر آيات في مصحف عثمان لم تكن من القرآن، وعن كون الذكر المذكور في قوله تعالى "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" لم يُرد به القرآن رد الشيخ بداية بأن الاختلاف في ترتيب السور قال البعض فيه إنه أمر توقيفي من النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام، والبعض قال هو اجتهاد من الصحابة، وأنا أرى أن الأمرين حدثا ولم يحدث خلاف بين الصحابة، أما مسألة ترتيب الآيات فهو أمر توقيفي تماما. الأمر الثاني وهو رواية إنكار ابن مسعود للمعوذتين من القرآن فهذه للأسف من الروايات التي تضلل الناس؛ فالثابت عن ابن مسعود القراءة بهما، وهي قراءة عاصم عن ذر بن حبيش عن ابن مسعود التي نعرفها بقراءة حفص عن عاصم والتي تحتوي على المعوذتين. أما الشبهة الثالثة وهي إضافة الحجاج بن يوسف لآيات في مصحف عثمان فهي محض افتراء لأنه لا يستطيع الحجاج ولا من هو فوقه أن يغير في القرآن شيئا؛ فالقرآن هو أثبت كتاب في الوجود فالتوراة فقدت نسخها في عهد البابليين، والإنجيل لم يكتب إلا بعد وفاة المسيح بعشرات السنين ولم تعثر على نسخه الأصلية في حين بقي لنا القرآن محفوظا حتى اليوم. وأخيرا من يدعي أن الذكر لا يراد به القرآن قال فضيلته إنه لا شك في أن الذكر هو القرآن وما يشاع هو ممن لا يفقهون في علوم القرآن الكريم وتراثنا الإسلامي شيئا، فيفرقون بين الذكر والقرآن والكتاب والفرقان، وكلها واحد؛ فقد قال الله تعالى في مواضع أخرى "يا أيها الذي نزل عليه الذكر..." أي القرآن، كما قال تعالى "إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم... الآية" فهو نفس الكتاب العزيز المحفوظ من الله. مناهج وقواعد ثم نوه فضيلة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي إلى أن هناك منهجا علميا وقواعد يجب أن تتبع عند التعامل مع أية شبهة تحوم حول كتاب الله وهي: 1 – أن المعلوم من الدين بالضرورة لا يناقش ولا يطلب له دليل، وبالضرورة يعني يعلمه الخاص والعام. 2 – أنه إذا تعارض ظني وقطعي نرجح القطعي على الظني إذا افترضنا صحة الظني؛ فكل علماء المسلمين من جميع الفرق والمذاهب أجمعوا على أن القرآن الكريم كاملا قطعي الثبوت. وفي ختام حديثه أكد فضيلته على أننا الآن أصبحنا نعيش في موسم الهجمات على الإسلام فبتنا غرضا لكل رام بسهمه بسبب ضعف المسلمين وهوان دينهم عند الناس، إلا أن الإسلام قوي؛ فلا يوجد دين بقوة ذاته، ولا كتاب بقوة كتابه. وألمح إلى أن كل هذه المحاولات لن تجدي شيئا ولن تمس من قدسية القرآن وثبوته. ** من أسرة إسلام أون لاين