اللقاء الذي جمع بين اللجنة الافريقية للتنمية و ممثلي الأحزاب و منظمات حقوق الإنسان الجزائرية يوم الجمعة الماضي جاء في إطار متابعة مدى تطبيق قرارات و توصيات مجموعة النيباد بخصوص مواءمة ذلك مع الواقع التنموي للبلاد و مسألة الحكم الراشد , و إدارة النقاش تمت بطرح ممثلي اللجنة لجملة من الأسئلة المحددة التي تطلبت إجابة محددة هي كذلك و اقتراحات ذات صلة بالموضوع، و التي دارت محاورها حول التعددية السياسية و الحزبية و التي يعلم الكل بأنها جاءت بعد دستور 1989 بصورة دراماتيكية لم تكن البلاد مهيأة لها بعد, وهو ماترتبت عنه منزلقات خطيرة هددت كيان الدولة في الصميم ,و كل ذلك انعكس سلبا على المواطن الذي زهد في العمل السياسي الذي لم يتفنن إلا في بيع الكلام و الخطب حسب قوله دون تبني حقيقي لمشاكل المجتمع المتعددة و المعقدة. هذا و قد شكل ذلك صدمة عنيفة في ذهن المواطن إلى الدرجة التي أفقدته الثقة في مؤسسات دولته التي تبشره دوما بالعهد الديموقراطي الذي طال صبحه ,كيف لا و قد رأى الكيفية التي عملت بها قوى لم تحسب حسابها بدقة على توقيف المسار الانتخابي الأول من نوعه في تاريخ الجزائر ,وهو ماكان يمكن أن يضرب به المثل و الحديث على نطاق عربي واسلامي واسع... كل ذلك يجرنا إلى ملف ظاهرة الإرهاب التي شكلت المحور الأساسي للنقاش, فالبعض أعادها للتفسير الخطأ للإسلام ممن يتخذونه منهجا أيديولوجيا لممارستهم السياسية و هذا تفسير أقرب في نظري إلى الصواب ,و البعض الآخر يخلط بين الإرهاب و الإسلام في جهل تام للفوارق التي نبه إليها العلماء و الحكماء حتى من خارج دائرة الإسلام من مثل الأمير تشارلز و غيره ... و الذهاب في هذا الإتجاه و لا شك يعطي الفرصة للحاقدين على الإسلام كي يلصقوا به تهمة العنف و غياب العقلانية في تجن مفضوح لا سند له . و ما لا يجب أن نغفل عنه في هذا المقام أن العامل الخارجي لظاهرة الإرهاب في بلادنا تتداخل فيها العوامل الخارجية كذلك , و هنا يحظرني ما صرح به السيد رئيس الجمهورية ذات مرة بالقول أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تكون غبية و ليست هي الدولة العظمى لو فكرت في تجنيد الأفغان العرب لمجرد أداء مهمة طرد و دحر جيوش الإتحاد السوفياتي ، بل جندتهم على أن تكون المهمة المقبلة هي عودة هؤلاء إلى أوطانهم بأفكار جديدة و مستوردة غريبة عن بيئتهم تنسف هذه البلدان و تدخلها في دوامة من الصراع الذي يعطي الفرصة المناسبة للتدخلات الأجنبية و هذا الذي حصل بالفعل في عدة مواطن و لازالت ناره تشتعل. مما يِؤسف له أن بعض المتدخلين لم يتخلص بعد من أدبيات عهد الفتنة في حديثه عن تجاوزات الحزب المنحل خلال العشرية الماضية و وجدتني مضطرا للتذكير أن ذلك عهد قد ولى و لا داعي لاجترار الآلام و بالخصوص بعدما صادق البرلمان بغرفتيه و الشعب بأغلبيته على ميثاق السلم و المصالحة الوطنية ,و هو مابدى لي أن جمعية السيد بوجمعة قشير الحقوقية ما كانت راضية عنه و هي تردد على مسامعنا أن الحقيقة ضاعت في زحمة السياسة و المصارحة غابت عن الميدان ...و كأنها بذلك تقرأ سورة يس على كل ما أنجز و لو كان نفعه أكبر من إثمه ..., و إرضاء الناس غاية لا تدرك و مع هذا و ذاك يبقى النضال من أجل حقوق الإنسان مستمرا حتى بين الدول التي تدعي أنها راعية لها ,و هي في الواقع لا تستحق العلامة الكاملة في نظر العديد من المراقبين . و مما يشكر عليه الأستاذ فاروق قسنطيني رئيس اللجنة الاستشارية لرقية حقوق الإنسان قوله أن حل الأزمات كلها يتوقف على وضع منظومة تربوية سليمة و مدروسة حتى تستطيع تخريج إطارات تكون أداة بناءة لا معول هدم . و في ظل هذا الجدل كله فالثورة الثقافية في ملتي و اعتقادي هي الكفيلة باجتثاث كل الأمراض من جذورها و إلا نكون كمن يحرث في الماء. كان لا بد من تذكير قسنطيني و قشير أن كلاهما مأجور فيما يقومان به ,و من أن تنافسهما في أداء مهمتهما يدور بين الممكن و المأمول و لكن مجالات حقوق الإنسان لا يجب أن تقتصر على اللون الذي له صبغة سياسية فقط و إلا شاب الأمر نوع من النفاق الحقوقي . فالاغتصاب الذي تتعرض له المرأة والأولاد القصر و انتهاكات حقوق الطفل كذلك تستحق التنافس على خدمتها و إلا نكون عبر التفريط في الدفاع عن ضحاياها قد خنا الأمانة . كما أن حرية الرأي و التعبير لازالت ضحية رمادية ,و وقودها أصحاب مهنة المتاعب ،حيث أن الصحفيين في حاجة إلى قوانين تتماشى و طبيعة المرحلة التي قيل أن الجزائر تحولت فيها إلى بيت من زجاج و إن كانت بعض المواقع تضع بينها و بين الصحفيين جدارا فاصلا يعلو على حائط برليف. الفصل بين السلطات و بإجماع الحضور يؤكد أن هيمنة الجهاز التنفيذي لم يعطي الفرصة للمؤسسة التشريعية على الأقل للقيام بمهامها و دورها الرقابي مما فسح المجال للعبث بالمال العام ,و هنا كان لا بد من جانبنا تقديم اقتراح في هذا الخصوص ,و ذلك بالدعوة الى ضرورة توسيع صلاحيات النائب في الرقابة الحكومية و على مستوى الجهاز التنفيذي المحلي كذلك . فما الضرورة لمؤسسة البرلمان التي لا يستطيع ممثلها مقابلة وزير أو حتى مدير لتبليغه انشغالات المواطنين الذين انتخبوه ؟ ,و هل هذا النائب قادر فعلا على لعب هذا الدور و هو يفتقد حتى لقانون أساسي يحمي حقوقه ويدعم مهماته ؟. ما لا يمكن أن تستوعبه عقولنا هو أن تغيب أو يغيب هذا النشاط الذي جمعنا بلجنة المتابعة عن التغطية التلفزيونية ، فلو كان الأمر متعلقا بنشاط جمعية محلية أو لحزب من" أحزاب السنافير" كما يقال عنهم أو لتشكيلة تحترف المعارضة المتشنجة لوجدنا عذرا لهذا الإقصاء , و لكن أن يحدث هذا التجاهل مع لجنة بهذا المستوى سبق و أن جاءت بتكليف من مجموعة النيباد و بترحيب من فخامة رئيس الجمهورية والتقت بمعظم الأحزاب بمعارضيها و مواليها و بجمعيات حقوق الإنسان و لا تجد منبرا إعلاميا من الوزن الثقيل تطل به على الجماهير التي هي أولا و قبل كل شيئ هي المعنية بالأمر كله ,فهذا يدعونا لطرح سؤال كبير و هو هل نحن جادون فيما نبادر به و نسعى إليه أم هو الضحك على الذقون ؟