قبل أسبوعين من مواجهة ريال مدريد.. ظهور صادم لمدافع دورتموند    بوسالم.. وفاة شاب غرقا في خزان مائي    مهرجان «بريك المهدية» في نسخته الأولى: احتفاء بالتّراث الغذائي المحلّي    عمر الغول.. الولايات المتحدة تريد قتل دور مصر بالميناء العائم في غزة    المجلس المحلي بسكرة يحتجّ    منال عمارة: أمارس الفنّ من أجل المال    عاجل/ ليبيا: اشتباكات عنيفة في الزاوية.. وهذه حصيلة الضحايا    عاجل/ صفاقس: انقاذ 52 شخصا شاركوا في 'حرقة' وإنتشال 4 جثث    عاجل/ ضبط 6 عناصر تكفيرية مفتّش عنهم في 4 ولايات    النجم الساحلي يمرّ بصعوبة الى الدور ربع النهائي    تمدد "إنتفاضة" إفريقيا ضد فرنسا..السينغال تُلّوح بإغلاق قواعد باريس العسكرية    كأس تونس : النجم الساحلي يلتحق بركب المتأهلين للدور ربع النهائي    اتحاد الفلاحين: ''أسعار أضاحي العيد تُعتبر معقولة''    القصرين: القبض على شخص صادرة في حقه 10 مناشير تفتيش    عضو بمجلس هيئة الانتخابات: لا يمكن تجاوز هذا التاريخ كأقصى موعد للرئاسية    الإنتخابات الرئاسية: إلزامية البطاقة عدد 3 للترشح..هيئة الإنتخابات تحسم الجدل    قريبا.. الحلويات الشعبية بأسعار اقل    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    الوطن القبلي.. صابة الحبوب تقدر ب 685 ألف قنطار    بقلم مرشد السماوي: كفى إهدارا للمال العام بالعملة الصعبة على مغنيين عرب صنعهم إعلامنا ومهرجاناتنا!    في إطار تظاهرة ثقافية كبيرة .. «عاد الفينيقيون» فعادت الحياة للموقع الأثري بأوتيك    المهرجان الدولي للمشمش بحاجب العيون في دورته الثانية ...مسابقات وندوات وعروض فروسية وفنون شعبية    قراءة في أعمال ومحامل تشكيلية على هامش معرض «عوالم فنون» بصالون الرواق .. لوحات من ارهاصات الروح وفنطازيا الأنامل الساخنة    شبهات فساد: الاحتفاظ بمعتمد وموظف سابق بالستاغ وإطار بنكي في الكاف    عاجل : مسيرة للمطالبة بإيجاد حلول نهائية للمهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء    محيط قرقنة مستقبل المرسى (0 2) قرقنة تغادر و«القناوية» باقتدار    فقدان 23 تونسيا شاركو في عملية ''حرقة ''    الحشاني يُشرف على اجتماع لجنة القيادة الاستراتيجية بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي    وزارة الصناعة : ضرورة النهوض بالتكنولوجيات المبتكرة لتنويع المزيج الطاقي    القيمة التسويقية للترجي و الأهلي قبل موقعة رادس    وزيرة الصناعة: مشروع الربط الكهربائي بين تونس وإيطاليا فريد من نوعه    تضم منظمات وجمعيات: نحو تأسيس 'جبهة للدفاع عن الديمقراطية' في تونس    أبو عبيدة: استهدفنا 100 آلية عسكرية للاحتلال في 10 أيام    نهائي دوري ابطال إفريقيا: التشكيلة المتوقعة للترجي والنادي الاهلي    هذه القنوات التي ستبث مباراة الترجي الرياضي التونسي و الأهلي المصري    طقس اليوم: أمطار و الحرارة تصل إلى 41 درجة    ضمّت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرا في السينما العربية في 2023    قانون الشيك دون رصيد: رئيس الدولة يتّخذ قرارا هاما    جرجيس: العثور على سلاح "كلاشنيكوف" وذخيرة بغابة زياتين    ألمانيا: إجلاء المئات في الجنوب الغربي بسبب الفيضانات (فيديو)    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    نحو 20 بالمائة من المصابين بمرض ارتفاع ضغط الدم يمكنهم العلاج دون الحاجة الى أدوية    السبت..ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة    ابرام اتفاق شراكة بين كونكت والجمعية التونسيّة لخرّيجي المدارس العليا الفرنسيّة    دار الثقافة بمعتمدية الرقاب تحتفي بشهرث الثراث    بينهم طفلان..مقتل 5 أشخاص نتيجة قصف إسرائيلي على لبنان    داء الكلب في تونس بالأرقام    حلوى مجهولة المصدر تتسبب في تسمم 11 تلميذا بالجديدة    كمال الفقي يستقبل رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    جندوبة : يوم إعلامي حول تأثير التغيرات المناخية على غراسات القوارص    حفل تكريم على شرف الملعب الإفريقي لمنزل بورقيبة بعد صعوده رسميا إلى الرّابطة الثانية    الصادرات نحو ليبيا تبلغ 2.6 مليار دينار : مساع لدعم المبادلات البينية    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاخوان المسلمون في مصر : صفحتنا بيضاء نقية أبية
نشر في الوسط التونسية يوم 17 - 02 - 2007

أكد فضيلة المرشد الأستاذ محمد مهدي عاكف - أن جماعةَ الإخوان المسلمين تستمد شرعيتها من الشارع، وليس من النظام، الذي اختار طريق الاعتقالات والبطش بقادةِ الجماعة على كل المستويات.
وأضاف المرشد العام في حواره مع جريدتي "الشرق" القطرية و"نهضة مصر" أنَّ الإخوانَ يرفضون الاستبدادَ ويطالبون بإطلاق الحريات العامة من خلال برامجهم وأفكارهم المستقاة من نصوصِ الدستور والقانون، التي لا تُُخالف صريح القرآن وسنة النبي- صلى الله عليه وسلم-، وما تعارف عليه المجتمع.
وأكد أنه سبق أن عرض على النظامِ المصري في أكثر من مناسبة فتح أبوابٍ للحوار من أجل شرح وجهةِ نظر الإخوان، إلا أنَّ النظامَ يصمُّ آذانه دائمًا، ولا يقبل شريكًا.. وأضاف: أنَّ قلبي وعقلي مفتوحان لأي حوارٍ مع النظام لصالح البلد ونهضته، فالوطن يحتاج أن نُضحي من أجله.
وأشار المرشد العام إلى استنكار الشعب المصري بكافةِ فئاته لإحالة المهندس خيرت الشاطر النائب الثاني للمرشد العام وبعض إخوانه إلى محاكمةٍ عسكريةٍ رغم تبرئة القضاء الطبيعي لهم.
وأضاف أن القضاء السويسري برَّأ المهندس يوسف ندا قبل ذلك من كلِّ التهم التي وجهتها الإدارة الأمريكية له وجهاز المخابرات الأمريكية، إلا أنَّ النظامَ المصري وضعه على قائمةِ تهمٍ أخرى منها غسيل الأموال، رغم أنه حاليًا لا يملك غير قوت يومه فقط والمنزل الذي يعيش فيه.
كما أنَّ المحالين للمحاكمة العسكرية وُجِّهت إليهم تهمةُ غسيل الأموال رغم أنَّ شركاتهم تعمل في السوق المصري منذ ما يزيد عن 30 عامًا، وقانون غسيل الأموال ذاته لم يصدر إلا من عام 2002م فقط.
وأرجع الحملة المسعورة التي يقودها النظام ضد الإخوان إلى ضغوطاتٍ خارجية، يُريد النظام من خلالها الاحتفاظ بكرسيه.
وختم المرشد العام حديثه مع الجريدتين قائلاً: "إنَّ الإخوانَ الذين تعرَّضوا للاعتقالات بلغوا 25 ألفًا، ولكن الإخوان يختلفون عن غيرهم من الأحزاب، في أنهم تحمَّلوا البلاء والسجن والظلم وما زالو يتحملون، وسوف يتحملون ذلك فداءً لأوطانهم ودينهم
*******
انتقدت منظمة "هيومان رايتس ووتش" الدَّوليَّة الناشطة في مجال حقوق الإنسان بشدة حملات الاعتقالات الأخيرة التي نفذتها السلطات المصريَّة في صفوف جماعة الإخوان المسلمين، والتي طالت طلابًا ورجال أعمال وأكاديميين وعددًا كبيرًا من مرشحي الجماعة السابقين في انتخابات مجلس الشعب 2005م، وإحالة عدد كبير من الأكاديميين ورجال الأعمال من قيادات الجماعة إلى المحاكمات العسكريَّة، بالرغم من كونهم مدنيين.. وقالت المنظمة- ومقرها نيويورك- في تقريرٍ لها عن إحالة نحو 40 من قيادات الإخوان إلى المحاكمة العسكريَّة: إنَّ هذه المُحاكمات تُثبت خروج الحكومة المصريَّة على كلِّ أعرافِ السياسة وحقوق الإنسان السليمة، ودعت المنظمة الحكومة إلى احترام الاتفاقيات التي وقَّعت عليها مصر في هذا الصدد، ومن بينها العهد الدولي للحقوق المدنيَّة والسِّياسيَّة.
وانتقدت المنظمة بشدة قرارَ إعادة اعتقال المهندس خيرت الشاطر النائب الثاني للمرشد العام للإخوان المسلمين و32 من قيادات الجماعة، بالرغم من صدور حكم قضائي بالإفراج عنهم، وفي هذا الصدد قالت سارة ليا ويتسن- مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومان رايتس ووتش-: "يظهر من إعادة القبض على هؤلاء الرجال بعد دقائق من إعلان براءتهم ازدراءٌ مطلقٌ لسيادة القانون وعدم احترام مروع للمحكمة"، وتابعت تقول بأنَّ "هذا التَّصعيد في الحملة ضد الإخوان المسلمين له تبعاتٌ مقلقةٌ لأي فرد يعمل سلميًّا من أجل التغيير" .. وقالت ويتسن: "كان من المفترض ألا يتم القبض على الشاطر وأعضاء الإخوان المسلمين الآخرين من الأساس"، وأضافت: "والآن بعد أن أقرَّت محكمة مستقلة بهذا تلجأ الحكومة إلى محكمة عسكرية لتُصدِر الحكم المنشود".
وقالت تقرير المنظمة إنَّ هذه الحملة الأخيرة تأتي ضمن حملة موسعة تشنُّها الدَّولة المصريَّة ضد الجماعة في إطار معركة الإصلاح السِّياسي الراهنة في مصر بين القوى السِّياسيَّة والوطنية، وعلى رأسها الإخوان من جهة وبين النظام السِّياسي الحاكم من جهةٍ أخرى.
وقال التقرير إنَّ هذه الحملة بدأت في ربيع العام 2006م الماضي عندما قدم الإخوان المسلمون الدَّعم للقضاة في حملتهم من أجل استقلال القضاء وإجراء انتخابات نزيهة في مصر، وخلال الأشهر التالية اعتقلت قوات الأمن 792 عضوًا من الجماعة على الأقل، ولم توجّه الاتهامات للكثيرين منهم؛ وتسارعت وتيرة الحملة بعد مظاهرة وقعت في 10 ديسمبر احتجَّ فيها طلاب الجماعة في جامعة الأزهر على مجرى انتخابات اتحاد الطلبة بالجامعة.
ورغم إبداء الطلاب أسفهم على هذه المظاهرة والتي كانت مُجرد عرض رياضي تقليدي وتأكيد قادة الجماعة أنَّ الجماعة ليس لديها ميليشيات مسلحة، وأنَّها ملتزمة بالتغيير السلمي فقد تمَّ القبض على مئات الأعضاء منذ ذلك الحين، وفي 28 يناير الماضي أمر النائب العام المستشار عبد المجيد محمود بتجميد ممتلكات الشاطر و28 آخرين من أعضاء الإخوان المسلمين استنادًا إلى أنَّهم قاموا ب"تمويل منظمة محظورة"!!
وفي نهاية التقرير أوردت المنظمة كشفًا كاملاً بأسماء المجموعة المُعتقلة حاليًا في الحملة الأخيرة حتى يوم 13 فبراير 2007م الحالي والبالغ عددهم 226، من بينهم ال32 المقدمون للمحاكمة العسكريَّة من الإخوان الموجودين في مصر
أعرب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان عن إدانته الكاملة للخطوة التي اتخذتها السلطات مؤخرًا بإحالة 40 من العناصر القيادية لجماعة الإخوان المسلمين إلى المحاكمة العسكرية، باتهامات عدة شملت الانضمام لجماعة أسست على خلاف أحكام الدستور، وغسيل الأموال، واستخدامها في تمويل أنشطة الجماعة الغير معترف بها .. ويعتبر المركز أن إحالة المتهمين – وجميعهم من المدنيين – إلى المحاكمة العسكرية، تمثّل تدخلاً فجًّا من جانب السلطة التنفيذية في إدارة شئون العدالة، واستلابًا للحق الدستوري للمتهمين في المثول أمام قاضيهم الطبيعي، فضلاً عما تحمله هذه الخطوة - وما اقترن بها من إجراءات – من استهانة بالغة باستقلال القضاء والاحترام الواجب لقراراته وأحكامه.
جاءت هذه الخطوة بعد أيام قلائل من إصدار محكمة جنايات القاهرة قرارها في 29 يناير 2007 بإخلاء سبيل 16 من المتهمين، في مقدمتهم المهندس خيرت الشاطر النائب الثاني للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، وأمرت بالإفراج عنهم فورًا من سراي المحكمة بكفالة مالية لا تتجاوز خمسمائة جنيه لكل منهم، وحددت الرابع والعشرين من فبراير الحالي موعدًا للنظر في الاستشكال المقدَّم من المتهمين في قرار النائب العام بالتحفظ على أموال 29 منهم.
وبدلاً من احترام أحكام القضاء، استخدمت وزارة الداخلية قانون الطوارئ لتتحايل على قرارات الإفراج، وذلك بإصدار أوامر اعتقال جديدة للمتهمين، أعيدوا بموجبها إلى سجن مزرعة طرة بدلاً من الإفراج عنهم. ثم جرى انتزاع المتهمين من أمام قاضيهم الطبيعي ليمثلوا أمام القضاء العسكري في جرائم لا صلة لها بالنظام العسكري.
لقد كانت ظاهرة إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية – والتي تراجعت إلى حد كبير في السنوات الأخيرة – تشكّل اعتداء جسيمًا على حقوق الإنسان ومعايير العدالة واستقلال القضاء، حيث يفتقر القضاء العسكري إلى ضمانات الحيدة والاستقلال المفترضة في القضاء الطبيعي، وحيث يحرم الماثلون أمامه من حقهم في إعادة النظر في القرارات التي تصدرها المحاكم العسكرية، والتي لا يجوز الطعن عليها أمام هيئة قضائية أعلى. ومن المؤسف أن تعود السلطات إلى إشهار سيف المحاكمات العسكرية في مواجهة الخصوم السياسيين، والتي كان آخرها المحاكمة العسكرية لعضو البرلمان طلعت السادات.
ويعتقد مركز القاهرة أن استئناف ظاهرة الإحالة للمحاكمات العسكرية يحمل في طياته إصرارًا على تغليب المعالجات البوليسية والأمنية في مواجهة الخصوم السياسيين، ويضفي مزيدًا من الشكوك حول ما ستؤول إليه التعديلات الدستورية التي يجري التخطيط لها من قِبَل الحكومة من انتكاسة خطيرة للضمانات الدستورية للعديد من الحريات الأساسية للمواطنين تحت ستار مكافحة الإرهاب.
إن مركز القاهرة إذ يؤكد مجددًا إدانته لإحالة المتهمين من جماعة الإخوان المسلمين إلى المحاكمة العسكرية، فإنه يدعو مختلف القوى السياسية والمدنية المتطلعة إلى إصلاح ديمقراطي حقيقي وجاد، لرفض حسم الصراع مع أي فصيل سياسي عبر سياسات الإقصاء الأمني أو الإجراءات والمحاكمات الاستثنائية الجائرة، وتأمين حق المتهمين في هذه القضية في المثول أمام قاضيهم الطبيعي.
*******
أثار القرار الذي صدر بإحالة بعض المتهمين من قيادات الإخوان المسلمين إلي المحاكمة العسكرية‏,‏ تساؤلات عديدة حول المبررات الحقيقية لهذا القرار‏..‏ وهل هو إيذان بالعودة إلي الأوضاع الاستثنائية التي سبقت مرحلة الإصلاح السياسي والدستوري؟
ونحن لانتطرق هنا إلي مدي صحة الاتهامات المنسوبة لبعضهم‏,‏ من أنهم يديرون أعمالا تجارية تشكل امبراطورية ضخمة تستغل في غسيل الأموال وتمويل بعض الأنشطة غير المشروعة‏..‏ ولكننا نتساءل عن الحكمة في اللجوء إلي القضاء العسكري وحرمان مواطنين مدنيين من المحاكمة أمام قاضيهم الطبيعي‏,‏ وهي أحد المباديء الأساسية في الدستور وفي أي نظام ديمقراطي‏.‏ وكان الظن أننا تجاوزنا هذه المرحلة من اللجوء إلي القضاء العسكري للنظر في قضايا ذات طابع سياسي‏.‏ وهو إجراء لم تتخذه أمريكا أخيرا حتي في محاكمة نزلاء جوانتانامو؟‏!‏
ولاجدال في أن هذه التطورات المؤسفة تأتي في لحظة تقاطع سياسي حاد بين الحزب الوطني الحاكم والجماعة‏,‏ استباقا لما يمكن أن تسفر عنه عمليات الإصلاح ويكشف عن أن حزب الدولة قد حسم خياره في التعامل مع هذه الفئة طبقا لسياسات ثبت فشلها‏.‏ والذين يستشهدون بأن كل الحكومات السابقة قبل وبعد الثورة انتهجوا هذا الطريق الاستئصالي‏,‏ أملا في التخلص نهائيا من تيار الإسلام السياسي‏,‏ إنما يستشهدون علي فشل النظام في مصر وعجزه المستمر عن حل هذه الإشكالية المزمنة التي كانت وستظل عقبة أمام تحقيق الاستقرار السياسي‏.‏
غير ان هذا التطور علي وعورته وعنفه لن يفضي بالرغم من ذلك إلا إلي خلق بيئة فكرية سلبية رافضة للمشاركة‏,‏ نتيجة مناخ الخوف والقمع وانعدام الثقة في أي تقدم للفكر السياسي باختلاف مرجعياته‏,‏ ليبرالية كانت أو قومية أو إسلامية‏.‏ وهو مايفسر حالة الهزال اليائسة التي وصلت إليها الأحزاب المصرية‏,‏ كما يفسر انصراف الأجيال الشابة عن المشاركة والانتماء‏.‏
ولهذا السبب لم يكن غريبا ان يتقدم اساتذة جامعة الأزهر 13‏ ألف عضو هيئة تدريس بأعجب طلب من نوعه في تاريخ الجامعات في مصر وربما في العالم‏,‏ للحصول علي فتوي شرعية بإلغاء الاتحادات الطلابية وانتخاباتها‏,‏ بعدما شهدته من حالات الشغب‏.‏
وبوسع المرء أن يتفهم حالة الهلع التي أصابت أساتذة الجامعات وطلابها بعد أن تعرض زملاء لهم لمتاعب عديدة بسبب الانتخابات‏..‏ فمن الذي يريد أن تنتهي به المشاركة في الأنشطة الطلابية مهما اشتطت إلي المثول أمام المحاكم العسكرية؟ بل ومن الذي يريد اصلاحا سياسيا أو ديمقراطية من هذا النوع تصبح أشبه بالسوبر ماركت تشتري منه ما يعجبك وتعرض عما لايعجبك‏,‏ بدعوي التدرج في الإصلاح؟
إن المبالغة في الخوف من التيار الإسلامي بدلا من مواجهته سياسيا واستيعابه سلميا تكاد تتحول إلي صناعة أمنية تعوق التقدم نحو الديمقراطية‏,‏ وتولد مزيدا من التطرف الذي يكرس الهيمنة الحزبية ويضعف الثقة في نظام العدالة في مصر‏.‏
43900
‏السنة 131-العدد
2007
فبراير
15
‏27 من المحرم 1428 ه
الخميس
*******
توازن الضعف ....
بقلم د / عمرو الشوبكى
في عالم السياسة لا توجد صداقات دائمة ولا عداءات مستمرة، إنما هناك مصالح متغيرة، مقولة ربما تكون صحيحة في الواقع العملي، ولكنها لا تعني بالضرورة أن ممارسة العمل السياسي هي بالضرورة عمل غير أخلاقي، والمؤكد أنه في ظل النظم الديمقراطية هناك دوافع مصلحية ومبررات سياسية وراء أي تحول سياسي يقوم به حزب حاكم أو أحزاب معارضة، ولكن هناك أيضا قواعد قانونية ودستورية تضبط هذه التحولات، وتجعلها أمرا مفهوما وشفافا لدي الرأي العام، وتحد من انحرافاتها.
فهناك في البلاد الديمقراطية، تحالف أحزاب اليمين في مواجهة أحزاب اليسار، وهناك تحالف لأحزاب اليسار واليمين معا، ضد أحزاب اليمين المتطرف والتيارات العنصرية، وهناك أيضا تحالفات فرعية تجري بين تيارات وأحزاب لأغراض مصلحية تتعلق بانتخابات في نقابة أو مقعد برلماني أو حتي رئاسي وهكذا.
وبما أن مصر بلد غير ديمقراطي يتسم نظامه السياسي بالجمود وتدهور الأداء وغياب الطموح والخيال، أصبحت شكل تحالفاته السياسية انعكاساً لهذه الأوضاع، وصار المشهد الذي يعد بعد تعديل 34 مادة من الدستور، معظمها يتعلق بتعديل مواد تتحدث عن اشتراكية غير موجودة، تكريساً لهذا الوضع الجامد، خاصة بعد أن تم تجاهل جوهر أزمة النظام السياسي المصري المتمثلة في عدم تغيير المادة 77 وبقاء الرئيس في الحكم مدي الحياة بصورة أدت إلي «استنساخ» رؤساء صغار «خالدين» في كل مؤسسة عامة وحزب سياسي.
وصار هذا الواقع السياسي، هو الإطار الذي نسج فيه النظام القائم خريطة العمل السياسي الشرعي، وشكل تحالفاته والتوازنات التي تضمن استمراره، وبالتالي جاءت ساحة الشرعية القانونية بدورها جامدة وضعيفة وهشة ومنسجمة تماما مع النظام الذي أنشأها، وتنذر بأخطار غير مرئية لا يستطيع أن يراها نظام لا يقرأ إلا ما تحت أقدامه. والحقيقة أن ساحة الشرعية السياسية القائمة علي «توازن الضعف» تضم 22 حزبا منهم الحزب الوطني الذي يحكم بالاعتماد الخامل علي سطوة الأجهزة الإدارية وسلطة الأمن، واتحادات عمالية باهتة كما أرادت الحكومة .
في حين أن «توازن القوة» يقع خارج إطار الشرعية أو محاصر منها، ويضم الإخوان المسلمين، وحركات الاحتجاج والإصلاح الجديدة، والأحزاب المرفوض رخصتها القانونية نظرا لجديتها، ونادي القضاة الذي يتحدث في القانون لا السياسة، وقادة نقابات مهنية وعمالية، وبعض الشخصيات العامة والمثقفين والكتاب.
وأصبحت كل مبادرة ولو فردية مكانها الإقصاء حتي لو جاءت من أيمن نور والإخوان المسلمين أو حركة كفاية، أو أي مغامرة ولو من ابن شقيق رئيس جمهورية سابق كطلعت السادات لا بد أن تتواري، فالمطلوب من الجميع أن يكونوا داخل حدود النظام القائم علي توازن دقيق بين الضعفاء والجهلاء ومعدومي الموهبة.
وبدا هذا التوازن سحريا ونجح بكفاءة يحسد عليها في أن يحول كل من دخل في ساحة الشرعية إلي كيان باهت يحمل من صفات الحكومة أكثر مما يحمل من صفات الناس، فأحزاب المعارضة تراجع أداؤها بصورة مذهلة، واستنزفت في معارك صغيرة يستوي فيها النصر أو الهزيمة. وعلي عكس ما هو متوقع في أي مجتمع صحي وطبيعي، ولا نقول بالضرورة ديمقراطي، أن تتحول ساحة الشرعية إلي فرصة لهذه الأحزاب كي تنشط في الشارع وتجند عناصر جديدة وأن يكون لها فرصة في التواجد في وسائل الإعلام «القومية»، ولكن المفارقة أن هذه «الشرعية» تحولت إلي عبء علي هذه الأحزاب، فاخترقتها الأجهزة الأمنية بشكل مباشر وغير مباشر وأصبحت هناك قنبلة موقوتة داخل، تقريبا، كل حزب من أحزاب المعارضة الرئيسية الوفد والتجمع والغد والناصري من أجل مساومتها أو الضغط عليها..
فتدهور حال حزب التجمع الذي كان أملا وخلاصا لقطاع واسع من المصريين في السبعينيات إلي مقر وهياكل فارغة، وتراجع الوفد أكبر وأعرق أحزاب المعارضة عن وضعه السياسي الاستثنائي في تاريخ المصريين، وأصبح لديه 5 نواب فقط في البرلمان منهم اثنان ينتميان إلي تيار نعمان جمعة الواقع عمليا خارج الحزب.
أما الحزب الناصري فقد ترك لمصيره كما فعلت الحكومة مع خلاف حزب الوفد، فطالما لا توجد قواعد ديمقراطية داخل الأحزاب تؤدي إلي احترام الأقلية لرأي الأغلبية، فلابد من وجود طرف قضائي نزيه يفصل في هذه الخلافات ولا ينحاز لطرف علي حساب آخر إنما ينفذ بقوة القانون ما اتفقت عليه أغلبية أعضاء الحزب.
والمفارقة أن «توازن الضعف» هذا تجاوز بهمة يحسد عليها المجال السياسي ليشمل كل مجالات الحياة من جامعات وصحافة ومراكز أبحاث ومؤسسات ومرافق عامة، كلها تحمل نفس الشكل والصورة من البلادة وغياب الكفاءة، فعالم مثل أحمد زويل لابد ألا يتعدي دوره الظهور في الأفراح والمناسبات العامة أو الحديث في مئوية النادي الأهلي، ولا يمكن أن يسمح له بحكم الواقع السائد وليس بالضرورة نتيجة قرار إداري بأي حال أن يقوم بمشروع علمي ذي قيمة داخل مصر.
كما أن توازن الضعف هذا هو الذي اختزل مشروع مصر النووية في مشروع للتوريث لا للنهضة والبناء.
والمؤكد أن شروط استمرار النظام الحالي هي من استمرار توازن الضعف في العمل السياسي وفي المجال العام، وفي مؤسسات الدولة ومرافقها العامة، ولكن ستظل أزمته أنه لم يعد يمتلك نفس القدرة علي الاحتفاظ بالمجتمع ولا نخبته داخل حدود هذا التوازن بالترغيب والترهيب، إنما صارت هناك «توازنات قوة» تجري خارج توازنات النظام الهشة، فهناك احتجاجات العمال غير المنظمة والتي لا يقف وراءها لا الإخوان ولا اليسار، وهناك عودة لدور النقابات المهنية، ودور للقضاة في تطبيق القانون وحماية الدستور، وهناك أخيرا كثير من الشرفاء والأكفاء داخل مؤسسات الدولة التي مازال بعضها ينبض بالحياة.
بالمقابل سنجد أن معضلة التحالفات الجديدة التي تحاول أن تنسجها الحكومة مع بعض الأحزاب القائمة ستبقي محشورة داخل «توازن الضعف» الذي يضم القوي الحزبية الرسمية، وسيضع «توازن القوة» الذي يضم القوي الحقيقية الأخري المرئية منها وغير المرئية والسياسية وغير السياسية، خارج إطار الشرعية والمنافسة لصالح الوطن ومواطنيه البسطاء. وبما أن هذا المواطن لا يثق في القوي الرسمية، وفرضت حواجز بينه وبين القوي الحقيقية، فعلينا أن نتوقع منه مزيداً من الاحتجاجات غير السياسية، والانتفاضات العشوائية فلم تكن أحداث المحلة وكفر الدوار إلا بداية لشكل جديد من الاحتجاج غير السياسي، لن يحمل الاستقرار لأهل الحكم ولا لأهل المعارضة الرسمية الذين سيختارون البقاء داخل «توازن الضعف».
*******
شارك في الحملة الدولية للافراج عن المعتقلين
http://www.azharway.com/freetolab/index.php
مدونة الحملة الدولية للإفراج عن طلاب الأزهر المعتقلين
http://azharway.maktoobblog.com/
*******


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.