مواطن يطالب بإعادته إلى السجن... تضييقات أمنية على بعض الأفراح فيما يشبه حالة الطوارئ... ما من شيء مشترك بين هؤلاء سوى أنهم سجناء سياسيون سابقون اعتُقلوا بتهمة الانتماء لحركة "النهضة" المحظورة. التضييقات الأمنية على السجناء السابقين من أعضاء الحركة، دفعت أحدهم، وهو صلاح الدين العلوي، مؤخرًا إلى دعوة السلطات إلى إعادته للسجن، فعلى الأقل سيضمن طعامه، وفق مراسل "إسلام أون لاين.نت". ويفسر العلوي هذه الدعوة بإصرار السلطات على منعه من العودة إلى عمله، وفرضها رقابة مشدّدة عليه، وهو ما يحول دون حصوله على أيّ عمل آخر. وسبق للعلوي أن عرض أفراد عائلته للبيع بالمزاد العلني على شبكة الإنترنت، احتجاجًا على التضييق الأمني بحقه. وكان العلوي قد قضى عقوبة 13 سنة ونصف السنة سجنًا، إضافة إلى عقوبة تكميليّة قدرها 16 سنة أخرى من المراقبة الإداريّة لانتمائه لحركة "النهضة." حتى مناسبات الأفراح لم تسلم من التشديدات الأمنية في الأيام القليلة الماضية، فليلة حفل زفاف كريمة المهندس حمادي الجبالي، أحد أبرز قيادات حركة "النهضة"، ورئيس جريدة "الفجر" الناطقة باسمها في أواخر الثمانينيات، تحوّلت إلى ما يشبه حالة الطوارئ. ووصف الجبالي في تصريح ل"إسلام أون لاين.نت" ما جرى قائلاً: "أمر جمع من أعوان البوليس السياسي، على مرأى ومسمع من الحضور، صاحب قاعة الأفراح بإغلاقها أمام العروسين والمدعوين بعد فتحها، متعللا بعدم وجود ترخيص من مركز الشرطة المحلية، وهكذا تم إلغاء الحفل في جو من الحيرة والخوف والرعب، جرّاء إيقاف جميع سيارات المدعوين، ومطالبتهم بإظهار بطاقات التعريف وتسجيل أرقام سياراتهم". واستطرد بقوله: "ولما عدت وبقية المدعوين إلى بيتي لإتمام حفل الزواج، فوجئنا بأن سيارات البوليس قد سبقتنا، لمحاصرة الطرق المؤدية إلى البيت، ومراقبة كل صغيرة وكبيرة، مستعملين في ذلك أسطح منازل الجيران، ثم قطعوا الكهرباء، ومنعوا وصول أفراد فرقة الإنشاد الديني التي كانت ستحيي الحفل، كما منعونا من الحصول على كراسي ولوازم أخرى لحفل العرس". واعتبر الجبالي أن هذه الممارسات تأتي تتويجًا لسلسلة المضايقات التي يتعرض لها منذ خروجه من السجن، والتي تصاعدت منذ زيارته لمنزل الدكتور "منصف المرزوقي"، بعد عودته إلى تونس في أكتوبر 2006 قادمًا من منفاه الاختياري في باريس، حيث قضى 5 أعوام. والمرزوقي هو الرئيس السابق لرابطة الدفاع عن حقوق الإنسان، ورئيس حزب التجمع من أجل الجمهورية غير المعترف به، ويعد من أبرز زعماء المعارضة. ما حدث في حفل زفاف كريمة الجبالي وقع أيضا خلال عقد قران ابنة الشيخ عبد الفتاح مورو، أحد أبرز مؤسسي "النهضة". فقد ذكرت صحيفة "الموقف" التونسية المعارضة مؤخرًا أن: "المشرفين على جامع البحيرة القريب من تونس العاصمة أغلقوه، ومنعوا المصلين من الدخول لأداء صلاة العصر، ليحولوا دون عقد القران، على الرغم من حصول الشيخ مسبقا على موافقة المشرفين". استدعاءات متلاحقة ومنذ خروجه أيضًا من السجن، لا يكاد يمر أسبوع دون استدعاء المهندس علي العريض، الناطق السابق باسم "النهضة"، من قبل أجهزة الأمن لسؤاله عن تحركاته. وعن آخر هذه الاستدعاءات يقول العريض ل"إسلام أون لاين. نت": "طُلب مني الحضور في الثاني من فبراير الجاري إلى أحد مراكز الأمن، وبقيت حوالي ثماني ساعات أنتظر توضيح أسباب استدعائي قبل أن تتم مساءلتي عن لقاء أجريته مؤخرًا مع صحفي بلجيكي، وحضوري تظاهرات سياسية وندوات فكرية". وأكّد العريض أنه تم التنبيه عليه بعدم الاتصال بأي صحفي أو ناشط حقوقي أو حضور تظاهرات سياسية وإلا أعيد إلى السجن. لكنه يشدد على تمسكه بحقه في حضور الندوات الفكرية والسياسية، وإبداء وجهة نظره، مؤكدًا أن ذلك مما يضمنه الدستور والقانون. بيع الخضراوات أحوال السجناء السياسيين السابقين من حركة "النهضة" يصفها محمد النوري، رئيس الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين، بقوله: "صاروا يعيشون على هامش المجتمع، والأغلبية الساحقة منهم محرومة من العمل، على الرغم من أن بعضهم يعتبر من الإطارات العليا للدولة". وفي تصريحاته ل"إسلام أون لاين.نت" يضرب النوري مثلاً على ذالك ب"الدكتور المنصف بن سالم، الذي أسس كلية العلوم بمدينة صفاقس، وكان يضع البرامج الدراسية لكل السنوات في كل الاختصاصات، وهو حاصل على شهادات عليا في الرياضيات والكيمياء والفيزياء". ويشير إلى أن "بن سالم يعيش الآن على بيع الخضروات، حيث يقضي أغلب أوقاته يتنقل بين الأسواق الأسبوعية في منطقة سكنه في كدّ يومي مستمر للحصول على لقمة العيش، بعد أن كان أستاذا زائرا لعدد كبير من الجامعات الأوروبية". التشدد المضاد أما زياد الدولاتلي، القيادي في "النهضة" فلا يرى تفسيرا لهذه التضييقات سوى أنها "محاولة حكومية للتشفّي من ابناء الحركة". ويمضى الدولاتلي موضحاً ل"إسلام أون. نت": "الغاية من هذه التصرفات، إضافة إلى التنكيل لأتباع الحركة، هي جعلهم عبرة لكل من تساوره نفسه الانخراط في أي شكل من أشكال العمل السياسي المعارض لنظام الحكم، حتى وإن كان سليما". لكن استطرد مؤكداً أن "هذه السياسية المتشددة لحدّ التطرف من جانب السلطة تجاه طرف سياسي عرف باعتداله ووسطيته ونبذه للعنف (النهضة) لم يجعل الناس ينفرون من العمل السياسي المعارض، بل أقنع شريحة من الشباب بأن الحل أمام تشدد السلطة هو التشدّد المضاد". ولا يزال نحو 100 من قيادات وعناصر "النهضة" خلف القضبان، يضاف إليهم الآلاف من أبناء الحركة المنفيين منذ أكثر من 16 سنة، وأبرزهم رئيسها، الشيخ راشد الغنوشي.