رئيس الجمهورية قيس سعيّد.. المفسدون... إمّا يعيدون الأموال أو يحاسبهم القضاء    فاتورة استيراد الطاقة لا تطاق .. هل تعود تونس إلى مشروعها النووي؟    في علاقة بالجهاز السرّي واغتيال الشهيد بلعيد... تفاصيل سقوط أخطبوط النهضة    مذكّرات سياسي في «الشروق» (5) وزير الخارجية الأسبق الحبيب بن يحيى... يتكلّم الصادقية حاضنة المعرفة والعمل الوطني...!    أخبار المال والأعمال    تقديرات بانحسار عجز الميزانية الى 6.6 ٪ من الناتج المحلي    مع الشروق .. «طوفان الأقصى» أسقط كل الأقنعة.. كشف كل العورات    مع الشروق .. «طوفان الأقصى» أسقط كل الأقنعة.. كشف كل العورات    مزاد دولي يبيع ساعة أغنى راكب ابتلعه الأطلسي مع سفينة تايتنيك    الرابطة الثانية (ج 7 إيابا) قمة مثيرة بين «الجليزة» و«الستيدة»    مانشستر سيتي الانقليزي يهنّئ الترجي والأهلي    ترشح إلى «فينال» رابطة الأبطال وضَمن المونديال ...مبروك للترجي .. مبروك لتونس    فضاءات أغلقت أبوابها وأخرى هجرها روادها .. من يعيد الحياة الى المكتبات العمومية؟    تنديد بمحتوى ''سين وجيم الجنسانية''    ابتكرتها د. إيمان التركي المهري .. تقنية تونسية جديدة لعلاج الذقن المزدوجة    الكاف..جرحى في حادث مرور..    نبيل عمار يؤكد الحرص على مزيد الارتقاء بالتعاون بين تونس والكامرون    استشهاد خمسة فلسطينيين في قصف لطيران الاحتلال لمناطق وسط وجنوب غزة..#خبر_عاجل    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    ماذا في لقاء وزير الخارجية بنظيره الكاميروني؟    طقس الليلة    تسجيل مقدّمة ابن خلدون على لائحة 'ذاكرة العالم' لدى اليونسكو: آخر الاستعدادات    بطولة الرابطة 1 (مرحلة التتويج): حكام الجولة الخامسة    البطولة الافريقية للجيدو - ميدالية فضية لعلاء الدين شلبي في وزن -73 كلغ    توزر: المخيم الوطني التدريبي للشباب المبادر في مجال الاقتصاد الأخضر مناسبة لمزيد التثقيف حول أهمية المجال في سوق الشغل    نابل: الاحتفاظ بشخص محكوم بالسجن من أجل "الانتماء إلى تنظيم إرهابي" (الحرس الوطني)    أكثر من 20 ألف طالب تونسي يتابعون دراساتهم في الخارج    التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيدين للفلسطينيين    مواطن يرفع قضية بالصافي سعيد بعد دعوته لتحويل جربة لهونغ كونغ    مدير عام وكالة النهوض بالبحث العلمي: الزراعات المائية حلّ لمجابهة التغيرات المناخية    الجزائر تسجل حضورها ب 25 دار نشر وأكثر من 600 عنوان في معرض تونس الدولي للكتاب    المؤرخ الهادي التيمومي في ندوة بمعرض تونس الدولي للكتاب : هناك من يعطي دروسا في التاريخ وهو لم يدرسه مطلقا    كتيّب يروّج للمثلية الجنسية بمعرض تونس للكتاب؟    وزارة التجارة تتخذ اجراءات في قطاع الأعلاف منها التخفيض في أسعار فيتورة الصوجا المنتجة محليا    الرابطة 1 ( تفادي النزول - الجولة الثامنة): مواجهات صعبة للنادي البنزرتي واتحاد تطاوين    افتتاح المداولات 31 لطب الأسنان تحت شعار طب الأسنان المتقدم من البحث إلى التطبيق    تضم فتيات قاصرات: تفكيك شبكة دعارة تنشط بتونس الكبرى    يلاحق زوجته داخل محل حلاقة ويشوه وجهها    عاجل/ إصابة وزير الاحتلال بن غفير بجروح بعد انقلاب سيارته    القلعة الصغرى : الإحتفاظ بمروج مخدرات    تراجع إنتاج التبغ بنسبة 90 بالمائة    هام/ ترسيم هؤولاء الأعوان الوقتيين بهذه الولايات..    تقلص العجز التجاري الشهري    الشابّة: يُفارق الحياة وهو يحفر قبرا    السعودية على أبواب أول مشاركة في ملكة جمال الكون    عاجل/ تحذير من أمطار وفيضانات ستجتاح هذه الدولة..    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    التشكيلة المنتظرة للترجي في مواجهة صن داونز    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    هرقلة: الحرس البحري يقدم النجدة والمساعدة لمركب صيد بحري على متنه 11 شخصا    وصفه العلماء بالثوري : أول اختبار لدواء يقاوم عدة أنواع من السرطان    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مرسل الكسيبي في بحث منهجي حول أخلاقيات العمل الاعلامي

لم تخل مهنة ذات بال على مدار التاريخ المعاصر من ميثاق شرف وقواعد سلوكية تنظم عمل الفاعلين والمنخرطين فيها ,ومن ثمة فان امتهان القضاء أو المحاماة أو الطب أو الصيدلة أو التعليم وصولا الى الاعلام , اقتضى من باب تطوير المهنة وتحقيق رسالتها الانسانية التي اقتضاها اجتماع الناس وترتيب حياتهم والنهوض بقواعد تنظمهم وشروط تحضرهم ,كل ذلك اقتضى اجتماع المنتمين على هذه الروابط المهنية وغيرها ضبط مواثيق شرف اخلاقية تحفظ حقوق أصحاب المهنة وتضمن للمتعاملين معها حقوقهم التي لاينبغي التعدي عليها ,ضمن اطار يقدس خصوصية حياتهم وسرية جانب منها ,ويأخذ بعين الاعتبار مقتضيات اخرى تحددها اداب اللياقة في التعامل مع ظواهر الاجتماع البشري
ووقوفا ضمن دائرة أضيق ذات تأثير اجتماعي وسياسي واقتصادي وثقافي ونفسي عميق ,فان مباشرة مهنة الاعلام عد من أكثر المسؤوليات حساسية فيما يتعلق بقواعد السلوك المهني ,حيث يتعلق الأمر في موضوعات الاعلام بثلاث أو أربع مجالات تعد اليوم من أكثر المجالات حساسية في التأثير على الرأي العام وتوجيهه بمايخدم مصلحة المجتمع أو بما ينعكس سلبا على وحدة واستقرار الأمم وربما حتى نموها السياسي والاقتصادي والحضاري
ان القيام على مسؤولية الاعلام المطبوع أو نظيره الاليكتروني,في مجالات الصحافة المطبوعة والالكترونية ومجالي الاذاعة والتلفزيون ,يعد من قبيل المخاطرة الكبرى في حق المهنيين بهذه القطاعات ,كما يعد مخاطرة أكبر في حق البيئة والمجتمع اذا مالم تنظمه قواعد سلوكية وضوابط اخلاقية ومواثيق شرف مهنة تخضع لكبير الاحترام وتتعهد بمزيد من الترقية والتطوير في ظل ماتتطلبه الخصوصية المجتمعية من احترام القواعد الثقافية المحلية ,وفي ظل ماتقتضيه الكوكبة أو العولمة من سرعة تفاعل مع ماتتوصل اليه الروابط المهنية والمشرعون في الدول الكبرى من مواثيق وقوانين وعهود لايمكن غض البصر عنها في زمن القرية الكونية
لم يكن تدوين قواعد السلوك المهني ومعاييره أمرا راسخا في مجال الاعلام برغم قدم هذا المجال وترافق نموه مع تطور الأمم والشعوب ,حيث عرفت البشرية محاولاتها الاتصالية والاعلامية الأولى منذ أن وجد ادم وذريته على وجه البسيطة ,اذ لم تخل المجتمعات الانسانية الأولى والموصوفة بالبدائية من نحوت ونقوش وألواح وعظام وجلود وأبواق من أجل ترتيب عملية التواصل والاعلام فيما بينها ,غير أن تدوين قواعد الاحتراف المهني لقطاع الاعلام ,تطلب تطور المجال من الاتصال الاعلامي التلقائي الى الاتصال الاعلامي المنظم والحرفي المؤثر بقوة في دوائر الرأي العام ,والذي أخذ شكل مهنة منظمة لها معاهدها وجامعاتها ومراكز تدريبها المتخصصة ,وفضاءات عملها التي لايمكن تركها مفتوحة على الدخلاء والمتطفلين دون ضبط قواعد الممارسة بأخلاقيات وتشريعات كثيرا مااصطلح عليها المختصون بقواعد ومعايير السلوك المهني في العمل الاعلامي
مانحاول الوقوف عليه في بحثنا هذا من مفردات تمس أخلاقيات المهنة الاعلامية, يمر بلاشك في محطة أولى بمعايير السلوك المهني في العمل الاعلامي وصولا الى محطة ثانية أو مجال اخر أشد حساسية وهو أخلاقيات تعامل رجل الاعلام أو سيدة الاعلام مع مصادر المعلومة , أما المحطة الثالثة فهي تقف بالبحث عند أخلاقيات تعامل الاعلامي مع المواطنين من جمهور وسائل الاعلام , لنواصل رحلة سفرنا البحثي بعدها بالتأمل في القوانين العالمية التي تنظم أخلاقيات هذا العمل الاعلامي ,لنترجل بعدها في خاتمة الى أهم خلاصات هذا البحث
أوردت الدكتورة ليلى عبد المجيد أستاذ الصحافة ووكيل كلية الاعلام بجامعة القاهرة مجموعة من المعايير الأساسية التي يحسن بنا الاشارة اليها حين خوضنا في شؤون هذا المبحث
- الاعلام مسألة مقدسة ينبغي أن يكون دقيقا غير محرف أو مخادع أو مكبوت
- ضرورة الفصل بين المعلومات أو وظيفة الأخبار والتعليق أو وظيفة التعليق وابداء الرأي
- أن يخدم النقد والتعليق المصلحة العامة لا أن يكون هدفه مجرد الافتراء أو تشويه السمعة
- تتضمن كل المواثيق فقرة تتصل بالحفاظ على سر المهنة
وفي سياق لاحق لاحظت الدكتورة عبد المجيد بأن مثل هذه المعايير قد يقع في كثير من الأحيان تعويمها ضمن صياغات لفظية تتصف بالغموض والابهام لتذكر جملة من المبادئ والمعايير العامة التي كثيرا ماترددت من قبل رجالات المهنة والمثقفين والجمهور المستهدف بالعمل الاعلامي ,حيث أن استخدام ألفاظ الموضوعية والحياد والصدق وحرية الاعلام قد يكون بلاشك حمالا لدلالات وأفهام شتى تخضع لفلسفات وثقافات وتشريعات ومنظومات فكرية وسياسية وقانونية مختلفة
واذا كان عموم الناس لايختلفون في قيمة معيار الصدق في العمل الاعلامي ,الا أن حدود هذا الصدق وضوابطه وحدوده والكشف عن مصادره ,يعد مما اختلفت فيه الأفهام والتقديرات بحسب المرجعية الثقافية والايديولوجية والظرف السياسي والبئة المحيطة برجل الاعلام ,ويكفي أن نمر على تجربة أحد طلاب الاعلام باحدى الجامعات الأمريكية وهو يروي قصة سؤال طرحه احد اساتذة الاعلام على طلابه حول مشروعية الكذب في العمل الاعلامي , ,ليكون الجواب والتعليق على لسان الطالب - كما يلي
- عندما طرح موضوع «الكذب» للنقاش وهو سلوك يتعارض مع أهم أخلاقيات الإعلام، لم يخطر ببال أحد منا أن يتردد في الجزم بأن الكذب مرفوض قلبا وقالبا في مهنة الإعلام إلا عندما طرحت علينا الأسئلة التالية هل ينبغي على الطبيب أن يكذب على المريض الذي يحتضر من اجل أن يهدئ روعه ويبعد عنه الخوف والرعب أم أن يقول له حقيقة مرضه بغض النظر عما يجلبه له قول الحقيقة من اضطراب أو خوف ,وهل بإمكان الأستاذ الأكاديمي أن يبالغ قليلا في رسائل التوصية التي يكتبها في حق طلبته لإعطائهم فرصة أفضل لإيجاد الوظيفة مستقبلا؟ وهل من حق الأبوين اللذين قاما بتبني طفل في يوم ما أن يكتما عنه هذه الحقيقة عندما يكبر مراعاة لمشاعره , أم أن الأفضل قول الحقيقة له؟ ثم جاءنا السؤال المباشر هل يحق للصحافي أن يكذب فيما يخص المصادر التي يستقي منها معلوماته من أجل الكشف عن فساد ما أو خطأ يلحق ضررا بالآخرين ؟
لم تكن هناك إجابة محددة مطلوبة ولم يكن الهدف هو معرفة من الأفضل في الإجابة بل كانت النقطة المراد استيعابها منا كصحافيين وإعلاميين هو أن هناك مواقف تتطلب قرارات صعبة، مواقف - انتهى كلام الطالب كما ورد في الوثيقة المعتمدة
وحينئذ فان بعض المعايير أو الكثير منها لابد أن يضبط بمدونة سلوك اعلامي ,أو ميثاق شرف مهني يحدد في أي اطار بيئي تتنزل هذه المعايير والى أي حد يمكن التعاطي تسامحا أو حزما صارما مع موضوعاتها ,غير أن الأمر كما هو معلوم لدى خبراء القطاع يبقى مفتوحا على نسبية ومقاييس شخصية ومؤسسية ومجتمعية وسياسية توسع او تضيق في مجال تطبيق وتنزيل العمل بها
من المسلم به أن ضبط معايير ما لممارسة تطبيقية أو مهنة معينة لايمكن أن يكون من قبل الأمور العبثية ,ولذلك فانه من الضروري الوقوف ولو بصفة عرضية حول الأهداف التي كمنت وراء وضع معايير السلوك المهني في العمل الاعلامي
وبالعودة الى ماحررته الدكتورة ليلى عبد المجيد حول هذا الغرض فانه أمكن لنا الوقوف حول مجموعة هامة من الأهداف يمكن الاشارة اليها ضمن سياق حماية الفئات الاتية
-حماية المستقبل ,أي القراء والمستمعين والمشاهدين ,أي الجمهور بصفة عامة
- حماية العاملين في وسائل الاتصال من المهنيين
- حماية مصالح ملاك الوسائل,وقد يكون هذا المالك شخصا أو مجموعة مساهمين أو حكومة
وعلى العموم فانه يمكن توسيع مفهوم الحماية في اطار أهداف هذه المعايير الى الدرجة التي يمكن معها للأنظمة السياسية في بلدان العالم الثالث أو بلدان العالم النامي أن تجعل من حماية الجمهور أو المجتمع أو حماية ملاك وسائل الاعلام وخاصة اذا ماكانوا من المستثمرين الحكوميين ,ذرائع لمصادرة حرية الاعلام وللحد من تدفق المعلومة ,وذلك لما في هذه الحرية من مخاطر جمة على الفساد والمفسدين والاستبداد والمستبدين
ولعله ليس من الصعب على الحكومات في دول العالم الثالث اذا ماأرادت مصادرة صحيفة أو ايقاف بث وسيلة اعلام ,أن تتجه الى التشكيك مباشرة في مصادر المعلومة بل السعي احيانا الى الكشف عنها اذا ماقدرت في ذلك بروح الانتقام نوعا من التنفيس عن أحقاد وضغائن رسمية كثيرا ماتضيق ذرعا بمناخ اعلامي حر
ان حماية هذه المصادر وعدم الكشف عنها قد يبيت من أعسر المسؤوليات التي يتحملها الاعلامي ,وهو مايحتم علينا في المبحث الموالي الخوض في موضوعها على اعتبار أنها جزء لايتجزأ من أخلاقيات المهنة
لفهم موضوعة هذا المبحث نعود الى أحد خبراء الاعلام العرب وهو يروي تجربته الأكاديمية مع الموضوع حين كان على مقاعد احدى الجامعات الأمريكية ,حيث عرضت عليه وعلى زملاء الدراسة بقسم الاعلام اشكالية لابد أن نسوقها للباحث والقارئ من باب ادراك خطورة التعاطي مع مصادر المعلومة دون دراية أو وعي معرفي متخصص
ماذا يفعل الصحافي إذا ما وقعت بين يديه حادثة لامرأة تعرضت لاعتداء من قبل شاب طائش وأمامه اسم المرأة وتفاصيل الحادث بكل دقة، هل ينشر الحادث أم يتحفظ عليه؟ وان نشره هل يرفق معه اسم المرأة أم ينشره من دون اسم؟ يومها وقع خلاف حاد بين من اختار نشر الاسم بالكامل، بل ذهب إلى الرغبة بإجراء حوار مع أهل الضحية لتسليط الضوء على حالة الأسرة النفسية والضرر الذي تعرضت له المرأة وبين من اختار نشر الحادثة دون اسم
معلقا أن الاسم لا يضيف إلى المتلقي شيئا وكان هناك فريق ثالث رأى أن عدم النشر هو القرار الأسلم لحماية المرأة
في أحد المواضيع المتعلقة بحق الصحافي في حماية مصادره ، ماذا يفعل الصحافي إذا ما نشر موضوعا وصل به إلى القضاء وتم الضغط عليه من قبل مدعي التحقيق بأن يكشف عن مصدر معلوماته؟ هل يلتزم الصمت أم ينتهك حق المصدر ويكشف هويته؟
وهذا يذكرنا اليوم بموقف الصحفية الأميركية جوديث ميلر التي آثرت السجن يوماً على الكشف عن هوية مصادرها أمام مدعي التحقيق في تسريب معلومات تتعلق بكشف هوية عميلة لوكالة الاستخبارات الأميركية - انتهى الاستشهاد
المبدأ الذي ينضبط له الاعلاميون نظريا حين التعاطي مع أخلاقيات المهنة وضوابطها ومواثيقها الشرفية ,هو مبدأ الحفاظ على سرية المصادر أو مايسمى بسر المهنة أو سر التحرير
ولعل من ابرز العوامل التي دفعت الاعلاميين ورجال المهنة الى عدم الكشف عن مصادرهم هو الحفاظ على حياة وحرية وسلامة من يكشفون عن معلومات هامة تؤدي الى الحد من الفساد ومظاهر الانحراف الاجتماعي ,وهو مايضاعف عمليا من مسؤولية العاملين بهذا القطاع ولاسيما في البلدان التي تتضخم فيها ظواهر الفساد المالي والانحراف السياسي ,وهو مايجعلهم أيضا - أي الاعلاميين - في مرمى نيران الجهات السياسية الرسمية كما يعرضهم للاستهداف العنيف من قبل جماعات العنف المسلح
ورجوعا الى بعض تفصيلات عدم الافصاح عن مصادر المعلومة كأخلاقية من أخلاقيات المهنة ,فانه يجدر بنا الوقوف مجددا على معلومات دقيقة يذكرها المتخصصون ,حيث نوردها دون تعديل في صياغتها أو بسيط تحوير
- قد يتلقى الصحفي بعض المعلومات من أحد مصادره الذي يؤكد أن هذه المعلومات ليست للنشر ,وهنا يحق للصحفي أن يستخدم هذه المعلومات بطريقة غير مباشرة من خلال محاولة التأكد منها ومن صدقها من مصادر أخرى قد لاتخشى الكشف عن نفسها ,وفي كل الأحوال فالصحفي يجب أن يلتزم بما قطعه على نفسه من وعد لمصدره بعدم الافصاح عن اسمه وهويته
- كما قد يقدم أحد المصادر معلومات للصحفي مؤكدا أنها - Background Briefings أي أنها معلومات خلفية يمكن للصحفي نشرها مع عدم نسبتها لمصدرها كأن يقول ذكر مصدر مسؤول أو صرح أحد المسؤولين
ومن باب الخبرة العملية في الميدان فانه يمكن القول بأن مايطلب من رجل الاعلام في هذا المضمار يظل رهين قوة شخصية العاملين في القطاع ,كما يبقى على صلة رئيسة بالمناخ السياسي والتشريعي العام الذي يعمل فيه الاعلاميون ,اذ أنه لايمكن ترك أخلاقيات التعامل مع المصادر الاعلامية للضمائر وحسن النوايا ومواثيق شرف المهنة فقط بل لابد من حماية الاعلامي في مثل هذا الموضع بتشريعات القانون ,وهو ماذهبت اليه دول بعينها مثل ألمانيا وسويسرا وفرنسا ومصر
- اخلاقيات تعامل الاعلامي مع المواطنين من جمهور وسائل الاعلام
لمعرفة مدى حساسية هذا المبحث ,وللوقوف على أهمية وجود ضوابط اخلاقية في تعامل الاعلامي مع جمهوره ,فانه يمكننا الانطلاق من حدث اعلامي أثار جدلا سياسيا وفكريا واعلاميا في الساحة العالمية ,حيث كان لعرض صور ابني الرئيس الراحل صدام حسين على الشاشة بعد مقتلهما صدى سجاليا غير مسبوق في أوساط النخب الاعلامية ,وفيما يلي نترك مركز الاعلاميات العربيات ينقل صورة هذا الجدل لتبين مدى خلافية بعض المعايير والقواعد حين تنزيل مبدأ أخلاقيات تعامل الاعلامي مع جمهور وسائل الاعلام
ثار جدل أخلاقي كبير حينما أصدر الجيش الأمير كي في الرابع والعشرين من تموز قرارا بنشر صور لجثتي عدي وقصي ابني الرئيس العراقي السابق صدام حسين ليثبت للعراقيين أنهما قتلا وقام ضباط في بغداد بنشر الصورتين في مشرحة تظهر رأس عدي والنصف الأعلى من جسده ,وصورتين أخريين لقصي مع صور للأخوين كانا على قيد الحياة للمقارنة
يشار الى أن التقاليد داخل الجيش الأميركي كما تشير الصحف الأمير كية تقضي بعدم نشر صور القتلى
لكن نشر هذه الصور قد يكون عملا صعبا بالنسبة لإدارة احتجت عندما بثت تلفزيونات عربية مشاهد لجنود أمير كيين قتلوا خلال غزوها العراق في آذار
وقال مسئول في وزارة الدفاع الأمير كية إن المعايير تتفاوت من منطقة إلى أخرى بشأن ما يمكن عرضه في أجهزة الإعلام
وتراوحت ردود الفعل الصحافية العالمية حول نشر الصور المذكورة من ناحية الأخلاقيات الصحفية، وقال خبراء أميركييون إن نشر الصور له ما يبرره وتمشى مع تقليد قديم يرجع إلى أيام الإسكندر الأكبر واتفق مع هذا الرأي خبراء في الإعلام ,وقالوا إن عرض صور الزعماء بعد مقتلهم تقليد يرجع إلى وقت الإسكندر الأكبر منذ وفاته عام قبل الميلاد وأشار بول ولفينسون الأستاذ بكلية الصحافة في جامعة فورد ام "من سمع ليس كمن رأى فحين توفي الإسكندر الأكبر في سن صغيرة عاما وضعوا جثمانه في العسل وعرضوه في نعش زجاجي وحافظوا عليه لأطول مدة ممكنة حتى يتمكن الناس من إلقاء النظرة الأخيرة عليه
لكن افتتاحية صحيفة فرانكفورتر روندشاو الألمانية المستقلة انتقدت نشر صور عدي وقصي وقالت الصحيفة "نتحدث هنا عن الكرامة الإنسانية بصرف النظر عن الجرائم التي اتهم عدي وقصي بارتكابها ,حيث أن عرض الصور يمثل انتهاكا للمبادىء الأساسية للعالم المتحضر
وبناء على ماتقدم من جدل دائر حول موضوع عرض صور القتلى من ضحايا الحروب والمعارك القتالية ,فانه يستشف بأن أخلاقيات تعامل الاعلامي مع جمهور وسائل الاعلام ,تظل رهينة المدارس الفكرية والسياسية التي ينتمى اليها العاملون في القطاع ,غير أن هذا لاينفي ضرورة احترام المشاعر البشرية والانسانية وتحمل أقدار من المسؤولية الأخلاقية حين القيام بمهمة اطلاع الرأي العام على مايدور حواليه من مستجدات ايجابية أو مخاطر وتحديات حقيقية
وبالعودة الى تفصيلات هذه الأخلاقيات فيما يخص علاقة الاعلامي بالجمهور ,فان من أهم ماتعارف عليه الأخصائيون والخبراء في هذا المضمار هو عدم اختراق الخصوصية البشرية وذلك بعدم خوض الاعلامي في الحياة الخاصة للناس وابعاد مفاصل هذه الحياة عن الأضواء ومنطق التشهير ,ومن هذا المنطلق , ذهبت التشريعات المنظمة للمهنة والقطاع الى التنصيص على عقوبات تترتب على مخالفة هذا المبدأ
ومن أجل القاء مزيد من الأضواء على مقتضيات هذا المبدأ بمايعنيه ذلك من حفاظ على خصوصية حياة الناس, فانه يجدر بنا تفصيل معالم اقتحام هذه الخصوصية ,حتى نستكشف الحد الفاصل بين ماهو مسموح به في اطار السبق الاعلامي والريادة في الاخبار ,وبين ماهو من قبيل التطفل والسقطات الأخلاقية التي لاتليق بممارسي المهنة ومحترفيها
- استخدام الاعلاميين لأساليب ملتوية مثل كاميرات أو ميكروفونات خفية
- الكشف عن الأسرار الخاصة ونشرها أو عرضها بشكل علني
- تسليط أضواء زائفة على شخصيات عادية مما قد يتسبب لهم في متاعب أو مشاكل أو يسيء الى سمعتهم ويضر بعائلاتهم
- استغلال اسم شخص أو صورته في تحقيق مزايا معينة لشخص اخر بدون تصريح منه بذلك قصد الترويج مثلا لسلعة معينة
غير أن الحفاظ على الخصوصية في هذا الموضع قد لايشمل الشخصيات العامة التي تتولى وظائف الشأن العمومي ,شريطة أن يكون الجانب المتعلق بحياتهم الخاصة له التأثير الكبير والمباشر على قيامهم بواجباتهم تجاه الجمهور الذي انتدبهم لهذه المهمة
ومن جملة مايترتب عن هذا المبدأ الأخلاقي في العمل الاعلامي من واجبات,قيام الاعلام ووسائله بتصحيح الأخطاء غير المتعمدة في حق الأفراد والهيئات وغير ذلك وتصويبها في اطار الالتزام بمايطلق عليه حق التصحيح والرد كمقابل موضوعي لحرية وسائل الاعلام في النشر أو الاذاعة
وبلاشك فان في احترام الاعلامي لجمهوره وجمهور الوسيلة الاعلامية التي يعمل لفائدتها ,مجال تطبيق واسع يشمل احترام المجتمع وقيمه وعاداته وتقاليده ,بما يعنيه ذلك من تجنب نشر أو اذاعة ماله علاقة أو تشجيع على ارتكاب الفحشاء وتفشي الانحلال والوقوع في الرذائل والابتذال , وهو مايعني أيضا احترام الضمير الجمعي فيما تعلق بمقدسات الناس ومعتقداتهم واعرافهم التي توافقوا عليها منذ مئات السنين واحيانا الافها
وبالخوض في تفصيلات ماهو مقبول مجتمعيا ومرفوض من زاوية المقدسات والعادات والأعراف والتقاليد ,فان مجالا خلافيا واسعا يبقى واردا بين ماترتضيه البيئات الغربية في العمل الاعلامي وبين ماتحترز عليه بئات الشرق وترى فيه تعديا واضحا على الديانات والمقدسات على سبيل المثال ,ولنا في هذا الموضع ذكر مثال تعاطي الغرب مع موضوع الصور الكاريكاتورية للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ,حيث رأى فيها بعض الغربيين والليبراليين الأوروبيين مجالا خصبا لفعل وسائل الاعلام ,في حين أجمعت جل الفعاليات والنخب الفكرية والسياسية والدينية والاعلامية في بلاد المشرق على ادانة هذا المسلك الذي رأت فيه تعديا على مواثيق شرف المهنة الاعلامية ,ومن منطلق تلكم الحادثة التي كادت أن تفجر ماأطلق عليه حوار الحضارات
حن لي أن أكتب يومها مقالا تحليليا موثقا حمل عنوانا بارزا - هل نريدها حربا عالمية شرارتها الكاريكاتير؟ - يراجع مقالي المذكور على موقع العربية نت بتاريخ 16 فبراير 006م، 17 محرم 17 ه
وعموما ذهبت معظم الاتجاهات الفكرية الاعلامية بمدرستيها الغربية والتنموية الى اعتبار النقاط الاتية من ضرورات أخلاقيات المهنة في العلاقة بجمهورها الواسع والعريض
1- ضرورة تمتع الاعلامي بدرجة عالية من النزاهة بحيث يكون دافعه في عمله الصحفي أو الاذاعي أو التلفزي الصالح العام وليس السعي وراء مصلحة شخصية أو ذاتية
- عدم قبول الاعلامي لأي رشاوى أو هدايا أو مكافات من شأنها الاخلال بمتطلبات المهنة
- عدم التأثير على سير العدالة من خلال الايمان بأن المتهم بريء حتى تثبت ادانته ,وعدم التعليق على القضايا المنظور فيها من المحاكم أو محاولة التأثير على اطراف النزاع من المتهمين والشهود ورجال القضاء أو حتى المتابعين لها من مكونات الرأي العام
- عدم نشر تفاصيل الحياة الخاصة في قضايا الأحوال الشخصية كالطلاق والزنا والنفقة الخ
- عدم تحسين الجريمة والعنف والحض على الحقد والكراهية أو اظهار تفاصيل الجريمة بما يؤثر على غير البالغين والراشدين
6- عدم نشر صور واسماء الأحداث المتورطين في جرائم معينة من باب حماية حياتهم المستقبلية
وحتى لاتبقى أخلاقيات العمل الاعلامي تجاه الجمهور والمواطنين في مثل هذه المواضع الخطيرة وغيرها حبيسة ضمائر الصحفيين والعاملين بالاذاعة والتلفزيون ,كان للتشريع دورا بارزا في بيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود في القضايا الخلافية أو في المسائل التي حظيت بكثير من الاجماع ,ومن هذا المنطلق ترتب علينا واجب الوقوف على القوانين الاعلامية المرتبة لسير هذه الأخلاقيات
- القوانين العالمية التي تحكم أخلاقيات العمل الاعلامي
أ- مبادئ للتنظم الذاتي في العالم الحر تحمي أخلاقيات المهنة
اتجهت معظم الدول والهيئات المشرفة على تنظم الاعلاميين والصحفيين الى ايجاد أشكال من القيام الذاتي على حماية أخلاقيات العمل الاعلامي , ومن ثمة فان العالم شهد في جل أقطاره حماية لهذه المبادئ الأخلاقية عبر تاسيس مجالس للصحافة والاعلام الاذاعي والتلفزيوني
واذا كان المنطلق الأول لتأسيس هذه المجالس هو حماية الصحفيين والاذاعيين من بطش الحكومات وصلاحياتها الواسعة في مصادرة حرية المعلومة ,فان من أهم منطلقاتها أيضا كان ترتيب علاقة رجال المهنة بالجمهور المستهدف من خلال ضبط سياسات عامة وتشريعات تعزز أخلاقيات المهنة وتحميها وترسخها بنص القانون الملزم أو المواثيق الشرفية
واجمالا فقد قامت هذه المجالس في مختلف أنحاء العالم على فكرة الرقابة الذاتية بدل اقحام الدولة في أداء رجل الاعلام ,وهو ماجعل معظمها يتجه الى التأكيد على مبادئ عامة في ماصاغه من عهود ومواثيق منظمة لشؤون وأخلاقيات العاملين بالقطاع ,غير أن الفرق في كل الأحوال يبقى شاسعا بين منظومتين فكريتين وسياسيتين وقانونيتين مستا جوهر هذه الأخلاقيات ,حيث أن الديمقراطيات الغربية عدمت وجود وزارة الاعلام ووزير الاعلام وتركت للاعلاميين شأنهم الحر في الأداء ,وهو ماجعل الجانب التشريعي المحيط بهذه الأخلاقيات متروكا لأصحاب المهنة أنفسهم وضمائرهم التي حتمت عليهم الانتصار لنزعة الحرية على حساب سيف ومقص الرقيب ,في حين اتجهت دول العالم النامي الى تطويق المجالس المهنية للاعلاميين ومواثيق شرفهم المهنية بحزمة من التشريعات القانونية الصارمة التي تبقى دائما بمثابة السيف المسلط على الرقاب من أجل الحيلولة دون ايجاد سلطة رابعة قوية ورادعة للمفسدين والمستبدين
وبحكم تشعب هذه التشريعات واختلافها من بلد الى اخر ,فاننا حبذنا في هذا المبحث الوقوف بوجه عام على نظام اعلامي تقدمي يقرب الصورة لرجال المهنة والمهتمين , من أجل الارتقاء بواقع الصحافة والاعلام عبر العالم ,عازفين بذلك عن الوقوف بالدراسة والتحليل عند نماذج النظم الرجعية التي اذا لم تفلح في تكبيل الصحافة والاعلام بالقانون فانها تحاصرها اغتيالا وسجنا ومطاردة خارج دوائر النص القانوني , وهو ماتحفل به شهادات كل المنظمات العالمية المعنية بالدفاع عن حرية تدفق المعلومات عبر العالم والذود عن كرامة رجال مهنة غدوا هدفا أولا لأنظمة العالم الثالث
ب- النموذج الألماني يعكس رؤية متقدمة في حماية أخلاق المهنة
من باب نقل صورة منصفة عن هذا النموذج التشريعي الراقي والمتقدم ,حبذنا نقل جزء من ورقة في الغرض قدمها الأستاذ لؤي مدهون من منطلق خبرته الاعلامية بمؤسسة عريقة وهي مؤسسة الدويتشه فاله ,وفيما يلي نرفق بحثنا ببعض المقتطفات منها بعد تقديم لمحة تاريخية عن تطور هذا النموذج بعد الحرب العالمية الثانية *1
- ألمانيا من الاعلام المركزي الى تحرير الاعلام
بعد التخلص من براثن النازية وتقسيم ألمانيا إلى مناطق خاضعة تحت سيطرة الحلفاء، بدأ هؤلاء بتحويل الإعلام المركزي إلى إعلام متنوع وموزع على كل مناطق ألمانيا، مع التشديد على ضرورة عدم تدخل الدولة في عمله وفي عام 190 تم دمج الهيئات الإذاعية التابعة للولايات الألمانية في "رابطة عمل هيئات الإذاعة العامة لجمهورية ألمانيا الفيدرالية"، لتقوم بعد ثلاث سنوات بإطلاق برنامج تلفزيوني مشترك عٌرف باسم "التلفزيون الألماني الأول"
أما تكريس التنوع ومبدأ المنافسة في قطاع الإعلام العام فقد تم الاقتراب من تحقيقه بعد انطلاقة "التلفزيون الألماني الثاني" في عام 196 بهدف تشكيل ثقل إعلامي يقلل من هيمنة الحضور الإعلامي للتلفزيون الألماني الأول ويعادل توجهاته السياسية، علاوة على توفير أرضية للتنوع الإعلامي وفضلا عن ذلك تشكل انطلاقة قنوات التلفاز الخاصة في عام 19 آخر المراحل المفصلية في مشهد الإعلام المرئي والمسموع في ألمانيا
وفي هذا السياق ينبغي الإشارة إلى أن مهمة الإعلام العام تكمن في توفير مدخل رصين للمعلومات لكل المواطنين الألمان، ونشر الوعي الثقافي والديمقراطي عن طريق برامج معلوماتية تثقيفية بعيدة عن البرامج الترفيهية واملاءات الربحية وتٌمول هيئات الإذاعة والتلفزيون العامة بواسطة رسوم يدفعها المواطنون الألمان شهريا كما يتم إدارتها ذاتيا ومراقبة عملها من قبل هيئات رقابة تتكون من ممثلين ينتمون إلى كافة شرائح المجتمع
لا قيود سياسية على الإعلام الألماني
لا ديمقراطية دون "السلطة الرابعة" يضمن الدستور الألماني في مادته الخامسة حرية العمل الصحفي، طالما انه لا يمس بكرامة الإنسان، التي تكفلها المادة الأولى من الدستور الألماني والتي تشدد على ضرورة عدم السماح بالمساس بها لأي سبب" كما يضمن القضاء الألماني استقلالية العمل الصحفي، وخاصة المحكمة الدستورية الاتحادية، التي تشكل درعا قويا يأخذ على عاتقه حماية العاملين في مجال الإعلام من أي تدخل سياسي كما يملك العاملون في حق الإعلام الألماني حق رفض الإدلاء بشهاداتهم أمام القضاء، وذلك بهدف تجنب الكشف عن مصادر معلوماتهم وتم استثناء الصحافيين ومنع التنصت عليهم من قبل الشرطة الألمانية في إطار تشديد قوانين مكافحة الجرائم ومحاربة الإرهاب
- رقابة الإعلام من خلال الإعلام نفسه
أما فيما يتعلق بتنظيم العلاقة الشائكة بين السياسة والصحافة في جمهورية ألمانيا الاتحادية، فتتميز التجربة الإعلامية الألمانية بنوع من الخصوصية، لأن الصحافيين الألمان قاموا في بداية الستينات بتأسيس "مجلس الصحافة" كهيئة رقابة ذاتية تأخذ على عاتقها نشر الوعي بضرورة الالتزام بميثاق الشرف الصحفي في ألمانيا من أجل تحييد دور الدولة وتجنب تدخلها في آليات العمل الصحفي وتتميز آلية "رقابة الإعلام من خلال الإعلام نفسه" على الصعيد العملي باحتوائها على حزمة من الإجراءات العقابية التي تقوم بفرضها على الصحف التي تتجاوز المعايير الأخلاقية المتفق عليها في ميثاق الشرف الألماني
ج- توظيف التجربة الإعلامية الألمانية من أجل تطوير إعلام عربي مستقل
يمكن أن نهدي في هذا الموضع برنامج عمل شكل خلاصة لقاء الشرق بالغرب من خلال ندوة قيمة نظمتها مؤسسة الدويتشه فاله بالاشتراك مع مؤسسة كونراد اديناور عبر دعوة مجموعة من الصحفيين العرب الى لقاء ماراطوني استمر حوالي أسبوعين واطلع خلاله المشتركون على مفاصل العلاقة بين الحكم الرشيد وأخلاقيات العمل الصحفي ,وحتى نكون أمناء في نقل صورة دقيقة وكاملة عن خلاصات هذه التجربة فاننا نترك القارئ والباحث مع هذا التقرير *1
في إطار الجهود الحثيثة التي تبذلها مؤسسات المجتمع المدني الألمانية من أجل تعزيز الحوار البناء مع العالم العربي والإسلامي بصورة عامة، ومع العاملين في حقل الإعلام فيه بصورة خاصة، قامت مؤسسة دويتشه فيله الإعلامية بالتعاون مع مؤسسة كونراد أديناور في الفترة ما بين و1 سبتمبر/ أيلول 006 بتنظيم ورشة عمل مكثفة شارك فيها ثلاثة عشر إعلامياً وإعلامية من دول المشرق العربي وتحت عنوان "الحكم الراشد وأخلاقيات العمل الصحفي"، دعا منظمو هذه الورشة الخاصة نخبة من المحاضرين والسياسيين وصناع القرار في حقل الإعلام الألماني إلى تقديم محاضرات وحلقات دراسية تم خلالها تعريف ممثلي وممثلات جيل الإعلام العربي الشاب بتطور وآليات عمل الإعلام الألماني ودور "السلطة الرابعة" في إطار منظومة صناعة القرار السياسي كما أتيحت للمشاركين العرب فرصة النقاش المباشر للتعرف على خصوصية المشهد الإعلامي الألماني وزيارة عدة هيئات ومؤسسات سياسية كالحزب المسيحي الديمقراطي ومبنى البرلمان الألماني "البوندستاغ"، والنصب التذكاري لضحايا المحرقة النازية، إضافة إلى مقر مؤسسة كونراد اديناور يذكر أن تركيز منظمي هذا اللقاء على هذه الكوادر القيادية الإعلامية الشابة يعود إلى كونها أداة تأثير فاعلة في المجتمعات العربية تملك القدرة على التواصل مع الآخر والاستفادة من تجاربهم الناجحة
وبجانب إلقاء الضوء على كيفية تنظيم العلاقة بين السياسة والصحافة في جمهورية ألمانيا الاتحادية، تمركز محور الورشة في المقام الأول حول تعريف الإعلاميين العرب بتجربة ولادة إعلام ألماني يتمتع بالاستقلالية الكاملة من رحم الحرب العالمية الثانية وفي بداية رحلة التعريف أشارت ممثلة العلاقات العامة في مجلس الصحافة الألمانية إيلا فاسنك إلى قيام "الصحافيين الألمان في بداية الستينات بتأسيس هذه الهيئة الرقابية الذاتية، التي تأخذ على عاتقها نشر الوعي بضرورة الالتزام بميثاق الشرف الصحفي في ألمانيا من أجل تحييد دور الدولة وتجنب تدخلها في آليات العمل الصحفي" وفضلا عن ذلك جانبها لفتت السيدة فاسينك في محاضرتها التي حملت عنوان "رقابة الإعلام من خلال الإعلام نفسه" انتباه المشاركين إلى تجربة هذه الهيئة الفريدة من نوعها على الصعيد العملي، حيث شرحت جملة الإجراءات العقابية التي تقوم بفرضها على الصحف التي تتجاوز المعايير الأخلاقية المتفق عليها
في مستهل افتتاحية ورشة العمل في برلين ركز مديرها كارستن فون نامين من أكاديمية دويتشه فيله على أن "الدستور الألماني في مادته الخامسة يضمن حرية العمل الصحفي طالما انه لا يمس بكرامة الإنسان، التي تكفلها المادة الأولى من الدستور الألماني والتي تشدد على ضرورة عدم السماح بالمساس بها لأي سبب" كما أشار الإعلامي الألماني فون نامين إلى القضاء الألماني يضمن استقلالية العمل الصحفي، وخاصة المحكمة الدستورية الاتحادية التي تشكل درع وقاية لحماية العاملين في مجال الإعلام
أما إيلا فاسنك فقالت في معرض شرحها لطبيعة دور الإعلام الألماني "وسائل الإعلام في ألمانيا تراقب عمل السلطات الثلاثة الأخرى، كما يتم مراقبة هذه الوسائل من خلال سن قوانين تحدد آليات وحدود الحرية الصحفية لكن الدستور الألماني يكفل للإعلام هامش حرية كبير جداً" وفي نفس السياق شدد ممثل العلاقات الدولية في الاتحاد الألماني للصحفيين، ميشائيل كليم، على دور المتلقي في ممارسة نوع من الرقابة على أداء وسائل الإعلام أما في ما يتعلق بحيادية العمل الإعلامي وابتعاده عن التأثير السياسي المباشر فقد نوه كليم إلى أن "بعض وسائل الإعلام لها في الواقع توجهات سياسية لكن النقطة الحاسمة فيما يتعلق باستقلالية العمل الصحفي فتكمن في عدم ممارسة تأثير مباشر على عمل هيئة التحرير "
وفي إطار جملة الزيارات التي قام بها المشاركون في ورشة العمل أتيحت للكوادر القيادية الإعلامية العربية فرصة التعرف علي طبيعة العلاقة الشائكة بين السياسيين والإعلاميين من خلال زيارتهم لهيئة تحرير مجلة تسيتسيرو Cicero، التي أثار قيام أجهزة الأمن الألمانية في العام الماضي باقتحام مكتبها الرئيسي ضجة سياسية وإعلامية عرفت في المشهد الإعلامي الألماني باسم "فضيحة تسيتسيرو" كما تضاعفت هذه الواقعة نظرا لقيام الأجهزة الأمنية الألمانية بمصادرة وثائق هامة تخص هيئة التحرير بحجة البحث عن مصدر معلومات سرية للغاية حصل عليها احد كتاب المجلة ونشرها في مقال له حول محاولة حصول أبو مصعب الزرقاوي على أسلحة كيميائية وبالرغم من تشديد الأجهزة الأمنية الألمانية على أن هذا الإجراء يصب في خدمة أمن ألمانيا فقط، ولا يهدد حرية الصحافة الألمانية، إلا أن هذه المجلة السياسية الشهرية رفعت دعوى قانونية أمام القضاء الألماني ضد هذه الإجراءات غير المقبولة من وجهة نظرها ومن المتوقع أن تبت المحكمة الدستورية الاتحادية في هذه القضية في الأشهر القادمة
وفي ختام ورشة العمل المكثفة عبرت غالبية المشاركين العرب عن قناعتها بضرورة الاستفادة من التجربة الإعلامية الألمانية بشكل عملي وذلك بالبدء فورا بإنشاء هيئة إعلامية عربية للرقابة الذاتية تأخذ على عاتقها تحييد تأثير سلطات الدولة بقدر الامكان، ونشر الوعي بضرورة الالتزام بأخلاقيات العمل الصحفي
6- خاتمة
لقد أردنا من خلال هذا البحث ,القاء الضوء على محور هام من محاور العمل الاعلامي اليومي المتجدد ,وهو ماعنى بالنسبة الينا توجيه رسالة الى كل العاملين بالقطاع بأن الحد الفاصل بين الهواية والاقتحام والتطفل والمهنية ليس مجرد قدرات تقنية أو تعبيرية أو كلامية أو مالية يمكن امتلاكها من قبل جمهور يتجاوز حدود رجال الصحافة والاذاعة والتلفزيون , بل ان معالم هذا الحد تقف بالدرجة الأولى عند مدى استيعاب الممارسين لرسالة الاعلام ووظائفها لأخلاقيات التعامل الاعلامي مع الجمهور بالدرجة الأولى على اعتباره الرصيد المعنوي الذي يستهدفه الفاعلون في القطاع ,ثم مع زملاء المهنة الشرفاء, الذين لابد ان تحترم مقاماتهم قبل أن تحرص اقلام وتقنيات متمردة على استهدافهم كمنافس وجب تحطيمه أو تشويهه أو الاساءة اليه في ظل خضوع الكثير من المنابر الاعلامية لاجندات حزبية وسياسية ,قطرية واقليمية ودولية ومالية خفية قد تغيب عن القارئ البسيط ولكنها لاتخفى اطلاقا على المتمرسين في الحقل والمباشرين له بصفة الخبراء والمجربين
الضمير المهني وحضور الاعتبار الأخلاقي لدى الاعلامي مع التدريب والتكوين العلمي والمعرفي المتخصص قد غديا اليوم سبيل النجاة في حقل تزاحمت فيه الصحف الورقية والاليكترونية وموجات الأثير مع السماوات المفتوحة , فمن اخذ بناصية العلم والخلق المبين وتوخى في ذلك احترام مواثيق شرف المهنة واحترم مقدسات مجتمعه واحترم عقائد الاخرين واعرافهم وطرق اجتماعهم واعتمد اساليب التواصل الحضاري مع الخارطة الانسانية قدم نموذجا رائعا في الاعلام ومن اعتقد بأن المال والسلطان والتقنية وطراوة القلم وحلاوة اللسان ستغنيه عن أخلاقيات التعامل الاعلامي والرقي المعرفي الذي يصقل الموهبة ويطورها ويحلق بها فقد خاب ولو بعد حين
انتهى تحرير البحث بفضل الله بتاريخ 0 مارس 007-1 ربيع الأول 1 هجري
حرره مرسل الكسيبي reporteur00@yahoode
المراجع
*1- يراجع في ذلك كتاب التشريعات الاعلامية للدكتورة ليلى عبد المجيد
* - أخلاق الاعلام - مؤسسة المشرق http//wwwal-mashreqorg
- يراجع في ذلك كتابها المعنون بالتشريعات الاعلامية
- تراجع في ذلك التصريحات الحكومية الرسمية في بلداننا العربية عند تبرير حجب الصحف والمواقع الاليكترونية - انظر تقارير منظمة صحفيين بلا حدود في الغرض wwwrsffr
* أخلاق الاعلام - مؤسسة المشرق
- دليلى عبد المجيد- تشريعات اعلامية
- المصدر السابق
- تراجع في ذلك دراسة لمركز الاعلاميات العربيات حول أخلاقيات العمل الاعلامي
- المصدر السابق
- دليلى عبد المجيد - كتاب التشريعات الاعلامية
*11- المصدر السابق صفحة 17
*1- مقتطفات من ورقة للؤي مدهون حملت عنوان النظام الاعلامي الألماني تنوع مثمر وتجسيد لدور السلطة الرابعة
*1- تقرير لؤي مدهون- اذاعة الدويتشه فاله/توظيف التجربة الإعلامية الألمانية من أجل تطوير إعلام عربي مستقل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.