في زيارة نادرة لمسؤول أمريكي رفيع المستوى، قام جون نيغروبنتي نائب وزيرة الخارجية الأمريكية بزيارة أربع دول أفريقية هي السودان وتشاد وليبيا وموريتانيا في الفترة ما بين 11 و19 أبريل الجاري. ويرافق نيغروبتي في رحلته الأفريقية جنداي فرازر مساعدة وزيرة الخارجية للشؤوون الأفريقية وبوبي بيتمان مستشار الرئيس للأمن القومي في الشؤون الأفريقية، فضلا عن ممثلين لوزارة الدفاع وهيئة المعونة الأمريكية USAID. العنوان الرسمي للزيارة كان التوصل لاتفاقية سلام تنهي الصراع والوضع الإنساني المتردي في إقليم دارفور بعد أربع سنوات من الصراع الذي راح ضحيته ما يزيد على 200 ألف شخص ، وتسبب في مغادرة اكثر من مليوني شخص لديارهم ، ومع ذلك لم تكن دارفور الهدف الوحيد لزيارة نيغروبونتي. يلقي تقرير واشنطن في السطور التالية الضوء على محطات زيارة المسؤول الثاني في الدبلوماسية الأمريكية لتوضيح الدوافع والأهداف والنتائج المحتملة من وراء الزيارة. كانت السودان أولى محطات زيارة نيغروبونتي. وكانت كذلك أطول هذه المحطات، حيث التقى المسؤولين السودانيين بما فيهم الرئيس عمر البشير ، كما تفقد مخيمات اللاجئين في دارفور . مصدر القلق الأمريكي الرسمي تجاه الوضع في دارفور له ما يفسره، حيث لا توجد قضية تشهد اتفاقا بين الأمريكيين سواء كانوا مسؤولين حكوميين أو ساسة معارضين وسواء كانوا ناشطين حقوقيين أو قادة دينيين ، كما تشهد قضية دارفور. وخاصة أن الأزمة في وسائل الإعلام تركز على الجانب الإنساني للأزمة فقط، وتصور الصراع على أنه صراع استعباد من جانب القبائل العربية لأهالي دارفور ذوي الأصول الأفريقية. وهو الأمر الذي يتعامل مع الأمريكيين بحساسية شديدة نظرا لتجربة السود الأمريكيين المريرة في تاريخ الولاياتالمتحدة. بالإضافة إلى الضغط الذي تمثله وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني على إدارة بوش للتحرك وإيقاف "الإبادة" التي يشهدها إقليم دارفور، فإن الحكومات الأمريكية المتوالية لا تشعر بالارتياح في التعامل مع حكومة الخرطوم التي طالما وصفتها بدعم ورعاية الإرهاب. وبالتالي لم تكن إدارة بوش في حاجة إلى ضغوط محلية للتحرك ضد الحكومة السودانية في مجلس الأمن أو من خلال الاتصالات الثنائية. تأتي زيارة نائب وزيرة الخارجية الأمريكية في هذا السياق ، حيث حمل نيغرونتي رسالة واضحة لحكومة الخرطوم مفادها أن الوقت قد حان لقبول الحكومة السودانية لنشر قوات دولية في الإقليم ، بل إنها الفرصة الأخيرة قبل تصعيد ملف دارفور في الأممالمتحدة ، وفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية الأمريكية ضد السودان. ويبدو أن رسالة أو تهديد نيغروبونتي التي تزامنت مع حملة أفريقية ودولية ضد حكومة البشير قد وجدت لها صدى، حيث صرح الرئيس عمر البشير الأربعاء وقبل يوم واحد من جلسة مجلس الأمن المقرر أن تنظر إمكانية فرض عقوبات على السودان. وفي سياق متصل مع رسالة نيغروبونتي أثناء زيارته للسودان ومن بعدها في تصريحاته في السفارة الأمريكية في العاصمة التشادية نجامينا يوم الثلاثاء الماضي، هدد الرئيس بوش بتشديد العقوبات الأميركية على الخرطوم ما لم يتخذ النظام السوداني خطوات ملموسة لحماية المدنيين في دارفور وقبول نشر قوات دولية وتسهيل أعمال الإغاثة الإنسانية. ناقش المسؤول الأمريكي خلال محادثاته في كل من نجامينا وطرابلس الوضع الأمني والإنساني المتردي في دارفور، وأكد بعد لقائه بالمسؤولين الليبيين أن الحكومة الليبية تشارك الولاياتالمتحدة جهودها على إيجاد حل للازمة. وحث نيغروبونتي الحكومة الليبية على مواصلة العمل مع كل من الولاياتالمتحدةوالأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي للتوصل إلى اتفاق سلام ينهي الصراع في الإقليم المضطرب. وعلى الرغم من تصريحات وزارة الخارجية الأمريكية أن زيارة جون نيغروبونتي تأتي في سياق جهود حل أزمة دارفور ، فإن زيارة أرفع مسؤول أمريكي لليبيا منذ أكثر من خمسين عاما تأخذ أهمية وبعدا يتجاوزان ملف دارفور. صحيفة واشنطن بوست في تعليقها على زيارة نيغربونتي لليبيا ذكرت أن هدف الزيارة هو الضغط على الرئيس الليبي للتوقف عن دعم الإرهاب والالتزام بتسديد بقية تعويضات عائلات ضحايا طائرة لوكيربي والتوصل إلى اتفاق مشابه لعائلتي الجنديين الأمريكيين الذين قتلا في تفجير ملهى ليلي في برلين عام1986، قبل إتمام التمثيل الدبلوماسي الكامل بين واشنطنوطرابلس. وعلى الرغم من مواصلة العلاقات الدبلوماسية عام بين البلدين في أعقاب تخلي النظام الليبي المفاجئ عن برنامجه النووي ، فإن النفوذ المتنامي لليبيا في أفريقيا وسياستها المثيرة للجدل، ما تزال تقلق الولاياتالمتحدة. ولذلك حرص عدد من أعضاء الكونغرس على مطالبة نيغروبونتي بتوصيل رسالة قوية مباشرة إلى معمر القذافي بإعلان التزامه بنبذ الإرهاب والاعتراف بمسؤوليته عن الأعمال الإرهابية مثل لوكيربي وملهى برلين الليلي. ومن بين هؤلاء الأعضاء السيناتور هيلاري كلينتون والسيناتور اليمقراطي عن ولاية كنيتكت كريستوفر دود والسيناتور الجمهوري عن نورم كولمان عن ولاية مينسوتا. وجاء في تصريحات صحفية لهؤلاء الأعضاء، أنه بدون التزام ليبيا بتلك الخطوات، فإن الكونغرس سوف يعارض إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع طرابلس. وهدد سبعة من أعضاء مجلس الكونغرس بأن الكونغرس في حال تجاهل النظام الليبي لتلك الطلبات، فربما لا يوافق على طلب تمويل مالي تقدمت به وزارة الخارجية لإقامة سفارة أمريكية جديدة في طرابلس. وربما لا يوافق أيضا على اعتماد إرسال سفير يمثل الولاياتالمتحدة لدى ليبيا. وكشف السيناتور فرانك لوتنبيرغ عن ولاية نيو جيرسي أنه أعد قرار سوف يعرض على مجلس الشيوخ يطالب بعدم اعتماد أوراق السفير الليبي لواشنطن في حالة عدم التزام طرابلس حل قضية تعويضات لوكيربي وملهى برلين الليلي. ويرجح المحللون أن هذه الرسالة التي حملها نيغروبنتي معه إلى ليبيا ، كانت السبب الرئيسي وراء رفض الزعيم الليبي مقابلته. نيغروبونتي يشارك في العرس الموريتاني المحطة الأخيرة في زيارة نائب وزير الخارجية الأمريكية كانت العاصمة الموريتانية نواكشوط يوم الخميس 19 أبريل في لفتة رمزية بالمشاركة في حفل تنصيب الرئيس الموريتاني المنتخب ديمقراطيا. مشاركة المسؤول الأمريكي مع زعماء دول ومنظمات دولية جاءت في ظل غياب وتجاهل الزعماء العرب للحدث. لقد حاول نيغروبنتي من خلال مشاركته في حفل تنصيب الرئيس الموريتاني أن يقول إن الولاياتالمتحدة كانت هي السبب الرئيسي في التحولات الديمقراطية التي شهدتها موريتانيا. وهذا بالفعل ما ردده نيغروبونتي في مؤتمر صحفي عقده في نواكشوط مساء الخميس قائلا أن الولاياتالمتحدة تعتز بالمساعدات التي قدمتها إلى نواكشوط لتعزيز المسار الديمقراطي في البلاد. وقال نيغروبونتي: "سررنا كثير بتمثيل الرئيس بوش في هذا الحدث التاريخي الذي يمثل احتفالا حقيقيا للانتقال إلى ديمقراطية قادرة على خلق تغيير في موريتانيا". وشدد نيغروبونتي على رغبة حكومة بلاده في العمل قريبا مع الحكومة الموريتانية الجديدة لتعزيز العلاقات الثنائية في شتى المجالات مثل الأمن والصحة التعليم وتقوية المؤسسات الديمقراطية.