القبض على 'الملثّم' المتورط في السطو على بنك في الوردية    وضعية التزويد بمادة البيض وتأمين حاجيات السوق محور جلسة عمل وزارية    لقاء الترجي الرياضي وديكيداها الصومالي: وزارة الداخلية تصدر هذا البلاغ    وزارة الشباب و الرياضة: لايجوز الترشح لعضوية المكاتب الجامعية لاكثر من 3 فترات نيابية باعتبار المدد السابقة    مسالك توزيع المواد الغذائية وموضوع الاعلاف وقطاع الفلاحة محاور لقاء سعيد بالمدوري    بداية من 24 سبتمبر: إعادة فتح موقع التسجيل عن بعد لأقسام السنة التحضيرية    المدافع اسكندر العبيدي يعزز صفوف اتحاد بنقردان    طقس الليلة.. سحب كثيفة بعدد من المناطق    ثلاث بطاقات إيداع بالسجن ضد متّهمين في مقتل تلميذ بمقرين    بن عروس: انطلاق فعاليات المهرجان الجهوي لنوادي المسرح بدور الثقافة ودور الشباب    مطلوب استعجال النظر فيه: مشروع لتنقيح قانون الانتخابات    مركز النهوض بالصادرات ينظم النسخة الثانية من لقاءات صباحيات التصدير في الأقاليم من 27 سبتمبر الى 27 ديسمبر 2024    بالفيديو: مصطفى الدلّاجي ''هذا علاش نحب قيس سعيد''    مريم الدباغ: هذا علاش اخترت زوجي التونسي    باريس 2024: نتائج إيجابية لخمسة رياضيين في اختبارات المنشطات    جامعة رفع الأثقال: هروب رباعين تونسيين الى الأراضي الأوروبية خلال منافسات المنافسات    تأجيل إضراب أعوان الديوان الوطني للبريد الذي كان مقررا لثلاثة أيام بداية من الاثنين القادم    بني خلاد: مرض يتسبّب في نفوق الأرانب    تأجيل الجلسة العامة الانتخابية لجامعة كرة السلة إلى موفى أكتوبر القادم    زغوان: برمجة زراعة 1000 هكتار من الخضروات الشتوية و600 هكتار من الخضروات الآخر فصلية    تصعيد خطير.. جيش الاحتلال الاسرائيلي يعلن شن غارة جوية "دقيقة"على الضاحية الجنوبية في بيروت    تنبيه/ اضطراب في توزيع مياه الشرب بهذه المناطق..    رئاسيات 2024 : تسجيل30 نشاطا في إطار الحملة الإنتخابية و 6 مخالفات لمترشح وحيد    '' براكاج '' لسيارة تاكسي في الزهروني: الاطاحة بمنفذي العملية..    إيقاف شخصين بهذه الجهة بتهمة الاتجار بالقطع الأثرية..    إحالة المترشح للرئاسة العياشي زمال و7 اشخاص آخرين، على المجلس الجناحي بالقيروان في 3 قضايا وتعيين جلسة يوم 23 سبتمبر    منحة قدرها 350 دينار لهؤولاء: الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يكشف ويوضح..    غرفة الدواجن: السوق سجلت انفراجا في إمدادات اللحوم البيضاء والبيض في اليومين الاخيرين    الأولمبي الباجي: 10 لاعبين في طريقهم لتعزيز صفوف الفريق    سقوط بالون محمل بالقمامة أطلقته كوريا الشمالية بمجمع حكومي في سيئول    فتح باب الترشح لجائزة الألكسو للإبداع والإبتكار التقني للباحثين الشبان في الوطن العربي    تونس: حجز بضائع مهرّبة فاقت قيمتها أكثر من مليار    قبل نهاية ولاية بايدن.. واشنطن لا تتوقع اتفاقاً بين إسرائيل وحماس    كأس الاتحاد الافريقي: النادي الصفاقسي والملعب التونسي من أجل بلوغ دور المجموعات    "دريم سيتي" يحل ضيفا على مهرجان الخريف بباريس بداية من اليوم    يهدد علم الفلك.. تسرب راديوي غير مسبوق من أقمار "ستارلينك"    رم ع الصيدلية المركزية: "توفير الأدوية بنسبة 100% أمر صعب"..    السيرة الذاتية للرئيس المدير العام الجديد لمؤسسة التلفزة التونسية شكري بن نصير    سعر الذهب يتجه نحو مستويات قياسية..هل يستمر الإرتفاع في الأشهر القادمة ؟    علماء يُطورون جهازا لعلاج مرض الزهايمر    عاجل/ عملية طعن في مدينة روتردام..وهذه حصيلة الضحايا..    الحماية المدنية تسجيل 368 تدخلّ وعدد366 مصاب    ثامر حسني يفتتح مطعمه الجديد...هذا عنوانه    رفض الإفراج عن الموقوفين على ذمة حادثة رفع علم تركيا فوق مبنى للشيمينو    تونس تشتري 225 ألف طن من القمح في مناقصة دولية    Xiaomi تطلق واحدا من أفضل هواتف أندرويد    تحذير طبي: جدري القردة خارج نطاق السيطرة في إفريقيا    توزر: وضع حجر الأساس لانجاز المحطة الفولطوضوئية الجديدة بطاقة انتاج قدرها 50 "مغواط" بجانب المحطة الأولى    مصادر أمريكية: إسرائيل خططت على مدى 15 عاما لعملية تفجير أجهزة ال"بيجر"    ارتفاع عائدات تونس من صادرات التمور    كظم الغيظ عبادة عظيمة...ادفع بالتي هي أحسن... !    والدك هو الأفضل    علٌمتني الحياة ...الفنانة العصامية ضحى قارة القرقني...أعشق التلاعب بالألوان... وتشخيص نبضات المجتمع    كلام من ذهب...مهم لكل الفئات العمرية ... !    هام/ المتحور الجديد لكورونا: د. دغفوس يوضّح ويكشف    سلمى بكار رئيسة للمكتب التنفيذي الجديد للنقابة المستقلة للمخرجين المنتجين    "من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر"...الفة يوسف    مصر.. التيجانية تعلق على اتهام أشهر شيوخها بالتحرش وتتبرأ منه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور خالد الطراولي في حوار شامل مع صحيفة "الوقت" البحرينية : الجزء الثاني

لا يتردّد خالد الطراولي في البوح بمسعاه الناظر إلى حركةٍ إسلاميةٍ معاصرة، ولكنه يحرص على التواضع قليلاً، فهو في إطار حركة ‘'اللقاء الإصلاحي الديمقراطي'' التي يحتفل بذكرى تأسيسها؛ لا يقدّم حلا دفعيّا لكلّ النقائص التي حملتها التجربة الإسلامية التونسية، التي مثلتها طويلاً حركة ‘'النهضة''، ولكن المهم في نظر الطراولي هو العمل بمبدأ المراجعة والتجاوز والبناء، وهو يخوض المعترك السياسي بمرجعية إسلامية على أمل تمثيل بديل إسلامي مغاير للمطروح. في الجزء الثاني من هذا الحوار، يفصّل الطراولي أهم معالم البديل الذي تمثله حركة ‘'اللقاء''، موضحاً مرجعيتها الإسلامية وعلامات التميّز ودرجاته فيها. ولأجل مطابقة الطرح النظري كان نقاش موضوع الطائفية اختبارا عينياً لجسّ تطبيقات الفكرة وحدودها على واحد من الموضوعات الشائكة اليوم.
الوقت : في الجزء الأول من الحوار، تطرّقت إلى الجمع بين المبدئية والبراجماتية وإلى البناء المعرفي كركائز مطلوبة في الحركة الإسلامية المعاصرة.. هل هناك أمر آخر في هذا المجال؟
- نعم.. هناك ركيزة ثالثة أساسية لبناء هذه الحركة الإسلامية المعاصرة، وهي بكلّ بساطة أن تكون حركة/ مؤسسة وليست حركة/ حلقة مسجدية! أن يكون لها قانونها الدّاخلي وآليات عملها والاحترام الكلي للمؤسسة. فمَأسَسَة الحركة الإسلامية هو بابُ عصرنتها ومعاصرتها والطريق الصّحيح لنجاحها خارجاً، فلا يمكن أن تدعو الحركة الإسلامية لاحترام دولة المؤسّسات، والمؤسسة غائبة في كيانها. هذه المأسَسَة هي رسالة للداخل التنظيمي بما لها من تأثير مباشر على نشر ثقافة المراجعة والتقييم التي ترتبط بالمؤسسة ولا تستظل بعلاقة الشيخ ومريديه. وهي كذلك رسالة واضحة المعالم للبيئة المحيطة، سلطةً ومعارضةً، في تأكيد مدنيّة الحركة الإسلامية كحركةٍ سياسية ذات مرجعية إسلامية. هذه الركائز الثلاث وغيرها شكّلت تحديات ل''حركة اللقاء الإصلاحي الديمقراطي''، وقد جعلتنا نسعى بكلّ جهدٍ -رغم صعوبة الحراك ونحن في مسار التأسيس- إلى الإجابة عنها وتجاوز مناطق الظلّ والسّلبيات التي تنجرّ عن عدم تبنيها.
الوقت : ما هي الصّورة التي كان عليها المشروع الإسلامي وأنتم مقبلون على طرح البديل؟
- لقد وجدنا المشروع الإسلامي يعيش نسبياً مأزقا في أطروحاته ومأساة في أبنائه، ضمور في التنظير والبناء وضبابية في المواقف والتنزيل وأخطاء في التدبير، حيث تجلى النقص بواحا في فقه الواقع وفقه المرحلة، وفي دخول المشروع بأسره بوعي أو بغير وعي، اضطرارا أكثر منه اختيارا في فخ مواجهة عقيمة غير متكافئة مع السلطة حاملة معها منهجيات المرونة والتريث وعدم حرق المراحل والقراءة الاستراتيجية الواعية. وانسدت الآفاق وحلت المأساة ووجدنا أنفسنا كمستقلين وأصحاب فكر إسلامي أمام خيارين، إما الصمت ومواصلة مشوارنا الكتابي والنقدي للمشروع الحركي الإسلامي إجمالاً ونحن بغير إطار يبلور نقدنا إلى بناء متكامل، أو إنشاء هذا الإطار الحامل لإرادة التجاوز وطرح خطاب جديد ورؤيا جديدة في التعامل مع أطراف المجتمع المدني بما فيهم السّلطة الحاكمة، فكان ‘'اللقاء الإصلاحي الديمقراطي'' كتعبير حضاري وقارب نجاة لمحاولة التجاوز والبناء.
" اللقاء " حركة مدنيّة بمرجعية إسلامية وديمقراطية
الوقت : ما هي الرؤى الفكرية التي تقوم عليها الممارسة السياسية للقاء الإصلاحي الديمقراطي ؟
- ‘'اللقاء'' كما يبرزه بيانه التأسيسي؛ هو حركة سياسية واجتماعية تسعى لتبني وخدمة وترويج لخطابٍ سلمي ورؤية إصلاحية إجرائية وحضارية ذات مرجعية إسلامية وديمقراطية. وهي تعمل من خلال دستور البلاد وقوانينها والعقد الاجتماعي والسّياسي المنظّم للمشهد العام. وهي تعبّر عن تمثيل لتيار عريض في الوسط التونسي، ينشد الوسطية والتجديد والهوية والأخلاق والحرية والديمقراطية والمصالحة الوطنية. واللقاء الإصلاحي الديمقراطي ليس حركة دينية ولا دعوية ولكن حركة مدنية ذات مرجعية إسلامية وديمقراطية، ولذلك فإنّ أساس العضوية فيها المواطنة ولا غير المواطنة، ولا يتخصّص بأعباء التنظير والتنزيل والقيادة رجالُ دين أو أئمة أو فقهاء، بل إنّ الانتماء مدني والبرنامج السّياسي مدني، وفق اجتهاد مدني، حمله صاحب قبعة أو طربوش. ومنْ اختلف مع خطاب ‘'اللقاء'' ومع برنامجه، فقد اختلف مع فهمه ومع تصوراته ورؤاه، ولا يختلف مع الإسلام. فاللقاء الإصلاحي الديمقراطي حركة مدنية لا تحمل أي قدسية في أفكارها ولا عصمة لرجالها، إنما هي اجتهادات وقراءات بشرية لهدا المقدس الذي جعلته مرجعيتها بما تحمله هذه القراءات من تأويلات وتفسيرات.
الوقت : هل يمكن توضيح المرجعية الفكرية ‘'الإسلامية'' التي يتأسس عليها ‘'اللقاء الإصلاحي الديمقراطي''؟
- مرجعية ‘'اللقاء'' الإسلامية واضحة لا لبس فيها وهي برنامج عمل واضح المعالم، نستمد من الإسلام مبادئنا وثوابتنا وقيمنا، ونعتبر الديمقراطية آلية صالحة لإدارة التدافع بين الناس وإقامة دولة القانون والعدل ومجتمع الرفاه الروحي والمادي، ونحن إذ نؤكد على البعدين الإنساني والديمقراطي في هذه المرجعية الإسلامية، وحتى نبرز هذين البعدين في مشروعنا؛ فإننا جعلناهما مرجعيات ثابتة وقائمة بذاتها، ولذلك نركز في خطابنا على أن ‘'اللقاء'' يحمل ثلاث مرجعيات، مرجعية إسلامية في مستوى المبادئ والثوابت، ومرجعية إنسانية في مستوى المعيار، ومرجعية ديمقراطية في مستوى التعامل والممارسة، وإنْ كنا نعتقد كما قلتُ لك سالفا أنّ قراءتنا لمقدّسنا تكفي لحمل كلّ هذه المرجعيات، ولكن هو الإيضاح والتوضيح لرفع كلّ لبس.
" اللقاء " وحركة " النهضة "
الوقت : وكيف تصف العلاقة الأيديولوجية التي تجمع اللقاء مع حركة النهضة؟
- التقاء المرجعيات أو تقاربها مع الحركات الإصلاحية ذي التوجه الإسلامي عموماً، ومع حركة ‘'النهضة'' خصوصاً؛ لا يلغي اختلاف الاجتهادات تنظيراً وممارسة، فالفعل السياسي يبقى فعلاً اجتهادياً مدنياً وبالتالي قابلاً للتنوع والتعدّد، ومن هذه الزاوية ولجنا بابَ التعدّد السياسي للتمثيلية الإسلامية والتي نعتبرها أداة إثراءٍ للمشروع وحماية له أمام تحدّيات الواقع واستفزازاته واستدراجاته، ولذلك نزعم أنّ المواجهة التي وقعت في الثمانينات بين حركة ‘'النهضة'' والسلطة وتجاوُزها للحقل السياسي وولوجها لمنازل الشعائر والطقوس حيث وقع ما سُمّي لاحقاً بخطة تجفيف المنابع الدينية، فإننا نزعم أنه لو وُجد خطابٌ آخر في ذلك الوقت إلى جانب الخطاب المهيمن والمنفرد بالسّاحة الإسلامية؛ لكان مؤهلاً حسب تقديرنا أن يلطّف عديد المواقف والتجاوزات ويحافظ على الدين في بابه الشعائري على الأقل. والتعددية الإسلامية تعتبر إلى حدّ ما مخرجاً طبيعياً وأساسياً للتأكيد على مدنية المشروع الإسلامي السّياسي وتحرير القراءة السياسية الإسلامية من الرأي الواحد والفكر الواحد والزعيم الواحد. وإنشاء إطار تعددي إسلامي يساهم ولاشك في إثراء المشهد السياسي عموما وتأكيد ديمقراطيته.
مستويات التميّز في " اللقاء "
الوقت : هذا يتطلب منكم توضيح علامات التميّز التي يطمح إليها اللقاء. فما هي؟
- نحن في ‘'اللقاء'' نسعى للتميّز في مستوياتٍ خمسة، وهو تميّز درجات، حيث لا يعني أن الآخر لا يملك جانباً من هذا التميز، ولكن تأكيدنا عليها والعمل على تفعيلها تنظيراً وسلوكا وممارسة يجعلها بارزة في مشروعنا، ولعلها تمثل خصوصيات نسعى للتميّز بها على غيرنا. أولاً في مستوى المرجعية، حيث المعيار الإنساني والديمقراطي يأخذ نصيبه الأوفى في التنظير والتنزيل. والثاني في مستوى التمكّن المعرفي والفكري، حيث ننزّه الفعل السّياسي عن الهرج والشطط والشعارات الفضفاضة ونعتبره رؤيا وتصوّر مبنيان على علم ومعرفة ودراية، ولذلك فإن البناء المعرفي والفكري والشرعي يمثل روافد الحركة في مسارها ومصيرها، ويدعوها إلى إحداث المنتديات ومركز بحث يغذي الحركة السياسية بأفكاره واجتهاداته. والثالث في مستوى العمل السياسي، حيث نميّز بين الحزب والصحوة والجماعة، فلكلّ رجاله ولكلّ خطابه ولكلّ أهدافه، ولا يجب خلط الأوراق في هذا الباب لأنه لعب بالنار وتجاوز لخطوط حمراء يمكن أن تأتي على الأخضر واليابس. والخطاب الشمولي الذي نراه مستفحلاً في بعض القراءات الإسلامية التونسية في الخلط بين هذه الظواهر وتوظيف بعضها للبعض؛ خطير ومنبع للريبة والتوجس والعداء لدى الأطراف المنافسة ويدفع إلى مزيدٍ من المواجهة التي لن تقف في المستوى السياسي ولكن تتجاوزها إلى مناطق التدين والعبادة. والرّابع في مستوى الفعل السياسي، حيث ألزمنا المشروع منذ انطلاقته خط المصالحة وجعلناها صيغة مبدئية في التعامل مع السلطة مع تحديد ماهية هذه المصالحة ومنهجية عملها وأهدافها وأطرافها وقد أصدرنا في هذا الباب وثيقة سياسية قبل إنشاء ‘'اللقاء'' وتبنتها الحركة فيما بعد وتدعو إلى مصالحة حقوقية وسياسية تستند إلى منهجية التدرج وعدم الاكتساح. فالمصالحة ثقافة تبنى وعقلية تشيَّد وتصان، ومنهجية تعامل بين الأطراف في ظل الشرعية وعلى أساس من الثقة المتبادلة والاحترام، وليست رمياً للمنديل ومغادرة السّاحة على عجل ووَجل. والخامس في مستوى الظاهرة السياسية، حيث نسعى إلى تخليق المشهد السياسي، نظراً وفعلاً، سلوكاً ومواقف، باعتبار أن التنمية أو النهضة أو الحضارة لا يمكن أن تنطلق سليمة وتتواصل سليمة وناجعة ومستديمة إذا لم تستند إلى الأخلاق وإلى منظومة قيمية تواكب محطاتها ومنهجيتها وأهدافها، ولذلك يحمل ‘'اللقاء'' شعارا ذا ثلاثة زوايا: أخلاق، حرية وعدالة.
قراءة في الخطابات الطائفية
الوقت : من أجل مقاربة الطرح الذي تتحدثون عنه فأودّ اختباره بالاستماع إلى وجهة نظركم في موضوع محدّد والخطابات الطائفية المتجددة. فكيف تحللونها؟
- الخطاب الطائفي دليلٌ على استفحال المرض وليس سبباً له، الأمة تعيش أزمة خطابٍ وأزمة فكرٍ وأزمة منهج، وأزمة قيادة وأزمة نخبة وأزمة جماهير، وللحقيقة لم أرَ حالَ جماعةٍ تتلوى من تعدّد أبعاد أزمتها مثل الأمة الإسلامية حالياً! ولكن - وهذه المفارقة العجيبة وكأنها تثبت قول الشاعر اشتدي أزمة تنفرجي - هناك في الوقت نفسه إرهاصات تغيير قادم وتباشير وعي ينتشر، هناك أملٌ كبير في التجاوز والبناء والنهضة لم يوجد منذ السقوط الحضاري للأمة الإسلامية منذ قرون. لأول مرة هناك تململ يتجذّر ويعبر كلّ طبقات المجتمع. نخبة يتزايد عددها عرفت الطريق وتريد الإصلاح والنهوض، فكرٌ واع وراشدٌ بدأ يخط طريقه ولو ببطء لتشكيل ثقافة البناء وعقلية المبادرة وعدم الاستسلام، هناك وعيٌ جماهيري ضاغط ولو بصمت أحياناً.
الوقت : وفي هذا المجال أيضاً؛ ما هي الآليات المنتجة للحوار الإسلامي الإسلامي؟
- لنعد إلى الخطاب الطائفي، وسأفاجئك! لقد كتبتُ منذ مدة مقالين حول المسألة الطائفية عموماً والعلاقة بين الإخوة السّنة والشيعة خصوصاً وضرورة ‘'الخروج من التاريخ'' لرأب صدع هذه العلاقة المتهاوية وحلّ هذه الأزمة المتعاظمة، واعتبرتُ فيهما أنّ كلّ محاولةٍ للتقريب تكون مبنية أساساً على اللقاءات المشتركة وعلى نداءات التفاهم والتفهم لاختلاف الآخر وتميزه؛ ليست مجدية ولا تؤدي في أقصاها إلا إلى عقَود مجاملات وبشاشة تملأ محيّا كلّ الأطراف وتنتهي بمجرد انتهاء اللقاء ومغادرة الجميع قاعة الحفل، ولا تزيد الأزمة في النهاية إلا استفحالاً وتشدّداً، خاصة بين عامة الناس، وإنْ كانت تظلّ تطبخ في بعض الأحيان على نار هادئة! ولقد رأيتُ أنّ سبب الفشل وإنْ كان مقنّعا، يعود أساساً إلى هذه الغفلة في استدعاء التاريخ مجدداً ولو بدعوى الفهم والتفاهم والمصارحة، والبناء على هذا الزخم الهائل من المقدّس التاريخي الذي يستقرئه كلّ طرف لتدعيم أمسه وحاضره ومستقبله.
الوقت : إذن في رأيك أنّ المصارحة لم تنفع في التقريب التعددي المذهبي؟
- نعم، لقد سقطت منهجية المصارحة لأنها سعت إلى فتح قنابل موقوتة وتستدعي اللجوء إلى مقدسات حاسمة ومتناقضة، مثلما سقطت المجاملة لأنها لا تستطيع الوقوف عند بابها وتقنع الطارق أنْ لا يجتاز العتبة، وهو لا يرى دخول الدّار إلا مطية لما بعده وهو البيت العقائدي الذي يراه المنزل والمستقر. لم تكن المصارحة حلاً ولم تكن المجاملة حلاً، فكلاهما يصطدم بمقدّس صلب وتاريخ أصلب ويصبح اللجوء إليه حتميا، حينيا ومباشرا أو بعد حين ومتأخراً وعلى مراحل، يعود إليه كلّ طرف ويستند إلى رواياته ورجاله، فتقع المواجهة مصارحة أو مجاملة.
الوقت : إذا فشلت هذه المنهجية في التقريب.. فما هي المنهجية البديلة إذن؟
- إن أربعة عشر قرنا لم تفلح في لمّ الشمل ولن تعيده القرون المقبلة إذا تواصل الاستناد لهذه المنهجية التي ظلت ترقب التاريخ من طرف خفي، هذا التاريخ الذي يحمل جراحا وتوترات ويستند إلى مقدسات يعتبرها كل طرف أنها الحق ولا سبيل إلى رفضها أو حتى تأويلها. تبقى المنهجية السليمة القادرة على رأب هذا الصدع التاريخي في عدم اعتماده، وإذا كانت القاعدة تقول ان من ليس له تاريخ لن يكون له حاضر ولا مستقبل، فإنها تنتفي في حالنا ونحن ننسج علاقة الوفاق والتفاهم بين طرفي الأمة، وإذا أردنا أن يكون لنا حاضر يجمعنا ومستقبل يوحدنا، فإنه يجب ترك هذا التاريخ في هذه النقطة بالذات بعجالة ودون تردد. لن نستطيع تغيير هذا التاريخ ولا مقدسات كل طرف، ولن نستطيع سوى قراءته من خلال ثقافة وعقلية ومقدس كلّ مجموعة، ولن نكون داخل التاريخ مجدّداً إلا إذا كنا خارجه في هذه النقطة المنعزلة والأساسية في مشوار مجتمع وأمة وحضارة، وهي مفارقة غريبة ولا شك ولكنها تمثل حلاً هيكلياً ودائماً يبني للحاضر ويؤسّس للمستقبل على وعي ورشدٍ واحترام متبادل.
الوقت : هل من كلمة أخيرة في نهاية هذا الحوار؟
- نعم ، يقول الإمام المازري وهو أحد أعلام المالكية القدامى في تونس ‘'منْ كثر علمه قلّ إنكاره''، وهي تعني أن ازدياد العلم مطية للفهم والتفهم واستيعاب المحيط وعدم استنكار تنوّعه واختلافه، وأن قلة العلم وضمور المعرفة سبيل إلى التقوقع والانحسار والانفراد. وهذا الحكم العام يصلح لمسار الحركة الإسلامية كما يصلح لأي ظاهرة أو حالة أو علاقة أو مشهد يسعى في مساره ومصيره إلى إحداث عقلية بناء وتصميم وثقافة وتحضّر وتمكين.
صحيفة "الوقت" البحرينية بتاريخ الجمعة 8 جوان 2007 / 22 جمادى الأولى 1428


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.