تطاوين.. ارتفاع عدد الاضاحي مقابل ارتفاع في اسعارها    جندوبة: السيطرة على حريق أتى على 3 هكتارات من حقول القمح    سعيّد يدعو للاسراع في تسوية أوضاع عمال الحضائر والمتعاقدين والمتقاعدين    صفاقس.. إنهاء تكليف كاتب عام بلدية العين    مصر.. مصرع 9 وإصابة 9 آخرين في حادثة سقوط حافلة بنهر النيل    المحمدية: الكشف عن مستودع معد لإخفاء السيارات والاحتفاظ بنفرين    صفاقس : نقص كبير في أدوية العلاج الكيميائي فمن يرفع المُعاناة عن مرضى السرطان؟    دربي العاصمة يوم الأحد 2 جوان    تقليد السيّد منجي الباوندي المتحصّل على جائزة نوبل للكيمياء لسنة 2023.    صفاقس : كشك الموسيقى تحفة فنية في حاجة الى محيط جميل    عاجل/ محكومون بالسجن بين 6 و16 سنة: ضبط 3 عناصر تكفيرية مفتّش عنهم    التضامن: حجز 100 صفيحة من مخدر القنب الهندي    نواب الشعب يدعون الى استغلال الأراضي الفلاحية الدولية المهدورة لتجاوز أزمة الحبوب    سيدي بوزيد: جداريات تزين مدرسة الزهور بالمزونة (صور)    التوقعات الجوية لهذه الليلة    يُخفي بضاعة مهربة داخل أكياس نفايات !!    20 مسماراً وأسلاك معدنية في بطن مريض    سيدي بوزيد: برمجة ثرية في الدورة 21 لملتقى عامر بوترعة للشعر العربي الحديث    سعاد الشهيبي تستعد لإصدار "امرأة الألوان"    في مهرجان "كان": كيت بلانشيت تتضامن مع فلسطين بطريقة فريدة    البريد التونسي ونظيره الموريتاني يُوقّعان اتفاقية تعاون    رئيس منظمة ارشاد المستهلك يدعو إلى التدخل السريع في تسعير اللحوم الحمراء    اضطراب توزيع مياه الشرب بهذه المناطق    وزير الداخلية: 53 ألف شخص حاولوا اجتياز الحدود البحرية خلسة منذ بداية العام    نبيل عمّار يتلقّى دعوة من نظيره القطري لزيارة الدّوحة    بسبب مذكرة الاعتقال ضدّ نتنياهو: المدعي العام للجنائية الدولية يتلقى تهديدات    البطولة الانقليزية: نجوم مانشستر سيتي يسيطرون على التشكيلة المثالية لموسم 2023-2024    متعاملون: تونس تطرح مناقصة لشراء 100 ألف طن من قمح الطحين اللين    بطولة العالم لالعاب القوى لذوي الاعاقة : وليد كتيلة يهدي تونس ميدالية ذهبية ثالثة    الرابطة المحترفة الأولى (مرحلة تفادي النزول): حكام الجولة الحادية عشرة    النادي الصفاقسي: اليوم إنطلاق تربص سوسة .. إستعدادا لمواجهة الكلاسيكو    الاحتفاظ بتونسي وأجنبي يصنعان المشروبات الكحولية ويروّجانها    عاجل/ مدير بالرصد الجوي يحذر: الحرارة خلال الصيف قد تتجاوز المعدلات العادية وإمكانية نزول أمطار غزيرة..    إحداث خزان وتأهيل أخرين واقتناء 60 قاطرة لنقل الحبوب    وزير الفلاحة : أهمية تعزيز التعاون وتبادل الخبرات حول تداعيات تغيّر المناخ    الموت يفجع حمدي المدب رئيس الترجي الرياضي    كوبا أمريكا: ميسي يقود قائمة المدعوين لمنتخب الأرجنتين    موعد تحول وفد الترجي الرياضي الى القاهرة    السّواسي ..تركيز برنامج المدارس الرقميّة بالمدرسة الابتدائية الكساسبة    إختفاء مرض ألزهايمر من دماغ المريض بدون دواء ماالقصة ؟    اصابة 10 أشخاص في حادث انقلاب شاحنة خفيفة بمنطقة العوامرية ببرقو    بدأ مراسم تشييع الرئيس الإيراني ومرافقيه في تبريز    صلاح يُلمح إلى البقاء في ليفربول الموسم المقبل    الرئاسة السورية: تشخيص إصابة أسماء الأسد بسرطان الدم    عمرو دياب يضرب مهندس صوت في حفل زفاف.. سلوك غاضب يثير الجدل    الدورة 24 للمهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون تحت شعار "نصرة فلسطين" و289 عملا في المسابقة    وزير الدفاع الأميركي: لا دور لواشنطن بحادثة تحطم طائرة رئيسي    سليانة: معاينة ميدانية للمحاصيل الزراعية و الأشجار المثمرة المتضرّرة جراء تساقط حجر البرد    عشرات الهزات الأرضية غير المسبوقة تثير الذعر في جنوب إيطاليا    قبلي: تخصيص 7 فرق بيطريّة لإتمام الحملة الجهوية لتلقيح قطعان الماشية    منوبة.. إيقاف شخص أوهم طالبين أجنبيين بتمكينهما من تأشيرتي سفر    هل فينا من يجزم بكيف سيكون الغد ...؟؟... عبد الكريم قطاطة    الشاعر مبروك السياري يتحصل على الجائزة الثانية في مسابقة أدبية بالسعودية    نحو الترفيع في حجم التمويلات الموجهة لإجراء البحوث السريرية    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أكثر الحوارات قراءة : حوار الوسط التونسية مع الأستاذ الحبيب اللوز
نشر في الوسط التونسية يوم 08 - 02 - 2008


-
في هذا الحوار الهام يدلى -القيادي الاسلامي البارز في حركة النهضة التونسية والرئيس السابق لها- برأيه في مجموعة من القضايا الوطنية والاسلامية ليتعاطي بذلك مع موضوعات حيوية شغلت الساحة السياسية والحقوقية والاعلامية منذ سنوات وحتى على مدار الأسابيع الأخيرة اذ أنه من خلال هذا الحوار الذي أجراه معه زميلنا الاعلامي ورئيس تحرير صحيفة يقف في جولة واسعة على ملخص تجربته المؤلمة أثناء الاعتقال السياسي ليسرد بذلك قصة معاناة وطنية وانسانية يمر بها اليوم الاف من الشباب والقادة السياسيين في تونس ليمر بعد ذلك الى التعاطي مع موضوعات حركية وسياسية عامة يعيشها الوطن والمنطقة والأمة معرجا بذلك على رؤيته لما يشهده العالم وتونس من تحولات ليصل في طور لاحق من الحوار الى التعليق على مستجدات حديثة بالوضع العام بالبلاد التونسية ...
حاولت أن تلخص غير أنها تلح على ضرورة التمعن في النص الكامل له
وفيما يلي نترككم مع بعض هذه الأقوال الهامة جدا على أن ينتقل الذهن والنظر بعدها مباشرة للقراءة الهادئة والكاملة لنصه الممتع والمطول والهام :
-كنت في أعماقي أعتزّ بشرف ما نالني من قسط من الأذى والإبتلاء ويعلم الله أنّي لا أبغي الآن من الاشارة الى تلك المرحلة الاّ رضوان الله ثم الطمع في أن ألفت نظر أصحاب الضمائر الحيّة الى معاناة اخوانهم القابعين الآن في السجون...
-
-أن نعالج حملات القمع والإحتواء بعكس مقصدها وما سوى ذلك فلن يكون غير وقوع في الفتنة سواء تمظهر ذلك في شكل انكفاء وتخاذل أو في شكل إرتكاس الى الهموم الذاتيّة الدنيويّة أو كان إنزلاقا الى الإنفعال والمزايدات والخطاب المتشنّج الذي لا يثمر عادة غير انتشاء عاطفي آني ما يلبث أن تحيله صرامة الواقع إلى احباط مستديم .
-
-حين تعي النخب السياسية في بلادنا أن أزمتها مع الجماهير منشأها الاول هو عدم مخاطبتها من خلال المرجعية المقدسة في فضائنا العربي الاسلامي تكون وقتها قد عاينت الاشكال و لامست الحل...
-
-قوى المجتمع المدني مجتمعة ليست قادرة الآن على تكريس التوازنات التي تجعل مناخ الحريات العامة أقل المناخات كلفة للسلطة لذلك يكون من الجدية والواقعية أن تسلك المعارضة مع السلطة مسلك المراوحة بين الممانعة والطمأنة وهي معادلة أحسبها ضرورية تشجّع كلّ الأطراف ولو بعد حين على التنازل المحسوب المتبادل ..
-صمام الأمان هو أن تحصل في البلاد مصالحة وطنيّة شاملة يدعو لها ويقوم عليها من قوى الممانعة والمعارضات أطراف لهم من المصداقية مالا يمكن أن يتسرب إليه بسهولة اللبس والإرتياب و هذا يعني انه علينا ان نكابد ونناضل من اجل ارسائها ولو بعد حين بالشروط الدنيا الضامنة لمصداقيّتها .
-أحسب والله أعلم أنّ دور الحركة الإسلاميّة يجب ان ينصب في هذه المرحلة على انضاج تلك الظاهرة الدينيّة المتنامية وترشيدها في اتجاه مزيد التحامها بقضايا البلاد و العباد...
-
-..أحسب أنّ الساحة الإسلاميّة تشهد الآن على امتدادها إزدهارا لتيار إسلامي سياسي متوازن تنامى كرد على إنسداد الأفق امام خيارين مشطّين متناقضين لا يخلو أحدهما من آحادية .
-..
- ...حين تستعمل القوة في غير محلها أو حين تستعمل للظلم والحيف والتعسف والإضطهاد... فذلك هو العنف و من هذا العنف الذي لا يجب أن يبرر بل يجب أن يدان بكل وضوح تلك العملية التي وقعت في الضاحية الجنوبية.
-
-...فلن يكون بوسع القيادة أن تكون في الداخل الا مع وجود مناخ سياسي يسمح بهامش معقول من الحضور والتحرك.
-ليس من الحكمة و لا من الواقعية الاستباق لحمل الاطراف المشاركة في هيئة 18 أكتوبر على التزام وحدة فكرية تقتضي تبني رؤية مجتمعية فيها عديد المسائل التفصيلية بعضها يثير اشكالات شرعية حساسة بل منها ما لا يمكن أن يتموقع الا خارج الدائرة الشرعية كما حصل في بيان 8 مارس حيث لا يمكن ان يفهم امضاء اي حركة تنطلق من مرجعية اسلامية الا على أنه امضاء بتحفظ و لئن كان لمثل هذا النوع من الامضاء سوابق في تاريخ العمل الائتلافي بين المنظمات و الحركات و حتى الدول الا انه يمثل حالة لاتخلو من تدافع و الجاء و احراج أقدر أن الساحة السياسية في بلادنا في غنى عنه...
حاوره :
:
شكرا على ما لمسته في نبرة سؤالك من أحاسيس نبيلة تجاه معاناتي و معاناة إخواني في السجن وخارجه ومعاناة كلّ سجناء الرأي ولقد رجوتني أن أحدثك عن معاناتي بدقّة وأنا بكلّ صدق لا أجد في نفسي ارتياحا للحديث في مثل هذه المسألة لسبب بسيط هو أنّي أخشى إحتمال أن يستدرجني اكثار الحديث في المعاناة الذاتيّة إلى ما يشبه المنّ والتبجّح بالنضال لا سيّما وأنّ ماتعرضّت له لايمثل أمام معاناة إخواني من رفاق السجن إلاّ نزرا قليلا بحيث لايكاد يذكر مع معاناتهم فأنا يا أخي كنت أقلّ السجناء تعرضّا للأذى فلعلّ سنّي وموقعي في الحركة آنذاك وربّما أشياء أخرى جعلت إدارة السجون توصي بمعاملتي معاملة يغلب عليها الإحترام و الإنضباط ....
هذه بأمانة هي الحقيقة ولكن للسجن مفارقاته وتقلباته و مفاجآته إذ دوام الحال فيه من المحال ، فذلك الذي سميته احتراما وانضباطا هو حال نسبي بالمقارنة مع أحوال غيري ثم أنت قد تفاجأ في أيّ لحظة من اللحظات ولأتفه الأسباب بانقلاب مذهل في التصرّف معك لا تدري سببه ...ومثال ذلك أنّي في وبعد أربع سنوات من مثل ذلك التعامل اثر الحاحي على معالجة أضراسي التي أرهقتني آلامها المبرحة وهناك غلظت عزلتي فصرت لا أرى الا العون المباشر لي ومنعت من الفسحة الاّ مّرة في الأسبوع أو مرتين وحرمت من الجرائد والتلفزة ووضعت في غرفة أشبه بالمرحاض بدون شبابيك الاّ شباك صغير حجمه عشرون سنتماتر على عشرين لا يمكنك أن تطل منه على العالم الخارجي الا بصعوبة شديدة فترى من حين لآخر عبر رؤية جانبية زرقة السماء من وراء شبكة كثة من القضبان الحديدية الصدئة ثم مالبثوا أن أقلقتهم اطلالات وجهي من وراء ذلك الشباك فأمر مدير السجن بوضع كلّ الحواجز الحديدية الكفيلة بحجب الرؤية عنّي تماما ...
وقد دامت هذه الوضعية ثلاث سنوات: عزلة مغلظة وهم يتلكؤون في معالجتي وحتى المسكنات يعطونك مرّة ويمتنعون مرارا ولا يهمهم أن تظل طيلة تلك السنين تئن وتشتكي فلما حاولت اعلام أهلي بوضعيتي وطلبت منهم ابلاغها الى المنظمات الحقوقيّة وإلى الإعلام الحرّ قطعوا الزيارة وأرجعوني إلى الغرفة المشؤومة وحذروني من مغبة العودة لمثل ذلك ...
وطبعا فلأني تحديتهم ولم أسكت على ظلمهم واستهانتهم فقد أشبعوني لطما وضربا وسبابا ثم قيدوني بالسلاسل على سريري المثبت بالإسمنت فلا حراك ولا قضاء للحاجة البشرية وهو شكل مقيت من التعذيب والاهانة أشدّ بكثير من حرمانهم إياي وجبة الطعام أكثر من عشر مرات وهذا بمعاييرهم السجنية سلوك غير مقبول وغير مألوف ولكنهم تعمدوه معي استثنائيّا للضغط ولكسرالشوكة أوهكذا كانوا يفكرون.
...
هذه الحالة التي مررت بها قد تبدو لمن لم يجرب السجن من أشدّ الحالات ولكن رفاقي في السجن كانوا مجمعين على أنّي أقلّ السجناء تعرضا للأذى على الإطلاق ولأجل هذا ظللت طيلة فترة السجن أستحيي من أن أصف في حضرة إخواني رفقاء السجن ذلك الذي تعرضت له بالمعاناة أو التعذيب وإن كنت في أعماقي أعتزّ بشرف ما نالني من قسط من الأذى والإبتلاء ويعلم الله أنّي لا أبغي الآن من الاشارة الى تلك المرحلة الاّ رضوان الله ثم الطمع في أن ألفت نظر أصحاب الضمائر الحيّة الى معاناة اخوانهم القابعين الآن في السجون سواء كانوا من حركة النهضة أو غيرها من مثل بعض الشباب المتدين اليافع الذين لم يثبت لهم انتماء والذين يتعرّضون هذه الأيام للأذى الشديد وكثير منهم يساقون وهم في سنّ الزهور إلى المخافر لمجرد التحوط فيجري عليهم ماجرى على سابقيهم ثم ولأدنى شبهة يودعون غياهب السجون ...وندائي لكلّ حر أبيّ ولكل من يتنعم بالأمن والحرية ولكل من ينام في فراشه قرير العين متمتعا بالدفء والأحلام الوردية الا ينسوا أولائك المعذبين مهما كانت مشاربهم وانتماءاتهم ولا سيما اولائك الذين مرت على صمودهم السنون وان يبذلوا من اجلهم جهدهم المستطاع لأنّهم بذلك فقط يرضون ربّهم ويرضون ضمائرهم ثم لأنّهم بذلك يردون لهم جميل مابذلوه في سبيل الحق والعدل والحرية وفي سبيل تونس وأهل تونس .
لذلك فتونس في أمسّ الحاجة إلى تآزر أبنائها لنصرة المظلومين وحجز الظالمين عن ظلمهم ليتيسر لها في نهاية المطاف طي تلك الصفحات المظلمة المؤلمة وياليت أبناء تونس ينحون في إدارة الخلاف بينهم إلى ما هو أرقى وأسلم وأضمن ...ثم ولأنّ الجرأة والتحدّي إنّما ينبثقان من رحم المآسى والمعاناة فالعنف لا يولد الاّ العنف الأشد ومسلسل "العنف والعنف المضاد" إذا ترك على عواهنه لن تكون محصلته في نهاية المطاف الاّ تصاعديّة وحبلى بالمآسى والدماء والأحقاد فما أحوجنا إلى الإعتبار وإلى الإنتصار على النفس من أجل موقف رشيد.
: الأستاذ اللوز لو تكرمتم هل حملتم رسالة من داخل السجن إلى بقيّة إخوانكم وأحبّائكم داخل وخارج الوطن ؟ وماهو الوضع العام الذي تركتم عليه بقيّة سجناء الرأي داخل المعتقلات التونسية ؟
نعم ...وبكلّ تأكيد...وهي رسالة عميقة وملحّة مهمومة بقضيّة الإسلام وقضيّة الأمّة وقضيّة تونس ..ولا عجب فالذين تبقّوا في السجن من بين آلاف المساجين من أبناء الحركة هم عشرات من قيادييها...فطبيعي جدّا أن تصّب رسالتهم لإخوانهم ولأحبائهم في مصبّ تجديد العهد على الثبات على ما جمعنا من مبادىء وقيم وأهداف كبرى مقدّسة والتذكير بما تواصينا به قبل المحنة من مراوحة دؤوبة بين دوام الإلتزام والتضحية والإقدام وبين الحكمة والحلم والتجاوز حتى لا تفعل فينا المحنة الاّ ما يرضي الله وترضاه ضمائرنا..
وأوّل ما يقتضيه ذلك منا الآن هو أن نعالج حملات القمع والإحتواء بعكس مقصدها وما سوى ذلك فلن يكون غير وقوع في الفتنة سواء تمظهر ذلك في شكل انكفاء وتخاذل أو في شكل إرتكاس الى الهموم الذاتيّة الدنيويّة أو كان إنزلاقا الى الإنفعال والمزايدات والخطاب المتشنّج الذي لا يثمر عادة غير انتشاء عاطفي آني ما يلبث أن تحيله صرامة الواقع إلى احباط مستديم .
هذه هي روح الرسالة التي تواصينا بها ليبلّغها عنّا من سيكتب له الخروج منّا من السجن لأنّنا لم نكن آنذاك نعلم من سيخرج ممّن سيبقى والحقيقة أنّ أغلبنا كنا قلقين من غياب حضور الحركة السياسي والدعوي والثقافي بالحجم المعقول الذي يليق بالحركة وقلقين من روح الإنتظاروالترقب ومن الإنتظارات الموهومة سواء تلك المعولة على المفاجآت أو تلك المتربصة بالمراكمات أو تلك المتوسّمة للمراجعات قبل أوانها كما كنا قلقين كذلك من ضعف فاعلية الفرد لدى سائر الحركات السياسية ولدى حركتنا وعليه فلقد كنّا نتشوّف إلى بروز مبادرات جماعيّة ناضجة وبناءة تكرس التجاوز وتقودنا وتقود غيرنا الى الفعل المسؤول والى المساهمة ولو بتدرّج في معالجة ملفّات البلاد ومنها ولا شكّ ملفات الحركة ...واذن فلقد كانت القناعة السائدة لدى أغلبنا هي أن المطلوب منا وطنيا هو تهيئة المناخ لمبادراتنا وتهيئة سائر الأطراف المعنية لها مغلبين الرشد والحكمة والتجاوز وروح المصالحة التي يجب ألا يستثنى منها أحد ...ولكن كذلك يجب الاّ نهدر مبادراتنا الخيرة تلك بالتردد والانتظار وطلب الاذن و الترخيص لأنّ الإسترخاص لا يخلو من تعليق على المجهول وتأجيل لأجل غير معلوم .
أمّا الشقّ الثاني من سؤالك والمتعلّق بالوضع الذي تركت عليه بقية سجناء الرأي فهذا الوضع العام فيه مفارقة لا تخلو من الغرابة ..ذلك أنّي تركت إدارة السجون تسلك مع أولائك السجناء سياستين : واحدة لقدمائهم تستصحب فيها بعضا ممّا طرأ على ممارساتها من تحسينات نسبيّة طفيفة اضطرت اليها لسبب أو لآخر منذ 1998 وأخرى للمساجين الجدد يغلب عليها تعامل شديد التعسّف مماثل لذلك الذي مورس معنا في بداية التسعينات إبّان إعتقالنا ومحاكمتنا وهذه الازدواجية مقلقة للجميع وتقلق الادارة السجنية كذلك وأخشى أن يدفعها ذلك الى التسوية في التعسف لا في تلك التحسينات الطفيفة وللأسف فقد بدأت تبرز للعيان مؤشرات على ذلك في معاملات الادارة السجنية مع قيادات النهضة من مثل التلكأ في المعالجة و منع عديد المأكولات المسموح بها سابقا في القفة و التعامل الاستفزازي من قبل ادارة السجن و أشكال عديدة أخرى في الوقت الذي كان الجميع ينتظر اطلاق سراحهم و انهاء معاناتهم التي طالت كثيرا مجاوزة الست عشرة سنة.
:
في عديد الأشياء وجدتها كما تركتها لا سيّما فيما يتعلقّ باستمرار الركود السياسي وإنسداد أفق التطور في الحياة العامة بالبلاد.
وبإستثناء بعض التطوّر المعماري الملحوظ والإرتفاع في مستوى العيش المصحوب بشيء من الإنفتاح على التكنولوجيا مع غلاء فاحش في الأسعار مزامن لتنامي عقليّة الإستهلاك و كثرة الانفاق و التداين و عموما فأهمّ مالاحظته ليس تغيّرا أو انقلابا في حياة التونسي ولكن نوعا من الهروب إلى الأمام في تشكل متنام لشخصيّته وسلوكيّاته... إنّك تلحظ من خلال تعاملك مع شتى الفئات الإجتماعية أنّ
وبتعبيرة أخرى فهو يعرف جيّدا وبدون عناء أين يكمن الحق والصواب ثمّ هو يضطر مكرها لا بطلا الى أن يهضم جيّدا وبدون عناء كذلك الواقع كيفما كان أي يسايره ويتعامل معه بنوع من التقبّل الظاهري والتسليم بقطع النظر هل اعتبر ذلك الواقع حقا وصوابا أم لا ....
وفي سياق هذه الشخصيّة الذهنيّة النفسيّة الغالبة برزت العولمة المتلبسة بثورة الإتصال والمشهد الإعلامي الفضائي فأفرزت بدون استئذان من أي أحد ظاهرتين مجتمعيّتين متداخلتين إلى حدّ ما : واحدة سياسية والأخرى دينية ..
الأولى أنّك تلحظ ظاهرة "وعي" سياسي لا ينفصل عن قضايا الأمّة الكبرى وهي ظاهرة في تنام في شكل دفقات متتالية نتيجة حالة المدّ والجزر التي تعتري الإهتمام والمتابعة والحماس بحسب حجم الأحداث وحجم إثارتها. ولكن هذا "الوعي" يظلّ سلبيّا باتسامه بطابع فرجوي تولّد عن شدّة القمع وفزاعة الخوف التي ضخمت المراقبة الذاتية فدفعت الناس إلى الإكتفاء بمتابعة إعلامية لا تبعة فيها ولا التزام حقيقي ولا ممارسة ولا معاناة ...
و على الأرجح فإنّ هذا الطابع الفرجوي لحالة "الوعي" هذه سيظلّ سائدا إن لم تنجح النخب السياسيّة والفكرية في تأطير تلك الظاهرة وترشيدها باحداث نقلة نوعية تربوية وجودية في شخصية هذا الانسان و لو عبر مراحل تنقله من الاستغراق في هموم الخلاص الفردي الى المبدئية و استشعار قدسية قيم الحق و الحرية و العدل و ابطان الهم الجماعي و الالتزام بقضايا الامة و الشعب و الوطن.
هذه النقلة هي التحدي الأكبر الذي يواجه قوى المجتمع المدني و هم عادة ما يعبرون عنها بأزمة تأطير الجماهير و أحسب أن حلها الحقيقي هو صنع مناخ فيه حد أدنى من الحراك السياسي المتنامي بنسق يواكب قدرة سائر القوى السياسية على تأطير الجماهير من خلال احداث تلك النقلة التربوية الوجودية في شخصية الفرد المناضل.
و في رأيي ان ما نلحظه من اتساع جماهيري للحركات الاسلامية في المنطقة هو تعبيرة واضحة عن نجاعة الخيار الاسلامي باحداث تلك النقلة المنشودة في شخصية الانسان و مرد تلك النجاعة الى طبيعة الخطاب الديني القادر على تحويل هم الخلاص الفردي الى هم خلاص جماعي اذ لن يدخل الفردوس الاعلى الا من بذل الوسع في بناء الفردوس الارضي... و لن يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه... و الخلق كلهم عيال الله و أحبكم لله أنفعكم لعياله... و في عقيدة الاسلام العمل عبادة و الاكل عبادة و الزواج عبادة و الاختراع عبادة.
و حين تعي النخب السياسية في بلادنا أن أزمتها مع الجماهير منشأها الاول هو عدم مخاطبتها من خلال المرجعية المقدسة في فضائنا العربي الاسلامي تكون وقتها قد عاينت الاشكال و لامست الحل... الخطاب المصطبغ بروح العلمانية ان وجد صدى فلن يجده الا في نخب ضيقة محصورة و حتى في هذه النخب الضيقة فأثره التربوي الوجودي محدود و الدليل على ذلك أن أفواجا من هذه النخب عادة ما تتحمس لحين للقضايا الوطنية و المصلحة العامة و الهم الجماعي و لا سيما فترة الشباب و العزوبة و لكنها لا تلبث بعد ذلك ان ترتكس الى الهم الفردي و هموم الدنيا و زينتها فتترك روح النضال و التضحية مكانها الى طموح شغوف بالقصر الفخم و السيارة الفاخرة و الحياة المترفة.
بدون احداث تلك النقلة التربوية الوجودية في أعماقنا و في أعماق كل فرد من أبناء شعبنا سيظل حراكنا السياسي هزيلا و ستظل أحزابنا السياسية و سائر منظمات المجتمع المدني تعاني التقوقع و تفتقد الجماهيرية المؤثرة و مع استمرار هذه الحال لن نستطيع تكريس حريات و لا افتكاك حقوق و لا احداث تغييرات لصالح المجتمع المدني و لصالح الجماهير المستضعفة.
و الغريب أنك تلحظ بعض الاطراف تراوح في مكانها و لا تبالي و لا تقلق و كأنها ألفت الهامشية و السلبية وبعضها تطمئن نفسها و تمنيها بالتعويل على النظرية القائلة "بحتمية التطور مع كلّ مراكمة والا فالإنفجار" بمنطق: اشتدي ازمة تنفرجي و هذا كما لا يخفى تعويل خاطىء لم تثبت التجارب اطراده فضلا عن أنّه لا يراعي واقع البلاد و طبيعة المجتمع التونسي و لا يراعي كذلك متغيّرات العولمة ومستجداتها .
وأما الظاهرة الثانية فدينيّة بالأساس وهي ظاهرة متنامية بقوّه أكبر واتّساع اكثر ولكنها منزوعة التسيّس وترفض التحزّب وأحسب أن ذلك نشأ فيها بفعل فاعل وليس تطوّرا طبيعيّا لأنّ قضايا الأمة الكبرى صارت صاخبة ولا تحتمل الغفلة والإعراض ثم ان مناخات الإحتقان الحضاري السائدة لا تسمح بهذا الحياد السياسي المفتعل كما أن تنامي الوعي بالأزمة على الصعيدين السياسي والإجتماعي في بلادنا لا يسمح في الأصل بنشوء تلقائي لتديّن رومنسي منزوع التسيس مشغول بالمفاهيم المطلقة عن قضايا الحياة والمجتمع وعن هموم القطر ومشاكل البلاد والعباد ولست أنكر أنّ النزوع الى المطلق طبع في النفس البشرية عادة ما يراعيه المصلحون والقادة والزعماء والنخب للاستفادة منه ولا سيما عند محاولة تعبئة الجماهير وصياغة الإنسان الرسالي الملتزم بما هو أعظم من مآربه الذاتيّة ...هذا الحديث يجرّني طبعا الى التعريج على التطوّرالذي لاحظته في النخبة السياسية والفكرية والدينية ببلادنا حيث شعرت أنها تنزع شيئا فشيئا الى الظلّ والإنكفاء والسلبية على عكس ما تعتمل به ساحات قطرية أخرى وأتمنى أن يكون هذا الشعور سوء تقدير مني وبصدق لست أزكى نفسي واني لأستشعر وباستغراب أنّ الإعتمالات التي كانت تتملكني وأنا في السجن كانت أشدّ من تلك التي تتملكني الآن وأنا خارجه...فهل مرد هذا الارتخاء الذي يصيب نخبتنا الى عقم الساحة السياسية والفكرية والدينية بالبلاد نتيجة غياب حريّة الكلمة وحريّة التنظم وحريّة الممارسة والتدافع بين مختلف الفرقاء و نتيجة المناهج الخاطئة التي يصر عليها بعض قوى التغيير... هذا ما أرجّحه والله أعلم.
و ما أستشعره في أعماقي هو أن تينك الظاهرتين (السياسية و الدينية) مرشحتان الى التفاعل و التكامل عبر الايام و السنين لتؤولا و لو بعد حين الى ظاهرة واحدة رشيدة متكاملة و هذا هو الكفيل باحداث النقلة المنشودة و أولها تطور في حالة الزخم النضالي داخل قوى المجتمع المدني و لا سيما منها القوى السياسية النشيطة بالبلاد ثم شيئا فشيئا داخل سائر الجماهير الشعبية العريضة و عندها يكون المشهد السياسي و الثقافي بالبلاد قد التحق بالمشهد السائد في المنطقة العربية الاسلامية ككل حيث الفضاء الثقافي العربي الاسلامي هو اطار الالتقاء الجامع بين مختلف الفرقاء السياسيين و الاجتماعيين و هو كذلك الحافز الدافع المحرك للسواكن و المفجر للكوامن بكل اقتدار.
:

مبدئيّا هي ولا شكّ مطلوبة ولكنّها واقعيّا جدّ مستبعدة في المرحلة السياسية الراهنة ومن السذاجة الطمع في حصولها في المنظور.
وفي تقديري فان السلطة لا ترى لنفسها مصلحة في تلك المراجعة ولا هي كذلك تطيقها بسهولة حتى و لو كانت ترجحها ..بل هي ما ترى المراجعة الاّ نوعا من المغامرة غير المأمونة وليس ثمّة على كلّ حال في التوازنات السياسية ما يظطرّها إليها.
ثم ان قوى المجتمع المدني مجتمعة ليست قادرة الآن على تكريس التوازنات التي تجعل مناخ الحريات العامة أقل المناخات كلفة للسلطة لذلك يكون من الجدية والواقعية أن تسلك المعارضة مع السلطة مسلك المراوحة بين الممانعة والطمأنة وهي معادلة أحسبها ضرورية تشجّع كلّ الأطراف ولو بعد حين على التنازل المحسوب المتبادل ...ومنه ان يعترف الجميع بمن فيهم السلطة في آخر المطاف للخصوم والمنافسين بحق التنظم وعلى الأقل مؤقتا بحق الحضور المتدرج والمشاركة المحسوبة بما يقتضيه الأمر من رشد وواقعية وفاعلية ....وهذا يعني بالنسبة لقوى المعارضة (في حال تفاعل السلطة وتجاوبها) التحوّط بكلّ جديّة لتجنب ما يثير الارتياب أو ما يضخم لديها منطق الحذر والخوف من إنخرام التوازنات ثمّ التحوّط من جهة أخرى حتى لا يفتح منطق المرونة والواقعية والتدرج الباب على مصراعيه الى الإنبطاح والموالاة والنفاق السياسي من قبل عديد الأطراف المحسوبة على المعارضة و من ثم فان صمام الأمان هو أن تحصل في البلاد مصالحة وطنيّة شاملة يدعو لها ويقوم عليها من قوى الممانعة والمعارضات أطراف لهم من المصداقية مالا يمكن أن يتسرب إليه بسهولة اللبس والإرتياب و هذا يعني انه علينا ان نكابد ونناضل من اجل ارسائها ولو بعد حين بالشروط الدنيا الضامنة لمصداقيّتها ...ومن تلك الشروط مشاركة شعبيّة أو على الأقل اعتناء ومؤازرة من طرف قطاع عريض من الجماهير ..ولكن هذا الآن ليس باليسير لذلك فالمطلوب التهيئة له بمرحلة انتقالية توجّه فيها القوى الجادة النشيطة في المجتمع جهدها لإحداث نقلة داخل المجتمع بما يجعله أكثر انخراطا وإلتزاما تجاه قضاياه وأكثر إيمانا بالمبادىء التي تخدمها بحق و هذا و لاشك دور كل القوى السياسية مجتمعة لا سيما أن انبنى اجتماعها على أرضية ذلك الفضاء الثقافي العربي الاسلامي الذي أشرت اليه في جوابي عن السؤال السابق.
و في هذا الاطار أحسب والله أعلم أنّ دور الحركة الإسلاميّة يجب ان ينصب في هذه المرحلة على انضاج تلك الظاهرة الدينيّة المتنامية وترشيدها في اتجاه مزيد التحامها بقضايا البلاد و العباد... بهذه الخلفية أرى أن تتوجه الحركة الإسلامية نحومزيد من المزج الواعي بين الحراك السياسي و العمل الدعوي الثقافي في سياق ترشيد العقليات و النفوس باتجاه ارساء حالة مجتمعية توافقية و تصالحية بناءة و فعالة.
: و لكن ثمّة من يقول بأن الخلط البارز بين الخطاب الديني والفعل السياسي المباشر واليومي من شأنه أن يقود تجربة الإسلامين العرب الى طريق مسدود فهل تشاطرون أصحاب هذه القناعة نفس هذه الرؤية أم أنّ لديكم اعتراضات عليها قد تأخذ خصوصيتها من مراجعات فكرية حصلت لديكم أثناء وبعد فترة الإعتقال ؟
عن أيّ طريق مسدود يتحدّث هؤلاء ؟ ! وهلاّ أثمرت المحاولات المتعسّفة لفصل الديني عن السياسي في تجارب النهضة العربية الحديثة الاّ تعبيدا للطريق أمام الإسلاميين العرب ؟
هذا إذا كان الإشكال الذي نقلته عن هؤلاء يشير حقيقة وبدقة الى الخلط بين الديني والسياسي ويحذر من تبعاته ففي هذه الحالة أحسب أنّ الإستشكال مصطنع وغريب عن فضائنا الثقافي الإسلامي والإصرار على استدامة طرحه رغم كلّ التحولات الجارية الآن في المنطقة العربية والإسلامية تكلف لا يخلو من إسقاط لاشكالات الثقافة الغربية ولهمومها ومفارقاتها التاريخيّة الأوروبيّة بالذات على واقعنا وهمومه المتميّزة ومفارقاته التاريخية الخاصة به والاّ فمتى انفصل الديني عن السياسي في تاريخنا واستدام حتى يستقيم الحديث عن"تعمّد" الإسلاميين العرب الخلط بينهما .
الإسلام من أصله نظام شامل للحياة برمتها والسياسة هي عملية لتنظيم شاملة لتلك الحياة .
فكيف يصح فصل الدين عن السياسة في البيئة الثقافية الاسلامية وقد ظلا دوما بفضل تميّز المنهج الإسلامي وشموله يعمران ساحة واحدة ويتحركان على أرض واحدة وينجزان مهمة واحدة لا سيما وأنّ الإسلام إنّما نظّم الحياة وفق مبادىء الشورى والحرية والعدل والمساواة وسلك لذلك مسلك التدرّج والواقعية وإذن فتكييف الإشكال على أنّه يتعلقّ بخلط بين أمرين منفصلين فيه تبسيط مخلّ لقضية حضارية بالغة الأهمية والمسألة في رأيي ليست مسألة خلط ولا فصل ولكنها مسألة اختلاف في الخيارات والقناعات تجاه مرجعيّة الإسلام إذ ثمّة من يؤمن باتّخاذ الإسلام مرجعا يستمد منه الحلول العملية الميدانية وثمّة من لا يؤمن بذلك بل ثمّة من لا يؤمن بالإسلام كمرجع أو حتى كدين ...فلم التحرّج من طرح الإشكال بهذا الصدق والوضوح أليست حرية الفكر والمعتقد تقتضي شجاعة الطرح وتمنع مسلك الإلتواء والتهرب.
يبقى أنّه من الدقة أن ألاحظ أنّ سؤالك ربّما يشير إلى إشكال آخر أدق و أقرب الى واقعنا لا سيما وأنّ صيغة السؤال لا تنصّص حرفيّا على خلط بين الديني والسياسي بل على خلط بين خطاب وفعل أي خطاب ديني من جهة وفعل سياسي يومي مباشر من جهة اخرى فيكون وقتها القصد من السؤال الإشارة إلى القصور الذي قد نلحظه لدى بعض التيارات الإسلامية في فقه تنزيل قيم الإسلام وأحكامه في واقعنا الميداني اليومي المعيش فهذا إشكال حقيقي وفي صميم حقل العمل الإسلامي المعاصر ولكن التعبير عنه بلفظ "الخلط" ليس مناسبا بل هو يلبس ويضبب الإشكال .
وجوابي هو أنّ الواقع وبالذات الواقع السياسي متشعّب ومتحرّك باستمرار لذلك فهو يقتضي فعلا سياسيا يوميا مباشرا ومتحرّكا يراعي تشعّب ذلك الواقع و يراعي تحرّكه واضطرابه ويراعي موازناته... والإسلام كملة خاتمة لا معصوم فيها بعد النبي محمد (عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم) قد أحال الناس على العقل المسترشد بالوحي وامرهم بأن يبذلوا الوسع البشري الأقصى في استنطاق النص واستنطاق الواقع معا والتوحيد بينهما ...
ورغم أنّ لكلّ من النص والواقع حقيقته المطلقة الاّ أنّهما في أغلب الأحيان ليستا جاهزتين بل كثيرا ما يحتاج العقل البشري الى الإجتهاد المضني لملامستها أو الإقتراب منها على الاقل ثمّ هو يحتاج إلى جهد إضافي للتوحيد بينهما...هذا التوحيد هو الذي يصطلح عليه العلماء بفقه التنزيل وهو عملية دؤوبة متحرّكة تمازج بين التوكل والإحتكام للشرع من جهة وبين الاخذ بالأسباب والتخطيط والتدرّج و مراعاة للواقع وملابساته وتناقضاته وتوازناته من جهة أخرى ولأنّ هذا الفقه في التنزيل هو عمل بشري تعتريه النسبية فقد إفترقت التيارات الإسلامية فيه واختلفت وليس هذا الإختلاف بمشكلة بل هو ثراء يمكننا من ملامسة المناخ كله بجميع احتمالاته و بمختلف تشكّلاته لا سيّما في مناهج الإصلاح والتغيير وبالمزاوجة بين الممارسة والنظر والتقييم المستمر لا يكون هناك خوف من انسداد الطريق وحتى إذا انسد الطريق أمام منهج فكري مغال فسنجد مناهج أخرى ترشدنا إلى الطريق السالك وأحسب أنّ الساحة الإسلاميّة تشهد الآن على امتدادها إزدهارا لتيار إسلامي سياسي متوازن تنامى كرد على إنسداد الأفق امام خيارين مشطّين متناقضين لا يخلو أحدهما من آحادية .
واحد أحاديّته في الإستغراق مع النصّ كما صاغته الثقافة الموروثة بمعزل عن الواقع والآخر أحاديّته في الإستغراق مع الواقع كما صاغته الثقافة المستوردة بمعزل عن النصّ... لذلك فالتيار الإسلامي الراشد بقدر ما تكون عقلانيّته مؤصّلة شرعا و توحد توحيدا ممنهجا بين النصّ والواقع بقدر ما يلغي مسوّغات كلّ انفصال نكد مفتعل في أذهان بعض النخب بين الدين والحياة أو بين الدين والسياسة.
: أستاذ حبيب اللوز بعد خروجكم من السجن هل لاحظتم تسامحا رسميّا من قبل السلطة تجاهكم أم أنّ أوضاعكم الشخصيّة ووضع حركتكم لم يطرأ عليها أيّ مؤشّر من مؤشرات التغيير؟
شخصيّا أنا الآن أقع تحت طائلة مراقبة ملاصقة مستمرّة على مدار الأربع والعشرين ساعة وهي رغم محاولات التلطيف تظلّ مقلقة ولست أرى لها أيّ مبّرر ولا مصلحة وأحسب أنّ السلطة بدأت تستشعر مثل ذلك وأقدّر أنّه لولا الروتين الإداري لرفعت تلك المراقبة فكل شكل من أشكال التضييق المجاني أو المراقبة المفتعلة في حق الافراد أو الجماعات هو عنصر توتير نحن في غنى عنه لذلك فرفعه لا يزيد المناخ السياسي في البلاد الا أريحية وانفراجا.
أما على مستوى الحركة فكي أجيبك هل ثمّة تسامح من قبل السلطة أم لا ف
: ثمة تطور بارز و خطير عرفته تونس في الفترة الاخيرة و هو أحداث الضاحية الجنوبية فبم تفسرون هذه الاحداث؟ و كيف ترون مستقبل التيار الاسلامي الوسطي و المعتدل في ظل بروز ظاهرة العنف و التشنج لدى بعض العناصر السلفية؟
سؤالك هذا لا يخلو من حرج لمن يكره الردود السياسوية و المراوغة و التخلّص السهل . ولست أخفيك أنّ مقتي لتلك المسالك يفرض عليّ أن ألتزم في إجابتي ما أقدر عليه من وضوح وصدق وانصاف مغلبا آداب النصح الأمين التي يمليها علينا شرع الإسلام. رغم يقيني أنّ انصاف أولئك الشباب المتهم بالتشنج والعنف موقف مكلّف سياسيا لا سيّما في مناخ سياسي مفخخ... ولكن لا بأس فرضاء الله أولى من كلّ الحسابات .
في البداية اسمح لي أن ألفت نظرك إلى أنّ صيغة سؤالك ربما أوحت لتلك العناصر التي وصفتها بالتشنّج بعدم الحياد ولو عن غير قصد منك إذ الأصل أن تعقد لنا المقارنة أو المقابلة بين تيارين لا بين تيار وبين عناصر متشنّجة من تيار آخر... وللأمانة فالعنف والتشنّج قد برز في رحم أغلب التيارات يسارية كانت أم قوميّة أم اسلامية... فيكفي أن يتصدّر تيار لموقع الريادة أو يستشعر مسؤولية التصدي لواقع مجتمعي محتقن ثم يتعرّض لحملات سباب أو قمع أو استفزاز حتى يفرز عناصر متشنّجة متهيئة للعنف... والنزوع إلى إستعمال القوة استعداد طبيعي وفطري في كلّ كائن حي ولا تستمرّ الحياة الاّ به لأنّه في الأصل وسيلة دفاع عن النفس... الاشكال هو حين تستعمل القوة في غير محلها أو حين تستعمل للظلم والحيف والتعسف والإضطهاد... فذلك هو العنف و من هذا العنف الذي لا يجب أن يبرر بل يجب أن يدان بكل وضوح تلك العملية التي وقعت في الضاحية الجنوبية.
و من جهة أخرى فان واقعنا السياسي والإجتماعي المحتقن يولد العنف لأنه يصنع مفارقة حادة بين ما تشتشعره الجماهير من انسداد أفق في واقع الأمّة وواقع القطر وبين ما تطمح إليه تلك الجماهير وتراه واجب التحقق أوتراه على الاقل في دائرة المتاح.
أضف إلى كل هذا ذلك النمط الثقافي والتربوي السائد في عصرنا وأعني به ثقافة التبرير والاعذار وتقديس المتعة والرغبات وتضخيم الحقوق و الحاجات... هذه الثقافة لا تصنع الاّ إنسانا نرجسيّا متبرما متهيأ للتوتر والعنف... نحن إذن بواقعنا المحتقن وبثقافتنا المنحرفة نخرج كلّ يوم أفواجا من الشباب يضمر مقادير متفاوتة من التشنّج والعنف تتمظهر في سلوكه منذ الطفولة و ألاحظ هنا اني بهذه القراءة افسر اسباب العنف و لا ابرره.
وشخصيّا أحسّ بالقلق من نمطين من الردود طفح بهما الإعلام حول أحداث الضاحية الجنوبية :
واحد ينزع إلى المبالغة في الإدانة والتنكير في سياق خطاب متهافت عهدناه دوما يقتات من التشنيع بكل ماهو اسلامي ...مثل هذا الخطاب لا يستغرب منه ان يستغل اي خطأ يقع فيه انفار من الشباب الإسلامي (سلفي أو غيره) و ان يعتبره فرصة سانحة للإجهاز على كلّ الإسلاميين وبكل أصنافهم .
وآخر ينزع الى المبالغة في نصب فزّاعة تخيف وتحذر من تداعيات الواقع وتجعل ما جرى في الضاحية الجنوبية مؤشرا على قرب تلك التداعيات و خطورتها.
النمط الأول يستهوي أكثر خصوم الإسلاميين والنمط الثاني يستهوى أكثر خصوم السلطة.
فإذا كنت لا أرتاح للأول لكونه خطابا عدائيا فإنّي لا أرتاح للثاني لكوني موقنا أن الفزاعة لن تقنع السلطة ولن تخيفها ولن تثير إهتمامها أصلا لأنّ أجهزتها ومعطياتها الدقيقة على ما جرى وعلى ما يحتمل جريانه تجعلها لا تلقي بالا للتفزيع أو التهوين لذلك لن تثمر تلك الفزاعة الاّ تهويلا لقضية أولائك الضحايا من "الشباب السلفي" أوالمحسوب على "السلفية" بما يعقد معاناتهم وبما يتيح للسلطة أو لبعض أطراف منها توظيف تلك الفزاعة لمصلحتها على حساب قوى المجتمع المدني من خلال تسويق مناخات الأزمة لتبرير مزيد من المحاصرات والتضييقات ثمّ الإقناع بمشروعية الحلول الأمنية ...
وعندي أنّ الأفضل والأرشد هو أن لا نهول ما وقع وأن نضعه في نصابه عسانا نتمكّن ولو بالمكابدة والإصرار من صنع مناخ سياسي متزن يحرج الإقصائي ويدفع المتردّد ويطمئن المتخوّف ويشجع المنكفئ و يعقلن المتشنج في اتّجاه تكريس الحد الأدنى الضروري من مناخ الحريات المناسب للمرحلة المستقبلية التي أستبعد أن تفاجئنا بما لم نعهد أوبما لم نتوقّع.
وفي هذا الإطار أحسب أنّ التيار الإسلامي الذي سميته أنت بالوسطي والمعتدل مرشح إلى تجدد انتعاشه وتناميه التدريجي و هذا لن يكون خافيا لا الان و لا غدا لان من طبيعة التيار الاسلامي أن يكون علنيا فتمظهراته هي بعض من كنهه و تعبيرة عن حقيقته فلا تنفك عنه لذلك سيظل ثمة دوما من يحاول أن يصنع من انتعاشه فزاعة كما كان يجري دائما في كل المحن السابقة. و هذا يقتضي أن يحرص الاسلاميون على التزام مسلك التوازن و الفطنة و الطمأنة.
: هل يمكن أن نفهم من هذا أنّ لدى حركتكم داخل البلاد رغبة جادة لطي الخلاف مع السلطة وتأسيس علاقة قائمة على المشاركة والتعاون من اجل الصالح العام؟

نعم ...وهذه الرغبة ليست موجودة لدى إخواننا داخل البلاد فقط بل ولدى اخواننا في المهجر ولدى اخواننا المتبقين في السجن كذلك... و لكن للامانة فهذه القناعة متحركة ينميها الانفراج و يذبلها الاحتقان... و لكن لست أرى شيئا يذبل هذه القناعة عند بعضنا في هذه المرحلة الانتقالية كما يفعل تردد السلطة في طيّ الصفحة لذلك سيظلّ كلّ مسعى عملي من طرفنا متوقفا على تعبير الجهات الرسمية عن رغبة جادة وصادقة في ذلك و لا بأس أن أسجل في هذا السياق أن محاولات اتصال و مساعي لطي الصفحة وقعت مرتين على الاقل في فترة سابقة ليست ببعيدة و لم تكن الحركة السبب في قطعها أو افشالها.
: هل تعتقدون أنّه من الخطأ بمكان استمرار ترك الشأن القيادي لشؤون النهضة خارج البلاد؟ أم أنّ الأمر اقتضته الظروف القائمة وهو خاضع للمراجعة بحسب ما يتاح لكم من مناخات المشاركة والتعبير؟
هو ليس بخطا لأنّ الحركة اضطرّت إليه إضطرارا لا سيّما وأنّ القانون الأساسي للحركة لا يسمح بوجود قيادة الحركة خارج البلاد الاّ عند استحالة وجودها بالداخل وانطلاقا من هذا فقد أكدت الحركة في مؤتمراتها الأخيرة التي عقدتها بالمهجر خيار العودة متى تسمح بذلك الظروف .
كما أنّها تبنت خيار العلنية الكاملة لذلك فلن يكون بوسع القيادة أن تكون في الداخل الا مع وجود مناخ سياسي يسمح بهامش معقول من الحضور والتحرك.
: ما هو موقفكم من ائتلاف 18 أكتوبر للحقوق و الحريات و هل طرأ لديكم تغيير في الموقف منه على ضوء محاولة البعض تجيير اعمال هيئته التنسيقية لقضايا يرى البعض انها لا تدخل في مبادئ توافق عليها المضربون حين اعلانهم التاريخي الاضراب عن الطعام نهاية سنة 2005؟
هيئة 18 أكتوبر كانت و لا تزال مكسبا وطنيا و اطارا ضروريا لخدمة قضايا الحريات بالبلاد يجب صيانته و الحفاظ عليه. و من صميم ذلك أن تظل هذه الهيئة متسمة دوما بالمرونة و الرحابة بحيث تتسع لكل القوى السياسية و المنظمات المجتمعية الملتزمة بالاهداف التي أنشأت من أجلها و هي بالاساس أهداف سياسية اقتضتها المرحلة الحرجة التي يمر بها قطرنا و منطقتنا فانصبت أولا و قبل كل شيء على تكريس الحريات الضرورية الكفيلة بالخروج من المأزق السياسي الذي تردت اليه البلاد... و اهتمام الهيئة بما وراء الاهداف السياسية من مسائل ثقافية و اجتماعية لا يجب أن يتجاوز المبادئ العامة التي تجمع و لا تفرق و ليست محل اختلاف.
و من ثم فليس من الحكمة و لا من الواقعية الاستباق لحمل الاطراف المشاركة في الهيئة على التزام وحدة فكرية تقتضي تبني رؤية مجتمعية فيها عديد المسائل التفصيلية بعضها يثير اشكالات شرعية حساسة بل منها ما لا يمكن أن يتموقع الا خارج الدائرة الشرعية كما حصل في بيان 8 مارس حيث لا يمكن ان يفهم امضاء اي حركة تنطلق من مرجعية اسلامية الا على أنه امضاء بتحفظ و لئن كان لمثل هذا النوع من الامضاء سوابق في تاريخ العمل الائتلافي بين المنظمات و الحركات و حتى الدول الا انه يمثل حالة لاتخلو من تدافع و الجاء و احراج اقدر ان الساحة السياسية في بلادنا في غنى عنه و أحسب انه على كل الحريصين على هيئة 18 أكتوير و دورها التاريخي أن يسعوا الى تجنيبها مستقبلا مثل هذه الوضعية.
في مقابل هذا فالحرص على الزام الهيئة برؤية مجتمعية موحدة والذي قد يبدو لاول وهلة كأنه توسيع لأرضية العمل المشترك و ضمانة لتوحيد أهداف النظام هو في حقيقة الامر على العكس تماما ينطوي على تأزيم لا تطيقه الساحة السياسية ببلادنا في هذه المرحلة الحرجة بالذات و لا تطيقه الحالة غير الطبيعية التي تعيشها أي حركة محرومة من حق التنظم و الاجتماع و الحوار الداخلي المنظم و بهذه الملابسات تصير محاولة ايجاد أي نوع من التماهي الفكري و الثقافي احراجا و الجاءا للمخالف يقوم به البعض تجاه البعض الاخر و هو على كل حال تضييق لواسع و الزام بما لا يلزم فالوحدة الفكرية المجتمعية أنسب للفصيل السياسي الواحد منه للتكتلات الحزبية و الائتلافات السياسية.
ان المراوحة الممنهجة بين حق الاختلاف و واجب الائتلاف هو خير ما يوفر الاطار الجامع الرحب و المناخ التعددي الخصب بين الفرقاء السياسيين بالبلاد بعيدا عن كل أشكال المزايدة أو الالحاق أو الالجاء لا سيما أن مجلة الاحوال الشخصية ليست كتابا مقدسا و لا نصا متعاليا فوق أي تقويم او مراجعة بل ثمة قطاع عريض من مجتمعنا يرى أن بعض بنودها تستوجب الاصلاح و التعديل و التطوير بما يجعلها تنسجم أكثر مع قيمنا الدينية و هويتنا العربية الاسلامية و بما يجنب مجتمعنا بعض الاثار السلبية الخطيرة التي أفرزتها تلك البنود فخلخلت النسيج المجتمعي و لا سيما الاسرة و ولدت أزمة تربوية و اخلاقية و اجتماعية متنامية لا تخفى على أحد و طبعا فأنا أقصد الاصلاح و التطوير الذي لا يمس بتلك المبادئ العامة التي يتأكد الاجماع الوطني عليها يوما بعد يوم و منها ضمان حرية المرأة و فاعليتها و مشاركتها الايجابية في الحياة العامة في اتجاه بلوغ ما تشوف اليه الاسلام من مساواة و عدل و تكامل بين كل فئات المجتمع و في اتجاه رفع المظلمة التي سلطت في عصور الانحطاط على المرأة فكبلتها و صادرت ادميتها و عطلت رساليتها و اقعدتها عن الفعل و المشاركة في الحياة العامة كما يأباه الاسلام و يمقته.
: كيف ترون مستقبل العمل السياسي في تونس؟ وهل تترقب من حركتكم مراجعات سياسية كبرى من شأنها أن تؤسس الى مرحلة وطنية جديدة قوامها الموازنة بين متطلبات مشروعكم ومتطلبات الوحدة والإستقرار الوطنيين والإنفتاح على الفضاء العام؟
قراءة الواقع السياسي القائم وفهم مكوناته وتناقضاته يجعلنا ندرك بسهولة أنه يفتقد إلى الحوافز والمنشطات والإرادات القوية وشخصيا ليس لي انتظارات ذات بال في ظلّ الواقع السياسي الحالي .
ومشكلتنا مع هذا الواقع السياسي محدود الأفق أنّه عليك أن تبذل الكثير لنيل القليل وفي بعض الأحيان لا تنال شيئا... وهذا يؤول إلى تفشي حالة احباط عند سائر المعنيين به من ناشطين ومتابعين ومعايشين وهو لا يساعد على ما سمّيته أنت بالمراجعات السياسية الكبرى لأنّ المراجعات الكبرى لا يمكن أن تحصل ولا أن تتوفّر حوافزها الاّ إذا حصلت تطورات هامة و موضوعية على مستوى المناخ السياسي بالبلاد و بالاساس على مستوى موقف السلطة من حركتنا و من سائر الحركات التي تعيش وضعا شبيها بوضع حركتنا وأي شيء من هذا القبليل ليس ثمة ما يدل على قرب حصوله...
لأجل هذا أشرت منذ قليل إلى ضرورة التحلي بالصبر والمصابرة والمكابدة من أجل تغليب روح التجاوز ومن أجل التهيئة ولو من جانب واحد لمناخات وفاقية بناءة بين سائر الأطراف السياسية بالبلاد...وهو ولا شكّ إلتزام مسؤول ومحرج ومكلف ولكنه في تقديري هو الخيار الأنسب للمرحلة التي تمر بها بلادنا.
ختاما : هل من كلمة تتوجهون بها الى أحبائكم وإلى عموم القراء في المنطقة العربية والإسلامية وربوع العالم .
نعم ما أتوجه به لكل هؤلاء هو أن منطقتنا تعيش على وقع أحداث كبيرة وأزمات متنامية وصراع حضاري مفروض عليها لا يخلو من احتقان وما الساحات الفلسطينية والعراقية والأفغانية واللبنانية والصومالية والسودانية الاّ بؤر تأجج في ذلك الصراع وهذا ينمّ عن أنّ الأمة تمر بمخاض لميلاد جديد صعب و أي مخاض لا يكون الا صعبا و الأمة على كل حال لم تعرف لهذا المخاض مثيلا منذ قرون.
لذلك فرغم المآسي والمعاناة والضحايا الأبرياء فالحصيلة بحول الله لن تكون الاّ يقظة للأمة و انطلاقة جديدة مباركة... وإنتماءنا لهذه الأمة يجعلنا في قلب التحولات العالمية ويحملنا أمانة عظيمة أول مقتضياتها توعية جماهير الأمة حتّى لا تستمر في ترك مصيرها بيد أعدائها او بيد من انبهر بهم فتذيل لهم...فنحن جزء من أمة قيضها الله للريادة فأشهدها و أشهد عليها (و كذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس و يكون الرسول عليكم شهيدا...) البقرة (143)
نشر على بتاريخ 21 ماي 2007
*للاتصال برئيس تحرير صحيفة : [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.