"ما في مورال (روح معنوية).. ما في تصويت".. إجابة مقتضبة وغاضبة أدلى بها شاب في مطلع العشرينيات من عمره في حي سيدي مؤمن بالدارالبيضاء حين سأله مراسل "إسلام أون لاين.نت" إن كان يعتزم التوجه لمركز الاقتراع الجمعة المقبل. دخل بعدها لزقاق ضيق يفصل بين بيوت صغيرة مشيدة من خليط من الحجارة والصفيح أشبه بالأكواخ، ثم سرعان ما اختفى. الإجابة تنطق بشيوع حالة من الغضب وفقدان الثقة في المرشحين ووعودهم بين سكان كاريان (حي عشوائي) سيدي مؤمن الفقير، خاصة أحياء "دوار طوما" و"السكويلة" التي اشتهرت إعلاميا داخل وخارج المغرب بكونها "مفرخة للانتحاريين"، عقب محاولات التفجير الفاشلة في المغرب خلال شهري مارس وإبريل الماضيين. أما البيوت والأكواخ فتنطق بظروف العيش البائسة بتلك المناطق المزدحمة التي لا يزال سكانها يستعملون القنينات في نقل الماء من "العوينة" (السواقي الجماعية)، ويعيشون في منازل غير لائقة للسكن تحيط بها أكوام مترامية من القمامة. جولات خاطفة ولا يكثر المرشحون من الزيارات والجولات في كاريان سيدي مؤمن الواقع ضمن دائرة البرنوصي الانتخابية بالدارالبيضاء، وعادة يفضلون إيفاد مندوبيهم لتوزيع المنشورات الانتخابية على السكان في "لمح البصر"، ولا يتبادلون معهم سوى القليل من الكلمات، على حد وصف أحد السكان. "تشعر كأنهم يخشون السكان أو أنهم ينفرون من المكان ويريدون إنجاز مهمتهم الثقيلة في أسرع وقت".. يعلق ساكن رفض الإفصاح عن هويته. وفي أثناء تواجد مراسل "إسلام أون لاين. نت" قرابة الساعتين بالحي، تصادف أن قدم مرشحو لائحة حزب الاستقلال يجوبون أزقة دوار الطوما، وكانوا بالفعل يوزعون منشوراتهم على عجل. مرور مرشحي الحزب أمام عربة متواضعة مخصصة لبيع الأكل الخفيفة الشعبية (بُوكَادِيُّوسْ) دفع بائع الطعام للتعليق قائلاً: "في كل انتخابات يعدوننا بنقلنا من هذا المكان أو على الأقل بتحسين ظروفنا المعيشية، لكن لا شيء ينفذ ولا نراهم أصلا إلا في مناسبة الانتخابات". وختم قائلا: "الناس هنا لا تثق في أحد، والغالبية العظمى لن تصوت". التصويت السلبي الاحتجاج الصامت على الانتخابات ستكون وسيلة أخرى لشباب دوار طوما الذي يشكل طلبة الجامعة به نسبة قليلة. أحدهم الطالب مرابط أحمد الذي اتفق هو وزميله خالد مزداك الطالب بكلية الحقوق على التوجه لمركز الاقتراع، ولكن للتصويت السلبي. وعن هذا يقول مرابط: "ستكون رسالة احتجاج صامتة.. لن نضع أي علامة على أي مرشح"، مشيرًا إلى أن "عشرات الشباب المتعطل هنا سعوا للانخراط في حملات الأحزاب أملا في الحصول على بضعة دراهم". وينتقد "تدني مستوى بعض المرشحين على بعض اللوائح كسائق التاكسي"، ويعتبره: "ليس كفؤا ليدافع عن الحقوق في البرلمان". أما خالد مزداك فيقول بلهجة تنضح بسخرية مريرة: "لم يعقد هنا تجمع انتخابي واحد، وإن كنا نلتمس العذر للسادة المرشحين؛ لأنه لا يوجد أصلا مكان يصلح لتنظيم ملتقى انتخابي". ويضيف باللهجة ذاتها: "الدعاية الانتخابية لها خصوصيتها في دوار طوما؛ فأنصار الأحزاب لا يتحدثون معك إلا بهذه الجملة السريعة: خذ ورقة.. صوت على المرشح الفلاني.. مع السلامة، دون أن يوضح برنامج الحزب وهدف المرشح من الترشيح". ويتنافس في دائرة البرنوصي - سيدي مؤمن 18 حزبا على 3 مقاعد، وتعتبر أحزاب "العدالة والتنمية" والاستقلال والاتحاد الاشتراكي وتحالف اليسار الموحد والتجمع الوطني للأحرار من أبرز المتنافسين. وفي تصريح ل"إسلام أون لاين.نت"، يؤكد جمال الدين مصطفى مستشار (عضو مجلس بلدي) بمقاطعة سيدي مؤمن عن حزب الاستقلال أن "القضاء على البطالة والتخفيف من الضرائب والقضاء على البناء العشوائي كلها أمور تأتي على رأس أولويات الحزب؛ لأننا ندرك جيدا أن الإرهاب الذي فرخ الانتحاريين هنا سببه البطالة". ولم تعد تلقى مثل تلك الوعود صدى لدى سكان المنطقة؛ فالكل يجمع على أنها مجرد "حبر على ورق". ويقول أحدهم: "قبل أن يطالبوا بتوفير العمل فليدبروا لنا الطعام، كثير منا لا يجد قوت يومه". مشغولون باللقمة من جانبها تستثني "خديجة" التي تعمل في نسج الملابس وخياطتها داخل حانوت صغير مصنوع بالخشب والقصدير في كريان السكويلة، مرشحي بعض الأحزاب كالعدالة والتنمية وتحالف حزبي "العهد" و"الوطني الديمقراطي" من الوعود الوهمية، مبررة ذلك بقولها: "شعرت أنهم جادون ومتعاطفون معنا بإخلاص وليسوا من أصحاب المصالح الشخصية". وبرغم شعور خديجة هذا فإنها لا تفكر أيضا في التصويت قائلة: "مشغولون بتوفير لقمة أبنائنا ومشاكلنا لا تنتهي من غياب للأمن وظروف عيش قاسية، وأضيف إليها مؤخرا الاعتقالات التي طالت الكثير من أبناء الحي" عقب تفجيرات الدارالبيضاء الأخيرة. واعتقل عدد كبير من شباب المنطقة ينتمون لأكثر من 150 عائلة بحسب تقديرات الأهالي. وجاءت هذه الاعتقالات في سياق تفكيك خلايا "السلفية الجهادية" التي حملتها السلطة مسئولة سلسلة محاولات التفجيرات الأخيرة، فيما يعتبر ذوو المعتقلين أن ما حدث لأبنائهم "ظلم" وأنهم غير متورطين في أي أعمال إرهابية. ويضم كاريان سيدي مؤمن نحو 20 حيا صفيحيا صغيرا أهمها: "سيدي مؤمن القديم"، مرورًا بكاريان "دوار طوما"، و"السكويلة" و"المنزه"، وانتهاء ب"زرابة" و"راي" و"مزاب" و"الغالية". وأطلقت الرباط منذ نحو العام مشاريع لنقل سكان الأحياء العشوائية المنتشرة وسط وحول الدارالبيضاء -وفي مقدمتها حي سيدي مؤمن- إلى أحياء أخرى لائقة، غير أن ما يبطئ من وتيرة هذه المشاريع هو مطالبة السلطات للأهالي بتدبير ما يعادل 8 آلاف دولار لتمليكهم قطعة أرض والبناء عليها، في الوقت الذي يزداد فيه عدد سكان هذه المناطق. وزاد عدد المساكن الصفيحية في دوار السكويلة من 3200 في سنة 1984 إلى 20 ألف حاليا، بحسب إحصائيات رسمية.