حرص قياديو حزب العدالة والتنمية المغربي على توجيه العديد من رسائل الطمأنة إلى الأطراف السياسية المغربية والغربية المعنية بالتجربة الإسلامية المغربية، في الوقت الذي تزداد فيه توقعات المراقبين بأن يحقق الحزب المرتبة الأولى في اقتراع الجمعة، ولا تستبعد أن يكلف الملك محمد السادس زعيم الحزب بتشكيل الحكومة ليصبح أول رئيس وزراء "إسلامي" في تاريخ المغرب. ويوضح مصدر بارز وواسع الاطلاع في محيط الحزب لإسلام أون لاين.نت أن العدالة والتنمية يرسل منذ عدة أشهر وصولا للحملة الانتخابية الحالية "رسائل طمأنة" إلى القصر وكافة القوى السياسية المغربية بجانب القوى الغربية الرئيسية بشأن توجهاته وسياساته في حال ترأس الحكومة المقبلة. ويعدد المصدر الذي فضل عدم الكشف عن هويته "رسائل الطمأنة" قائلا: تبدأ بتصريحات قياداته المتواترة التي تؤكد أنه حزب يحترم القوانين والدستور وسلطة الملك، بجانب تلميحات هؤلاء القادة إلى أنه لا يمكن أن يسعى لأي تغيير ينظر إليه على أنه "أسلمة للمجتمع" إلا عبر الملك وبموافقته باعتباره "أمير المؤمنين"، وهو ما يجعله معنيا بكل ما يتعلق بالشريعة. خوف وتخويف وسبق لسعيد الأكحل، الباحث السياسي وأحد خصوم العدالة والتنمية، أن صرح في حوار مع إسلام أون لاين.نت بأنه "لا داعي للخوف أو التخويف من حزب العثماني، على اعتبار أن سلطات التغيير الحقيقي هي بيد الملك، أما الأحزاب فمهما كانت معتدلة أو متطرفة فهي لن تحدث زلزالا يهز أمن البلاد". وتعددت أيضا، كما يشير المصدر البارز في محيط العدالة والتنمية تصريحات قادة الحزب التي تؤكد "انفتاحهم على جميع القوى السياسية والمواطنين المغاربة بغض النظر عن ديانتهم أو أفكارهم". وأكد العثماني في حوار صحفي مؤخرا أن "أبواب العدالة والتنمية مفتوحة أمام اليهود المغاربة للانخراط بداخله". وجاءت أحدث هذه الرسائل في هذا الاتجاه من عبد الإله بنكيران، القيادي البارز بالحزب، قبل يومين خلال تجمع انتخابي بمدينة فاس حين ألمح إلى أن الحزب "لن يقوم مقام الدولة" ولا يهدف إلى تطبيق الحدود الشرعية، وأعطى مثلا على ذلك بشارب الخمر قائلا: "من أراد أن يثمل فليغلق عليه بابه ولا يؤذي الناس بما يفعله". لا دكتاتورية إسلامية وعكست ترشيحات الحزب (عدم اختيار الأئمة والفقهاء قدر الإمكان) للتشريعيات وتكتيكات حملته الانتخابية رسالة طمأنة أخرى لخصومه مفادها أنه لا يسعى لفرض "دكتاتورية إسلامية"، كما يقولون. وتجلى ذلك أيضا في حرصه الشديد على تجنب الخطاب الديني في حملته الانتخابية، وعلى استخدام المساجد في الدعاية والتركيز عوضا عن ذلك على الخطاب الأخلاقي كأهمية مكافحة الفساد والنزاهة المطلوبة في العمل العام، وهو ما يسهم في تقديم نفسه كحزب "سياسي محترف"، وفقا للمصدر نفسه. كما عكس برنامج الحزب – كما يشير المصدر - الذي يولي أهمية لحل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية قناعات الحزب ومفهومه الخاص للشريعة، والذي يدعو إلى إعطاء الأولوية لإصلاح أحوال وظروف المجتمع، كإصلاح القضاء مثلا، وليس لفرض ضوابط على الأشخاص كمنع شرب الخمر. وتنطلق هذه القناعة من رؤية للحزب مفادها أن هذه النقطة الأخيرة (تطبيق الحدود) يمكن تأجيلها لمرحلة لاحقة، باعتبار أن هناك ما هو أهم منها (المجتمع كله)، كما يوضح الخبير السياسي بالحزب عبد العالي حامي الدين لإسلام أون لاين.نت. ويلفت المصدر البارز في دائرة العدالة والتنمية إلى أن رسائل الطمأنة "ليست وليدة اليوم وإنما بدأت مبكرا" بعد دخول الحزب للبرلمان بعدد أكبر من النواب في تشريعيات 2002 (42 نائبا مقابل 9 مقاعد عام 1997)، حين وافقت قيادة الحزب على مطلب وزارة الداخلية عدم ترشيح القيادي مصطفى الرميد على رأس الكتلة النيابية للحزب، على خلفية ما تعتبره الداخلية "مواقفه المتشددة". ومن مواقف الرميد التي تثير تحفظات المسئولين الرسميين، دعوة الرميد إلى إصلاح دستوري جذري يقلص من سلطات الملك، في اتجاه تعزيز سلطات الحكومة والبرلمان. ولم يتضمن برنامج الحزب لانتخابات 2007 هذه الدعوة بشكل صريح. وترتب على مواقف الرميد، عدم حضوره اجتماعات الأمانة العامة للحزب احتجاجا على قراراتها التي يقول الرميد إنها تؤثر سلبا على مصداقية الحزب وصورته أمام المواطن المغربي. طمأنة للخارج وامتدت رسائل الطمأنة أيضا على الصعيد الخارجي، خصوصا القوى الغربية. وتجلى ذلك في قيام العثماني قبل أربعة شهور بزيارات متنوعة إلى كل من أوروبا والولايات المتحدة وجه خلالها "رسائل الطمأنة" هذه. كما استقبل العديد من الناشطين السياسيين والاقتصاديين الغربيين بمقر الحزب بالرباط؛ وكانت دوما رسالته الرئيسية هي أن "الحزب هو تيار سياسي منفتح ومحترف لديه مرجعية إسلامية ولكن هذا لا يعني الخوف منه". وتخلص بوجه عام معظم الدراسات البحثية الأمريكية بالذات التي صدرت خلال الشهور القليلة الماضية إلى أن دخول "الإسلاميين المعتدلين" مجال تدبير الشأن العام أمر ضروري لقطع الطريق على التيارات المتطرفة. وفي ضوء رسائل الطمأنة هذه، لا يستبعد متتبعون لملف العدالة والتنمية أن يعطي الملك محمد السادس الضوء الأخضر لمشاركة العدالة في الحكومة المقبلة، في حال حقق المرتبة الأولى. --------------------------------------------------- نائب رئيس نطاق الأخبار والتحليلات - القسم العربي، بموقع إسلام أون لاين. نت.