ما إن أظهرت النتائج شبه النهائية فوز حزب الاستقلال الحاكم ذي الجذور التاريخية بالمركز الأول في الانتخابات التشريعية متخطيا حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي المعارض الذي كانت ترشحه كل التوقعات والاستطلاعات لهذه المرتبة، حتى عمّت مظاهر الفرحة المقر الرئيسي للحزب واستمرت طوال مساء السبت. ووسط هذه المظاهر، تحدث عبد الله البقالي، عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، بلغة المنتصر في مقابلة خاصة مع "إسلام أون لاين.نت"، فلم يعطِ جوابًا حاسمًا عن خيارات الحزب بشأن التحالف الحكومي الذي يفترض أن يجري مشاورات بشأنه في الأيام المقبلة. وتصدر الاستقلال، المعروف عنه إجادة اللعبة الانتخابية، نتائج الانتخابات بفوزه ب52 مقعدًا مقابل 47 للعدالة والتنمية؛ وهو ما يعني أنه بحاجة لائتلاف مع أحزاب تحظى بأكثر من 110 مقاعد لكي يضمن الأغلبية في البرلمان. وفيما رجَّح البقالي أن يستمر الائتلاف الحاكم الحالي المكون من 5 أحزاب في ضوء "الميثاق" الذي أبرمه مع اثنين من أحزاب الائتلاف (الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتقدم والاشتراكية اليساريين)، والذي يقضي بالالتزام بموقف موحد من المشاركة في الحكومة المقبلة والتنسيق بشأنها. وإذا كان الاتحاد الاشتراكي -صاحب أعلى المقاعد في 2002 والذي تراجع للمرتبة الخامسة في اقتراع الجمعة الماضي بحصوله على 36 مقعدًا- كان يقود هذا التحالف في الفترة الماضية (2002 - 2007) واستحوذ على أكبر عدد من المناصب، فإن الوضع اختلف بعد نتائج الجمعة. ويلمح البقالي إلى ذلك قائلا: "لهذه المرحلة دقة وخصوصية". كما يلمح إلى استبعاد "منطقي" للتحالف مع حزب العدالة والتنمية، رغم اشتراكهما معا في المرجعية الإسلامية، فإنه لم يغلق الباب تماما، بل اعتبر الأمر واردًا وقائمًا، ولكن وفق شروط الاستقلال. وبوجه عام، يرى المراقبون أن للقصر دورًا مهمًّا في توجيه التحالفات الحكومية عن بعد. وفيما يلي نص المقابلة: كيف استقبلتم الإعلان ما قبل النهائي لنتائج انتخابات 7 سبتمبر 2007 والتي حصلتم فيها على المرتبة الأولى؟. لقد كنا في حزب الاستقلال على يقين أننا سنحظى بموقع متقدم في الحصيلة الانتخابية الحالية، نحن واثقون في برامجنا وفي مرشحينا وفي المساطر الديمقراطية التي تم اعتمادها داخليا على مستوى الحزب، أيضا واثقون من قوة البنية التنظيمية لحزب الاستقلال على مواجهة كافة الاستحقاقات وتحمل كافة الصدمات، حينما تنطلق ببنية تنظيمية وبلياقة بدنية ممتازة من المؤكد أنك ستكون من أكبر المحظوظين ومن أكثر المؤهلين لكسب هذا الرهان. هذه النتيجة نعتبرها في شكل من الأشكال طبيعية ولا تمثل أية مفاجأة بالنسبة لنا. * ولكن مختلف استطلاعات الرأي الدولية والوطنية أشارت إلى أن حزب العدالة والتنمية سيحصد أكبر عدد من المقاعد، كيف تعلقون على إخفاق هذه الاستطلاعات؟ - والله نحن أدرنا ظهورنا لاستطلاعات الرأي ولكلام الصحف التي كانت تستبق النتائج وكانت تنوب عن الناخبين في اختيار المرشحين وفي اختيار ممثلين لهم من الأحزاب المشاركة. لم نعطِ هذا الموضوع أي اهتمام يذكر، وركّزنا على الاستعداد لخوض الحملة الانتخابية بتوفير كافة شروط النجاح. ولو كنا أولينا هذه الاستطلاعات اهتمامًا منا لكنا وقعنا في الفخ الذي حاولت أن ترسمه بعض الجهات الخارجية والداخلية. نحن نعتبر انتخابات 7 سبتمبر شأنا داخليا ونعتبر العملية الانتخابية شأنا مغربيا، وبالتالي لا نعتقد أنه من حق أي جهة كيفما كانت ولو كانت الإدارة الأمريكية أن يكون لها حق التدخل في هذا الشأن الداخلي. * هل تتوقعون مزيدًا من المقاعد عند الإعلان النهائي للنتائج الانتخابية مساء الأحد؟ - يمكن أن تحدث بعض الإضافات البسيطة جدا، ولكن النتيجة لن تتغير بصفة عامة. ونحن نعتبر أن النتيجة التي حققناها هي كافية للتأكيد على أن الأمر يتعلق هذه المرة ومن جديد بتعاقد قوي ومتين بين الشعب المغربي وحزب الاستقلال. تعاقد له مرجعية تاريخية، تعاقد له شرعية حاضر، وأيضا تعاقد له شرعية الأمل في المستقبل. * على ذكر المرجعية التاريخية لحزب الاستقلال يعتبر كثيرون أن الحزب قاعدته الأساسية من المسنين هي التي تصوت عليه ويفتقر إلى الفئة الشابة التي غابت عن استحقاق 2007. ما تعليقكم؟ - لقد حصلنا على هذه النتيجة بفضل المسنين وبفضل الشباب وبفضل المرأة. ثم إن حزب الاستقلال استعد بما فيه الكفاية للدخول في هذه الحملة، ويجب أن نستحضر بعض المؤشرات: أولا حزب الاستقلال الذي يقولون عنه إنه حزب محافظ أو يميني أو سلفي وغيرهما من النعوت بمعناها القدحي كان هو الحزب الأول من حيث ترشيح المرأة في اللوائح الانتخابية، وكان هو الحزب الأول من حيث ترشيح الشباب في اللوائح الإقليمية، كان هو النموذج الوحيد في إعمال الديمقراطية على المستوى المحلي في اختيار المرشحين. وبالتالي الحزب حينما يدخل بهذه التحضيرات والاستعدادات أعتقد أن تعليق الصحف الأخرى يصبح شيئا ثانويا؛ لأن الحصيلة تأكدت على زراعة شيء أساسي وليس على الوهم. * من ضمن عدد المرشحين المنتخبين لحزب الاستقلال كم تقدرون نسبة الشباب ضمنهم؟ - نتمنى أن يكون أصغر نائب في البرلمان الجديد من ضمن حزب الاستقلال. ونحن الآن لا نتوفر على إحصائيات دقيقة، ولكن علينا أن نقر أننا الحزب الوحيد الذي رشح ثلاثة وزراء شباب نجحوا بثلاثتهم، ونحن الحزب الوحيد الذي ترشح وهو ينتمي إلى الأغلبية وحقق مقاعد أكثر من التي كان يتوفر عليها في الولاية التشريعية السابقة. وبالتالي كل هذه مؤشرات يجب أن يقف عليها المراقبون ويستقرئوها في العمق. * مع سقوط رموز كبيرة من حزب الاتحاد الاشتراكي حليفكم التقليدي، هل هناك حديث في أروقة حزب الاستقلال القيادية بعد هذا الإعلان الأولي عن إمكانية استمرار هذا التحالف؟ - نحن نعتمد في ترجيحاتنا على وثائق موقعة في هذا الموضوع (الميثاق)، ولكن لهذه المرحلة دقة وخصوصية، وأجهزة الحزب وأجهزة أحزاب الكتلة الديمقراطية هي بصدد عقد اجتماعات مفتوحة الآن، وأعتقد أننا سننجح في تدبير المرحلة المقبلة إن شاء الله. * هل تحالفكم مع حزب العدالة والتنمية ممكن؟ - مستبعد لحد الآن من الناحية المنطقية، إلا إذا ظهر مؤشر ما يمكن أن يمثل دافعا قويا لتحول جذري في هذا الاتجاه. فنحن نستند كما سبقت الإشارة إلى مراجع ووثائق على هذا المستوى، ولكن كما قلت في نفس الوقت أجهزة الحزب ستدبر بما يكفي من حكمة وحنكة هذه المرحلة الدقيقة. * ما هي في نظركم هذه المؤشرات التي يمكن أن تغير وجهات نظركم؟ - نحن نمارس السياسة ويمكن لأي متغير أن يطرأ في أية لحظة من الزمن السياسي. ولذلك فنحن لا يمكن أن نحكم على المستقبل القريب، هناك اتفاقات داخلية داخل أجهزة أحزابنا، وهناك أعراف وهناك منهجية ديمقراطية، وأعتقد أنه إذا ما استوفيت هذه الشروط فإن تدبيرنا لهذه المرحلة سيكون من السهل. * لكن الأستاذ عبد الحق التازي أحد قادة الحزب كان في تصريح سابق له ألمح إلى إمكانية التحالف مع العدالة والتنمية؟ - الأستاذ التازي تحدث عن تحالف مشروط، نحن لدينا برنامج ولدينا انتماء، وإذا أراد أي جانب آخر أن يقبل هذه الشروط وأن يندمج في إستراتيجية تحالفات معينة أعتقد حينها أن الباب سيبقى مفتوحا، وأعتقد أنه إذا كان النقاش على هذا المستوى فكل شيء وارد. * هل لديكم تصور لسيناريو الحكومة المقبلة؟ - الأمر لا يتعلق بتكهن نحن نتمنى أن تكون الحكومة المقبلة مشكلة بأقل عدد ممكن من التشكيلات السياسية؛ فتعدد التشكيلات السياسية يضعف العمل الحكومي ويضعف إدارة وتدبير المرحلة المقبلة. * هل ستقبلون بوزير أول من أحزاب أقل منكم في عدد المقاعد؟ - نحن أناس ننتمي إلى الدستور ونؤمن به، والفصل الرابع والعشرون يعطي لجلالة الملك حق تعيين الوزير الأول دون أن يحدد هذا الفصل أي شروط، وحينما نتفق على الدستور ونصوت عليه لا يمكن أن نرفض الجزء الذي لا نقبله ويتماشى مع مبادئنا ونقبل ما يناسبنا. نحن مع جلالة الملك فيما سيقدم عليه، وطبعا المرحلة الثانية تتطلب مفاوضات واتصالات ومشاورات سنتغلب عليها بحول الله. * سؤال أخير ما هو تقييمكم للعملية الانتخابية الحالية بصفة عامة؟ - العملية الانتخابية برمتها كانت أقل من التجارب الماضية، نحن الآن أمامنا نسبة مشاركة واقعية وتخلصنا من أرقام الوهم التي كانت ترفع نسبة المشاركة إلى 99%، في الوقت الذي كانت فيه متدنية للغاية في الحقيقة. أيضا تدني نسبة المشاركة يجب أن نقرأه من جانب آخر، وهو أنه حينما كانت تفتح مكاتب التصويت في التجارب سابقة في الساعة الثامنة صباحا كانت طوابير طويلة جدا من الناخبين مصطافة أمام المكاتب، هذه الطوابير كانت مدفوعة الثمن، وحينما قل استعمال المال ولا أقول انعدم استعماله ضعفت نسبة المشاركة. أيضا علينا أن نقرأ هذه النسبة للمشاركة بما ألقاه الماضي علينا من مخلفات، فيجب ألا نطلب من الناخب المغربي أن ينتقل من مرحلة الفساد المطلق وانعدام الثقة المطلقة ومن التذمر والتشاؤم إلى مرحلة كلها تفاؤل وإقبال، ونحن بحاجة إلى مراكمة تجارب ترجع الثقة بشكل تدريجي إلى المواطن المغربي.