هل يفعلها الفريق المجري ويُؤهل عربات القطارات المُتهالكة!    رفض الإفراج عن المدير العام الأسبق للمصالح المختصة بالداخلية    سوسة: الاحتفاظ برئيس المجلس البلدي المنحل والكاتب العام للبلدية    عاجل/ الاحتفاظ برئيس بلدية سابق و موظف من أجل شبهة..    عاجل/ اعفاء هذا المسؤول الجهوي..    عاجل/ تأجيل دربي العاصمة..    القصرين: بطاقة إيداع بالسجن في حق شخص طعن محامٍ أمام المحكمة    تونس تشهد موجة حر بداية من هذا التاريخ..#خبر_عاجل    غار الدماء...90 إطارا طبيا وشبه طبي يؤمنون 300 عيادة طبية لسكان منطقة القلعة    الوردانين : إعلام هام للعموم من الشركة التونسية للكهرباء والغاز    دارالثقافة عبد الحكيم عبد الجواد بقصيبة المديوني...اختتام الفعاليات الثقافية «سيدي المديوني: أثر وعبر»    مسيرة فنية حافلة بالتنوّع والتجدّد...جماليات الإبدالات الإبداعية للفنان التشكيلي سامي بن عامر    مهرجان ريم الحمروني للثقافة بقابس.. دورة الوفاء للأثر الخالد    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    قبلي ...ملتقى سفراء البيئة والعمل التطوعي في سوق الأحد    الجزائر تتوقع محصولا قياسيا من القمح    بطولة ايطاليا المفتوحة: قارورة مياه تصطدم برأس ديوكوفيتش أثناء توقيع التذكارات    طقس السبت: ارتفاع طفيف في درجات الحرارة    سحق الإفريقي برباعية: المنستيري يُشعل المنافسة    عاصفة شمسية شديدة تضرب الأرض للمرة الأولى منذ 2003    أمير الكويت يعلن حل مجلس الأمة وتعليق العمل ببعض مواد الدستور    بعيداً عن شربها.. استخدامات مدهشة وذكية للقهوة!    تونس تشدّد على حقّ فلسطين في العضوية الكاملة في منظمة الأمم المتّحدة    بايدن يخطئ مجددا و"يعين" كيم جونغ رئيساً لكوريا الجنوبية    النادي الإفريقي.. القلصي مدربا جديدا للفريق خلفا للكبير    إقالة مدير عام وكالة مكافحة المنشطات وإعفاء مندوب الرياضة ببن عروس    بالفيديو: سعيّد: هذا تقصير وسيحاسب الجميع حتى المسؤولين الجهويين    لأول مرة/ الاتحاد البنكي للتجارة والصناعة يشارك في دعم النسخة 18 من دورة "كيا" تونس المفتوحة للتنس..(فيديو)    بنزرت...بتهمة التدليس ومسك واستعمال مدلّس... الاحتفاظ ب 3 أشخاص وإحالة طفلين بحالة تقديم    مفتي الجمهورية يحسم الجدل بخصوص أضحية العيد    حالتهما حرجة/ هذا ما قرره القضاء في حق الام التي عنفت طفليها..#خبر_عاجل    المسابقة الأوروبية الدولية بجنيف: زيت الزيتون 'الشملالي' يفوز بميدالية ذهبية    الكريديف يعلن عن الفائزات بجائزة زبيدة بشير للكتابات النسائية لسنة 2023    عاجل/ الأمم المتحدة: 143 دولة توافق على عضوية فلسطين    قليبية : الكشف عن مقترفي سلسلة سرقات دراجات نارية    في تونس: الإجراءات اللازمة لإيواء شخص مضطرب عقليّا بالمستشفى    عاجل/ إندلاع حريقين متزامنين في جندوبة    البنك المركزي التركي يتوقع بلوغ التضخم نسبة %76    رادس: إيقاف شخصين يروجان المخدرات بالوسط المدرسي    كاس تونس (الدور ثمن النهائي) : تقديم مباراة نادي محيط قرقنة ومستقبل المرسى الى يوم الجمعة 17 ماي    وزير السياحة يؤكد أهمية إعادة هيكلة مدارس التكوين في تطوير تنافسية تونس وتحسين الخدمات السياحية    الأمطار الأخيرة أثرها ضعيف على السدود ..رئيس قسم المياه يوضح    نرمين صفر تتّهم هيفاء وهبي بتقليدها    لهذه الأسباب تم سحب لقاح أسترازينيكا.. التفاصيل    خطبة الجمعة .. لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما... الرشوة وأضرارها الاقتصادية والاجتماعية !    أنس جابر في دورة روما الدولية للتنس : من هي منافستها ...متى و أين ؟    إتحاد الفلاحة : '' ندعو إلى عدم توريد الأضاحي و هكذا سيكون سعرها ..''    منبر الجمعة .. الفرق بين الفجور والفسق والمعصية    أضحية العيد: مُفتي الجمهورية يحسم الجدل    عاجل/ مفتي الجمهورية يحسم الجدل بخصوص شراء أضحية العيد في ظل ارتفاع الأسعار..    عاجل/ هجوم مسلح على مركز للشرطة بباريس واصابة أمنيين..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    المغرب: رجل يستيقظ ويخرج من التابوت قبل دفنه    دراسة: المبالغة بتناول الملح يزيد خطر الإصابة بسرطان المعدة    نبات الخزامى فوائده وأضراره    تظاهرة ثقافية في جبنيانة تحت عنوان "تراثنا رؤية تتطور...تشريعات تواكب"    قابس : الملتقى الدولي موسى الجمني للتراث الجبلي يومي 11 و12 ماي بالمركب الشبابي بشنني    سليانة: تنظيم الملتقى الجهوي للسينما والصورة والفنون التشكيلية بمشاركة 200 تلميذ وتلميذة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا هذه الهوّة بين خطاب الحكومة وواقع المواطن ؟
نشر في الوسط التونسية يوم 08 - 02 - 2008

مثل كل سنة، يكثر الحديث موسميا بين التونسيين عن غلاء الأسعار والتهابها، سواء كان ذلك بمناسبة العودة المدرسية أو مع قدوم شهر رمضان الكريم والعيد، إلا أن توافق الحدثين هذه السنة، إضافة إلى الزيادات في أسعار عدد من المواد الغذائية في الصائفة الأخيرة، جعل من قضية الأسعار موضوع الساعة الذي تحدثت عنه أغلب وسائل الإعلام المكتوبة في الفترة الأخيرة، ولكن السؤال المزمن الذي يبقى مطروحا باستمرار على خلفية كل التقارير الميدانية هو: لماذا لا تعكس تصريحات الحكومة الإحساس العام عند قطاع كبير من التونسيين بانخفاض مقدرتهم الشرائية ؟
الأكيد هو أنه خلافا لما يدور من حديث في الشارع التونسي، فإن الخطاب الحكومي، لا يتخلى عن مسحة الإفراط في التفاؤل والزهو التي تميزه منذ سنوات، حيث جاء منذ أيام في مقال نشرته إحدى الصحف القريبة من الحكومة، ما معناه "أن السياسة المتبعة في مجال السيطرة على الأسعار ساهمت في دعم المقدرة الشرائية حيث انحصر مؤشر أسعار الاستهلاك في حدود 1.3 في العشرية الأخيرة وهي نسبة أقل ما يقال عنها أنها نسبة يصعب تحقيقها في أماكن أخرى". مما يجعلنا نتساءل هل يسمح هذا المؤشر، فعلا، باعطاء صورة حقيقية عن مستوى عيش كل التونسيين و مقدرتهم الشرائية؟
إن أهم أسباب محدودية مؤشر الأسعار عند الإستهلاك، هي أن توزيع أبواب الإنفاق في عملية حساب هذا المؤشر، ونسبة كل باب منها إلى إجمالي ميزانية العائلة، هو توزيع قائم على معدلات نسبية، ولا يعكس حقيقة استهلاك عدد كبير من العائلات التونسية، فعملية احساب المؤشر لا تأخذ بعين الإعتبار مبالغ الإيجار السكني إلا في حدود نسبة 4.2 بالمائة، وهو ما يعني أننا إذا طبقنا هذه النسبة على عائلة مكونة من ستة أفراد يبلغ دخلها الشهري 290 دينار (وهي للتذكير تنتمي إلى الطبقة الوسطى حسب التقسيم الحكومي) فإن تسويغ محل سكنى للأفراد الستة سيتكلف حوالي 12 دينار فقط شهريا، فيما سيتكلف طبقا لنفس النسبة حوالي 82 دينار فقط شهريا لعائلة مكونة من نفس العدد من الأفراد يبلغ دخلها الشهري 2000 دينار وهي أرقام خيالية بكل المقاييس. مما يجعل من المستحيل تطبيق هذا المؤشر- على الأقل في باب الإنفاق السكني- على 352 ألف عائلة لا تمتلك محلات سكناها بل تأجرها وتمثل 16.3 بالمائة من مجمل العائلات التونسية.
أما إذا طبقنا توزيع أبواب الإنفاق الذي يعتمده مؤشر الأسعار عند الإستهلاك على الجانب الغذائي فإنه سيكون على فرد ينتمي إلى عائلة من ستة أفراد يبلغ دخلها 290 دينار شهريا (وهي للتذكير تنتمي إلى الطبقة الوسطى حسب التقسيم الحكومي) أن ينفق على أقصى حد مبلغ دينارين اثنين و600 مليم على مجمل باب مشتقات الحبوب خلال مدة شهر كامل (أي أن أقصى ما يستهلكه هذا المواطن من جميع مشتقات الحبوب يعادل حوالي 85 غرام من الخبز في اليوم)، وهو تقدير خيالي، حتى إذا طبقنا طريقة الحساب هذه على عائلة يبلغ دخلها ثلاثة أضعاف الدخل المذكور.
مما يعني أن تطبيق المؤشر على هذه الفئة، أيضا، أمر مستحيل، وبالتالي لا يمكن اعتبار هذا المؤشر كمعطى مباشر لتحديد مستوى عيش كل التونسيين أو مقدرتهم الشرائية. حيث أن نسبة أبواب الإنفاق من مجمل ميزانيات الأسر يختلف حسب الشرائح الإجتماعية للأسر وحسب مستوى دخل كل منها. حيث أنه من البديهي أن ارتفاع أسعار باب من أبواب الإنفاق، لا يكون له نفس التأثير على المقدرة الشرائية لعائلة تخصص له 50 بالمائة من ميزانيتها وعائلة أخرى تخصص له 30 بالمائة من مجمل إنفاقها.
هذا إضافة إلى أن العادات الإستهلاكية تتغير باستمرار، وبسرعة، خاصة مع ارتفاع نسق التطور التكنولوجي، والارتفاع المطرد للنسبة التي يخصصها التونسيون للاتصالات مثلا، يجعل من تحيين النسب المعتمدة بصفة دورية أمرا ضروريا.
أما الجانب الثاني في قياس تطور أو تراجع المقدرة الشرائية، فهو مقارنة تقدم مستوى الأسعار مع ارتفاع مستوى الأجور، فنحن إذا قارنّا ارتفاع الأجر الأدنى المضمون (نظام ال48 ساعة) مع ارتفاع أسعار الأبواب الأساسية في انفاق الأسر المتوسطة وضعيفة الدخل بين سنتي 2001 و2004 لوجدنا أنه في حين ارتفع الأجر الأدني المضمون ب 11.30 بالمائة فقط فإن سعر الخبز ارتفع ب 14.8 بالمائة لنفس الفترة، كما ارتفع سعر السميد ب 21.73 بالمائة، وارتفع سعر الكسكسي ب15.27 بالمائة في حين ارتفع سعر اللحم الضان ب 19.12 بالمائة و اللحم البقري ب 25.5 بالمائة والزيت المخلوط ب 26.73 بالمائة أما الطماطم فقد ارتفع سعرها ب 56.87 بالمائة لنفس الفترة في حين ارتفع سعر الكراس ب50 بالمائة. وذلك دائما حسب أرقام الحكومة.
إن هذه المقارنة تبين بوضوح التفاوت الكبير بين معدل ارتفاع الأجر الأدنى المضمون وارتفاع أسعار عدد من المكونات الأساسية لسلة إنفاق الطبقات المتوسطة والفقيرة، مما يقترب أكثر من واقع معاناة المواطنين، ومن إحساسهم بتراجع قدرتهم الشرائية خلافا لما يروج له الخطاب الحكومي منذ سنوات، كما تعطي هذه المقارنة انطباعا مختلفا تماما عن ذاك الذي يعطيه مؤشر الأسعار عند الإستهلاك.
إن مثل هذا الوضع يدفع باستمرار أعدادا كبيرة من المواطنين إلى التساؤل حول أسباب الهوة الواسعة بين الخطاب الحكومي من جهة وواقعهم اليومي، ومعاناتهم الحقيقية من ارتفاع الأسعار من جهة أخرى؟ إن واحدا من أهم هذه الأسباب هو أن استخلاصات الحكومة من خلال الأرقام الإحصائية لا تأخذ بعين الإعتبار حقيقة التفاوت الكبيروالمتنامي، سواء على مستوى الدخل أو على مستوى الإنفاق، بين قطاع كبير من العائلات الفقيرة والمتوسطة من جهة وقطاع محدود من العائلات الغنية من جهة أخرى.
حيث يمكننا أن نذكر على سبيل الملاحظة أنه في حين أعلن رئيس الجمهورية في خطابه بمناسبة عيد الجمهورية أن متوسط الدخل الفردي قد ارتفع إلى أربعة آلاف دينار سنويا،( أي أن متوسط دخل كل التونسيين يبلغ 4000 د) فإن متوسط إنفاق الفرد سنويا، بالنسبة ل 92.6 بالمائة من السكان لا يتجاوز عتبة الألف و300 دينار للفرد سنويا، وهو ما يدل على تفاوت كبير ويبيّن بشكل ملموس أن المعدلات واللأرقام الاقتصادية الكلية (macro économiques ) لا تعكس بالضرورة مستوى معيشة المواطن، وهو أمر لا نتصور للحظة أن الحكومة تجهله. وهو ما ينطبق أيضا على مؤشر الأسعار عند الإستهلاك، حيث أن التفاوت الهائل بين دخل - وبالتالي استهلاك - طبقة جد صغيرة من التونسيين من جهة ودخل -وبالتالي استهلاك - الأغلبية الكبرى من السكان يعطي معدلات لا تعكس إطلاقا حقيقة واقع مستوى المعيشة والمقدرة الشرائية، وبالتالي يفسر دهشة التونسيين أمام التصريحات الحكومية التي تخبرهم دائما أن الأمور بألف خير.
إن عجز المؤشرات الاقتصادية الكلية على ترجمة الواقع المعيشي للمواطنين، ليس استثناء تونسيا، غير أن دولا أخرى تحاول إيجاد وسائل ومؤشرات بديلة وإضافية، حيث أن دولة مثل فرنسا، يحاول جهازها الإحصائي إيجاد مؤشرات أكثر اقترابا من واقع المواطنين، حيث يقترح المعهد الفرنسي للإحصاء منذ مدة خدمة "محاكاة مشخصة" simulateur personnalisé ، يستطيع من خلالها كل فرد قياس مؤشر الأسعار عند الإستهلاك اعتمادا على توزيعه الشخصي لأبواب الإنفاق، مما يعطي للمواطن صورة حقيقية عن مقدرته الشرائية.
ونحن من جهتنا نرى أن إحداث مؤشر أسعار لكل واحدة من شرائح الإنفاق السبعة، التي يقدمها المسح الوطني لاستهلاك الأسر (رغم اختلافنا مع هذا التقسيم) أمر ضروري لملاحظة مستوى المعيشة، وقياس ارتفاع أو تقهقر القدرة الشرائية للمواطنين. كما أن إحداث مؤشر لمستوى ثقة الأسر (indice de confiance des ménages )، أمر مهم وعاجل، فهذا المؤشر الذي يتم إعداده عبر إستجواب المواطنين بخصوص وضعهم المالي، ورؤيتهم للوضع الإقتصادي العام، سيسمح بالإقتراب أكثر ما يمكن من نبض المواطن، وسيعطي لصنّاع القرار، وللرأي العام، إضافة إلى الأرقام والمؤشرات الاقتصادية الكلّية، دلائل أكثر اقترابا من الواقع.
أرسل الى الوسط التونسية بواسطة الكاتب .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.