اختلف دور وكالات الأنباء العالمية أثناء الحروب بين الانتصار لدور المقاومة الوطنية وبين الترويج للمصالح الاستعمارية وخدمتها وفق أجندات معلنة أحيانا وأخرى خفية اطلع عليها المؤرخون في وقت لاحق . 1- نبذة حول الدور المقاوم للوكالات : وبالعودة الى مثال الاعلام المقاوم فان لوكالة هافاس دورا مميزا في مناهضة النازية والتصدي لحكومة فيشي ,حيث تحول مكتبها بانجلترا الى وكالة فرنسية تتحدث باسم التحرير والمقاومة , لتحمل ضمن هذا الاطار الجديد تسمية الوكالة الفرنسية الحرة . ولقد تجاوبت رويترز بصفتها وكالة بريطانية مناوئة للمصالح النازية مع هذا الدور الجديد لهافاس , لتشرع في النقل عن هذه الوكالة الفرنسية أنباء الحرب وعمليات التحرير كمحاولة منها لرفع معنويات الفرنسيين وخدمة منها لمصالح الحلفاء . هذا الدور التحريري قامت به أيضا بقية مكاتب هافاس رغبة منها في حمل معاني الحرية وامالها , ومن هذا المنطلق فقد تحول مكتبها في الجزائر الى أداة وطنية مستقلة تحت يافطة وكالة فرنسا افريقيا . كل هذه الوكالات المتفرعة عن هافاس أثناء مقاومة اعتداءات دول المحور تحولت فيما بعد الى وكالة وطنية جامعة حملت مسمى وكالة الأنباء الفرنسية ابتداء من سنة 1944 وخضعت لاشراف الحكومة المؤقتة في الجزائر. وعلاوة على الدور الذي لعبته هافاس ومكاتبها المختلفة في مناوئة الاحتلال الألماني ,فان مجلس المقاومة الوطني شكل بدوره وكالة ناطقة باسمه سنة 1943 , وهي الوكالة السرية التي حملت اسم وكالة الأنباء والوثائق ولقد تولى ادارتها "ليون رولان" المدير السابق للخدمات الخارجية لوكالة هافاس . ولقد ذكر المؤرخون دورا بارزا لوكالة الأنباء والوثائق في لم شمل المناضلين ورفع روحهم المعنوية كما تنظيمهم اثناء هذه الحقبة الحرجة من تاريخ فرنسا . وللاشارة فان رويترز اضطلعت هي الأخرى بدور وطني أثناء الحرب العالمية الأولى والثانية وتحملت من أجل ذلك مشاق السرية ومخاطر الحرب بل انها ضربت ببطولات مراسليها مثالا رائعا في مساندة التحرير , ولقد حضيت في اطار هذا الدور الوطني المقاوم بثقة الحكومة الى درجة الاعتماد عليها في تسقط أصح الأخبار عن سير عمليات الحربين العالميتين. غير أننا لاننسى أيضا دورا مشبوها واستعماريا أحاط بمهمات الوكالة أثناء الحقبة الاستعمارية . 2- وكالات في خدمة الحروب الاستعمارية - رويترز كنموذج : مرت وكالة رويترز للأنباء بحقبتين تاريخيتين على غاية من الأهمية , كانت أولاهما على عهد "بول جوليوس رويتر" الأب وقد تميزت فيها الوكالة بمحاولات جادة للحيادية والتروي في استقاء الأخبار- 1851- 1878 , أما الحقبة الثانية فقد أشرف عليها هربرت رويتر الابن وقد اتسمت عموما بالانحياز بل الانخراط في خدمة مصالح التاج البريطاني وسياساته التوسعية عسكريا واقتصاديا وهيمنة اعلامية . ولعل من نماذج هذه المسايرة والمواكبة لمصالح العرش تحيزها الواضح في تغطية الحرب الأهلية الأمريكية الى درجة اتهامها من قبل السفير الأمريكي في لندن بنيامين موران بتلقي الرشوة . أما فيما يخص دورها في الشرق الأقصى أثناء استعمار الهند فقد كان مرتكزا على تقديم الخدمات الاعلامية للمستعمرين الانجليز من أجل توثيق صلتهم السياسية والاجتماعية بالدولة الأم , وقد وصل الأمر في وقت لاحق بالوكالة الى مرافقتها للحملة العسكرية البريطانية من بوبماي من أجل انقاذ المبعوثين البريطانيين المسجونين لدى ملك الحبشة بمجدالا . أما أغرب الوظائف التي اضطلعت بها هذه الوكالة أثناء الحقبة البريطانية الاستعمارية فهي مبادرتها على عهد "جوليوس رويترز" الى ايقاع " نصر الدين شاه" ملك ايران في براثن اتفاقية شاذة تنازلت بموجبها هذه الدولة الاقليمية البارزة عن مصادر الثروة الصناعية والمقدرات الاقتصادية . وبفضل هذا التنازل الايراني الخطير فتح رويترز باب التجارة على مصراعيه أمام بريطانيا ومد خطا للسكك الحديدية من بحر قزوين الى الخليج العربي ليحتكر بذلك المواصلات الحديدية الايرانية مدة سبعين عاما , وليهيمن على مشروعات الري والغابات والثروة المعدنية للبلاد وكذلك الجمارك مدة عشرين عاما ! أما عن دورها أثناء احتلال مصر والسودان بعد هزيمة العرابيين فقد كان من المخجل جدا أن تتحول الوكالة الى بوق دعاية للاحتلال وأداة اعلامية للترويج له , وقد وصل الأمر بها الى مرافقة اللورد "كتشنر" نحو جنوبي النيل ومن ثمة القيام على مهمة رفع الروح المعنوية للجنود الانجليز أمام ماواجههم من ظروف مناخية وعسكرية صعبة . ودون الاطالة في سرد الوقائع والشواهد على تورط رويترز في خدمة المصالح الاستعمارية المباشرة للامبراطورية البريطانية , فانه يمكننا الجزم بانخراط وكالات الأنباء العالمية في خدمة مصالح بلدانها السياسية والاقتصادية في فترات الحرب كما في فترات السلم بقطع النظر عما يكلفها ذلك من خسارة في رصيد الموضوعية والاستقلالية التي ماتضمن عادة كألفاظ جميلة وبديعة في متن قوانينها الأساسية .