: هكذا اختارت مجلة عشرينات المعنية بشؤون الفنون الجميلة والسينما تقديم الشريط المعنون ب6 دقائق : "في هذا الفيلم تحتار ما بين الضحك والبكاء" ... فكرة بسيطة وهامة جدا في نفس الوقت , تم عرضها في حوالي خمس وعشرين دقيقة , لينال بعدها المخرج والمنتج والكاتب يحيي العبد الله جائزة الأفق الجديد لمهرجان الجزيرة الأول للانتاج السينمائي . الفكرة العامة للفلم تعرض من خلال النمط التسجيلي لاشكالية ضعف معدل القراءة لدى الطفل العربي , حيث تأكد من خلال بعض البحوث والدراسات أن هذا الأخير لايطالع خارج الاطار الدراسي الا بمعدل 6 دقائق في السنة . يقوم شريط 6 دقائق على معالجة الفكرة المشار اليها انفا في التقديم من خلال طرح 22 سؤالا سياسيا وادبيا وجغرافيا وثقافيا وفنيا .. على الشارع الأردني , اذ يتجول معده يحيى العبد الله بكاميرا التوثيق بين شرائح اجتماعية مختلفة تتراوح بين ماهو طلابي وبين ماهو من عموم المثقفين أو حتى عامة الكادحين , ليكشف في غير تصنع أو تكلف حجم الجهل المتقع ببعض المعلومات البديهة في حقول وقع تهميشها من خلال بعض السياسات الاجتماعية أو الثقافية أو الاعلامية على المستوى العربي . مضمون الاستجوابات انطلق من خلال طرح الأسئلة التالية : 1- من هو برلسكوني ؟ 2- ماهي أهم الأحزاب السياسية في الولاياتالمتحدةالأمريكية ؟ 3- من مؤلف رواية رجال في الشمس ؟ 4- من مؤلف رواية الحرب والسلام ؟ 5- من هو مؤلف مسرحية كاسك ياوطن ؟ 6- من هو أمل دنقل ؟ 7- عدد 3 كتاب رواية أردنيين ؟ 8- من هو الممثل الحاصل على جائزة الأوسكار في فلم أميركان بيوتي ؟ 9- من هي أفضل ممثلة حاصلة على جائزة الأوسكار سنة 2004 ؟ 10- ماذا تعرف عن السبي البابلي ؟ 11- مااسم كبير الالهة عند اليونان ؟ 12- ماهي عقدة أوديب ؟ 13- أين تقع دولة المجر ؟ 14- ماهي عاصمة المجر ؟ 15- ماهي الدول التي تحد قبرص برا ؟ 16- ماهي الدول التي تحد الفاتيكان ؟ 17- متى وقعت الثورة الفرنسية ؟ 18- متى انضمت ايران الى جامعة الدول العربية ؟ 19 - من هو مؤلف رواية بحيرة البجع ؟ 20- من هو مؤلف معزوفة بحيرة البجع ؟ 21- من هو صاحب أغنية في قلب الليل ؟ 22- السؤال الأخير , من هي صاحبة أغنية اه ونصف ؟ من خلال الأجوبة المتلقاة في الشارع الأردني تبين بالقاطع أن هناك حالة جهل ثقافي ومعرفي واسعة في حقول التاريخ والسياسة والفنون الجميلة وعلوم النفس والجغرافيا ...في مقابل نجاح باهر كشف عنه الشارع عند الاجابة على السؤال رقم 22 المتعلق بشخص نانسي عجرم صاحبة أغنية اه ونصف ! الشريط من خلال خاتمة الأسئلة والاستجوابات وضع الشارع والرأي العام العربي أمام ادانة معرفية مخجلة تم التعليق عليها في حوالي دقيقة ونصف أو دقيقتان لخصتا بيت القصيد أو جوهر الموضوع الذي طرحه صاحب الفلم من خلال اقتدار لمسناه في المعالجة الفنية والصوتية أيضا . استعمل المخرج والسينمائي الوثائقي يحي العبد الله العديد من التقنيات الصوتية المتناسقة مع متطلبات العرض التسجيلي , حيث تخللت المشاهد الفاصلة بين كل سؤال وسؤال أصوات موسيقية أو معزوفات حزينة قصيرة عبرت عن حيرة وخيبة أمل السيناريست الذي كان مقنعا في الكشف عن ثغرة معرفية وثقافية وسياسية كبيرة . الموسيقى المختارة كانت ألوانا متنوعة مابين مقاطع سيمفونية أو مقاطع صوتية من موسيقى أفلام كانت موضوع سؤال المؤلف , كما أنها تميزت في معظمها بالحزم والجدية ومشهدية الحزن من أجل تحسيس المشاهد بحجم الكارثة الثقافية . المشهد الوحيد الذي حمل مؤثرا صوتيا مبهجا كان المشهد الأخير أو اللقطة الأخيرة التي عرضت لنانسي عجرم في فيديو كليب غنت فيه اه ونصف هذا وعمد الفلم الى تقنية المؤثرات الصوتية الكلامية من خلال ترديد جملة مكررة ومعبرة مابين كل مجموعة من الأجوبة ترد على واحد من الأسئلة الاثنين والعشرين , اذ ترددت على مدار الشريط جملة تعجبية حزينة ابتدأت بشكل مستمر بمضمون صدق أو لاتصدق ! المؤثرات البصرية المتخللة لمادة الاستجوابات اعتمدت اقحام مقطع وثائقي أو لقطة وثائقية تتعلق بمضمون السؤال المراد طرحه مباشرة بعد الانتهاء من السؤال المنقضي , اذ حاول المخرج ادخال مواد تدعيمية لموضوعات الأسئلة من خلال عرض قصير جدا للأشخاص أو الروايات أو الأفلام أو لخرائط الدول التي تتعلق بها مضامين الأسئلة . الأسلوب الذي عرضت به هذه المؤثرات البصرية كشف عن قدرات متميزة في المونتاج والميكساج وعرض حبكة القصة الفلمية , حيث كانت بعض هذه المؤثرات قصيرة جدا الى الدرجة التي لم تتجاوز معها بضع الثواني من حيث مدة العرض , الا أنها كانت بالمقابل في غاية الاتقان والهدفية التي أرادها صاحب فكرة السناريو والمخرج أيضا . لم يعتمد شريط 6 دقائق أسلوب التمثيل في المشاهد التصويرية المباشرة التي خطط لها مضمون الشريط , اذ كان مضمون لقطاته مقتبسا بصفة تلقائية من الشارع العام , حيث تجولت عدسة المصور مابين حرم الجامعات وأماكن التسوق والمقاهي أو المكاتب التي يجلس بداخلها بعض الموظفين . المشاهد التمثيلية المعتمدة في الشريط كانت كلها مقتبسة عن أشرطة نالت جائزة الأوسكار وتعلق بها بعض موضوعات الأسئلة المطروحة على الجمهور المستجوب . اعتمد الشريط في مايزيد عن نصف توقيته الاجمالي على حوارات منطوقة أثناء استجواب الشرائح الاجتماعية والشبابية المختلفة , هذا علاوة على تعليقات وردت على لسان المنتج والمعد حين الفراغ من استجواب الشخصيات المشاركة في عملية الاستطلاع . الحجم الذي أخذته المؤثرات الصوتية كان قصيرا ومتناسقا مع حجم مدة الاستجوابات التي وقعت في الشارع الأردني - المؤثرات الصوتية استغرقت فترة بوبينات الفلم التي لا تقل عن عشر ثواني . 4- بحث ودراسة الجمهور المستهدف بالشريط : المدة الزمنية المعروضة في الشريط وهي 25 دقيقة وبضع ثواني تكشف علميا بأن الجمهور المستهدف يفوق مرحلة العشرينات , حيث أن تجاوز مدة الاثنين وعشرين دقيقة المتعارف عليها في مثل هذا النمط من الأشرطة التسجيلية ليس له من دلالة غير مخاطبة الطبقة المثقفة ورجال التربية والاعلام والسياسة والشرائح الطلابية في الاعداديات والجامعات, مع تحسيسهم بخطورة الوضع الثقافي والمعرفي والسياسي عربيا . أما بالنسبة للهدف السلوكي المراد تحقيقه من كاتب السيناريو فهو تشجيع الناشئة والشباب والمربين والمثقفين ورجال الاعلام والسياسة على النهم المعرفي , من خلال استفزازهم شعوريا بعقدة الذنب تجاه الأجيال العربية الصاعدة ولاسيما شريحة الأطفال , وهي شريحة أهملت القيمة الكبرى للقراءة خارج أطر المقررات الدراسية الرسمية . ثمة هدف اخر غير مباشر اعتمد أسلوب الادانة لنمط من الثقافة السائدة في الشارع العربي وفي المؤسسات الاعلامية الرسمية والخاصة , حيث غزت ظاهرة الفيديو كليب التافه القنوات التلفزية العربية وجل المحطات الاذاعية , لتصبح ثقافة وحدة ونصف اهم من المعارف التاريخية أو الجغرافية أو العلمية أو الفنية أو السياسية الهادفة . الهدف غير المباشر الأخير بدى أجلى من الشمس حين أجاب الكل وببداهة سريعة عن هوية صاحبة أغنية اه ونصف , في حين عجز 80 بالمائة من الجمهور المستجوب تقريبا ,وأغلبه من الشريحة الطلابية عن معرفة شخصية برلسكوني أو أهم أحزاب أمريكا أو موقع دولة المجر أو حدود دولة الفاتيكان !!! 5- السيناريو التنفيذي : أ- أنواع اللقطات المعتمدة في الشريط : اعتمد شريط 6 دقائق اللقطات الاتية : - اللقطة البعيدة جدا ,وتحديدا أثناء عرضه لمقطع افتتاحي قدم لشخصية برلسكوني رئيس وزراء ايطاليا الأسبق , حيث قامت الكاميرا بعرضه في لقطة تأسيسية وفي مشهد عام أمام الجمهور الايطالي- التقاط صورته من مكان بعيد برفقة الجمهور- . - اللقطة المتوسطة , حيث قامت الكاميرا في أكثر من موضع بتصوير بعض المستجوبين من أعلى الرأس حتى مستوى الصدر . - اللقطة القريبة , حين عمد المصور الى التقاط مشاهد لأشخاص من مستوى أعلى الرأس حتى مستوى الأكتاف مع أجزاء تفصيلية خلفية كشفت عن هوية المستوجوبين - صور لمكتبة خلف المستجوب أو أجزاء من مبنى جامعي أو حديقة عمومية أو ورشة صناعية خاصة . - اللقطة المتحركة , وهي لقطة تحركت فيها الكاميرا لتظهر الصورة وكأنها تتحرك أو تغير من اتجاهها - أسلوب معتمد مابين الاستجواب والاستجواب حين التقديم لكل سؤال جديد- . - اللقطة البانورامية , وقد اعتمدت عند استجواب بعض عينات الجمهور المشارك في صناعة أحداث الشريط - تحريك الكاميرا أحيانا بشكل أفقي هادئ وبطيء مع تثبيتها في مكانها من باب الحرص على احترافية الصورة . - أغلب اللقطات المقدمة اعتمدت تقنية اللقطة الواحدة , حيث لم يظهر على الشاشة أثناء الاستجواب الا الشخص المستجوب مع جزء بسيط من المايك - المصدح . ب- زوايا التصوير : اتسمت زوايا التصوير بالثبات في أغلب مراحل عرض الاستجواب وذلك لطبيعة ومقتضيات اللقطة الواحدة التي تقتضي محاورة شخص ما في موضوعة قصيرة جدا لاتتطلب منه أكثر من حركة أو من ظهور الرأس مع الكتف أو الصدر وجزء من خلفية المكان الذي تدور به عملية الاستجواب . المصور كان وفيا لمتطلبات مثل هذا النوع من اللقطات عند اختيار الزوايا التي تنطلق منها الكاميرا , اذ أنها في معظمها تنطلق من على يمين أو شمال المستطلع اراؤهم , وذلك قصد تمكين المشاهد للشريط من معرفة هوية المتكلمين وشرائحهم الاجتماعية والثقافية ومن ثمة تقدير حجم معارفهم بالنظر الى مكونات هذه الهوية . أما بالنسبة للقطات المركبة داخل الأستوديو والتي اعتمدت مادة لم يقم بتصويرها صاحب الشريط , فانها اعتمدت مختلف الزوايا المطلوبة من أجل تدعيم وجهة نظر المؤلف أو تسليط مزيد من الأضواء على طبيعة وماهية السؤال المطروح . ج - شخصيات الفلم : لم يجد كاتب السيناريو ولا المنتج ولا المخرج عناء كبيرا في اختيار الشخصيات الرئيسية أو الثانوية أو الكومبارس بالنسبة للفلم , حيث أن التجول التلقائي بالكاميرا في شوراع عمان أو بعض جامعات الأردن كان كفيلا بتحديد المستجوبين ومن يقف وراءهم من مارة أو شخصيات شاركت عرضا في مهمة الكومبارس . كانت مشاهد الفلم حقيقية ولم تعتمد في اعتقادي ترتيبا مسبقا أو اختيارا متعمدا لمجموعة من الممثلين كي يتقمصوا أدوارا في البلاهة أو النقص المعرفيين , ومن ثمة فان الشريط لم يكلف في اعتقادنا الجازم معده ومنتجه النفقات الباهضة للاكسسوارات أو الأزياء أو الديكورات أو الاضاءات الضخمة التي تقتضيها عملية التمثيل لبعض المشاهد المحاكية للواقع في بعض الأشرطة التسجيلية . خاتمة : شريط 6 دقائق الوثائقي أوفى في تقديرنا المتواضع بمتطلبات العمل التسجيلي المبدع ليس فقط على مستوى الفكرة المتألقة والذكية , وانما على مستوى الصورة والمكساج والمونتاج واتقان لعبة المؤثرات الصوتية والبصرية , وهو ماجعله دون تكلف مصاريف باهضة تقتضيها المشاهد التمثيلية يستحق عن جدارة جائزة الأفق الجديد لمهرجان الجزيرة الأول للانتاج السينمائي . -تم الانتهاء من تحرير المادة بتاريخ 30 نوفمبر 2007 *كاتب واعلامي تونسي :