لا تفرش الورود أمام الأميركيين حيثما ذهبوا، فثمة صعوبات تواجهها خطتهم في إقامة قيادة عسكرية في افريقيا (افريكوم). غير أن أبعد من رفض هذا الوجود، في منطقة شمال افريقيا تحديداً، أن هناك التزاماً مبدئياً وعملياً بالتصدي لتنامي الظاهرة الإرهابية والانخراط في الحرب الدولية عليها. ولا يتوازى الجدل حول دور القيادة العسكرية الأميركية والمجالات التي تعمل في نطاقها مع الرفض القاطع لنقل قواعد التنظيمات المتطرفة للاستقرار في ملاذات الساحل والصحراء. فالأميركيون يتحاورون مع العواصم المغاربية بمنطق رعاية المصالح المشتركة، فيما نشطاء «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» ومثيلاتها بين التنظيمات الارهابية يستخدمون قوة العنف وحصد أرواح الأبرياء. في زمن مضى ساد انطباع بأن التحرر من الوجود الأجنبي عسكرياً أو اقتصادياً أو سياسياً يبدأ من تحقيق جلاء القوات عن أراضي الدول المستقلة حديثاً، وتشكل الموقف من القواعد الأجنبية في كل من المغرب والجزائر وليبيا عنواناً بارزاً لفترة التحرر، كانت وقتها مصطلحات الامبريالية والاستعمار الجديد تعلو على كل التصنيفات. ومن المفارقات أن القواعد التي كانت تجلو عن الضفة الجنوبية للبحر المتوسط اتجهت للاستقرار في الفضاء الأوروبي شمالاً بأقل قدر من الحساسيات، فقد استوعب الأوروبيون التمدد الأميركي خلال فترة ما بعد الحرب الكونية، وبدا أن دولاً مثل اسبانيا والبرتغال اللتين كانتا على مقاس رتب دونية في التنمية إلى جانب بلدان شمال افريقيا قفزتا بعيداً بحوافز الديموقراطية وعقود التقدم، فقد كان القرار أوروبياً بامتياز ولم يُعر قضية القواعد الأميركية أكثر مما تستحقه في سياق استراتيجيات حلف الاطلسي وتداعيات الحرب الباردة قبل أفولها. منطق المفاضلة بين الوجود الأميركي وانتشار التنظيمات المتطرفة ليس سليماً، أقله أن تنامي الظاهرة الإرهابية جزء من تداعيات ذلك الوجود، وأن تفسير الأشياء بأضدادها في هذه المسألة تحديداً فرضية خاطئة، أقربه أن من لم يفلح في الحرب على الإرهاب لا يمكن الاطمئنان إلى أن مساعدته الآخرين في هذه الحرب ستكون أجدى، وما يتولد عن الحروب الخاسرة سيكون أحياناً أكثر دماراً، وقد كان أحد الجنرالات يردد في مجالسه بعد كل نصر: «حرب أخرى مثل هذه ونهلك»، كون النصر الحقيقي في الحروب نهاية وليس بداية. بيد أن الأميركيين في سعيهم لإقامة قيادة عسكرية في افريقيا منسجمون مع طموحاتهم الاستراتيجية، وأضفت أحداث التفجيرات الأخيرة في شمال موريتانيا وإلغاء رالي باريس - داكار زخماً على عودة الأوروبيين اصحاب النفوذ التقليدي في منطقة شمال افريقيا إلى حضنهم الواسع. وزاد في ما يمكن وصفه بانسجام اللحظة أن زعيماً أوروبياً في حجم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي هو أكثر تقبلاً لتفاهمات أوروبية - أميركية جديدة. وسواء أكان محقاً في هذا التحول المهم أم مخطئاً في حساباته، فإن الغائب الأكبر عن معادلات هذه التفاهمات هم أبناء شمال افريقيا الذين ينقادون إلى سياسة رد الفعل بدل صنع سياساتهم، فقد تجاهلوا عمداً أن أصل الأزمة ليس الإرهاب الذي أطل برأسه ليخطف الأضواء، ولكنه أزمات أخرى مثل فقدان الثقة واستمرار الشكوك حيال المشروع المغاربي الذي كان في وسعه أن يقيم جداراً واقياً من اسمنت التكامل الاقتصادي والشراكة السياسية في أطراف المنظومة المغاربية. فقد تصورت الجزائر في وقت معين أن معركتها ضد الإرهاب ذات امتداد داخلي لا يحتاج إلى مساعدة الآخرين، فيما رأى المغرب بالخطأ نفسه أنه بمنأى عن هذه الظاهرة، وكذلك انتشت تونس وليبيا وموريتانيا إلى حين، ويوم رست بوارج الاطلسي على الساحل الأفريقي لتنظيم مناورات اعتبر الأمر مجرد إمعان في استقطاب حلفاء جدد. والحال أن الأميركيين تحديداً لا يستيقظون صباحاً لطرح السؤال عن برنامج يومهم الحالي والذي يليه، ومن الضروري أن تفكر بلدان شمال افريقيا جماعياً، وأن تبرمج عقارب ساعاتها على توقيت المرحلة، فذاك أنفع من انتظار توقيت أي انفجار غادر.