مدنين الصباح: عن دار الجنوب للنشر وفي 103 صفحات من الحجم المتوسط صدر لرجل الثقافة بمدينة مدنين الاستاذ محمد الباشا (المندوب الجهوي للثقافة والمحافظة على التراث سابقا) كتاب بعنوان: «حدث ابو هريرة قال من الحديث الى الكتابة» ولئن تعددت الدراسات عن المسعدي فان كتاب الاستاذ محمد الباشا يخرج عن المالوف من تناول الابعاد الوجودية والتناول الجزئي للجوانب الفنية لكتاب المسعدي ويطرح اسئلة تتعلق بالمسائل الجوهرية في «حدث ابو هريرة قال» بما هو أثر سردي ومن أهم هذه الاسئلة: هل بقي الحديث مع المسعدي حديثا؟ كيف كان الحوار بين الحديث بما هو شكل سردي عربي قديم وبين «الليتيراتور» littérature الفرنسي الحديث عن عصر اصبح فيه الآخر الغربي» عدوا ما من صداقته بد» وبتحليل دقيق يجيب الاستاذ محمد الباشا ان القيم الجمالية التي اصبحت تحكمه هي قيم الرشيق والشعري والرائع وهي قيم رومنسية غربية وذلك ما يكشف عنه تحليل حديث البعث الاول وبمثل هذه المنهجية يتواصل تحليل الاحاديث ليبرز للقارئ انها تعيد تعريف الادب لتربطه بالفن ويضحي الأديب (الشاعر) فنانا مجنونا بصفة ما» ويتحول الادب من البيان الى التعبير وتتشكل الصورة المثلى للأديب (الفنان) كائنا مكتملا يعزز الفن الشعري من كيمياء لغته ويؤسس بينه وبين المتلقي علاقة تلبس وعدوى بما يجعل كل قراءة تأويلا «هرمينوطيقا» Herménentique وتجيب دراسة الاستاذ محمد الباشا عن سؤال طالما شغل الباحثين هو سؤال «النهاية» في حدث ابو هريرة قال.. لتصرف النظر عن التفاسير الصوفية التي ذهبت الى معاني الاتحاد والغناء وما الى ذلك لتؤكد (هذه الدراسة) ان النهاية قد «ولدت في رحم النص» من جدلية الصوت والخط (حديث البعث الآخر) ذلك ان الحديث بما هو «صوت» يعاني من خطر انطولوجي هو الزوال والصوت يذهب مع الريح فكان لا بد له لكي يدوم ويضرب عنق الزمن من ان يبعث من جديد ولا باعث له الا الكتابة بمفهومها الحديث حيث يتحول «الفن» ترياقا للخلود كما «زعمت» الرومنسية فالكتابة هي الرد على خطر الموت الذي ليس بعده بعث. ويعالج الباحث محمد الباشا قضية «التمثل» ليبين ان هذه الظاهرة الدخيلة على الحديث العربي القديم مثلت الباب او النافذة التي دخل منها الليبيراتور الغربي فسرى في مفاصل الحديث «مفاصل الادب الغربي فقد كان التمثل زرعا لقلب يعيد الحياة والنبض للحديث القديم ولكن هذا القلب كان رومنسيا مستعارا ويحلل الصورة الايفونبية لهذا الجسر الغريب وينتهي الاستاذ محمد الباشا الى ان ضريبة التحديث كان اعادة التموقع من حقل الادب القديم وفنونه (ومنها المقامة والحديث الخ..) الى حفل الفن الحديث ومن مقوماته «الليبيراتور» بفنون السرد الحديثة وغيرها وينتهي هذا البحث الى ان محمود المسعدي هو مفصل الحديث العربي على «الليبيراتور» الحديث ولا ينهض بمثل هذه التحولات الاديب الكبير مثل المسعدي هذه قراءة ولمحة موجزة عن كتاب وجيز ولكنه في اعتقادنا مرحلة فاصلة في دراسة ادب المسعدي وبالتالي هو جدير بالمطالعة والمناقشة.